المحرر موضوع: وداعا أم الشهداء  (زيارة 712 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
وداعا أم الشهداء
« في: 13:43 08/02/2013 »
وداعا أم الشهداء



                                                                                                                      باسل شامايا
                                                                                             
لا أدري كيف ابدأ رثائي وكيف أنتقي كلماتي لكي استطيع ان أجسد ما كانت تختزنه وتمتاز    به امنا الراحلة فضيلة شمعون بولاذ من صفات حميدة ، ومزايا حسنة ، وطيبة لا متناهية ، تلك التي احتفظت بها حتى آخر لحظات حياتها ، لا أدري من اية محطة انطلق فمحطات مأساتها كثيرة ومتعددة ، لأصف خصال الامومة المتجذرة فيها .. لقد غادرتنا هذه الام الفاضلة           ( ام الشهداء ) قبل ايام الى مسكنها الابدي بعد ان ذاقت من المرارة والالام  عقود من الزمن  .. ام تتجسد فيها كل خصال الامومة وحناياها ، مخلوقة رقيقة شفافة طيبة المعشر هادئة في طباعها قليلة الكلام نفسها متجردة من كل حقد وضغينة ، تفرش في اعماقها مساحات من الحب لأولادها وبناتها وثمارهم اليانعة ولكل الناس ، وتحتفظ بمختلف العلاقات الطيبة مع كل من حولها ، اقرباءا كانوا أم جيران .. غادرتهم بعد ان كانت لهم خيمة تكتنز بالحب والحنان فتركت برحيلها الما وحزنا في اعماقهم .. فما اغرب الدنيا وما أعجبها ، بالأمس كانت تملأ بيتها محبة وابتسامة وفي ليلة وضحاها توقف عندها الزمن عن المسير فتوقف قلبها الكبير وأزال الموت تلك الكلمات المتهافتة من حناياها والفائضة بالمحبة والصفاء .. هكذا وبلحظة مريبة اختطفتها المنية فخسرت  القوش اماً موغلة بالطيبة ونقاء الوجدان ، رحلت دون ان تكتحل عينيها برؤية أولادها وبناتها الذين شتتتهم السنين هاربين من طاحونة الحرب الضروس لترسي بهم قافلة الهجرة على شواطىء الغربة المفروضة في مختلف ارجاء المعمورة ، حقا ان الكلمات لا تعجز الا امام عظمة الام وروعتها ، بالرغم من كل هذا كانت حصتها من الحياة القلق والانتظار والخوف من المجهول وتوشحها بالسواد ، فإننا مهما قلنا ومهما كتبنا سنبقى بأمس الحاجة الى مفردات تعكس وتجسد ما تستحقه بل تحتار اقلامنا المتواضعة عن ايفائها حقها المشروع .. فيا ايتها الطاعنة بالحزن الابدي ها قد قرعت بالأمس أجراس رحيلك لتلتحقي بشريك حياتك الذي سبقك الى حيث ثماركما الاربعة ، اولئك الشجعان  الذين ابتلعهم وحش الايام ، في ظل تلك الظروف القاسية التي خيمت على الوطن العزيز عراق الاحزان . الأمثال تضرب ولا تقاس لكن ربما هناك نوع من التشابه بين هذه الام وأم باتت رمزا للتضحية والفداء..  فقبل قرون طويلة عاشت الخنساء تلك المرأة الشجاعة الصابرة التي دخلت التاريخ بمواقفها ، مأساة رحيل اولادها في الحرب وكلنا نعلم من تكون الخنساء ، وعاد الماضي ثانية قبل سنين لتعيش السيدة الفاضلة فضيلة شمعون مأساة  قريبة  لمأساة الخنساء حينما فقدت اربعة من فلذات كبدها وهم في عنفوان الشباب ، لقد تكرر ذلك الماضي المؤلم في القوش مجسدا بشخص الراحلة     (خنساء القوش) .. لكم كانت الاحزان ترافقك ايتها الأم الثكلى لقد عشت صابرة على البلاء والمصيبة والمفاجآت المرّة مثلما عاشتها  قرينتك .. لقد خطف الموت سعادة هذه الام البائسة حينما أطفأ اربعة شموع من شموع حياتها الذين كانت تستمد منهم كل فرحتها وهنائها ، فتجلببت بالسواد وتلاشت تلك الابتسامة التي كانت تملأ وجهها الوقور امل وحياة ، ثم عاد الموت ليفرض سلطانه مرة اخرى حينما خطف شريك حياتها الذي كان يصبرها على محنتها ومصيبتها ، فامتصت الاحزان رحيق حياتها حتى تحققت امنيتها في اللحاق بأحبتها في رحاب الخالدين . واحتشد الناس اما منزلها لتشارك في تشييع جثمانها الى جوار احبتها وهناك ووريت الثرى ، فكانت لحظات طافحة بالحزن والاسى على كل من حضر في موكبها لتوديع تلك الام التي استأثرت بحبهم جميعا .. ارقدي بسلام يا ام الشهداء والاحرار فقد اوفيت للحياة العطاء طوبى لك ايتها الراحلة النقية التي حمّلتها الايام صليب الاحزان .. طوبى لك وانت تفارقين فراقا أبدياً  من كنت لهم خيمة للحنان .. وداعا ايتها الراحلة  الى دار البقاء في فردوس الجنان تاركة بغيابك ذكراك في كل اوان ؟ هذه الذكرى التي ستزدهر في الاعماق وتمنح لمحبيك دفئك  وعطر حنانك الدفاق .