المحرر موضوع: تأمل في ملكوت الأطفال  (زيارة 1303 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل غوادش

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
    • مشاهدة الملف الشخصي
تأمل في ملكوت الأطفال
« في: 12:45 24/11/2006 »
تأمل في ملكوت الأطفال
[/size]
 مملكة الأطفال عالم بديع خيالي و حقيقي لا يطوله الكبار مهما حاولوا التغلغل في خياله الخصب النقي و مهما حلقوا في روحهم الطائرة المرفرفة.
الأطفال يداعبوننا صغارا كنا أم كبارا و يحيلون من يحيط بهم رمادا يلهون به و ينتشلونه من عالم الأنا و ملكوت الذات إلى رقصاتهم و تأملاتهم العميقة. يدغدغون مشاعرنا يرقصون على رتم نبضاتنا دون استئذاننا، و من حيث لا ندري دون أن نفهم نجدهم ذائبين في العشق لنا يمرون في زقازيقنا الضيقة و زوايانا المعتمة يقتحمون قلوبنا يفتحون أبوابها المقفلة و يذيبون الشمع الأحمر على قفلها.
حكومة الأطفال لا يسقطها احد لأنها تبدو بريئة ضعيفة ساذجة مسكينة مقهورة محكومة مستسلمة، بينما هي في أوج ضعفها و بلاهتها تحكم نفوس البشر أجمعين بداية من أقسى الظالمين إلى  أقذر المجرمين ، و عجبي كيف يتحول قائد عظيم إلى ولد صغير عند احتضانه طفلا !
و السبب لأن الطفولة عود ثقاب نطفئه حين نريد أن ننضج و لكننا نعود لنشعله حين تنطفئ  أعواد العمر اللاحقة!
للأطفال قدرة على مواجهة أكبر الصعوبات و التحديات مستخدمين مهارتهم في التعبير التلقائي الإيحائي و حركات جسمهم الايمائية التي تعكس حالات جوعهم و بردهم و مرضهم و مختلف حاجاتهم، و أكبر هذه الصعوبات هي تعلم لغة الكبار و صعود درجات النطق القاسية، فهم يمتلكون مخزونا هائلا من التعابير يعجزون عن و صفها بالكلام و يضيق قاموسهم اللغوي الصغير فيصبرون برباطة جأش و يستثمرون مخزونهم الروحي العميق فيهمسون و يتلمسون و يشيرون بالبنان الى كل ما تصبو اليه نفوسهم..و هكذا يكررون المحاولة لتعلم كلمات جديدة و يبتكرون وسائلا لبعث رسائلهم الينا حتى و ان كانت مكونة من كلمتين غامضتين.  و في ظل تعقد اللغة عليهم فانهم يبسطونها كما يشاؤون فيصغرون الأسماء و يحولونها بما يتناسب مع أذنهم الموسيقية فيحولون اسما جميلا مثل "عبد الكريم" الى "عبكري" ببساطة فيصبح" عبقري" دون تخطيط!
و هكذا فانهم ينهجون طريقة متطورة للوصول الى الصوت فالموسيقى من خلال أنغامنا و لهاثنا الذي نبعثه اليهم فينقونه و يفلترونه و بتعلمون الألوان و الانسجام من خلال انسجامنا و حياتنا فتنتقل اليهم طريقة عيشنا و حضارتنا و تقاليدنا. هذي هي طريقتهم في التقاط العلوم دون قراءة و كتابة بواسطة التدقيق و المتابعة و التقليد لكل ما يمر بهم، يا لشريط احداثهم اليومي الذي يزخر بالأحداث التي تشكل لهم درسا يوميا في العلم المغموس بالصبر الطويل.
هم مراقبون لديهم القدرة على اكتشاف أسرارنا و سبر أغوارنا يقرأون أشواقنا بعمق فيرون ما بين رموشنا من مشاعر و أحاسيس ، و يغربلون ما فينا من صدق و كذب و تزييف، يتنصتون على انفاسنا بحب و يحلقون في أجوائنا بنية صافية.
و هم يجيدون الثورة و ينتصرون فيها دائما، فلا يوفرون طريقة للعبث ببراءة فيحولون طاولة الطعام الى ساحة استشهاد يمزقون اللحم و يلعقون الشوربة بدون انتباه و يعزفون أناشيد الطعام بسكاكينهم و ملاعقهم ، لكن فوضاهم طبيعية لا ضرر فيها و لا أذية . هم يعبثون بروتين الحياة اليومية و لا ينتظمون في اوقات نومهم و جوعهم اذ كثيرا ما ينعسون بعد اللهو الطويل و يجوعون بعد العناء الذي يبذلونه في فهم الحياة المعقدة. و مهما حاول الوالدين ان يطبعوا النظام في عقلية الأطفال سيفاجؤون دوما بتمردات جديدة كأن تترك الطفلة حذاءها الصغير و تزهو بحذاء أمها ، او يتركون جرابينهم ملقية في مكان غير متوقع و الى آخره من المواقف المضحكة مما يحول ثورتهم الى سعادة.
و قد يخدش بهاء طفولتهم محاولات القمع بفرض عقوبات على أخطاء يرتكبونها دون قصد و يضطر الطفل الى التمرد من جديد و يتميز بأنه لا يكبت أنفاسه لحظة التوبيخ بل ينهمر باكيا من اعماقه شاعرا بذنب ما مجروحا مما أساء به لمن أنجبوه للحياة.فيزيد لوعة الوالدين و يشعرهم بالندم لأنهم فكروا بضربه او اسكاته ، و هكذا يتغلب الطفل على ضعفه بضعفه وهذه طريقة يتفرد بها الاطفال ومن يشابهونهم.
و أقوى سلاح يملكونه هو البكاء، نعم فهم لا يوفرون دموعهم الساخنة ليعبروا عن ما في رغبتهم و رفضهم و شكواهم بل و عمق لوعتهم و اشتياقهم اذا فقدوا عزيزا أو اذا تعلقوا بزائر عابر و غاب عن أبصارهم. و يتعلمون الحب بكل سهولة فما ان يروا والديهم يقبل الواحد منهم الآخر حتى يعيدون الكرة مع بعضهم و مع والديهم .للأطفال عقل مدبر حكيم يرشدهم الى النسيان بعد كل حزن فيستمرون في الحياة بسذاجة و يبقى في عقلهم متسع لزرع الحشائش الخضراء و نمو الأزهار.و هم أساتذة متخصصون في نزع الأشواك من قلب من يعانقهم و زرع الزنابق بدلا منها.و يعلموننا أن نشكر الله على ما يوفره لنا من طعام حين يتذوقون حبيبات الطعام بتأني وعلى مهل.
حكومة الأطفال متطورة جدا رغم جهلها المطبق، فهم قادرون على تمييز الوجوه الرقيقة و الرحيمة من الخبيثة ، و لهم في علم الأصوات حكم بين الصوت النقي و الصوت المزمجر غضبا و المغني طربا، و قد وصلوا الى ابعد من القمر ..الى اعماقنا!
لديهم القدرة الأكيدة على صنع المعجزات فما إن يلتقطهم أبوهم و هو عائد من العمل حتى يتلاشي كل ما يعكر صفوه، وما إن يداعبون أمهم في عز العناء حتى يمنحونها قدرة على الاحتمال حتى آخر حدود البذل ، و هكذا يدفعون والديهم إلى المضي قدما في الحياة رغم ما يعتريها من صعاب.
و الأرض التي تدوسها أرواح الأطفال ينبع فيها بئر لا ينضب من النقاء يكفي ليسد عجز ميزانيتهم الفقيرة بكثير من العطاء، و يسددون ديون الحب المعطى لهم بفرح عذب يخرج من قلوبهم.
و هكذا فان حكومة الاطفال هي مثال صالح للبشر لتعبث ببراءة، و تتمرد بصدق، و تحب بغزارة، و تتعلم بصبر و مهارة.

 [/font]
[/color]


غاده البندك
[/b][/color][/font][/size]

Poles Adam

  • زائر
رد: تأمل في ملكوت الأطفال
« رد #1 في: 18:47 24/11/2006 »
الأخت غادة البندك المحترمة

  تحية ومحبة

  نفس الشخص ، عندما يكتب في فكرة واحدة مرتين ، سيتيح لنا بفيض اخلاصه للفكرة ان يتيح لنا ،ان نقدر
له عمله الثاني فنيا.. اذ هو قد تجاوز حالة الأنفعال الآني في محاولته الأولى في نفس الموضوع ..

  اجد الآن امامي، النص الجميل الذي كنت ارجوه واتمنى قراءته .. فشكرا لك في تاملك المبدع .


    بولس ادم