المحرر موضوع: رثائي الى من غادرنا لكنه لم يغادر الراحل حميد متي وزي  (زيارة 946 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رثائي الى من غادرنا لكنه لم يغادر
 الراحل حميد متي وزي




باسل شامايا
حينما نفقد حاجة عزيزة علينا ينتابنا شعورا بالاحباط لاننا نحاول مرارا وتكرارا للبحث عنها ولكن دون جدوى ، وعندما نفقد شخصا ما نشعر بالأسى لأننا فقدنا انسانا ، والانسان هو أثمن رأسمال في الوجود ، اما حينما نفارق فراقا أبديا ، انسانا عزيز على قلوبنا يتوغل الالم الى اعماقنا ويلبسنا الحزن لأننا فقدنا قيمة حياتية عالية ، حينها نشعر بأننا فقدنا جزءاً منا . هكذا وقبل ايام خلت وقعت من شجرة القوش السامقة ثمرة غنية بمذاقها منحت لنا الكثير من العطاء .. لقد غادرنا الى عالم الذكرى علم من اعلامنا المعطاء ، خالنا  العزيز (حميد متي وزي) صباح يوم الاثنين الموافق 15 /4/2013 ، الذي كان يعمل بصمت دون ضجيج ، آثر كثيرا في حياة كل من عرفه واطّلع على منجزاته ، رحل عنا رمزاً وموسوعة علمية / هندسية تمكن ان يشق طريقه بكل عصامية وصلابة رغم اوصاب الزمان ، أطفأ الموت جذوة الحياة فيه وأوقف قلبه النابض حبا عن الخفقان . رحل ذلك الإنسان الوديع الذي حمل مهمته الوظيفية وبكل تجرد في حدقات عيونه وطيات قلبه وعمل بكل همة ونكران الذات دون كلل او ملل . كان طيب القلب دمث الأخلاق وعزيز النفس وغزير بالثقافة العلمية ، بسيط ومتواضع هادئ الطبع قليل الكلام وكثير الفعل والانجاز عاش بكرامة ونفس أبية ، لم يتلون او يتقلب مثلما فعل الكثير من المرائين الذين يضعون مصالحهم الخاصة فوق كل اعتبار وفي كل الأزمنة ، كانت تجتاحه امنية كبيرة وهي ان يعم السلام والأمان والمحبة أرجاء العراق النازف . قبل ان الج الى حياة فقيدنا الغالي العملية تلك التي كرس منها اكثر من ثلاثين سنة في خدمة الوطن دون تقاعس والتي أداها بكل إخلاص وأمانة ، أود أن أنطلق في الحديث عن هذه الشخصية العلمية التي ما فتأ حضوره يطرق الكثير من المحافل العلمية . فأبتدأ باشراقة فجر ميلاده المبارك الذي هلّ عام 1938 اي قبل 75 سنة في بلدته القوش ، ينحدر من عائلة وزي المعروفة بممارسة مهنة الحدادة حيث أكمل دراسته الابتدائية فيها ودراسته الإعدادية في الموصل وبجدارة تخرج من معهد الهندسة العالي ، في بد\اية الستينات من القرن المنصرم ، ولم يوقفه طموحه عن تكملة الدراسه فحصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة بغداد ، ثم دخل معترك الحياة العملية مهندسا ناجحا ، كفوءا ، ارتقى عدة مناصب وظيفية وكان أهلا لها وجديرا بها ، حتى أصبح رئيس مهندسين أقدم بدرجة خبير لكفاءته ومهارته في مجال اختصاصه  ( الطاقة الكهربائية ) ، كان صاحب مشروع علمي / وطني ذا عزيمة صلدة لا تلين . وقد شغل العديد من المسؤوليات في مجال عمله منها مديرا لتوزيع كهرباء بغداد ، ترشح في العديد من المرات ليكون ضمن الوفد العراقي الى الكثير من دول العالم ويمثل بلده في مجال تشغيل الطاقة الكهربائية ، حتى عندما تمرض كان الوفد لا يكتمل الا بوجوده لأنه كان يترأسه ، ولأهمية وجوده ضمن الوفد ادخل في ذات مرة بعد انتهاء مهمة الوفد الرسمية  في فرنسا الى احدى مستشفياتها واجريت له هناك فحوصات طبية ، للأطمئنان على صحته .      ومن الدول التي أوفد اليها  ( فرنسا ، انكلترا،المانيا،السويد ، ايطاليا وعدد من الدول العربية ) ، وتم تكريمه أكثر من مرة من قبل الوزارة أو وزير الكهرباء ، وقد اشرف على المشروع الوطني للكهرباء وحصل على كتاب شكر من الوزير بنجاحه  . ولقدراته العلمية وأهمية وجوده كمشرف في مجال الطاقة الكهربائية كانوا يستشيرونه حتى بعد إحالته الى التقاعد ، ولذات السبب أعيد  ثانية الى وظيفته بعقد عمل ليأخذ مكانته الطبيعية الملقاة على عاتقه  والتي كانت الوزارة تزخر بافكاره ومقترحاته وآرائه . اما الجانب الاجتماعي من حياته فقد اهمله تماما لكونه ملتصقا ومنصهرا بحياته العملية ولم يفكر قط باختيار من تقاسمه الحياة  ، لأن العمل كان قد ملأ كل حياته ، لذلك كان يقدسه ويعتبره رفيقا لدربه .  فشكلت خسارة رحيله عنا خسارتان ، الأولى اننا فقدنا مواطنا عراقيا أصيلا كنا نرى فيه ركنا وطنيا غيورا ، والخسارة الثانية إننا فقدنا خالا عزيزا  تكمن فيه كل الخصال  الانسانية الصادقة . من سوء الحظ تمرض وساءت حالته الصحية يوما بعد آخر لكنه كان في أشد حالات مرضه يمتلك خزينا ثرا في ذاكرته حول عمله الذي كان يؤديه ، وحينما كانت دائرته تحتاجه لم يتردد في اصطحابهم اليها ليقوم بوظيفته وكأنه ما زال موظفا ، تقع على عاتقه  مسؤولية وظيفية يجب ان يؤديها على احسن ما يرام . وكان لا يكتفي بالعمل في الدائرة بل كان يأخذ القضايا المهمة التي لم ينجزها في الدائرة الى المنزل ليكملها هناك . وفي عام 2004 دفع ضريبة الوطن حينما فوجع بالعمل الارهابي الذي تعرض له شقيقه الاصغر الشهيد فخري ، الذي كان قد توجه صباحا الى وظيفته تاركا ولده وابنته الصغيران ينتظران قدومه بفارغ الصبر ، لكن الجناة زرعوا الموت في طريقه عندما اقتحم زحمة الناس رجل مفخخ فجّر نفسه وسط جموع من العمال والموظفين دون ان يبالي بشيء ، حينها ساءت حالته الصحية اكثر واكثر وفقد على اثر تلك الصدمة  النطق . وراحت معاناته تزداد بشكل تصاعدي  ولا بارقة امل بتحسن وضعه ، اتعبته الايام والسنين وتدهور وضعه الصحي في خضم ظروف عصيبة لكنه لم يتلكأ في عطاءاته وخدماته الكثيرة ، واخيرا قرعت اجراس رحيله  و انطفأت شمعة حياته في صباح نيساني حزين ، وأوقف الموت تلك المشاعر والاحاسيس الانسانية التي كانت تعيش بين اوصاله منذ نعومة أظفاره ، فجاء خبر رحيله الابدي كالصاعقة علينا جميعا
وعصفت فينا فاجعة كبرى برحيله وأحاطت هالة من الدموع كل العيون التي عرفته ، وافتقدناه وافتقده زملاءه وأقرباءه ، وافتقدته شقيقته (سعيدة ) التي كانت تجد سعادتها معه والى جواره خاصة حينما  تقوم بخدمته في المأكل والمشرب والملبس وأي شيء آخر يحول وضعه الصحي دون انجازه ، فبكت بغيابه الأبدي بصمت وألم وحسرة ، بكت دون دموع ولكن في قلبها ودواخلها بركان من الحزن على ما سيتركه رحيله من الفراغ في حياتها ، وبكت عليه شقيقته صلحه وأشقاءه الذين حالت الغربة عن حضورهم مراسيم تشييعه ودفنه ، اما العزيزين فادي ومريم ثمرتا  الراحل الغالي فخري فأنهما ارتديا وشاح الهم والألم بفقدانه لأنهما كانا يجدان فيه الأب والعم والصديق والأنيس . وذرف دموع الفراق الأبدي أبناء وبنات عمه ، خصوصا أمي الغالية التي جعلتنا نحب الراحل العزيز ونحن صغارا قبل ان نلتقيه ، من خلال أحاديثها الشيقة عنه وكبر ذلك الحب بعد ان التقيناه كبارا . وهكذا عاد الى موطن ذكرياته في صباح 16 / 4 بصحبة شقيقتيه سعيدة وصلحة التي بكت عليه دما ، ليوارى الثرى في مسقط رأسه الى جوار آبائه وأجداده ، فعشنا لحظات طافحة بالحزن ونحن نودعك ايها الغالي ، يا من استأثرت بإعجاب أقرانك وزملاءك ومحبيك .   وا أسفي على أفول نجم من نجوم البلد المرهق والذي أفنى زهرة شبابه في خدمة الوطن ، نجم سطع من اجل ان يكون معطاءا في خدمته للإنسانية .  وداعا وسلاما اليك ايها الخال وأنت تغادرنا الى دار البقاء في فردوس الجنان  .. وداعا ايها الصادق كالبراءة والزاهي كغرسة زيتون .. وداعا يا من نواسي برحيلك قلوبنا فهي الوحيدة التي تستوعب حزننا عليك .. ارقد بسلام ايها العزيز فان ما تركته من طيبة القلب ونقاء الذات وصفاء الوجدان سيجعلك تعيش في ذاكرة الناس ومحبتهم . واخيرا اقول وبألم  رحل الموغل في الطيبة الى رحاب الخالدين تاركا لنا ذكراه التي ستعشش دوما في دواخلنا وسنظل نذكره على مر السنين بل سيبقى حيا وشاخصا في أذهاننا .. لك محبتنا ووفائنا وعليك حزننا ولنا ولأهلك وذويك العزاء والصبر دائما وأبدا .