المحرر موضوع: تعقيب على مقالة: الأب ألبير أبونا (البحث عن القومية)  (زيارة 1784 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل shlimoonee

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تعقيب على مقالة                              4
               الأب ألبير أبونا
البحث عن القومية

   حقيقة لقد دُهشت من بعض العبارات والأفكار التي ضمّتها مقالة الأب الفاضل ألبير أبونا تحت عنوان (البحث عن القومية) والمنشورة في موقع عنكاوة، ذلك أنّ الكل يعرف سعة اطّلاع الأب البير أبونا وخاصة في دائرة ثقافة الأمة السريانية وتاريخها.
يقول الأب البير في مقالته المشار اليها:
(عُقدت مؤتمرات حول تسمية المسيحيين أو بالأحرى حول الإتفاق على قومية مشتركة تضمّ جميع فئات المسيحيين، ما عدا الذين ينتمون إلى الأصل العربي).
هل من المنطق العلمي والسياسي أن يُحاول أحد من المهتمين والعارفين بالشأن القومي البحث عن تسمية جديدة للمسيحيين؟!!! ماذا نُسمّيهم ... إنّهم مسيحيون ليس إلاّ وبكل بساطة... إلاّ من أنكر مسيحه ودخل حظيرة أخرى غير حظيرة يسوع المسيح، عند ذاك سيتسمّى بتسمية حظيرته الجديدة وقد حصل ذلك كثيراً ويحصل. ثم هل من المنطق أن يحاول أحد من العارفين والمشتغلين بالشأن السياسي أن يبحث عن قومية للمسيحيين؟!!
الكل يعرف أنّ المسيحيين في العالم أُمم وشعوب ودول وقارات مختلفة وكذلك المسلمون... إنّهم يختلفون إلى شعوب ولغات وأوطان، ومن المحال العلمي والواقعي والمنطقي جمعهم في قومية واحدة.. أقول هذا وفق التحديدات العلمية التي يحددها أهل الشأن بالنسبة لمفهوم القومية والأمة والدين والمذهب.... فأهل الشأن من المشتغلين بالعلوم السياسية والإجتماعية يقولون لنا إنّ هناك فروقاً بين القومية والدين والمذهب الديني أو الكنيسة.. خُذ مثلاُ العرب، إنّهم أمّة ذات شعوب وأديان ومذاهب وشيع وكنائس ودول سياسية ويتميزون عن الأمم الأخرى بلغتهم العربية الفصحى أو الأدبية المشتركة وتراثها .. المسيحيون فيهم يحملون نفس الخصائص القومية التي يحملها المسلمون منهم.. فلنقرّ إذن أنّ الدين شئ والقومية شئ آخر، وهناك فرق بين الكنيسة أوالمذهب وبين القومية.  وقد تتواجد في القومية الواحدة أديان متعددة ومذاهب وكنائس مختلفة كما ضربنا مثلاُ بالعرب.. وأنا هنا بلا شكّ أخاطب المثقفين وأهل العلم ولا أخاطب الغوغاء الجهلة والذين يشبهون الببغاوات يردّدون الأقوال دون فحص وتمحيص.. ويخلطون بين الكنيسة والقومية عندنا، ويوجد عندنا من يقول إنّ تسمية (سورايا أو سوريايا) تعني المسيحي لا أكثر...أنا لا أخاطب هؤلاء فليس لي وقت لهم..
إنّ للقومية (أية قومية) خصائص أو عناصر يتفق عليها أهل العلم ليميزوا بين قومية وأخرى وليصنّفوا الجهلاء إلى قومياتهم الحقيقية إذا اختلط الأمر عليهم كما هو الحال لدى الكثير من أبناء شعبنا.. فاللغة القومية المشتركة وتراثها هما من أكثر العناصر القومية قوة وتماسكاً، ومن ثمّ يأتي التاريخ المشترك والأرض المشتركة ولدى الطبقة المثقفة والقومية الواعية تأتي الآمال والأهداف المشتركة أيضاً لتقوّي من الروابط القومية أكثر، وهذا متأتٍ عن الشعور بالإنتماء القومي... وقد استبعدوا الدين والمذهب والكنيسة والدّم.. فليس من شعب متحضّر خاصية نقاوة الدم حتماً.. والدين مشاع لكل الأمم والشعوب وكذلك المذهب والكنيسة مثلها مثل الأفكار والعقائد الفلسفية...
إشكالية التسمية:
حقيقة لست على إطّلاع كافٍ فيما يخصّ إشكالية التسمية القومية لدى الأمم والشعوب الأخرى، ولو إنّ لكل شعب أو أمة واقع تاريخي ومعاش والذي يختلف بدرجة أو بأخرى عن واقع الأمم والشعوب الأخرى.. ولكن يمكن القياس بدرجة ما على بعضها أو الإستفادة من تجاربها في حلّ الإشكالات.. وتحضرني هنا تسمية (جيكوسلوفاكيا) والتي هي من لفظتي (الجيك) و (السلوفاك)...
لنأت الآن إلى مشكلتنا أو إشكاليتنا القومية العَصيّة على السياسيين والمشتغلين بالشأن القومي، ألا وهي إشكالية التسمية القومية الواحدة....
بداية أراني مضطراً إلى استعمال مصطلح (العائلة السريانية) لنعني بها كل الناطقين بهذه اللغة العريقة أو الناطقين بالآرامية بلهجاتها المختلفة والسريانية لغتهم القومية الأدبية المشتركة...
هذه المجموعة البشرية أو هذه العائلة التي تشترك في اللغة كما قلنا وفي الأصول العرقية والأرض والتاريخ، على أقلّه بفجره الجميل كما سمّاه المرحوم الأب يوسف حبّي، وللذين لديهم الوعي القومي منهم نضيف الأمال والأهداف القومية المشتركة كما قلنا... وهذه العناصر المشتركة التي ذكرناها توّاً هي العناصر التي بمجموعها تميّز هذه المجموعة البشرية عن غيرها كالعرب والكورد والترك والفرس والأرمن وتربطهم كعائلة واحدة، ولا يُعتدّ بالحالة الشاذّة التي هم عليها الآن بانتشارهم في بقاع المعمورة نتيجة الظروف السياسية وسياسات التمييز والصهر القومي التي مارسته الحكومات الشوفينية المتعاقبة...
إذن العناصر أو الخصوصيات القومية التي تميّز عائلتنا السريانية عن غيرها هي:
1-   لغتنا القومية الأدبية المشتركة السريانية الآرامية والتي تمتلك إرثاً يمتدّ لألفي سنة هي مفخرة لنا جميعاً وسنحافظ عليها ونصونها ما بقينا..
2-   الأرض المشتركة: بلاد النهرين عرين الأسود والجبابرة والعظام من أكديين وآراميين ولا زلنا عليها نعيش..
3-   الأرضية التاريخية المشتركة، ضاربين عرض الحائط تلك الفروقات الكنسية والتي كانت نتيجة الجدالات اللاهوتية العقيمة التي ابتلي بها كل المسيحيين ومنهم قطيع كنيسة المشرق السريانية كنيسة بين النهرين العريقة، حيث اجتهد الجرّاحون اللاهوتيون في البحث بآلاتهم القاصرة دائماً في جسد الرب عن لاهوته وكنهه وأبقوه مصلوباً ينزف دماً ولا يزال....!!!
4-    وآمالنا وأهدافنا القومية المشتركة المتمثلة في صيانة الجسد القومي وبكل خصائصه القومية والعمل من أجل حياة إنسانية كريمة له في أوطانه التاريخية..
قد نشترك، إلى حدٍّ ما في بعض العناصر مع قوميات أخرى في الوطن، لكن اللغة وإرثها المكتوب يبقيان الخاصية أو العنصر الأهم الذي نتميّز به قومياً... إذن أنّ أبناء السريانية يُشكّلون قومية ذات خصائص واضحة لا لبس ولا شكّ فيها. فمن هم هؤلاء؟.... ماذا كانوا يُسمّون أنفسهم وخاصة في (فجرهم الجميل).....
لو فتّشنا كتب الأولين من الآباء فبلا شك سنلاحظ ضمناً أو صراحة الإجابة التالية:
إنّهم أحفاد بابل وكلدو وآشور وآرام بلا منازع....

لقد ضمّت بلاد الرافدين شعوباً كثيرة على مرّ العصور، وقد لعبت بعض هذه الشعوب دوراً متميّزاً في تشكيل تاريخ وحضارة بلاد بين النهرين كالسومريين والبابليين والآشوريين والآراميين.. كلّ كانت له بصمته على خريطة هذه البقعة المباركة الطيبة.. وأعمق صبغة كانت الصبغة الآشورية بإمبراطوريتها المترامية الأطراف والممتدّة على مساحة زمنية تقارب الأربعة قرون...
ما يهمنّا هنا هي حال الفترة قُبيل المسيحية.. كانت بلاد النهرين الشرقية ولاية تابعة لفارس (آسورستان أو سورستان) كما كان الفرس يسمّونها، وعنهم أخذ اليونان تسمية (سيروس Syrus ) والتي منها جاءت لفظة السريان ܣܘܪ̈ܝܝܐ  . كانت شعوب البلاد من الآشوريين والكلدان والآراميين تلهج بالآرامية، والحقيقة أنّ الآرامية في هذه الفترة كانت شبه لغة دولية لمنطقة الشرق الأوسط، من بابل إلى نينوى فحرّان وأورهاي والمدن الآرامية في سوريا وإلى فلسطين ولبنان، تلك كانت خريطة اللغة الآرامية، وقد امتدّت لأكثر من ذلك..  
نعم بسقوط نينوى وبابل انتهى الحكم السياسي الوطني في العراق وأصبحت ولاية فارسية، وقد تقاسمت المملكتين الفارسية والرومانية بلاد الرافدين وأصبحت ساحة صراع بينهما.. لكن أبناء الرافدين من الآشوريين والكلدان والآراميين أسسوا مملكة أخرى وتوحّدوا في تسمية واحدة تعمذوا بها بعد اعتناقهم المسيحية..
لقد بشّر الرسل الرّها وأسسوا فيها كنيسة ومنها انطلقوا إلى بابل وكانت كنيسة كوخي، لقد تأسست كنيسة المشرق من شعوب النهرين .. من الآشوريين والكلدان والآراميين ومن عناصر أخرى كالعرب والفرس والترك والفرس، غير إنّ الغالبية كانت من الآشوريين والكلدان والآراميين حتماً، ومن كلّ تلك الأعراق الناطقة بالآرامية تكوّنت أمّة جديدة تحت خيمة كنيسة المشرق وبلغتها السريانية الآرامية.. لقد تعمذّوا بالإسم السرياني جميعاً ܣܘܼܪ̈ܝܐ أو ܣܘܪ̈ܝܝܐ وهي التسمية التي تقبّلها كل من دخل المسيحية تحت كنف كنيسة المشرق السريانية.. لم تكن التسمية الجديدة غريبةً على أذهانهم حيث إنّها كانت  مستعملة في سورية بين الناطقين بالآرامية قُبيل المسيحية، لكنّها أصبحت عامة لكل مؤمني كنيسة المشرق السريانية...والتسمية وفق ما عرضه أرنست هرتزفلد تحريف فارسي يوناني للفظة (آثور أو آشور)، ونحن شخصياً نذهب هذا المذهب..
إذن فقد تكونت أمة جديدة بفعل الحركة المسيحية الكبرى في المنطقة.. أمّة اتخذت من لهجة الرها الآرامية(السريانية) لغة رسمية مشتركة لكنيستها الناشئة (كنيسة المشرق السريانية) وهكذا ذابت كلّ تلك الأعراق الناطقة بالآرامية والتي اعتنقت المسيحية في بوتقة كنيسة المشرق وتعمّذت بالإسم السرياني.. إنها حقيقة تاريخية لا مناص من قبولها.. وتصرخ بها كل المصادر السريانية ..
هل من أحد ينكر أنّ افرام (نبيّ السريان) سرياني، وكذلك نرساي ويعقوب أفراهاط والعشرات غيرهم من جيلهم أو من بعدهم.. أفرام ملفان الكنيسة الجامعة.. سرياني... شاء البعض أم أبى.. وكذلك نرساي..
لا ينكر أنّ الكثير من الملافنة السريان قد استخدموا تسميات أخرى وخاصة التسمية الآرامية وكأنها مرادفة للسريانية.. كما إنّ البعض ذكر تسمية الآثوريين والكلدان.. وهذا يعني أنهم يعرفون جيداً أنهم أحفاد أؤلائك الشعوب العريقة..
إذاً فالسريان ܣܘܼܪ̈ܝܐ أو ܣܘܪ̈ܝܝܐ هم أحفاد بابل وآشور وآرام..
لا أحد من الشعوب المجاورة كالعرب والكورد والفرس والترك يدّعي بأنهم أحفاد الآشوريين أو الكلدان أو الآراميين.. سوى السريان بالذات.. ومراجعهم المعتمدة تذكر ذلك...
لاحظوا هذا الإستعمال للفظة السرياني لدى نرساي، وهو يتحدث عن حادثة بلبلة الألسن في برج بابل التوراتية.. كيف يستخدم التسمية (السرياني ܣܘܼܪܝܐ) السرياني... لنقرأ:



ܩ̣ܥܵܐ ܣܘܼܪܝܵܝܵܐ ܠܘܵܬܼ ܝܲܘܢܵܝܵܐ ܕܢܸܥܢܹܝܘܗܝ ܡܸܠܬܼܵܐ:
هتف السرياني إلى اليوناني ليُجيبه بكلمة:
ܘܠܵܐ ܦܲܢܝܼ ܠܹܗ ܡܸܠܲܬܼ ܦܘܼܡܵܐ ܠܦܘܼܡܵܐ ܚܲܒܼܪܹܗ܀
ولم يُجِبْه بكلمة فمٍ للفم صاحبه:
ܠ̣ܥܸܙ ܪܗ̄ܘܿܡܵܝܵܐ ܥܲܡ ܡܸܨܪܵܝܵܐ ܒܠܸܫܵܢ ܒܸܣܪܵܐ:
تكلم الروماني مع المصري بلسان من لحم:
ܘܠܵܐ ܣ̣ܦܲܩ ܒܸܣܪܵܐ ܠܡܸܦܪܲܫ ܠܸܥܙܵܐ ܕܒܸܣܪܵܐ ܟܢܵܬܹܗ܀
ولم يستطع اللحم أن يُمَيّز لهجة اللحم رفيقه.
ܪܡܲܙ̣ ܡܵܕܵܝܵܐ ܠܐܵܠܵܢܵܝܵܐ ܕܲܩܪܘܿܒܼ ܨܹܐܕܲܝ:
أشار الماديّ للآلاني أنِ اقتربْ عندي:
ܘܲܫ̣ܬܸܩ ܘܐܲܗ̣ܡܝܼ ܐܲܝܟܼ ܠܵܐ ܫܵܡܲܥ̇ ܕܠܵܐ ܫܵܡܲܥ̇ ܗ̄ܘ̣ܵܐ܀
وسكت وتغافل كمن لا يسمع حيث لم يكن يسمع.
ܩ̣ܪܸܒܼ ܗܸܢܕܘܵܝܵܐ ܠܘܵܬܼ ܗܹܘܢܵܝܵܐ ܕܢܸܣܬܲܘܲܕܼ ܠܹܗ:
اقترب الهندي إلى الهونيّ ليحاوره:
ܘܲܗܘܲܝ̈ ܡܸܠܵܘ̈ܗܝ ܝܲܬܝܼܪ̈ܵܬܼܵܐ ܘܠܵܐ ܐܸܬܼܩܲܒܲܠ܀
وكانت كلماته من النوافل ولم تُقبَل.
الملاحظ في هذا الميمر إنّ نرساي يورد أسماء شعوب كثيرة منها الداني ومنها القاصي، ولا يذكر التسميات (آشوري، كلداني، بابلي، آرامي) بالرغم من أنهم أبناء الأرض، لكنه يذكر فقد تسمية (السرياني)..
فماذا نستشفّ من ذلك..؟ بكل بساطة نقول إنّ نرساي عندما استخدم تسمية (السرياني) كانت التسميات (الآشوري والكلداني والآرامي) حاضرة في ذهنه في تسمية (السرياني)، بعبارة أخرى كانت تسمية السرياني عنده تعادل أو هي البديل الموضوعي للتسميات الآشورية والكلدانية والآرامية.. فبذكره لتسمية السرياني لم يكن بحاجة قطّ إلى ذكر تسمية الآشوري أو الكلداني أو الآرامي لأن الأولى كانت تعنيهم جميعاً في ذهنه... وإلاّ لماذا يحجم مثقّف سرياني كبير مثل نرساي عن ذكر تلك الأسماء بينما يذكر أسماء شعوب وأمم أجنبية ...
وعن مصير شعوب النهرين كالآشوريين والكلدانيين والبابليين.. فإن الأب الفاضل البير أبونا قد أذابهم في الشعوب المجاورة، ولا أعرف هل صدرت فتوى صريحة من الشعوب المجاورة بهذه العملية أو حتى من الشعوب (المذابة) نفسها. ما هو دليل الإذابة هذه.. لو كان الأب الفاضل قد قال بأن الآشوريين والكلدان والآراميين قد ذابوا في الأمة الجديدة (السريانية) وكانوا العناصر الأساسية والغالبة لها، لكنّا قد أيّدناه دون شكّ... إنّ الشعوب قد تفقد سيطرتها السياسية ولكنها تبقى كشعب أو كأفراد.. إنّ الآشوريين والكلدان والآراميين قد بقوا مستمرّين خلايا نابضة بالحياة في الجسد أو الوليد  الجديد.. الجسد السرياني.. ولا زالوا ينبضون بالحياة في هذا الجسد.. أنا شخصياً أؤمن يقيناً بأن الآشوريين والكلدان والآراميين لا زالوا أحياء يرزقون، أنهم أحياء كما قلت في الجسد السرياني الواحد...
هل نقول لأهل القوش أنكم بلا جذور؟ وكذلك لأهل تلكيف وتللسقف وباقوفا وباطنايا وبغديدا وبرطلا والقرى السريانية الأخرى في أنحاء آثور المسيحية..؟ هل نقول لهم أنكم أصلاً عرباً أو كورداً أو تركماناً أو فرساً.. وتعلمتم الآرامية ودخلتم المسيحية وتعمذتم بالإسم السرياني؟ هل هذا منطق تاريخ المنطقة؟... إنّ من يمتلك بعض المعرفة التاريخية ويتحلى بالصدق، سيرفض حتماً ذلك ويقول أنّ هؤلاء هم أصحاب الأرض من الأزمنة الغابرة منذ وجود بابل ونينوى.. أنهم أهل آثور....
ولنعد بعد هذه الفذلكة إلى المسألة الجوهرية.. مسألة أو إشكالية التسمية عندنا.. ونقول في ذلك..
لقد عرف أجدادنا أنفسهم بعد اهتدائهم إلى الإيمان القويم بأنهم ܣܘܼܪ̈ܝܐ أو ܣܘܼܪ̈ܝܝܐ وباللغة العربية (السريان). ولا شكّ في إنّ المصادر العربية التي خلفها السريان أنفسهم أو العرب استعملت لفظة (السريان ܣܘܼܪ̈ܝܝܐ)  ولم تستعمل لفظة (السوريين) أي نسبة إلى سورية.. وذلك حسب ظني عن قصد لغرض التفريق بين التسمية القومية (السريان) والتي لا تعني النسبة إلى سورية وبين السوريين نسبة إلى سورية  .
ولا ننكر أنّ تسمية (الآراميين) وردت أحياناً في المصادر السريانية كمرادف لتسمية (السريان)، لكننا نرى أنّ تسمية (السريان) أعمّ وأشملّ من التسميات الأُخَر أعني: الآشوري، الكلداني، الآرامي... ذلك أن تسمية (السريان) وكما استخدمها الملفان نرساي تحوي ضمناً التسميات الأخر.. ويعرف الكل أن السريان ينقسمون إلى شرقيين  وغربيين وفقاً لبعض الإختلافات اللفظية البسيطة في اللغة..
إن التسمية السريانية استعملت لأداء معنى الأمة وليس الدين كما يُروّج البعض من الجهلة، إنها ليست مرادف لتسمية المسيحي، إنّ الربط حصل في البدء حين اقتبل (الآشوري والكلداني والآرامي) الوثني المسيحية ومعها التسمية القومية الجديدة (السرياني) وذلك بغية قطعه من جذوره الوثنية كلياً، وهذا التقبل لم يأت من فراغ حتماً، فلا شكّ إن (الآشوري والكلداني والآرامي) الناطق بالآرامية كان يعرف إنّ تسمية (السرياني) كانت تُطلق على الناطقين بالآرامية في سورية وتحديداً في كلّ المنطقة الواقعة تحت تأثير الثقافة اليونانية وهي عموماً غرب الفرات، ولهذا كان تقبلها ببساطة وكونها تسمية مبشّريهم الذين من الرّها خاصة فكانت محبّبة لديهم حتماً لغيرتهم على إيمانهم..
لقد بقيت تسمية السريان مستعملة عموماً لدى الشرقيين والغربيين  إلى أن انفصل قسم من السريان الشرقيين (النساطرة) واتّحدوا مع روما وطلبوا أن يُسَمّوا كلداناً بدلاً من (نساطرة) والذين كانوا تحت الحرم الكنسي من قبل روما وكنائس أخرى وذلك في القرن الخامس عشر، وحتماً تسمية الكلدان لم يأتِ بها أصحابها من فراغ، فهم كانوا من أصول الكلدان أيضاً وفي مواطنهم التاريخية وتيمناً بلقب أبي المؤمنين إبراهيم الكلداني (الذي من أور الكلدان) فقد طلبوا تسميتهم بهذا الإسم لتمييزهم عن السريان الشرقيين النساطرة، بالمناسبة فإن كتاب الحوذرا ܚܘܕܪܐ والمطبوع في روما سنة 1886 وكذلك طبعة روما سنة 2002 يستعمل تسمية السريان الشرقيين للكلدان:
ܨܠܘܬܐ ܩܢܘܢܝܬܐ ܕܟܗܢ̈ܐ
ܐܲܝܟܼ ܛܲܟ݂ܣܵܐ ܕܣܘܼܪ̈ܝܵܝܹܐ ܡܲܕܼܢܚܵܝܹ̈ܐ
ܕܗܸܢܘܿܢ ܟܲܠܕܼܵܝܹ̈ܐ

الصلاة القانونية للكهنة
حسب طقس السريان الشرقيين
الذين هم الكلدان

وهذه حقيقة واستعمال صحيح وفي مكانه..
الكلدان (النساطرة المتحدّون مع روما) هم سريان مشارقة، لا شكّ في ذلك.. وهل هناك أي كلداني يجرؤ أن يقول: أنا لست سورايا ܣܘܼܪܝܐ؟
ولو أنّ الجهلاء يفهمونها بمعنى (المسيحي) على البساطة، لكن ذلك نتيجة الجهل بالحقائق التاريخية حتماً...
أما إطلاق التسمية الآشورية حديثاً كتسمية قومية للسريان، فإنها حديثة العهد ولا شكّ في ذلك.. إنّ البعثات التبشيرية الغربية والإستشراقية والأركيولوجية الذين تناولوا في دراساتهم ويومياتهم النساطرة قد أشار الكثير منهم إلى الأصول الآشورية والكلدانية للنساطرة  ولا شكّ إنّ ظروف الإضطهاد التي عانها السريان النساطرة خاصة كانت عاملاً مهماً لتنامي الوعي القومي لديهم ومحاولتهم البحث عن جذورهم القومية، وكان المبشرون الغربيون وبناء على دراسات بعض المستشرقين والمؤرخين يطلقون تسمية الآثوريين عليهم، وهذه التسمية لم تكن غريبة عليهم، فمصادرهم الكنسية والتاريخية تزخر بها لا بل إنّ مؤرخيهم يشيرون إلى جذورهم الآشورية والكلدانية.. وهكذا عمّ لدى النساطرة خاصة استعمال التسمية الآثورية أو الآشورية كتسمية قومية مع التسمية السريانية، ونتيجة الظروف السياسية التي مرّ بها النساطرة فقد شاعت التسمية في المجال السياسي القومي والرسمي حتى في المواثيق الدولية وتعمّقت في الفكر القومي، يُضاف إلى ذلك تجذير لفظة (السريان) وإرجاعها إلى (آثور) وهذه حقيقة تاريخية، وقد خرجت التسمية الآشورية من النطاق المذهبي (النسطوري) إلى النطاق القومي السرياني عموماً في الكتابات القومية، فالمثقفون القوميون الآشوريون يطلقون التسمية الآشورية لتعني كل الناطقين بالسريانية، وحتماً هذه تسمية مُصطلح عليها وهي تسمية سياسية لها جذورها وليست بعيدة عن الواقع التاريخي لهذا الشعب، فالسريان هم أحفاد بابل وآشور وآرام كما قلنا.
وبعكس التسمية الآشورية، التسمية الكلدانية التي بقيت ولا زالت محصورة بين جدران الكنيسة ولم تستطع الخروج إلى الدائرة القومية، فالكلداني هو السرياني الشرقي الكاثوليكي تحديداً، ولكن حتى في هذا التحديد هناك إشكالية، فهناك سريان شرقيين كاثوليك يعرفون أنفسهم قومياً بالآشوريين، وقد حلّ البعض هذا الإشكال بالقول أنّهم ليسوا كلداناً بل آشوريين كاثوليك!!!! وذلك طبقاً لنظريتهم المهلهلة بأن الكلدان قومية والآشوريين قومية والسريان قومية.. ، ولم يجهدوا فكرهم في كيف يتمّ التفريق بين الآشوريين الكاثوليك وبين الكلدان خاصة وإن الخصائص القومية واحدة؟!! ما هي الإختلافات بين الجماعتين(!!) في الخصائص القومية؟
لا إجابة حتماً سوى القول: نُسمّيهم حسب ما يعرفون هم أنفسهم... هذه ليست معالجة علمية وقومية وتاريخية وسياسية، بل تملّص من الحقيقة ومجانبتها لأسباب أقلّ ما يُقال عنها إنها ضدّ الوحدة القومية؟ لا أدري هل يرضى ربّ الكنيسة بالتفرقة؟ حتماً لا، فهو القائل بل الآمر: لتكونوا واحداً...
على كلّ أطلنا في مناقشة آراء الجهلة..
واقعنا الآن هو إننا إزاء ثلاث تسميات: السريانية، وهي التسمية الأصلية والقديمة والتاريخية والأعم لهذا الشعب العريق بأصوله النهرينية، والتسمية الكلدانية والتي هي كنسية أو مذهبية تُطلق على جزء من السريان كما رأينا، والتسمية الآشورية والتي هي (على رأينا) إصطلاح سياسي قومي حديث أخذ مساحة واسعة في العمل القومي السياسي على النطاق القومي والوطني والدولي وهي مرادف للتسمية السريانية.. ومما يؤسف له أن تقوم الكنائس السريانية بتخصيص الأسماء الثلاثة لها كالكنيسة الكلدانية والكنيسة الآشورية والكنيسة السريانية (الأرثذوكسية والكاثوليكية)، ولو أننا نجد الآن تحت تسمية الآشورية كنائس أخرى غير النسطورية، كالكنيسة الإنجيلية الآشورية والكنيسة الخمسينية الآشورية.. مما يعني إنّ التسمية الآشورية هي تسمية قومية أكثر مما هي تسمية كنسية، لكن لا زالت هذه التسمية (الآشورية) في أذهان الكثيرين من الكاثوليك الشرقيين مرادفة للنسطورية، وعليه فهي مرفوضة ولا يمكن العمل تحت بيرقها مطلقاً.. وهذا الفهم الخاطئ لدى هؤلاء البعض متأتٍ من كون التسمية الكلدانية مقصورة في أذهانهم على السريان الشرقيين الكاثوليك لا غير..
هذه الحالة المرضية التي نحن عليها الآن، ونعقد المؤتمرات والإجتماعات وتدور النقاشات لمعالجتها وليس لإيجاد قومية مسيحية!!
إنّ المعالجة بطريقة علمية ومنطقية صعبة وغير مقبولة، فلكي تكون المعالجة العلمية والمنطقية مقبولة، فلا بدّ من وجود أذهان وعقليات تتصف بالمنطق والعلمية ولها دراية كافية بتاريخها، وهذا ما تفتقر إليه نسبة عالية من شعبنا، وترى الغالبية توافق طروحات وآراء بعض الإكليروس المتنفذ وإن كانت غير صحيحة.. إنّها الطاعة العمياء وحالة قيادة العميان للعميان...
أتساءل ما الذي يُنقص من حقوقنا المشروعة في أوطاننا لو قبلنا إحدى التسميات الأربع: السريانية، الآشورية، الكلدانية، الآرامية؟ هل سنحصل على حقوقنا بناء على التسمية القومية التي سنَدعو أمتنا بها؟ لست ضليعاً في الأمور والخفايا السياسية والقوانين الدولية، لكن المنطق يقول إن الحقوق القومية تُعطى لأية مجموعة بشرية ذات خصائص قومية متميزة وتطالب بها مهما كانت تسميتها.. نعم هناك بعض الملاحظات بالنسبة لحال أمتنا، هناك فعل سياسي قومي واضح ووثائق وطنية ودولية تذكر التسمية الآشورية أكثر، وكوننا أحفاد البابليين والكلدان والآشوريين والآراميين فنحن أحرار في تبني أية من الأسماء الأربعة كتسمية قومية، هذا قرار يعود لنا وحدنا..
أمّا الصيغة المطروحة حالياً وأعني الشعب (الكلداني السرياني الآشوري) فهي صيغة توفيقية للتوثيق الرسمي ليس إلاً، حيث ماذا سنسمّي الواحد منّا من هذا الشعب؟ لو سُئِلتُ: من الناحية القومية: من أنت؟ هل سأجيب أنا كلداني سرياني آشوري؟ أعتقد من الأفضل أن نتفّق على إحدى التسميات الأربع بدلاً من التشكيلة المعقّدة، أنا شخصياً أفضّل أولاً التسمية السريانية ومن ثمّ التسمية الآشورية... وكنت سأقبل بالتسمية الكلدانية فيما لو تمّ تأميمها (جعلها للأمة كلها) وليس لجزء من الأمة فقط.. أما التسمية الآرامية، فحقيقة هي قليلة الإستعمال في المراجع السريانية كتسمية قومية... وكان من الممكن صياغة مصطلح من تسميتين على غرار الجيكوسلوفاك، حيث من الممكن أن نقول الكلداشوري وليس الكلدو آشوري، فلصياغة المصطلح أو نحته بعض القواعد، ومنها أن تُنسَج الكلمتين أو الثلاث مع بعضها حيث تخسر كل واحدة حرفاً أو حرفين أو أكثر ليستقيم اللفظ ويسهل وتخرج لفظة جديدة مقبولة.. ومن السهل لفظاً القول أنا كلداشوري.. ولكن الأسهل منها القول: أنا سرياني أو أنا آشوري أو أنا كلداني أو أنا آرامي.....
ثمّ لا ننسى الإخوة المندائيين، من أيّ عرق هم يا تُرى؟ لغتهم آرامية بابلية ولا زالوا في المنطقة ومنذ زمن ما قبل الميلاد، ما رأيكم، أليسوا بالحق من الأصل الكلداني، ألا يحقّ لهم الإدعّاء بهذه الحقيقة التاريخية؟ إنهم أيضاً ضمن عائلتنا الآرامية، تلك حقيقة تاريخية شئنا أم أبَيْنا، إلاّ إذا قرّر أهل الشأن (المندائيون) شيئاً آخر...
من الأفضل للمدركين والعارفين والواعين القوميين الأخذ بالنقاط التالية:
1-   نحن المنتمين إلى عائلة اللغة السريانية (العائلة السريانية) لا بل ممكن أن نقول العائلة الآرامية، نحن شعب نهريني عريق بأصوله النهرينية ذو خصائص قومية مثل الإخوة العرب والكورد والتركمان والأرمن، ولنا ما لهم من حقوق وطنية وقومية وعلينا ما عليهم من واجبات وطنية...
2-    إختيار التسمية القومية من التسميات الأربع المتداولة، مسألة قومية داخلية نحن نقرّرها ونطلب استعمالها وتعميمها من الجهات ذات الشأن في الوطن.
3-    لنفرّق جيداً، ككلّ الشعوب والأمم المتطورة، بين الدين والقومية، بين الكنيسة والقومية، ولا يمكن الخلط بين التسمية الكنسية والتسمية القومية، ليقرّر العارفون والمثقفون والسياسيون التسمية القومية، ولتستخدم الكنائس ما شاءت من تسميات وصفات وعبارات تحتاجها للفصل والتفرقة والتمييز والتحريم (لا سامح الله أن تعود إليه). وبالمناسبة هل نخلق للإنجليين قومية خاصة وللسبتيين قومية خاصة وللخمسينيين قومية خاصة، وإلى ما تسع دائرة التفرقة والتمييز والتشيّع من أبناء السريانية؟؟؟!!!!
أنا حتماً بطرحي هذا كما لاحظ القرّاء الأعزّاء وكما قلت آنفاً أتوجّه إلى الخاصّة المثقفة والواعية، وليس إلى الغوغاء والببغاويين، فلا يحلّ الإشكال إلاّ هؤلاء وهؤلاء فقط، وحتماً لا أستبعد رجال علميون ومثقفون وواعون في إكليروس كلّ كنائس الناطقين بالسريانية، الشرقية والغربية والأرثوذكسية والإصلاحية والحديثة، ففيهم عقول وعلم وقرائح ذكية تفيد الأمة حتماً في هذه المسألة شرط أن يتجرّدوا (بطبيعة ذهنيتهم المطلوبة) من التعصب الكنسي....
وليعلم الكلّ إنّ الربّ يريدنا واحداً كما هو والآب والروح القدس واحد... هو لا يرضى بفرقتنا أبداً، بل أنّه لا يزال ينزف على صليب تشريح اللاهوتيين والإجتهاديين والتفريقيين يومياً...
وليبارك الربّ كل مسعىً يتمّ في رضاه...

القس
شليمون ايشو خوشابا
سرسنك