المحرر موضوع: المسيحيون العراقيون (18)  (زيارة 1100 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المسيحيون العراقيون (18)
« في: 12:57 25/04/2012 »
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (18)
كتب الكثير من الكتاب؛ منهم من أبناء شعبنا المسيحي (سورايا) ومنهم من الغرباء عن هذا الامور التي تخص شأن سورايى العراق، ومن هؤلاء من أنصف فيما كتب ومنهم من كان طابع كتابته العموميات، ومنهم القليل من كتب بصراحة وعالج الأمور بشكل واضح ووضع النقاط على الحروف.
فسورايي العراق باتو خاضعين لمشيئة شركائهم في الوطن بحيث أصبح من المألوف أن سفينتهم تتقاذفها الامواج وتُسيرها أهواء من تعتبرهم الأحداث متواجدون على الأرض العراقية بعد المسيحيين الذين تضرب جذورهم بعيدا وعميقا في أرض ما بين النهرين الخالدة.
وبدلا من أن يكون سكان هذه الأرض سادة على أرضهم كونهم من سكانها الأصليين نجد وعلى العكس اليوم حيث يعيشون في شبه مذلة؛ مسلوبةٌ حقوقهم .. خائفين .. مرتعبين .. عيونهم شاخصة دوما نحو المجهول الذي يهدد وجودهم وكيانهم وكافة مفاصل حياتهم، وبدلا من كونهم عمود الأرض وسادتها فإننا نجد من يحاول كسر هذا العمود وتتجمع قوى الشر كلها كي تقتلعهم من جذورهم وتدفعهم بقوة مفرطة نحو المصير المجهول وكبت حرياتهم وإسكاتهم عن الاحتجاج
.


وفي عدد من اللقاءات التي كُنت طرفا فيها في الماضي القريب، قلت أن مسيحيي العراق يعانون من الأحداث الراهنة أي أحداث ما بعد ربيع 2003 معاناة مضاعفة عن أقرانهم في العراق، وللتوضيح كنت أقول أن معاناتهم الأولى هي بسبب كونهم عراقيين ويصيبهم ما يصيب اخوتهم في العراق، والمعاناة المضاعفة هي لكونهم مسيحيين والأقوام الأخرى في العراق في الغالبية العظمى لهم يعتبرون بأن قوات الاحتلال دينها مسيحي!! ويقومون بالافتراض جدلا بأن مسيحيي العراق يتحالفون أو يتضامنون أو يساندون قوات التحالف التي تناضرها في الدين وبذلك يقررون بوجوب محاربتهم من قبل أتباع تلك الأقوام والذين غابت عن أذهانهم بأن قوات التحالف كان بينها من ديانات مختلفة وبضمنها الاسلام وكان وحسب النضام الامريكي أن يتواجد رجال دين مع الجنود كل حسب دينه الأمر الذي يعني بوجود رجال دين مسلمين أيضا مع قوات الاحتلال.
بالإضافة إلى أن الدول الغربية ليست دول مسيحية حسب مفهوم دين الدولة الموجود في غالبية الدول العربية والاسلامية الذين يضعون فقرة شبه دائمة في كافة الدساتير بأن دين الدولة هو الاسلام. لأن الدول الغربية تسيرها مصالحها بحيث تركت ما لله لله وما لقيصر لقيصر (متى 21:22)، ولا يهمها أن يقتل المسيحي أو المسلم أو اليهودي أو البوذي من أي بلد كان طالما أن مصالحها تتحقق بمقتل هؤلاء!!!



وقبل سنوات كتبت حول هذا الشأن مقالة تحت عنوان (هل الغرب مسيحي؟) والتي أخذت اهتماما كبيرا في المواقع الأليكترونية لأنها أوضحت بأن ليس كل من في الغرب يدين بالمسيحية وأن تلك الدول هي علمانية بحتة. وأيضا نجد أخوتنا المسلمين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا بادر أحدهم ورسم رسما مسيئا لرسول الاسلام، أو كاتبا أو مخرجا قدم عملا مسيئا .. لكن ينسى هؤلاء بأن هذا الكاتب أو المخرج أو الرسام يقوم بذات الاعمال حول المسيح أو أمه مريم ونجد الكنيسة لا تعير هؤلاء أية أهمية، وكلنا قرأنا أو تابعنا كتاب (شيفرة دافنشي) التي بنى كاتبه مجمل كتابه على فكرة صورة رسمها أحد الرسامين وافترض افتراضات مسيئة لحياة المسيح على الأرض.
والمسيحيون العراقيون كانوا بناة حضارة في أرض ما بين النهرين وهناك أسماء لامعة كثيرة ساهمت في تدوين تاريخ العراق قبل دخول الاسلام لأرض ما بين النهرين العزيزة، وخلال حكم تلك الدول الاسلامية المختلفة ووصولا إلى وقتنا هذا. كما أن المسيحيون ينطلقون من إيمانهم بأن فضيلة المحبة هي العظمى بين الفضائل الإلهية لابل أنها تسمو وترتفع حتى عن الايمان والرجاء، فكانوا بحكم ذلك يحبون الآخرين ويقبلونهم كماهم ولم يكن في نيتهم يوما أن يؤثروا أو يحاولوا أن يغيروا معتقد الآخرين وديانتهم أو مواقفهم، كونهم يرون فيهم الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، لذلك نجدهم يعملون بكامل طاقاتهم وباخلاص من أجل أخيهم الانسان في العراق، لابل ضحى سورايى العراق بحياتهم في كافة الأزمات والحروب التي عاشها العراق قديما وحديثا.



وفي القديم شارك المسيحيون في معارك المسلمين ومنها معركة القادسية التي كانت بقيادة القائد سعد بن أبي وقاص ضد الفرس آنذاك وكانت هذه في صدر الاسلام وهناك خبرا مفاده أن من قتل المزربان الفارسي في تلك المعركة كان (مسيحيا) وهذا دليل على مشاركة المسيحين لأخوتهم الآخرين في كل شيء، رغم أننا كمسيحيين لا نوافق أبدا على شريعة القتل ولا نفتخر بالقتلة مطلقا حتى لو كان من يتم قتله من الأعداء.
لكن سياسات الحكام كانت أحيانا تقضي باعدام من لا يطيع الأوامر ويبذل جهده في ساحات القتال، ونجد في ذلك أن المسيحيين كان لهم نصيبا كبيرا من التضحيات على أرض العراق تماما كما هو عليه الحال في أيامنا هذه التي تسيل فيها دماء لسورايى العراق وبأيادي عراقية، الأمر الذي يعتبر خارجا عن القاعدة التي ألفها مسيحيوا العراق والتي مفادها بأن التاريخ لم يشهد بأن مسلمي العراق اضطهدوا مسيحييه، أخوتهم في الوطن إلا في حالات نادرة كانت بتدخل قوى أجنبية كالفرس والعثمانيين والتتار والاستعمار!!!.



وسورايى العراق يُعتبرون حمامة السلام بين كل الأطراف والامر الذي يستوجب على الاخرين حماية هذه الحمامة والمحافظة عليها؛ لأن اقتلاع من يحملون في قلوبهم وفكرهم وتصرفهم المحبة من بين العراقيين فإن هذا يعني الكثير ويجعلنا نضع علامات تعجب واستفهام كثيرة لما سيؤول عليه حال العراقيين والعراق!!! في حالة غيابهم عن هذا البلد.
وما (الربيع العربي) الذي تشهده العديد من الدول العربية إلا وجها واحدا لتفشي ثقافة القتل والعنف باسم التحولات الديمقراطية سواء جاء هذا من الحكومات الديكتاتورية أو حتى من تسميهم الحكومات الغربية ومن يلف لفها (بالثوار)، فالأمر المستغرب الذي لا يقف الكثير أزاءه ويحللونه أو يستنكرونه أو حتى يسألون عن سببه؛ وهو عندما يمارس (الثوار) القتل أزاء الفريق الآخر فإن عليهم ولهم يكون الأمر شرعيا، بينما نجد من يمارس ذات الاسلوب من الجانب الحكومي التي تدافع عن أمن مواطنيها وتطبيق القوانين في دولها فتكون تسميتها بالدول القمعية أو بالسلطات القمعية.



ونجد في الانجيل المقولة القائلة: "لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون.وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم." (متى 2:7) وأيضا نجد مقولة لدى طرف آخر تقول: "بشر القاتل بالقتل"، وأيضا "....لان كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون."(متى 52:26)، ومن هذه وغيرها نستنتج بأن الفوضى لا تجني سوى الفوضى والقتل يجرنا إلى القتل واستمرار نزيف الدم الزكي، ولا يوجد حل أزاء هذا كله سوى شريعة المحبة كحل أمثل لتجاوز الازمات والمشاكل في ظل ظروف دولية ضامنة وحامية كمراقب دون تدخل كي تعيش شعوب المنطقة وبضمنها المسيحيين بحال أحسن من حالهم اليوم.
ومن لم تسنح الفرصة ليستمع ما كان يرويه له أجداده وأقله لما كان له الوضع في مطلع القرن العشرين حيث أوصلت الحكومة العثمانية العراق إلى حافة الافلاس وجعلته يعيش في قحط كبير عمّ كل شيء وأصبح الخبز شحيحا بحيث لجأ الناس لأكل خبز الشعير ليس من أجل الريجيم أو تفاديا لمرض السكر كما هو الحال في أيامنا هذه، لكن لانعدام الحنطة وعدم استطاعة الناس شرائها لارتفاع أثمانها ومن جراء ذلك كان الفلاح يأكل خبز الشعير والبصل ويكضم حسرات كبيرة في قلبه لأن الجوع كان هو الذي يجعله في قلق دوما.



ولكون المسيحيين وخصوصا في منطقة الموصل المشهورة بأراضيها الزراعية وأهلها يعلمون جيدا كيف يرتبون أمورهم ويخلقون من لا شيء شيئا مفيدا، بحيث اشتهرت مناطقهم بما نسميه (المونة) التي كانوا ينتجونها من الحنطة وأيضا أسلوبهم بتربية أحد الحيوانات الداجنة (ربيطة) كي يأكلون من لحمها طوال الشتاء لسهولة حفظ اللحم في ذلك الموسم في ظل انعدام الكهرباء والثلاجات و ... ومن جراء هذه وغيرها من الممارسات كان مسيحيوا قرى الموصل يعيشون ليالٍ مرعبة وهم بانتظار اللصوص مما يحيط بهم من القرى الغريبة التي كانت تمارس اللصوصية وتعيث في قرى السورايى الفساد ليلا وسرقة ما يمكنهم سرقته من المحاصيل والماشية والمقتنيات، وإن دافع المسيحي عن عِرضه وماله وذهب أحد الغرباء اللصوص ضحية ذلك فإنه بذلك كان عرضة للمساءلة العشائرية بحيث يجعلونه بالترهيب غالبا لدفع أموال مضاعفة ليفدي القتيل بغية تمكنه الاستمرار بالحياة في بيته والعمل بأرضه في سلام، وبخلاف ذلك كان عليه أن يحزم أمتعته وما خف منها فقط ويرحل إلى المجهول ويعيش بخوف في منطقة لا يعرفه فيها أحد.
هذا كان حال أهلنا قبل قرن من الزمان، وحالنا هذه الأيام ليس بالأفضل لأن لكل زمان ومكان حاله وأحواله.

ولنا في ذلك بقية ....
عبدالله النوفلي