بين الشرق و الغرب لي حكاية , يجب أن تحكى .
باسم يوسف دخوكا
كلما أرى الأشياء الجميلة في البلدان المتحضرة ... يقفز هذا السؤال الى مخيلتي :- لماذا لم نراها بوطننا ؟ المدارس الراقية , التعليم الجيد , توجيه الطلاب على المطالعة الخارجية و الإهتمام بها , ثقافة تقبل الآخر . أشياء و أشياء لا تنتهي ... . إنهم يعلمون الأطفال كيف يزرعون النبتة , و كيف يحترمون الوقت , و كيف يفكرون . يعلمونهم أن يحبوا الموسيقى , يغرسون فيهم محبة الإنسان لكونه انسان . ليس هنالك في قاموس التعليم كلمة إسمها ( العدو ) يعلمونهم المحبة و التي تحفظ لكل طرف حقوقه و فكره و معتقده .. حتى الجامعات الأهلية لها منهج مكمل لما يتعلمه الأطفال في صغرهم ..تخيل مثلا ( جامعة ليولا الكاثوليكية ) و التي يدرس بها ولدي تحتوي على كل المعابد و لمختلف الأديان ( الكنيسة , المسجد , و معبد لليهود و البوذا ) . لا ادري بماذا تتباهى أنظمة الحكم بأوطاننا ... بدأ ً بإشارة المرور و لا انتهاء بعطسة تعطسها قد تسبب باعتقالك . أنظمة و قواعد فاشية بكل أسسها و قيمها , تحتكر العقول و تجعل منها أداة جارحة ليتمكنوا من إستخدامها . فالثقافة هي أن لا تفكر إلا بما يودونك أن تفكر , العلم و التكنلوجيا نحن بعيدين عنهما ومستوردين لهما و ناكري الجميل لأفضال كثيرة و منها ما ينقذ حياتنا أو يجعلنا أن نعيش برفاهية . الفلسفة و الأدب و الفن السابع حدث ولا حرج ..نحن فلسفتنا هي أن تكون جاهل خير من أن تتعلم فتختلف و تخالف . الأدب هو أن تدني برأسك و لا تجيد القول سوى نعم .. نعم . نحن أعظم ألأمم بالأخلاق ! و من ضمن ما نتعلمه و نعلمه كيف ترجم الأخرين و تدفنهم أحياء . و لا نرى العيوب بنا و نستخدم ( الله ) و كأننا بأيدينا صنعناه , و لم يخلقنا و يصبر علينا و يغفر لمن يشاء ومتى ما يشاء , و بالطبع أنا أول الناس الذين باتوا يكرهون هذا ( الله ) الشرقي , لكثرة الجرائم التي ترتكب بإسمه . نحن شعوب تود أن تتعلم و لا تتعلم , تود أن تعيش و بأيديها تحفر قبورها , تتمنى الحرية , لكنها ُتقبلْ ألأيادي و ُتمجد قاتليها .
غريبة ..غريبة أن تنتحر كل امانينا تحت أقدام السادة الكبار سواء ان كانوا الحكام أو قادة الأحزاب أو رجال الدين فكل منهم له هواه و مزاجه و نرجسيته , فلا يرى ما نرى و لا يسمع الا ما يريد , و ما لا يريده فلا حاجة له قد يغيبه (صورةً و صوتاً ) عن خريطة الوطن أو المواطنة .
شبابنا و شاباتنا بدلا أن نستمع اليهم نضعهم تحت حكم (لا ) و مفرداتها .
يجب أن يلبسوا ما نريد , و يفكروا كما نريد , و يتنفسوا الهواء الغير النقي الذي إستنشقناه و لدهر من الزمن . كنا و كان , والقصص الخرافية التي لا تنتهي يجب أن تكون مقدسة لهم .
نكذب عليهم ونطالبهم بالصدق .
نهينهم و نطالبهم بالإحترام .
نتجاهل لمطالبهم , و نثقل عليهم بمطالب معظمها تافهة و غبية .
بيننا وبين الغرب مسافات شاسعة و قيم مختلفة نخترق بلدانهم , يرحبوا بنا و يكرموننا , فنلعنهم و نكفر بثقافتهم و نسخر من محبتهم للحياة و تقبلهم للأخر و تقيمهم للإنسان .
وما يحزنني و يحزن الكثيرين منا هو :
بدءً من الدرس الأول ومن المرحلة الإبتدائية و التي درسناها كلنا .. من منا لا يتذكر ( دار ..داران .. دور ) و أقول بدأ ً بذلك و لا انتهاء الى ما نصل اليه في الحياة نحن لا ننجز شيء يجعل الاخرين يستفيدون منه . و من أغرب ما سمعته في الحياة كان في صدفة جمعتني على الطائرة (بمعمم ايراني ) وفي رحلة من تركيا الى السويد و دار بيننا حوار طويل وشكرت الله باننا كنا في أجواء محايدة و إلا لكان ( كفرني ) و استخدم كل اسلحته ضدي . و قد برر تخلفنا في مجال العلم و التكنلوجيا و كل شيء برده : ان الله أنعمهم بالنعم في هذه الدنيا ( و يقصد أهل الغرب ) و نحن ينعمنا بملكوته في الآخرة !! و قلت له بسخرية : و هل تعني ان الله يودنا أن نكون جهلاء و متخلفين و نرجم الخاطىء حد الموت, و نقتل الذي يختلف عنا سواء في العقيدة و الفكر و الدين لكي ندخل جناته ؟ ابتسم ابتسامة ماكرة و قال : انهم فرحون بالأشياء الزائلة و قاطعته و ماذا عنك يا مولانا لماذا تركب الطائرة , اليست من صنعهم ؟ لماذا تستمتع بما ينجزونه الكفرة ؟؟ هكذا يفكرون و هكذا يديرون شؤون البلاد , هكذا يتباهون بجهلهم و يعتبرونه إيمان و يحثون الأخرين على أن يتمسكوا به . و قال أشياء أخرى لا أود أن أطرحها لكون فيها من السذاجة و الجهل و التخلف لا تستحق مني أن أدونها . وفي جانب آخر صادفت احد المسؤلين الكبارالقادم من الوطن المغبون في زيارته لأمريكا و أنا أستمع الى ما يقول لم أدري هل أبكي أم أضحك من سخرية القدر اللعين و الذي جعل من هؤلاء يمثلوننا في بلدان العالم و هو لا يفرق بين ( التاء و الطاء ) ولو كان للجهل رائحة ً لما إستطعنا المكوث بجانبه لدقيقة .( و العبارة مقتبسة عن مقولة للفيلسوف نيتشه مع بعض التغير ) كاد ان يمزق هدومه عصبية من طرح أحد الحاضرين و الذي واجهه بسؤال منطقي : أين تذهب واردات النفط ؟ الشعب جائع والمعانات تزيد يوم بعد يوم و انتم لا تملكون سوى الوعود و جمع المال . فابتسم الذي يجاورني و همس لي : من حسن حظ السائل انه لم يتلقى لكمة من مرافقي السيد المسؤول و كأنهم مصارعين و ليسوا مرافقين , فأجبته : لو كانوا بالوطن لفعلوها بكل فخر و إعتزاز . فإلى أين نسير ؟ و هل هنالك نهاية لهذا النفق المظلم ؟ حتى التغيرات و الثورات التي أثلجت صدورنا في بدايتها هي نفسها تحرق الصدور و تحطم كل الأماني بالتغير و بدلا من أن نمضي الى الأمام نعاكس الزمن بالعودة الى الوراء .