المحرر موضوع: رد الملفونو نعوم قائف على المزورن  (زيارة 612 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل kaldanaia

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 871
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رائد النهضة القومية نعوم فائق يدعو الى وحدة الطوائف الآرامية

كلمات و أقوال في  الفقيد الملفونو نعوم فائق (1868-1930)

مقدمة  *

(هذه المقالة المنشورة في الاسفل كانت المقالة الإفتتاحيَّة للعدد الأول من جريدة "الإتحاد" بقلم رئيس تحريرها الملفونو نعوم فائق (1868-1930)، التي أصدرتها "الجمعيّة الوطنيّة الآثوريَّة – الكلدانيَّة" عام 1921 في الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف دعوة جميع الطوائف من أبناء الأمّة الآراميَّة لتحقيق الوحدة الآراميَّة الشاملة.  وإننا بكل فخر نسير على خطى روّاد القومية الآراميّة الأوائل، الذين برزوا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومن أبرزهم المفكّر القومي والصحافي اللامع الأديب نعوم فائق، إضافة إلى حنا سرّي جقي، وبشَّار بوريجي، و سعيد بشارة، و كبرئيل أفندي بوياجي، وغيرهم.

   و تقديراً لجهود المؤلف نعوم فائق ودوره البارز في الدعوة الصارخة إلى لمّ شمل الآراميين كافة، مشارقة ومغاربة، واتّحادهم، ولمناسبة مرور 140 عاماً على مولده، ننشر الآن مقاله الإفتتاحي هذا، لأهمّيته القوميّة البالغة وذلك بنصّه وعنوانه كاملين، من دون زيادة أو نقصان أو تغيير، وذلك كما ورد حرفيّاً في العدد الأول من جريدة "الإتحاد"، وأيضاً في كتاب "ذكرى و تخليد نعوم فائق" لمؤلفه حنا جقي (ص 63 – 66، ط. دمشق، عام 1936).

  وبهذه المناسبة المجيدة، يسرّ مجلّة "آرام" أن تجدّد اليوم بالذات، ذلك العهد ونفس الدعوة وتُهيب بكل الآراميين، أينما كانوا، وعلى اختلاف فرقهم و طوائفهم، و البالغ تعدادهم حاليّاً عدة ملايين نسمة، إلى التكاتف والإتّحاد والعمل معاً للبحث عن مستقبل مشرّف لأبناء الأمّة الآراميّة.)

والآن نعود لنقرأ معاً مقالة الملفونو نعوم فايق:

الصحافة الآرامَّية و مبادؤها السّامية

قلّما يوجد صحافة في عالم الأدب والسياسة لا تكون غايتها شريفة. وقد خُلقت الصّحافة  لتكون في كلّ أمّة مرشدةً و مُهذّبة وهاديةً الناس إلى سبيل الرّشاد وطريق الكمال. فالجريدة التي يكون مبدأها الإرشاد إلى الفضائل الأخلاقية والتربية القوميّة والآداب الإنسانية وتُُعلِّم الخَلق الوئام و الإتحاد وتكون منزَّهة عن إلقاء الشَّحناء و البغضاء في قلوب البشر وتلقٍّن الشباب حبّ وطنهم وجنسيتهم و لسانهم، هي الجريدة الراقية والمُصلحة والجالبة ثقة الشعب ومناصرته.

   وبناءً على ما تقدّم قد أُنشِئت هذه الجريدة على القواعد المارّ ذِكرُها، لترشد أبناء الأُمَّة الآراميَّة إلى ما فيه الخير والصَّلاح، وتهديهم إلى سبيل الفلاح، وتبثّ فيهم الروح الوطنيَّة وحبَّ اللسان على المبادئ الحرّة والتهذيبِيَّة، وهي أول جريدة تُنشر باللغة العربية للآرامييّن على اختلاف مذاهبهم في المهجر.  ولقد طالما رغب إلينا أبناء أمتنا الآراميّة أن ننشر لهم جريدة عربية تُعرِب عن أحوالهم وتُطلِعهم على أخبارهم وآدابهم وتواريخهم وتكون لسان حالهم في المهجر والوطن وكنّا نتمنَّى أن نحقق أمانيهم لو سمحت لنا الظروف أن نفعل فوق ما كنّا نفعله من نشر جريدة (كرشونية) سريانية عربية وتركية التي أسسناها منذ ست سنوات باسم " ما بين النهرين" بالآلة المسمّاة (ميموغراف).

  وقد كنّا في هذه المدَّة نتوقَّعُ أن تظهر نهضة آداب جديدة بين شبّان أمتنا الآراميّة لإملاء هذا الفراغ إلى أن الله جلّ جلاله، أيقظ الروح الوطنية في قلوب بعض مُفكِّري الأمّة وألَّفوا جمعيّة باسم "الجمعية الوطنيّة الآثوريّة – الكلدانيّة" لتقوم بأعمال تؤول إلى نفع الأمّة أدبياً و اجتماعياً. فبعد أن فرغت الجمعيَّة المومَأ إليها من مهمَّة إرسال مندوبين إلى "مؤتمر السلام" في باريز لأجل مُحافظة حقوق الأمَّة الآثوريَّة – الكلدانيَّة، جالت الفكرة في اتخاذ وسائط مؤثِّرة لتنوير أذهان الشعب و تهذيب أخلاقه لكي يُصبح قادراً على محافظة قوميّته وجنسيّته ولسانه وأيقنت أن ذلك لا يتمُّ إلاَّ بالصحافة و تأسيس مطبعة و نشر جريدة وكتب مدرسية وأدبيّة وتاريخيَّة ففاوضت أعضاءها و سائر الجمعيات وارتاحوا كلهم إلى هذا الرأي الصائب ووعدوها بالمناصرة، فسعت السّعي البليغ و أوجدت أحرفاً سريانية من شرقية وغربية واشترت أحرفاً عربية أيضاً على النّسق الجديد المدعو (لينوتايب) وشرعت بنشر هذه الجريدة باللغتين الآراميّة، الشرقية و الغربية، والعربية حسب مرغوب الشعب.

   فعلى الشعب إذاً مناصرة هذه الجريدة التي أُنشِئت لتعليمه واجباته نحو دينه ووطنه ولسانه وآدابه، لان الجرائد لا تعيش إلاّ بمناصرة قُرَّائها و كلما كثُر مشتركوها نمت وازدهرت وعاشت.

   فإلى إخواننا الآراميّين نزفّ هذه الجريدة التي ظهرت في عالم الصحافة بأحرف جميلة وطبع جيّد ومواد مفيدة ونأمل أن يقبلوا عليها متهافتين تهافت الجياع على القصاع لكونها الجريدة الوحيدة التي تقوم باحتياجاتهم الأدبيّة ولا يُقبل لهم عذر من الآن فصاعداً كما كان البعض يعتذرون قبلاً بأنهم لا يجيدون القراءة السريانية أو الكرشونيّة، فهذه الجريدة اليوم تُنشر بلغتين وثلاث وهي شبيهة بجنينةٍ تحتوي أنواع الفواكه، فالذين لا يُحسنون الآراميّة فليقرأوا القسم العربي، والذين يجهلون الاثنتين، فعليهم بمطالعة القسم الانكليزي، وليعلموا أنّهم بإقبالهم على مناصرتها ومعاضدتها يؤَدُّون أقدس الواجبات التي عليهم أَلا وهي الواجبات الوطنية واللسانية، وبمناصرتهم لها سوف يشاهدون في أقرب حين أن الكتب المدرسية والتاريخية والأدبية التي يطلبونها تُنشر بلغتهم وأن أولادهم ينجحون ويتهذَّبون بالتربية القوميَّة والوطنيُّة ويصبحون عارفين لغتهم ومتكلِّمين بها نظير سائر الأمم. حيث أن الأمّة تُعرَف بلغتها وآدابها وحينئذ نستطيع أن نُظهرَ للملأ آراميَّتنا الحقَّة وشرف لغتها ونبرهن على أننا أحفاد أُولئك الأمجاد.

   فليتذكّر الآراميّون شرف حسَبهم ورِفعة نَسَِبهم ولينهضوا نهضة الرجال ويُعيدوا لأُمتِّهم منزلةً ساميةً في الهيئة الإجتماعية كما كانت في الأَعصار الغابرة وذلك بواسطة الصحافة ونشر الكتب الأدبيَّة والتاريخية فإنها الواسطة الوحيدة والعامل الأكبر في ترقية الأمّة و تهذيب أخلاقها وتنوير أفكار شبّانها.  فإن الآراميّين كانوا في قديم الزمان مصدر العلوم والفنون والشرائع والمدنية وكان العَالَمان الشرقي والغربي يقتبسان قديماً من كلِّياتها الرَّهاويَّة والنصيبينيَّة أنوار العلوم، ولها الفخر بعلمائها وبمؤلفاتهم الكثيرة التي لا يحصرها عدد، وهي التي حفظت للعالم أنواع الآثار التاريخيَّة والطبيَّة واللاهوتية والفلسفية التي تزدان بها اليوم مكاتب لندن وباريز ورومية وبرلين وغيرها. فعلينا إذاً أن نقتدي بأجدادنا الكرام في أمر ترقية المعارف و نشر الآداب الآراميّة ونسعى لتهذيب أولادنا الذين سيكونون رجال مستقبلنا و نعتصم بالعلوم و نلتجئ إليها و نقدِّر حقَّ الصَّحافة التي عليها يتوقف نجاح كلّ أمّة.

 هذا وإننا نرجو إخواننا السوريين على اختلاف منازعهم و مذاهبهم أن يرمقوا هذه الصّحيفة المولودة جديداً في عالم الصّحافة بعين الرِّضى و الإرتياح و يقوموا بمناصرة مشروعنا الأدبي باشتراكاتهم و إعلاناتهم بجريدتنا حسب الأصول و بذلك يُناصرون الآداب فيُشكرون.

   وأيضاً نتوقّع المناصرة الكبرى من إخواننا الموارنة المنتسبين إلى الآراميّة حيث أن الغرض من إنشاء هذه الجريدة توحيد أفكار بني آرام الكرام وإيجاد التفاهم والإتّحاد الجنسي الأدبي فيما بيننا وإيقاظهم لتعزيز لغة أجدادهم العظام، إذ أنهم مشتركون معنا في الجنسية و اللغة و الطقوس أيضاً، ولا فرق بين آراميي لبنان وسوريا وآراميي ما بين النهرين وبلاد الفرس سوى بعض مسائل مذاهبية لا تمنعهم من الإتّحاد معنا أدبياً بقصد رفع شأن الآراميّة وتعليم لسانها ونشر تواريخها وآدابها التي كاد أن يُقضى عليها وتهذيب الناشئة وتعليمها لغة الآباء و الأجداد الذين رفعوا منار العلم والمدنية في الديار الشرقية وكانوا أنواراً ساطعةً في سماء الآداب والمعارف وما شاهدناه في إخواننا المومأ إليهم من التمسّك بآراميَّتهم والحرص على لغتهم والمحافظة عليها في مدارسهم و كنائسهم يُحيي فينا الآمال و يجعلنا نعتقد أنهم سيكونون لنا في مهمّتنا الأدبيّة والقوميّة خير أعوان مادّة و معنىً، كيف لا وهم الذين أدخلوا إلى أوربا معرفة الآراميّة وصاروا واسطة لتأسيس مدرسةٍ سريانيةٍ مارونيّةٍ في رومية نشأ منها أساتذة ومؤلفون مجيدون كجرجس ميخائيل عميرة، وابراهيم الحاقلاني، ويوسف سمعان السمعاني صاحب "المكتبة الشرقية" وجبرائيل القرداحي صاحب كتاب "اللُبَاب" وهو معجم سرياني/عربي، جليل الفائدة لدارسي الآرامية. ولا نقول هذا من باب التزلّف بل اننا نشهد لفضلهم ومقدرتهم الأدبية ونُقدّر مساعيهم في ترقية اللسان الآرامي. ومما لا ريب فيه أنهم هم الذين رقّوا الصَّحافة العربية في سوريا ومصر والبلاد المتحدة، ولهم الفضل الأكبر على اللغة العربية، إذ أن أكثر مؤلفي المعجمات والكتب الأدبية هم علماء الموارنة، وعليه لا بأس من أن ندعوهم إلى التكاتف والتناصر و الإتِحَاد معنا في أمر ترقية لغتنا وآدابها.

  و قد رأينا أن نصدر هذه الجريدة الآن بهاتين اللغتين أي الآراميّة والعربية لعلمنا أنهما دارجتان بين جميع الآراميين، فالأولى هي لغتهم القديمة و الثانية لغتهم الحديثة. و لكي نحثّ أبناء اللغة الآراميّة على تعلّم لغتهم القديمة ولإيصالها إلى درجة لغتهم الجديدة، فيصبحون إذ ذاك متّحدين لغةً و نزعةً و فكراً، و قد نفصلهما عن بعض بعد حين و نجعلهما جريدتين مستقلّتين إذا اقتضت الحال.

   فلنسأل القرّاء الكرام غضّ النظر عمّا يرون في هذه الجريدة من خللٍ في التراكيب إذ ليس غرضنا الحقيقي رفع اسم زيد وخفض اسم عمرو، بل رفع شأن الأمَّة الآراميَّة و إعلاء اسمها و الإعراب عن مجدها القديم. فكلُّ غرضٍ سامٍ كهذا ولو حُرِّرَ بلغةٍ بسيطةٍ و على نسق سلسٍ لدرجةٍ لا تَمجُّهُ الأسماع فهو مقبول.

   و الله المسئول أن يجعل هذه الجريدة نوراً يهتدي به بنو آرام، و دليلاً هادياً لهم في سبيل هذه الحياة كما يُرام.

نعوم فائق 

غير متصل kaldanaia

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 871
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المعلم والمفكر السرياني نعوم فائق

في ذكراه
هو نعوم بن الياس بن يعقوب بالاخ ، ولد في مدينة امد (ديار بكر) في شباط عام 1868 واضيف له لقب فائق بعد نزوله إلى ميدان العمل مقتديا بالاتراك باضافة القاب لأسمائهم ، درس في المدرسة الابتدائية السريانية الخاصة ، وبعدها انتقل الى المدرسة الثانوية التي اسستها في ذلك العهد جمعية الشركة الاخوية للسريان القدماء ، حيث قضى فيها ثماني سنوات درس خلالها اللغات السريانية والعربية والتركية والفارسية مع الالحان الكنسية والعلوم الطبيعية والرياضية ومبادئ اللغة الفارسية .
في عام 1908 اعلن الدستور العثماني وسمح ببعض الحريات فبادر الى تاسيس جمعية الانتباه ، وبعد عام اصدر جريدة كوكب الشرق لتكون لسان حال جمعية الانتباه وجعلها منبرا لنشر افكاره القومية ، وفي عام 1911 اشتدت وطاة القمع والاضطهاد على

 الاقليات القومية فاضطر للهجرة عام 1912 الى الولايات المتحدة الامريكية وهناك اسس جريدة ما بين النهرين ومن ثم تولى تحرير جريدة الاتحاد في 1922 لعام واحد ليعاود نشر جريدته ما بين النهرين لغاية عام 1930 حيث وافته المنية في 5 شباط 1930 ، وبموته طويت صفحة مشرفة من التضحية والوفاء والنشاط الطويل من اجل خدمة شعبنا .
الف 32 كتابا ومخطوطا في التاريخ واللغة وعلم الحساب والترجمة والشعر ، واكثرها مخطوطات لم تطبع .
لذلك هو نعوم فايق المربي والشاعر الذي قضى حياته في البذل والعطاء بسخاء لا محدود في سبيل امته وشعبه واحرق نفسه لينير الدرب الحالكة والشائكة ، مقابل ذلك لم يكن ينتظر تكريما ومكافاة بل كان الى الواجب ملبيا .
****

كلمات و أقوال في  الفقيد الملفونو نعوم فائق (1868-1930)
المؤرخ السرياني الفكونت فيليب دي طرازي
أمين داري الكتب والآثار في بيروت وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق
الموضوع المقترح: "آلام المفكر وتضحيات الذائب في خدمة الأمة"
لا غرو أن اشرف الرجال غاية و أعلاهم همة و اعزهم نفساً رجل يواصل إعمال الفكرة في إصلاح أمته و إسعاد وطنه و تعزيز لغته شاحذاً قريحته في معالجة ما عضل من دائها و النهوض بها من حضيض الذل و الدمار إلى أوج العز و الفخار. فرجل كهذا على رأيي أجدر بالذكر بل أحق بالثناء من كل إنسان على اختلاف المشارب  والمآرب. اجل إن الأديب الحكيم لغني عمن سواه من البشر بعلمه وذكائه، أما هم فليس لهم غنى عنه بأموالهم أو مناصبهم أو نفوذهم، و المثل في بيدبا الفليسوف و دبشليم و مثل أرسطو الحكيم و الاسكندر ذي القرنين و مثل تولستوي و قيصر الروس و غيرهم من أساطين الفلاسفة و ملوك الأرض في غابر الازمنه و حاضرها.
بين الرجال الخالدين الذين زينوا أمتهم بنبوغهم و فضلهم واصالة رأيهم فقيد الأمة الآرامية واحد أعلامها اللامعين في القرن العشرين، الأستاذ نعوم فائق طيّب الله ثراه، فبكل حق وصواب أجمعت كلمة أبناء جنسه على وجوب تكريمه بعد وفاته إعلانا لمآثره، و أقرارا بحسناته، و قد رأيت أن أضم صوتي الضئيل إلى أصواتهم لئلا ينسب إلي التقصير في تأدية فروض الرثاء لهذا الرجل الجليل الذي كان مثال المروءة و الدعة و الغيرة، كيف لا و هو الذي جاهد قولا و عملا في سبيل لغته بل أنعش في ذويه روح التجدد والنهضة القومية.
شاهدت المعلم نعوم فائق للمرة الأولى 1896 عند ما جاء من ديار بكر مسقط رأسه برفقة مطرانها السيد غريغوريوس عبد الله سطوف الذي ارتقى بعد ذلك إلى الكرامة البطريركية الانطاكية، وحلاّ كلاهما ضيفين موقرين في داري ببيروت شهوراً كثيرة تيسر لي في خلالها أن اعرف الأستاذ نعوم فائق معرفة حقيقية واختبر بنفسي فضائله ومزاياه الفريدة، ومن ذلك الحين لم تنقطع المراسلات بينه وبيني بل استمرت تلك العلائق الطيبة حتى انطفاء سراج حياته.
نبت نعوم فائق في بلاد حفت بالفتن والمخاوف، وقحطت فيها رجالات المعارف، وخيم الجهل على حكامها الذين استحكمت فيهم حلقات الجور والغدر، قام نعوم وقعد و أكل وشرب بين أقوام عششت في رؤوسهم أغربة الخراب والفناء، فتتابعت على أبناء جنسه حوادث الدهر و صروف الزمان حتى تفرقوا في مختلف الأصقاع و البلدان، فأمسوا كالسائر في ليلة دهماء غاب قمرها واحتجبت كواكبها.
أدرك الأستاذ نعوم إن تواريخ أمته الآرامية وآدابها أصبحت أثراً بعد عين وان لسانها القديم الشريف كاد يدخل في خبر كان، وأنها إن هي نهضت نهضة الناشط إلى درس آثار أسلافها والوقوف على مآثر جهابذتها تحققت آمالها و ارتقت أحوالها و تجدد رونقها و جمالها، فانتبه لهذا الأمر الجلل ودلته فكرته إن أقوى ذريعة لبلوغ ضالته هو التذرع بالصحافة، تلك الصناعة الشريفة التي تقف دونها كل الصناعات، فانشأ في ديار بكر جريدة " كوكب الشرق" التي كان يطبعها في اللغات الثلاث الآرامية و العربية و التركية بحروف سريانية.
ولما رأى هذا الصحافي الآرامي الفاضل إن النجاح لا يتوفر لمهنته في دائرة وطنه تحت لواء الدولة العثمانية حول نظره إلى العالم الجديد ليشتغل في بلاد الحضارة تحت سماء الحرية، فسافر إلى الولايات المتحدة وهناك استعان بما رزقه الله من النشاط و توقد الذهن على دعوة أمته إلى التنبه من غفلتها لاسترجاع سابق عزها، و لم يلبث أن جدد هناك نشر جريدته المار ذكرها و هي باكورة الصحف السريانية التي ظهرت في البلاد الأميركية.
ولا يخفى ما عاناه السيد نعوم في هذا السبيل من التضحيات الجسيمة التي بثباته وتفانيه في خدمة أمته، فانه على رغم جهله لغة تلك البلاد وعلى رغم قلة ذات يده استجلب من الشرق إلى تلك الديار النائية كل ما كان محتاجا إليه من الوثائق الملية و الكتب المختلفة للقيام بعمله المحفوف بالمصاعب، و لما اكتملت معدات الجريدة اخذ ينشىء  فيها المقالات الشائقة والخطب الرائقة لإنهاض الأمة الآرامية وتعزيز لغتها، لا يشغله من أمر إذاعة جريدته و تعميم فوائدها ما بين قومه، وكأني بقلمه السيال يستمد مداده من قلبه فيبث في صفحاتها عواطفه القومية وآيات ولائه المنزهة عن كل منفعة شخصية.
لاقى الأستاذ نعوم في مشروعه هذا من الضيق وضروب المشقات ما لا يعلمه إلا الله العليم، لأنه لم يكن ذا حول و طول و لا ذا ثروة مالية كسائر الصحافيين أقرانه، بل كانت ثروته كلها في الحياة محصورة بالذكاء والإقدام والعلم ، ومع ذلك كله مضى في سبيله غير هياب لأنه سبق فسجل على نفسه الخوض في ميدان الجهاد حتى آخر رمق من الحياة. فكان يبلغ صوته أبناء أمته في مشارق الأرض ومغاربها حاثاً إياهم على اقتفاء آثار أجدادهم و صيانة جنسيتهم والتثبث بلغتهم الجليلة الجميلة، تلك اللغة التي كانت لغة أقدم دول الأرض حضارةً بل كانت أيضا لغة السيد المسيح جل شأنه ولغة رسله الكرام .
لم يكتف الأستاذ نعوم بذلك بل اخذ يختلف إلى الجمعيات الآرامية في العالم الجديد يحدث القائمين بها عن تواريخ آبائنا الكرام وآداب أئمتنا الأعلام مبينا أصلهم و فصلهم غابرهم وحاضرهم سابقهم ولاحقهم، كان يناجي بني قومه الملتفين حوله ليوحدوا صفوفهم  ينبذوا الانقسامات بينهم و يمتنعوا عن المجادلات الدينية مع سواهم، لان ذلك أدى في القرون المنصرمة إلى التباعد والتباغض والتشاحن فكان مدعاة إلى فقدان الإرث النفيس الذي خلفه لنا أجدادنا الميامين، هكذا كان الأستاذ نعوم يحرض أبناء جنسه على توثيق عرى الوئام لاعتقاده الراسخ إن ذلك فرض عليهم لا زم بل واجب مقدس صيانة لكيانهم القومي بين سائر الأمم الراقية.
رجل مقدام غيور نقي السريرة رضي الأخلاق متصف بأحلى الخلال كفقيدنا الحميد الأثر قد أصابت الجامعة الآرامية في الولايات المتحدة الاميركية أن تحتفل بتكريمه في مظهر لائق بأدبه العالي، فمع إسدائي الشكر لها على هذه الأريحية الجنسية يطيب لي أن اشترك معها على بعد الديار في إحياء ذكرى الأستاذ نعوم فائق والمجاهرة بفضله والإعجاب بشهامته  أدبه، فلئن توارى شخصه الوقور عن أبصارنا فان ذكره الخالد يظل مرسوما على صفحات قلوب محبيه ومريديه وذويه، يرددون مآثره الغراء بالفخار على مرور الأحقاب و الاعصار.
فيليب دي طرازي
بيروت- لبنان

غير متصل abed-kullo

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

وكل هذا، ويدعي المتأشورين على انه احد اركان اشوريتهم، مع الاسف ان تتكرر نفس الأساليب التي كان النظام السابق يفبركها لأحتواء رجال التاريخ العظماء والمفكرين مستعربا اياهم . والجماعة يكملون مسيرة ذلك النظام باحتواء باقي المفكرين، ولكن لا يعرفون بأن حبل الكذب قصير والحقيقة ستبان عاجلا ام آجلا . وهكذا كان العلامة نعوم فائق يدعوا الى الارامية وليس للأشورية وكما يظن  فقهاء المتأشورين وشكرا

      عبدالاحد قلو