اللغة العربية تغزو آخر معاقل الكنيسة الكلدانية، كنيسة القوش
بقلم: جلال برنو / 23 آذار 2013
كنا صغاراً أيام الستينيات من القرن الماضي وكان البعض منا يتردد الى الكنيسة ، كنيسة مار كَوركَيس ، تقريباً كل يوم وكنا نستمع وأحياناً نحفظ عن ظهر قلب التراتيل والألحان العذبة (قالى وقيناثا و صلوثا دْ رَمشا ... ) ، وكانت يومذاك معظمها باللغة الآرامية التي لا يفهمها الا القلة القليلة من بين أبناء الرعية ... الا أن عدم فهمنا لمعاني الكلمات ،لا أعتقد قلل من ايماننا بالمسيح له كل المجد .
لكن بالتأكيد أن نترجم الى هذهِ اللغة القديمة غير المفهومة من قبل معظم أبناء الرعية الى لغة مفهومة للجميع لهو أمر ضروري وما يلي هو ما جاء على لسان أبينا غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو والمنشور في موقع عنكاوا بتاريخ 18 آذار 2013" مستعد للتنازل .... " في حديثه عن التجدد :
والطقوس الكنسية يجب أن تتجدد لان الطقوس هي من اجل الإنسان لكي يفهم الناس بلغتهم أن كانت بالعربية أو السريانية أو الكردية أو الفارسية أو أية لغة أخرى لا تنحصر رسالة الإنجيل في لغة معينة وشعب معين وهذا كان الدليل القاطع في الكنيسة الأولى بأعمال الرسل أن روح القدس حل بالألسنة متعددة ولم يبقى لسان أو لغة هي وحيدة مقدسة ولا شعب مختار بالمعنى الضيق وإنما كل إنسان والجميع، كذلك البنى الكنسية تتغير اليوم الكنيسة كانت قد بنيت على توزيع إداري في زمن الإمبراطورية الرومانية واليوم هذا التوزيع قد تغيير. علينا أن ننظر إليه ونراجعه كي يكون أكثر فاعلية على صعيد الأبرشيات والأقاليم وأيضاً لغة التعليم الديني المسيحي يجب أن تكون مفهومة للناس ولا يكون بها التباسات ونتمنى أن تعود لغة الكتاب المقدس ولغة آباءنا ....حقاً لقد أصبت يا أبينا البطريرك بقولك أن الطقوس الكنسية يجب أن تتجدد ، لأن الطقوس هي من أجل الأنسان لكي يفهم الناس بلغتهم ان كانت بالعربية أو السريانية أو الكوردية أو الفارسية أو أية لغة أخرى ... ( والحديث لغبطة البطريرك )
اذا كان الأمر كذلك ، الكل يعرف جيداً أن لغة أهل القوش هي اللغة السريانية . اذاً لو كان للطقوس أن تتجدد أو تترجم فعلى المعنيين أن يترجموها الى السريانية وليس الى العربية أو أية لغة أخرى .
يدعي بعض الآباء بأن رسالتهم هي نشر الأيمان بأية لغة كانت ، وهذا باعتقادي هو حق يُراد بهِ باطل لأن لغة القوم في القوش وسائر قرانا المنتشرة بسهل نينوى وشمال العراق تتكلم السريانية أو كما نسميها باللغة الدارجة " السورث" فلماذا يا أيها ألاباء الأجلاء تقحمون العربية في كنائسنا رغم أننا نفهم جيداً ونتحدث بلغة السورث بطلاقة ؟
وبالطبع يأتي الجواب أن هناك بعض المؤمنين من أهل الموصل أو من سكنة مدن الوسط والجنوب ... أولئك الذين هجروا لغتهم ولغة طقوسهم نتيجة الجهل بقوة لغتهم وعراقة تراثهم وتاريخهم والتخوف والخنوع للأكثرية فاستصغروا وأنفوا من انتمائهم القومي حتى تماهوا بثقافة الأكثرية العربية ... هل لأجل سواد عيون أولئك يجب علينا أن نغير طقسنا ولغتنا الى العربية التي ربما لا يتقنوها جيداً رغم تبنيهم لها وتباهيهم بها ؟
لا أعرف لو أنني أو أي منا حتى ولو كنا 10% من المؤمنين ، اذا ما دخلنا كنيسة للأرمن أو لليونانيين أو للصرب فهل يا تَرى سوف يغيرون لغة طقوسهم من أجل سواد عيوننا ؟
على حد علمي أن الأرمن في بغداد والموصل ، رغم قلة عددهم وكونهم مهاجرين الاّ أنهم كانوا يصلون باللغة الأرمنية وفي زمن التعريب على يد البعث الشوفيني وفي قلب بغداد ( عاصمة العروبة ) ، وان صح ذلك فيُعَدْ بمثابة "كريدْتْ" أي رصيد لهم ، وان دل على شيء فأنهُ يدل على اعتزازهم بلغتهم وتُراهم ويا ريت كنا نحن الذين نحسب أنفسنا القومية العددية الثالثة في العراق وأصحاب تاريخ يمتد الى أكثر من 6 آلاف سنة على أرض بين النهرين وأصحاب لغة كانت يوماً ما لغة الثقافة والأدب والعلوم والفلسفة في منطقة الشرق الأوسط ، والملم بالتاريخ يعلم أن كتب الفلسفة في زمن الدولة العباسية كانت تُترجم من اليونانية الى السريانية ومنها الى العربية .
بقي أن نقول لآباءنا الأجلاء ان التاريخ سوف يمدحكم ويمجدكم لوساهمتم بأغناء وتطوير لغة آبائكم السريانية كما فعل المطران توما أودو... ، وبلا شك سوف يذم كل من يساهم في موت لغة ابائهِ ... ولعلهم يقولون : " ان لم تتمكنوا من الحفاظ على طقوسكم ولغة أباءكم وأجدادكم فتعالوا وارقدوا ههنا ونحن نقوم بالواجب " وهذا القول مقتبس من أصلاء القوش ومعروف لدى كل منتمي ال بلدة آباءهِ وأجدادهِ الأشداء ... القوش ذلك الكتاب العتيق المفتوح على دفتيهِ على سفح الجبل الأشم .
بقي أن أقول أنني أدرك بأن العالم قد بات قرية صغيرة بفعل تيارالعولمة واللأنترنيت والمواصلات السريعة والمنتجات الألكترونية ، وأن في التاريخ ثقافات متنوعة تشكلت وأصبحت سمة من سمات مجموعات بشرية تعيش في بيئة وجغرافية معينة ، تطورت مع الزمن وبسبب الأحتكاك المباشر كالتبادل التجاري وبفعل الدين والحروب والتزاوج وغيرها ، كما أدرك جيداً أن التنوع الثقافي يغني المجتمعات والبلدان وأنا شخصياً أعيش في بلد يقدس مصطلح "تعدد الثقافات" الا أن المنطق يفرض علي كمنتمي الى بني جلدتي والى كنيستي الوطنية ( القومية) ، ألا وهي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية أن أعطي الأولية للغة السورث ومن ثم باقي اللغات التي أصبحت جزءاً من ثقافتي . بمعنى أن كنت في القوش أصلي بالسريانية ، وفي الموصل بالسريانية والعربية ، وفي أمريكا بالسريانية والأنكَليزية ، وفي السويد بالسريانية ، وفي السويدية وهكذا دواليك في باقي أصقاع الدنيا .
هذهِ كلمات لها صلة بالموضوع ، اقتبستها من رسالة لحنها وغناها فنان من القوش وهو الفنان يوسف عزيز ، وبعث بها الى غبطة أبينا البطريرك الجديد مار لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى :
ما أَمرنْ بَحَسْ لْشانا ماذا أقول بصدد اللغة
لا كيبنْ دْ موصنّوخ و تاننْ لا أود أن أوصي وأكرر
بَسْ بأَمرنْ أو دْ ويوا قذيلا فقط أذكر بالذي كان مفتاحاً
تا ايذعتا دْ كولْ بنياثا للمعرفة لكل الأصقاع
كبنْ دْ يلبخلى وهَمْ مَلبخلى أود أن نتعلمهُ وأن نُعلمهُ
وْ كولْ يوماثا مَبلْخْخلى وفي كل الأوقات أن نستخدمهُ
دْ لا باشرْ و بايش تخرونا لكي لا يندثر ويُصبح ذكرى
وْ آو تا كولْ لْشاني هولّى والذي أغنى جميع الألسنة
--------------------------------------------------------------------
ألف شكر لك أيها الفنان المبدع يوسف عزيز ، انني أراك عارفاً بتراثك ولغتك وتجيد لفظ كلمات السورث "صبيثا " بلهجة دْ القوش "حليثا " فتحية لك والى مزيد من الأنجازات الفنية. أرجو أن أكون قد وفقت في الترجمة السريعة لكلمات أغنيتكَ . تقبل تحياتي الخالصة .