المحرر موضوع: من أجل أن لا يطول انتظار شاكر الدجيلي ( أبو منير ) طويلا خلف القضبان . .  (زيارة 1216 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نجم خطاوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 112
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من أجل أن لا يطول انتظار شاكر الدجيلي ( أبو منير ) طويلا خلف القضبان . . .


                     نجم خطاوي


          في شتاء عام 1979 وصلت مدينة ( براشوف ) الرومانية ملبيا دعوة صديق لي يدرس الهندسة في جامعة هذه المدينة . هذا الصديق تربطني به علاقات الدراسة  والزمالة , يوم كنا طلابا في نفس الثانوية , ويوم كنا سوية وسط صفوف اتحاد الطلبة العام , قبل أن يتم تجميد نشاط هذه المنظمة , وليرحل بعدها هذا الصديق للدراسة في دولة رومانيا .

      الرحلة في القطار , من مدينة براغ التشيكية , حتى براشوف , طويلة ومرهقة , خفف من تعبها احتفاء صاحبي وحرارة اللقاء به واستذكار المدينة والأصدقاء في الوطن . كنت في تلك الأيام أعيش وأعمل في معمل للحديد في براغ , التي قدمتها في تموز 1979 هاربا من جحيم دكتاتورية صدام .

      كانت سعادتي لا توصف بلقاء صاحبي , بعد أربع سنوات من الفراق . وجلسنا نستذكر شوارع المدينة , وأزقتها ومقاهيها , والأصدقاء , وأيام المراهقة والفتوة , والكفاح في صفوف اتحاد الطلبة العام , ومضايقات رجال الأمن , وغيرها ... .

      ولم ينغص تلك السفرة شئ , سوى مشاهداتي لحالة زميلي هذا , ولزميلين كانا يشاركانه الدراسة في جامعة هذه المدينة , إذ كانوا يقضون أيامهم وسط التوتر والترقب وانتظار المجهول متأهبين للرد على هجوم الآخرين .

     وخلاصة الأمر أن صديقي وصاحباه كانوا الطلبة الشيوعيين العراقيين الوحيدين الذين يقيمون في هذه المدينة , والنشطين في جميع الفعاليات السياسية والتضامنية التي تقام في هذه المدينة , وسط جيش من الطلبة القادمين للدراسة على نفقة الحكومة , والذين قدموا على نفقتهم الخاصة , وكان اغلبهم من الموالين للسلطة , ويكنون العداء للحزب الشيوعي العراقي , ولكل من يناصره . وكانوا لا يرتاحون كثيرا لنشاط صديقي وزميليه , وتفانيهم في سبيل فضح الإرهاب في العراق يومها .

      لقد انتابني العجب وأنا استمع لقصة المعركة التي خاضها صاحبي هذا مع شلة منهم هاجمته قرب الجامعة , وكان وحيدا , وكادوا أن يقتلوه , رغم مقاومته لهم . وقد رقد لأيام في مستشفى المدينة . والذي زاد عجبي إن صاحبي هذا , قد سور باب غرفة سكنه في القسم الداخلي , بسلك كهربائي , ربطه بزر على الحائط قرب سرير نومه , والسبب هو خشيته من هجوم طلبة منظمة الاتحاد الوطني , ورجال مخابرات النظام في العراق , من الذين شاركوه السكن والعيش في نفس القسم الداخلي الطلابي , وفي الأقسام الداخلية المجاورة .

    وكنت أظن بأني سوف لن اسلم من معركة حامية الوطيس معهم . ولكن السفرة مضت في سلام , واحتفلنا بمقدم العام الجديد هناك وسط الثلج وأضواء المدينة وأفراح الناس .

        في اليوم الذي نويت فيه العودة إلى مدينتي براغ , وصلت إلى صديقي أخبار من زملائه في (بوخارست) , تتحدث عن إصابة أحد الطلبة من زملائنا ( شاكر ) الدارسين في دولة بولونيا , بإصابات بليغة , بعد تعرضه لهجوم من قبل طلبة منظمة الاتحاد الوطني , وبعض رجال السفارة العراقية . وكتب زميلي وصديقاه مذكرة للتنديد بهذا العمل , وعبروا عن تضامنهم مع زميلهم ( شاكر ) .

     حين وصلت مدينة براغ , قرأت أيضا بيانا للتضامن مع الطلبة التقدميين في جمعية الطلبة العراقيين في بولونيا الذين تعرضوا للهجوم , ومع زميلهم المصاب ( شاكر ) .

   ومضت الأيام , ونسيت الحدث هذا , بعد أن دارت بي الدنيا دورات ودواليب .

     في عام 1992 وصلت السويد , التي ستصير لاحقا منفاي الأخير . في الأيام الأولى ومن خلال نادي 14 تموز الديمقراطي العراقي , في منطقة ( ألفيك ) في ستوكهولم , تعرفت على مجموعة من الناس العراقيين الطيبين . وكان هذا المكان يجمعهم في كل يوم جمعة عصرا , حيث يلتقون للحديث والسمر , ولإحياء المناسبات الوطنية والأمسيات الثقافية والسياسية .

     في الأيام الأولى تعرفت بالزميل ( شاكر ) , وجلسنا نتحدث عن هموم الوطن , وذكرته بالحادثة , وبرسائل التضامن التي أرسلناها. وللحقيقة فأن هذا الزميل ( شاكر ) قد جلب انتباهي منذ المساء الذي تعرفت به في ستوكهولم , لحماسه ودفء مشاعره .

      من بين الكثير من زميلات وزملاء هذا النادي , تميز ( شاكر ) بنشاطه المتفاني وحيويته ومواظبته على حضور جميع الأمسيات والفعاليات التي كان النادي يقيمها , عدا عن مشاركته الحيوية في كل المساجلات الفكرية والسياسية التي كانت تدور في الأمسيات . وكان المبادر في المقترحات وداعية لا يكل للنشاطات والعمل .

      وتمر الأيام , لتجمعني مع الزميل شاكر ( أبو منير ) , رابطة العمل سوية في السياسة , وسط صفوف الحزب الشيوعي العراقي , وكذلك في نشاطات نادي 14 تموز المختلفة والمتنوعة , والعديد من النشاطات التضامنية مع الشعب العراقي .

      في كل تلك الفعاليات والنشاطات والمبادرات كان هو السباق دوما , يأتي في كل المرات قبل الموعد , دون التفكير بمشاغل عائلية , أو التحجج بالطقس والثلوج . كانت القاعة المجاورة لسكنه , مكانا للعديد من الفعاليات التضامنية والسياسية والندوات , يحجزها دون كلل أو ملل , يرتبها قبل موعد الحضور , ويرتبها ثانية بعد الانتهاء .

     في المجادلات السياسية العامة , وتلك التي وسط صفوف الحزب الشيوعي العراقي , كان لديه ما يتحدث به ويقوله , وبعد أن يكون قد تهيأ بوقت كاف , أخذا القضية بكل جد , وبحيوية المتفاني . في أيام العطل والمناسبات وحين كان الكثير يستمتع بوقته وعطلته , كان شاكر يقضي الوقت بين استقبال الضيوف القادمين من مدن أخرى إلى ستوكهولم وبين حل قضية لزميل معين , أو الذهاب لفعالية سياسية أو تضامنية . لم تقتصر نشاطاته السياسية والتضامنية على قضية الشعب العراقي وحده , بل كان ينشط مع زملائه ورفاقه لنصرة قضيا الشعوب العربية , والتضامن مع الشعب الكردي , ومع بقية شعوب العالم . وعبر نشاطه في لجان العلاقات , وفي النشاطات التضامنية , كان لا يدخر جهدا في نصرة قضية شعبه , والشعوب الأخرى .

        لقد سرت معه , ومع رفاق وزملاء آخرين , وسط برد وثلوج ستوكهولم , في مسيرات طويلة تضامنا مع شعب فلسطين ضد عدوان إسرائيل , وفي التضامن مع سوريا ولبنان ضد تهديدات إسرائيل, وفي مسيرات أخرى للتضامن مع الشعوب الأخرى . وبالتأكيد كانت قضية العراق والديمقراطية شغله الشاغل .

     ويذكر الكثيرون من الأصدقاء والرفاق , مواقفه الواضحة من قضية الحصار الذي سببه نظام صدام حسين , وفرضته الأمم المتحدة جورا على الشعب العراقي , إذ كان يتحرق ألما على المعاناة التي يعيشها الناس في الوطن .

     ومثله مثل الملايين من العراقيين استبشر شاكر خيرا بزوال النظام في بغداد نيسان 2003 , رغم معارضته الشديدة , سوية مع رفاقه وأصدقائه , لاستخدام الحرب كوسيلة لإنهاء النظام . وقد عبرت جميع منظمات الحزب الشيوعي العراقي في كل دول العالم لمعارضتها للحرب وسيلة لإسقاط نظام صدام , بسبب الويلات والمصائب التي تجلبها الحرب , والذي نشاهده اليوم يعكس هذه الحقيقة . ورغم سنوات المنفى الطويلة , كان شاكر يحن للعودة لوطنه والعيش هناك في دولة القانون والحرية . وكان الألم يعتصره والآلاف من الوطنيين من ربعه , للحال الذي انتهت إليه الأوضاع في العراق , بعد تعقد وتشابك المصالح والرؤى , ودخول القوات الأجنبية لتحتل الوطن , جالبة معها أجندتها ومشروعها ومصالحها .

     وعاد شاكر ( أبو منير ) ليساهم في تعمير ما هدمته يد الديكتاتورية والحروب , غير مبال بالظروف الصعبة التي تمر على الوطن , والتي تجعل من العيش صعوبة لا تضاهى وخصوصا بالنسبة لمن عاش في بلدان أوربا وغيرها .

        لقد كانت الدهشة كبيرة ومؤلمة لنا جميعا نحن الذين عرفنا هذا المناضل الوطني الشيوعي وعشنا قريبا منه  ومعه , يوم سماعنا لخبر اختفاءه في سوريا , حين كان يروم العودة إلى العراق قادما من السويد نهاية آذار 2005 . واليوم يمر قرابة السبعة عشر شهرا , وهذا الوطني الذي لم يرتكب جرما , لا يعرف له خبرا , رغم المناشدات الكثيرة , ورغم نداءات التضامن والمطالبة بإطلاق سراحه .

     قبل أيام , فعل الطيبون في مدينة ستوكهولم , من أصدقائه ومعارفه ومناصريه , ومعهم ولده الحزين لفراق الأب , فعلوا حسنا حين ساروا في حشد باتجاه وزارة الخارجية السويدية , يطلبون عونها في الحرية لشاكر والتضامن معه . ولم لا وهو الصوت الوطني الذي طالما تحدث للصحف السويدية , وللتلفزيون السويدي , مناصرا قضايا الحق والعدالة , في وطنه , وفي العالم . وهو أيضا مواطن يحمل الجنسية السويدية .

أكتب هذه الكلمات عساها أن تكون معينا لجهودنا جميعا ولأصواتنا التي يحتاجها الصديق والرفيق العزيز شاكر في محنته اليوم , ومن أجل أن لا يطول عذاب عائلته وأهله ورفاقه والجميع , وأن لا يظل شاكرنا طويلا خلف القضبان .

 

السويد

في 11/11/2006