قالها يوماً (عادل امام) لمصر.. نقولها اليوم لعنكاوا
جنان بولص كوركيس.. (لو كل واحد عزّل عشان ساكنه تحته وحدة رقاصة، البلد كلها حتبات في الشارع)
مقولة للكوميديان الكبير "عادل امام" قبل اكثر من (38) عاماً، و تحديداً في مسرحيته الذائعة الصيت و الخالدة في الاذهان الى يومنا هذا (شاهد ما شافش حاجة).. اضحكتنا هذه المقولة كثيراً، و جعلتنا للاسف، نرسم من خلالها صورة سلبية لـ(مصر).. صورة لا نرضاها لبلدنا او لبلدتنا، لأن الرقص الشرقي لا يزال ينظر اليه و الى ممتهناته نظرة دونية في مجتمعاتنا الشرقية، مع احترامي الشديد لجميع انواع الفنون و بضمنها الرقص الشرقي الموغلة جذوره في القدم، الاّ ان هذه هي الحقيقة بعينها.
الذي استوحيناه نحن كمشاهدين لمسرحية عادل امام الآنفة الذكر، هو ان مصر هي بلد الراقصات الشرقيات، بسبب فداحة عدد النساء المحترفات لهذه المهنة المحتقرة اجتماعياً في بلداننا، و ذلك لكسب قوتهم و انتشال عوائلهم من براثن الفقر، لئلاّ يفتك بهم وحش الجوع الكاسر و يهلكهم.
لطالما كان (النفط) هو العمود الفقري لاقتصاد بلدنا، الا ان مصر تفتقر الى هذه الهبة الطبيعية، فلذلك تعاني من ضعف في اقتصادها الى جانب الزيادة المفرطة في عدد سكانها، (عادل إمام) صوّر لنا (الرقص الشرقي و ما يعنيه ضمناً)، و كأنه هو نفط مصر و أحد اهم اركان اقتصادها!.
كم يحزنني ان أقول بان مقولة "عادل امام" تلك، باتت اليوم تناسب الى حد ما، لتطلق على بلدتنا الطاهرة عنكاوا! هذه البلدة الابية التي لطالما حصنت نفسها من العهر و التفسخ الاخلاقي، و صانت سمعتها رغم عاتيات الزمن.
بدون شك، ان العَوَز و الفقر هما السببان الرئيسيان في الحالة التي وصفها (عادل امام) في مصر، الا ان ما حصل لعنكاوا ليس لذات السبب، فالوضع الاقتصادي جيد بالعموم، و لكن ما حصل بعد السقوط و ما زال يحصل في عموم العراق، أرخى بظلاله الثقيلة و القبيحة على بلدتنا التي ساقها عديمو الضمير للذبح مثل الماشية، و ذبحوها من غير دماء، وزرعوا الرذيلة مثل السوس في كل ازقتها و حاراتها، فتحوا ابواب عنكاوا على مصراعيها ليأووا شبكات الرذيلة النازحة من المحافظات العراقية الساخنة باحداثها، و سمحوا بفتح بارات و نوادٍ ليلية و تشييد عدد كبير من الفنادق، رغم انف اهلها و بالضد من ارادتهم.. صمّوا آذانهم كي لا يسمعوا صرخة الرفض و الاحتجاج على تدنيس بلدتنا التي احتضنتنا و ارضعتنا العفة و النقاء..
الا يحق لنا ان نتساءل و السؤال مشروع: لماذا لا تزاول الرذيلة بعيداً عن بلدتنا؟ ألأن (عقيدة) أهلها بنظرهم تسمح (لاسامح الله) بممارسات تحرمها العقائد الاخرى ؟! يبدو ان هذه النظرة السلبية الخاطئة و المتجذرة في أعماق الآخر، جعلتنا الحلقة الاضعف في كل شيء!.
بعد ما تسلم امور بلدتنا الادارية طاقم اداري جديد، قطع وعداً على نفسه، بكشف و ازالة تراكمات السلف المفسد و مخلفاته في عنكاوا، و طلب من الأهالي جمع التواقيع اللازمة لقيامه بذلك.. و استجابة لمطلب جماهيري ملح، بادر الى غلق عدد من البارات و الكافيتريات المشبوهة و المخالفة لشروط السياحة، فاستبشرنا خيراً، و استمر جمع التواقيع و رفعها الى المسؤول الاداري، أملاً في ان يبرّ بوعده في تنظيف البلدة من كل ما هو دخيل و مسيء اليها و الى تاريخها و سمعتها و كرامة اهلها الطيبين، لكن سرعان ما صُدمنا بتململ المعنيين و تراجعهم عن اكمال ما بدؤوه و انسحابهم من الميدان، مبررين موقفهم هذا بشتى الاعذار الواهية، فانطبق عليهم المثل الشعبي( مثل خيل الشرطة، بَس أوّل هدّه).. فكانت خيبة أمل كبيرة، فازداد عدد الاوكار و البيوت التي تمارس فيها الرذيلة من قبل الدخلاء و المحمية من قبل (الأكابر)، الى جانب هذا ازداد و بشكل ملحوظ، عدد البارات و المطاعم المشبوهة و الفنادق الشاهقة بين البيوت و في قلب البلدة المغلوبة على امرها، و التي غدت اليوم خمارة كبيرة و وكراً رهيباً يمارسون فيه الفحشاء، ثم يغادرون (أنقياء)! تاركين قذارتهم في بلدتنا!!.
فلو (عزّلت) كل عائلة في عنكاوا بجوارها او تحتها او فوقها (وكرٌ للرذيلة بكافة مسمياته) و بات افرادها في الشارع، لبتنا جميعاً في الشارع (حسب مقولة عادل امام)!. و لكن حتى الشوارع ليست مستعدة لإيوائنا!! فهي تعجّ ببنات الليل (من جنسيات مختلفة) و زبائنهم! فالشارع و الليل اساسيان في مهنتهم و كارهم..
يا اهلي و يا بلدتي.. رحم الله الكرامة!! رحم الله الغيرة و المرجلة!! ماذا نفعل كي نتخلص من فائض الحزن في داخلنا؟ كي نتحرر من زمن القبح و الظلمات؟ كيف نرمم هذا الخراب و نزيل هذا الفساد الكبير الذي يتراكم يوماً بعد آخر، حتى نعيد لبلدتنا نقاءها و عافيتها؟!.
كلامنا اصبح هشيماً تذروه الرياح.. و ارادتنا اصبحت مسخاً يثير التقزز و العجب.. ساستنا الذين يحلقون فوق البشر، يريدوننا ان نكون شعباً سلبياً منقاداً، لا يعلو لنا صوت على صوتهم و ارادة ضد ارادتهم، يقولون ان ما يحدث لبلدتنا هو (تطور و تمدن)، علينا ان نتقبله و بلدتنا! و نقرأ على ما كنا و ما كانت عليه عنكاوا الف سلام!.