المحرر موضوع: لماذا نكتب في السياسة.. بل لماذا نكتب اصلا؟  (زيارة 625 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لماذا نكتب في السياسة..
بل لماذا نكتب اصلا؟

عبدالمنعم الاعسم
 
هذا السؤال ، كما ترون مركّب، وإشكالي، وله ما يبرره، ومطروح على سطح اهتمامات العصر والكتاب والدراسات المختلفة، فقد اصبحت الكتابة في السياسة مشكلة بحد ذاتها، لانها، من جانب، دخلت في متطلبات السياسة، وشرطها لتزييت ماكنة المصالح حتى في ابشع تطبيقاتها، ومن جهة اخرى، اصبحت مسؤولية لا فكاك منها بالنسبة للكاتب، واداة خطيرة يستخدمها لتصويب مجرى الاحداث ودحر الاغاليط، او خلاصا له مما يحيطه من اسئلة، أو وقاية مما يداهمه من اخطار، او حلّا لاشكاليات التعامل مع الواقع في وقت يزداد هذا الواقع تعقيدا واحتقانا.
عندما حُرمت فيرجينا وولف من الكتابة واجبرت على العودة إلى مصحة الأمراض العقلية بدعوى عدم انسجامها مع المجتمع الذي كان يلزم عقل المرأة بالمشغولية النمطية في مسائل الإنجاب وتدبير المنزل، لم تجد بدًا من الانتحار. فقد جربت دون جدوى تحدي الحرمان من الكتابة، ولم تعد قادرة على مجرد التفكير بالعودة إلى المكان الذي سيسلبها حريتها في ممارسة حرفتها الوحيدة.
وقبل عقدين من السنين فاجأني رجل الامن البريطاني وهو يسجل طلبي للجوء الى المملكة المتحدة، بالسؤال: اذا كانت مشكلتك مع صدام حسين هي الكتابة، وهي مصدر عيشك، فلماذا لم تفكر في تغيير هذه الحرفة الى حرفة اقل خطرا وابعد عن يد الملاحقة؟ فلم اجد جوابا جاهزا للرد، واتذكر اني اجبته بما لم يكن مقنعا، ولهذا فانه وضع امام طلبي علامة استفهام كانت السبب في تعليق حالتي لفترة اطول من فروض الموافقة على طلب اللجوء، لكن المهم، هو انني وبعد اكثر من عقد من السنين، التقيت محاميا متخصصا ليخبرني ان سؤال رجل الامن كان يتعارض مع حقوق الانسان، لان الكتابة مسؤولية، ورجل الامن البريطاني كان يقلل من شأن هذه المسؤولية، بل يعطي للدكتاتورية مبررا في التنكيل بالكتاب الاحرار.
الكاتب البريطاني الشهير “سومرست موم” في كتابه (الخلاصة) يتحدث عن تكاليف الكتابة في زمن المسؤولية التي تحولت الى معنى التضحية من اجل قيم الحياة، وسجل “لقد وجدت نفسي على صفحات الورق، فمن يستطيع ان يرفعني عنها”
وسئل الأديب والكاتب أورهان باموك الفائز بجائزة نوبل في الآداب هذا السؤال: لماذا تكتب؟ فقال: أكتب لأنني غاضب منكم جميعا.. أكتب لأنني لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها”.
اقول: نكتب، لان الكتابة لا تزني.. ونكتب في السياسة، لأنها تزني احيانا.
 
****
" من الصعوبة أن تحرّر السذّج من الأغلال التي يبجّلونها".
فولتير