السيّد/السيّدة ع.ع.ع.
تحية روح الكلمة
طبعاً من المعلومِ لديكم أنّني لستُ ناقداً، فللنقدِ أهلهُ بما لديهم من خبراتٍ واسعةٍ في مجال اللغة بقواعدها وعلومها وأيضاً في مجال الشكل اعتماداً على الطريقة التي كُتبت بها القصيدة فإمّا أن تكون قصيدةً عموديّة كما هو الحال مع قصيدتكم وإمّا أن تكون من الشعر الحرّ أو قصيدة النثر، أمّا ما يخصُّ المحتوى والمضمون فهذا يعتمدُ على قوّة التأثير الذي تتركهُ القصيدة في نفسِ القارئ والتي بطبيعتها (أي قوّة التأثير) تعتمدُ على مدى التقارب والتشابه بين فكرة القصيدة وما تقولُ وبين حياة القارئ وما تفعلُ.
فقد تأخذُ القصيدةُ قارئها إلى الماضي ويرى نفسَهُ أمام ذكرياتِهِ بأفراحِها أو بأحزانِها، وقد تأخذُهُ إلى المستقبلِ ليشاهدَ حولَهُ الأمنياتِ التي يرجو أن تتحقّقَ أو المخاوفَ التي يتمنّى أنْ لا تحصلَ أبداً، وربّما يرى القارئ مندهشاً القصيدةَ وكأنّها لسان حاله لما فيها من تعابيرٍ وجملٍ وصورٍ تحكي ما يجولُ بداخله فيما نسمّيه بالحاضر والذي رغم الدلالات اللغوية التي تعبّر عن وجوده فهو غير موجود، لأنّنا في حالة حركةٍ مستمرةٍ.
موضوعُ قصيدتكم واضحٌ جدّاً، ولمسَ في نفسي الكثيرَ من مواقعِ الألمِ والحزنِ والغضبِ والحسرةِ لما يحصلُ اليوم في عراقنا الجديد ...!!
لقد وصفتُم الأحداثَ وأسبابَها وما تخلّفهُ فينا من نفاياتٍ وسمومٍ، وصفتموها ببراعةٍ مستخدمين لغةً ليست بالصعبةِ فلم تستعملوا مفرداتٍ غريبة أو معقّدة أو قديمة لم يعد لها استعمالٌ بين العامةِ من الناس. مع أنّنا نعيشُ يوماً من السهلِ جدّاً البحث فيه عن المعاني إذا كان في نيّتنا حقّاً أن نفهمَ ما نقرأ. فنرى بوضوح كيف بدأتم من خلال الأبيات الثلاثةِ الأولى بوصفِ جمال البلاد في صورٍ جميلةٍ، طبعاً لا تمتُّ للواقعِ بصلة، حتى أنّنا لا يمكن أن نقولَ أنّها تمثّلُ حال البلاد لا في الماضي القريب ولا البعيد حيث تاريخنا الذي تتسلسلُ فيه الحروب والاقتتالات والثورات والاغتيالات والمؤامرات فمن أين للجمال والهدوء مكانٌ وسط هذه الصور الوحشيّة الكاسرة لكلّ ما هو جميلٌ في الحياة، ليس لصور الجمال مكانٌ في حياتنا إلّا في مخيّلة اللذين يختلفون في رؤيتهم للعراق وللإنسان العراقيّ عمّن ذكرتموهم في الأبيات اللاحقة.
وتستمرّون في هذا السياق حتى البيت قبل الأخير حيث تعلنون العودة إلى حالكم ثانيةً من حيث بدأت رحلتكم منكم في بداية القصيدة، فمن صورٍ للأحلام والأمنيات ومحاولةٍ للاسترخاءِ قليلاً من عبء حقيقة الواقع المرّ, وهنا برأيي كنتم في أو كنتم تحاولون أن تكونوا في ساعة الصفو, وجدتم أنفسكم تنتقلون بين تلك المشاهد والصور المؤلمة في عراقنا الحبيب, إلى حالة الكدرِ, مختارين هذا الانتقال الزمني بين ماض التمنّي إلى مستقبل اللاتمنّي (إن صحَّ التعبير) عنواناً رائعاً لقصيدتكم والذي هو عجز بيتٍ في قصيدة "أرح ركابك" للشاعر العراقيّ الكبير محمد مهدي الجواهري حين يقولُ:
كــأنَ نُـعماءه حـبلى بـأبؤسهِ مـن ساعةِ الصفو تأتي ساعة الكَدَرِ
موضوعُ قصيدتكم مهمٌّ جدّاً بل إنّه يحتلُّ موقعَ الصدارةِ من حيث الأهميّة بالنسبة لجميع المواضيع الأخرى في حياتنا، التطرّف وما ينتجُ عنه من أزماتٍ وكوارثٍ. بات هذا الموضوع بأسبابه ونتائجه حديث الساعة وحدثها, ليس في العراق فحسب بل في المنطقة جمعاء، فلا يخفى على أحدٍ ما حصل في العراق الجديد من مشاكلٍ وكوارثٍ وأزماتٍ على كافةِ الأصعدةِ الاجتماعيّةِ والسياسيّةِ والاقتصاديّةِ والبيئيّةِ ...الخ، وكيف أثّرتْ سلباً على حياة الفرد وبالتالي المجتمع بأكمله, لقد خسرنا الكثير الكثير وطبعاً أسياد الموقف يختلفون عنّا في هذا الرأي والذي يحسم هذه النسبيّة هو الزمن, فمحاولاتُ تزيين القبح لا تمكث طويلاً حتى وإن طالت قروناً, شكراً للزمن الذي يكشفُ لنا ما ومن الذي يبني وما ومن الذي يهدم. لا تكفي كلُّ أوراق الدنيا وساعات الزمن إن أردنا المضيَّ في هذا الحديث بكلِّ تفاصيله بالإضافة إلى أنّ ذلك لن يغيّرَ من الأمور شيئاً فغير العمل الجاد من أجل التغيير نحو الأفضل ليس هناك ما يستطيع أن يقود انساننا العراقيّ إلى حيث يعيش قيمته الحقيقيّة كانسان بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، لا يكفي أن نتغنّى بأمجادنا وقدراتنا ومواردنا وعظمتنا وقوّتنا فحين تأتي ساعة الخيار هناك تظهر حقيقتنا لذلك قلتُ:
قدراتُنا لا تُظهر حقيقتَنا
بل خياراتُنا هي التي تفعل ...
وهذا الكلامُ ينطبقُ على كلا الطرفين الظالم والمظلوم، وفي الحقيقةِ كلاهما ظالمٌ وكلاهما مظلومٌ.
وبالحديث عن شكلِ القصيدةِ فمن الواضحِ أنّها على بحرِ الخفيف:
فَاْعِلاتُنْ مستَفع ِ لُنْ فَاْعِلاتُنْ فَاْعِلاتُنْ مستَفع ِ لُنْ فَاْعِلاتُنْ
وهنا لي ملاحظةٌ من حيث الوزنِ، فبينما كنتُ أقرأ القصيدةَ لاحظتُ عدمَ التقيّدِ بضوابطِ الزحافِ في تفعيلةِ الحشو (فَاْعِلاتُنْ) إذ هي وفي أكثر من محلٍّ على وزن (مُفَاْعِلُنْ = //ه//ه) وهذا لا يجوز.
كما أنَّ هناك خطأً املائيّاً في كلمة (ذلتةٌ) والأصَّح أنْ تكونَ (ذُلّةٌ)، فوجدتها أقرب ما يمكن من الخطأ المذكور، مثل هذه الأمور تحصلُ عند طباعة القصيدة على الحاسوب لذلك يجبُ مراجعة القصيدة لأكثر من مرّةٍ للتحقّقِ فيما إذا كانت هناك أخطاءٌ من هذا القبيل.
شكراً لقصيدتكم الرائعة
ودمتم تحت رعاية السّماء
تحياتي الخالصة
ايفــان عادل