المحرر موضوع: كيف بنت الكنيسة الكاثوليكية الحضارة الغربية (جزء 4 - الكهنة والرهبان: روّاد العلم!)  (زيارة 3563 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Catholic

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
  • St. Peter's Church, the mother of All churches
    • مشاهدة الملف الشخصي
كيف بنت الكنيسة الكاثوليكية الحضارة الغربية (جزء 4 - الكهنة والرهبان: روّاد العلم!)*

في الحلقة السابقة دحضنا الخرافة المتأصلة بأذهان الناس بأن الكنيسة هي عدوّة العلم.
اليوم سنقوم بدفن هذه الخرافة والى الأبد... تابعوا معي...

السؤال الممنوع: هل كانت الكنيسة السبب في نشوء العلم؟!
في المقال السابق دخلنا في متاهات القصص الملفَّقة عن الكنيسة وفنّدناها واحدة تلو الأخرى. هذه القصص التي تعلمناها في المدارس، الجامعات، الاعلام, الخ... بأن الكنيسة تتعارض مع العلم، أليس كذلك؟ كلنا سمعنا تلك الخرافات ولكننا رأينا أبحاثاً جديدة لمؤرخين محترفين معاصرين يقولون العكس تماماً، وما أقصده هنا بالمحترفين أي ان خبزهم اليومي يعتمد على كونهم مؤرخين وليس لديهم عمل آخر يتقاضون الأجر بالمقابل، ومع ذلك فان البعض منهم يركز على أن نراجع ذواتنا ومعلوماتنا القديمة ونحاول أن نُرجِعَ بعض الحقوق للكنيسة في دورها في بناء الحضارة، أما آخرون فقد ذهبوا الى أبعد من ذلك وطرحوا للمناقشة السؤال الممنوع في عالم اليوم: هل كانت الكنيسة السبب في نشوء العلم الذي نحن نعرفه؟
هذا السؤال ينبع من كون الكنيسة قد علّمت بشكل جوهري وأساسي في العصور الوسطى بأن الكون الذي نعيش فيه كونٌ منتظم الى درجة كبيرة بحيث يمكننا عمل البحث العلمي ونتوقع فيه أنماط معينة وتفسيرها عن طريق استعمال قوانين الرياضيات والحساب ومناقشتها باستعمال المنطق الطبيعي والبشري العقلاني، كما ويمكننا فهم الروابط والقوانين الطبيعية الكونية باستعمال معادلات حسابية وأرقام لكي نفهم كيف يسير هذا الكون المنتظم والمرتب بسحب مقدار وعدد ووزن والتي هي الجزء الأساسي من الآية الموجودة في سفر الحكمة 11 : 20 حيث بنى عليها العلماء في المدرسة الكاتدرائية في شارتر كل هذه الاستنتاجات والحضارة فبدأوا بجمع المعلومات البيانات وتكوين نظريات ثم اختبارها بواسطة تجارب معينة والخروج بنتيجة قابلة للفهم والعقل، وكما قلنا فأن هذه الطرق العلمية البحتة كان من غير الممكن اجرائها او توقعها اذا لم نكن مؤمنين بالحقيقة او الفكرة التي تقول بأن الكون منظَّم بقوانين ثابتة وتتبع أنماط معينة وقابلة للادراك، من أين أتتنا هذه الحقيقة أو الفكرة؟ الجواب، من الكنيسة الكاثوليكية. لأنها أصرت بأن الله هو اله التنظيم والترتيب وانه خلق قوانين وأنماط يمكننا اكتشافها باستعمال عقولنا بالمنطق. هذه الحقيقة أساسية للعلم وسيكون من المستحيل للعلم أن يتواجد او يتطور بدون الكون المنتظم، وكما شرحنا ليست كل الثقافات تقبل بهذه الحقيقة ولهذا نرى التخلف العلمي يصاحب تلك الثقافات.

أعظم علماء الرياضيات
في هذه المقالة سندخل بالتفاصيل أكثر وسنسمي الأشياء بسمياتها اضافة الى أسماء الأشخاص الذين قاموا باختراعات كثيرة ولكنها، وبشكل متعمّد ونموذجي، منسية أو غير معروفة. مثال على ذلك، انا لا أعرف ان كان ذلك معلوماً لدى عامة الشعب بأن 35 حفرة على سطح القمر سُميت بأسماء العلماء واختصاصي الرياضيات اليسوعيين، كما لا أعرف ان كان ذلك معلوماً أيضا بأنك عندما تتفحص تاريخ علم الرياضيات، فان الكثير من أعظم علماء الرياضيات على مر العصور كانوا أيضا من الرهبنة اليسوعية. العالم لا يدرك ذلك، هل تم تعليم الناس ذلك في المدارس والجامعات؟ لا أعتقد ذلك. حيث انه لمن الممتع أن نعلم عندما قام أحد المختصين بتاريخ الرياضيات في بداية القرن التاسع عشر بسرد أسماء علماء الرياضيات العظام الثلاثمئة او الاكثر بقليل خلال السبعة وعشرين قرنا التي مضت (من 900 ق.م – 1800 ب.م)، وجد ان 5% من هؤلاء كانوا يسوعيين. لاحظ معي عزيزي القارئ مدى أهمية وكبر هذه النسبة لأن الرهبنة اليسوعية تأسست في القرن السادس عشر ثم تعرضت قليلا للعرقلة في القرن الثامن عشر، أي ان اليسوعيين كانوا جزءاً من هؤلاء العلماء خلال قرنين فقط من السبعة وعشرين قرنا التي اُخذت منها أعداد العلماء العظام. أليس هذا بأسهام كبير؟ وكل هذا من خلال رهبنة واحدة من رهبنات الكنيسة الكاثوليكية المتعددة.

روجر بيكن (الراهب الفرنسيسكاني) – مؤسس الثورة الصناعية
لندع حتى منجزات الرهبنة اليسوعية جانباً الآن ولنتحدث عن روجر بيكن (1214 - 1294)، وهو شخصية معروفة في القرن الثالث عشر وكان راهباً فرنسيسكانياً ودرّس في جامعة أوكسفورد وهو يُعتبَر المشكِّل والمكوِّن للثورة الصناعية في اوروبا لأنه ركز على الاختبار والملاحظة وهذه هي المفاتيح الأساسية للعلم الحديث، فلا نعتمد الآن على ما قاله الآخرون وآرائهم كما كانوا في السابق يفعلون حيث الكل يعتقد بأن شخصاً ما ذكي جداً فسنذهب معه في اعتقاده بدون فحص لأي أدلة، ان وجدت.
ولكن المطلوب الآ أن نعتمد على الاسلوب العلمي الحديث في اعتماد التجارب والاختبارات لتطبيقها على الملاحظات التي جمعناها وتكونت لدينا. هذه الركيزة الأساسية للعلم الحديث هي التي أكد عليها وبشدة روجر بيكن حيث أشار بأن المناقشات المنطقية لا تكفي بدون وجود اختبارات وتجارب تجرى على المعطيات التي أمامنا للتحقق من صحة ما ذهبنا اليه من فرضيات. حسنا هنا نرى تغيير جذري في العلم من خلال روجر بيكن في القرن الثالث عشر في أوكسفورد. كما حدّد روجر المعوقات التالية التي تقف في طريق نشر الحقائق:
1.   آراء الناس الشعبية والغير منضبطة.
2.   التقاليد المتبعة منذ فترة طويلة ولكنها الخاطئة.

وبالرغم من كل هذا فلا زال الناس يعتقدون خطأً بأن الكنيسة تشجع الانجراف وراء التقاليد والخرافات المجنونة ولكننا نرى هنا العكس، فالراهب الفرنسسكاني يؤكد وبشدة على ضرورة ادخال التجربة العلمية في الدراسات والأبحاث العلمية للتحقق من صحة ما يؤمن به الناس لانه وان كان قد مرة فترة طويلة على ممارساتهم واعتقاداتهم فقد تكون خاطئة اذا ما أخضعناها للتجربة والملاحظة.

القديس ألبرت العظيم
لنأتي الآن على ذكر القديس والملفان ألبرت العظيم الذي درّس في جامعة باريس وكان أحد تلامذته القديس توما الأكويني، يُعتبرْ القديس ألبرت وبحسب قاموس السيرة العلمية – Dictionary of Scientific Biography – (مصدر أكاديمي) بانه كان ضالعاً في جميع العلوم تقريباً، وأحد اعظم وأشهر الذين شكلوا العلم الحديث في العصور الوسطى المتقدمة، لذلك فقد أعلنه البابا بيوس الثاني عشر في عام 1941 شفيعاً لكل الذين يكرسون أنفسهم للعلوم الطبيعية. ان تأثير ألبرت العظيم كان واسعا حتى على الذين يحتقرون الكنيسة، فكانوا يكنون له كل الاحترام.
لنتقدم قليلا بالسنوات باتجاه عصرنا ونذكر بعض الأسامي التي تم نسيانها منذ وقت طويل، الأب نيكولاس ستينو الذي يعتبر الأب الروحي لعلم التراصف – وهو العلم الذي يقوم بدراسة طبقات الأرض – فالدارسين لعلم الجيولوجيا يحتاجون في دراستهم الى معرفة الأساسيات والمبادئ التي علّمها ستينو.

الرهبان اليسوعيين كروّاد العلم
هنا أريد أن أرجع الى الرهبنة اليسوعية قليلاً وأوضح بان هذه الجماعة ذاقت مختلف أنواع الانتقادات والاضطهادات والمعاكسات أكثر من أي رهبنة كاثوليكية أخرى على مر العصور، لقد تم طردهم من بلدانهم، تم منعهم، سجنهم، قتلهم، ... الخ ويكاد المرء لا يصدق ما تعرضوا له الرهبان اليسوعيين من ويلات ومع ذلك فأن الخبراء بتاريخ اليسوعيين والذين ليس لديهم أية مصلحة في مجاملتهم يقولون التالي:
"لقد ساهم اليسوعيون مع نهاية القرن الثامن عشر الى اختراع ساعة البندول، أدوات النسخ، مقاييس درجة الحرارة، التلسكوبات والمايكروسكوبات العاكسة، ومختلف مجالات العلوم مثل المغناطيسية، البصريات، والكهرباء. كما وكانوا أول من لاحظوا الأحزمة اللونية على سطح كوكب المشتري وحلقات كوكب زحل. أيضا قاموا بتكوين نظرية جهاز الدوران في جسم الانسان بدون الاعتماد على هارفي. امكانية الطيران بشكل نظري، حركة القمر وتأثيره على المد والجزر وطبيعة الضوء الموجية. أيضا ادخال العلامات الموجبة والسالبة للعمليات الحسابية الايطالية". كل هذه كانت نماذج للانجازات التي قام بها اليسوعيون. آسف قد يبدو هذا سجل مطول ولكن كم مرة درسوا فيها أطفالنا هذه المعلومات في المدارس، لن أقول بانهم درسوها قليلاً مرة أو مرتين، ولكن أقول ولا مرة... أبدا لم يسمعوا بهذه الانجازات.
لنأخذ مثالا ادق أكثر على بعض العلماء اليسوعيين وانجازاتهم، الأب جان بابتيستا ريتشيوللي كان اول من قام بقياس سرعة تسارع الجسم أثناء سقوطه على الأرض، اليست هذه مفاجأة؟ الأب فرانشيسكو كريمالدي أول من اكتشف ظاهرة حيود الضوء وسماها بنفسه بهذا الاسم المتفق عليه في الأوساط العلمية. وساهم في رسم خريطة سطح القمر وتضاريسه، وبالمناسبة فان هذه الخريطة تزين حالياً مدخل المتحف الوطني للفضاء في العاصمة الامريكية واشنطن!.
هؤلاء العلماء لم يكونوا كما يتبين مجموعة متفرقة من هنا وهناك وشاءت الصدف ان يكونوا كاثوليك من عامة الشعب، ولكن كانوا كهنة ورهبان ويشغلون مناصب ومراتب عليا في مختلف مجالات العلوم.
لنستمر بخرق الأساطير عن الكنيسة ونعرض علماء آخرين كونهم كهنة ورهبان وليس فقط علمانيين مؤمنين. لأن هذه الحقائق تكشف زيف الاعتقاد بضرورة وجود تناقض بين العلم والدين – المسيحي على أقل تقدير.
كل واحد من هؤلاء اليسوعيين العظام كان من الممكن أن يُكتَب مكتبة كاملة عنه وعن انجازاته، ولكن ماذا نجد في الحقيقة؟ القليل جداً جداً من المعلومات عن تاريخ هذه الحقبة من الرهبنة اليسوعية لعامة الناس حيث لن نجد موسوعة ولو واحدة باللغة الانكليزية للناس احتراماً لانجازات هؤلاء العلماء المنسيين في خضم كل هذه الافتراءات والمهازل حولنا. لذلك فهذا يعتبر مشروع بحث لكل الدارسين والخريجين ليبحروا في عالم الرهبنة اليسوعية ويكتشفوا روعتهم وينشروها للعالم عسى ولعل يأتي يوم من الأيام ويكفّ الناس عن التصديق بالخرافات الشائعة حول الكنيسة، علماً ان لا أحد آخر سيقوم بهذه المهمة ما لم نقم بها نحن.
عالم يسوعي أخر، الأب أثناسيوس كيرشر، يعتبر الأب الروحي لعلم دراسة مصر القديمة، وذلك نظرا لدراساته القيّمة في هذا المجال. في الواقع الأب كيرشر لُقِّبَ بالأب الروحي لهذا العلم كونه قام بهذه البحوث حتى قبل اكتشاف الحجر الرشيد الذي ساعد العلماء فيما بعد لفك شفرة الرموز الهيروغليفية. حتى بعد اكتشاف هذا الحجر فان أعمال الأب كيرشر نفسه كان لها الأثر الكبير للعلماء ليعرفوا كيف يبحثوا في الرموز الهيروغليفية وما الذي يبحثون عنه. وكان الأب كيرشر يلقب أيضا بـ(سيد المائة فن). في سنة 2003 قال عنه المؤرخون المعاصرون بأن الأب كيرشر هو من القلائل في العالم الذي يمكن أن يقال عنه بأن كل المعارف كانت من مجال اختصاصه!. شيء مذهل!! أليس كذلك؟ ونحن لم نسمع أصلا بهذا العالم!.
بالاضافة الى ذلك فان أعمال الأب كيرشر في الكيمياء ساهمت بكشف زيف علم الكيمي (Alchemy) – وهو علم مزيف يدعي باستطاعة أخذ المعادن الأساسية وتحويلها الى ذهب – وكان هناك علماء مرموقين اعتقدوا بهذا العلم، أمثال أسحق نيوتن وبويل، اللا ان أعمال الأب كيرشر هي التي ساعدت لدحض وجود هكذا علم أصلا، اليس غريبا أن لا يذكر هكذا علماء ويبقى اسمهم طي النسيان؟
روجر بوسكوفيتش، أيضا كاهن كاثوليكي عرف بالأب الروحي للنظرية الذرية، والواقع ان فيرنر كارل هايزنبيرك في القرن العشرين كتب مقاله يكرم فيها الأب روجر بوسكوفيتش. حتى ان بعض المؤرخين والعلماء ذكروا الأب روجر كأعظم عبقري أنجبته يوغسلافيا على مر التاريخ!! ومع ذلك فهو منسي عند عامة الشعب كغيره.
علم السايزمولوجي أو علم دراسة الزلازل، كان لليسوعيين مكانة بارزة في هذا العلم فقد كان لديهم جامعات يبنون فيها معدات قياس الزلازل ثم يقومون بجمع البيانات والمعلومات وتنظيمها في مراكز ليدرسوا طبيعة الزلازل ومع القرن العشرين بدأءوا ببناء محطات لرصد الزلازل في الولايات المتحدة. هل تعلم عزيزي القارئ ان أول من ألف كتاباً عن علم الزلازل في 1936 هو الأب اليسوعي جي. بي. مكلوين في الولايات المتحدة وهناك في الواقع جائزة باسمه تُهدى للمتفوقين في علم فيزياء الجيولوجيا. حتى ان هذا العلم (علم الزلازل) عرف بعلم الرهبان اليسوعيين. هل يعرف الناس هذه المعلومة؟ الجواب لا. هل يجب ان يعرفوا بذلك؟ السؤال يجاوب نفسه.
حسنا الآن عرفنا بان اليسوعيين كانوا علماء في علم الزلازل، الكيمياء، دراسة سرعة وقوع الأشياء على الأرض، مصر القديمة، الكهرباء، البصريات، وغير ذلك. هل هناك شي آخر في عصرنا؟ الجواب هو نعم، وفي الحقيقة فأن الآباء اليسوعيين ومنذ القرن الثامن عشر الى وقتنا الحاضر فانهم سافروا الى كل بقعة من بقاع الأرض لينشروا الحضارة الغربية الى أبعد مكان يمكن أن يصلوا اليه كالصين والهند مثلا ليبنوا هناك البيئة التحتية العلمية ومحطات رصد الزلازل في أمريكا الجنوبية مثلا.

هندسة الكاتدرائيات والبازيليكات
جيد جداً لحد هذه اللحظة، وكأن المقالة كلها عبارة عن العلماء الكبار اليسوعيين المنسيين والغير معروفين عند عامة الشعب. ولكن كل ذلك في خانة وما سنأتي على ذكره الآن في خانة اخرى!
الجزء الأهم الغير معروف أكثر من كل ذلك، فهو في سر هندسة الكاتدرائيات والبازيليكات المعاصرة لذلك الوقت في اوروبا، لقد تبين بأن عدداً لا بأس به من هذه الكاتدرائيات والبازيليكات لم تُبْنَ فقط كأماكن عبادة ولكن أيضا لتكون كمراصد شمسية! بالأخص تلك التي بُنيَتْ في القرن الثامن عشر وبعدها. كما وتبين بأن خلال هذه الفترة لم يكن هناك أي شيء أو ميكانزم أو طريقة أحسن من هذه الكاتدرائيات يمكن من خلالها دراسة حركة الشمس، حيث كانت هندسة بنائها تحاكي حركة الشمس من خلال مرور أشعتها في النوافذ ورسم ظلال معينة على أرضية هذه الكاتدرائيات والبازيليكات. وهذا الأمر في غاية الأهمية نظراً لاستعمالها من قبل علماء الفلك المعاصرين لتلك الفترة للتحقق من مدارات بعض الكواكب. مثال على ذلك استطاع عالم الفلك الكاثوليكي جيوفاني كاسيني (1625 - 1712) الذي استعمل بازيليك القديس بترونيو في مدينة بولونيا بايطاليا، في قلب دولة البابا حيث مكان اقامة البابا نفسه – والذي من المفترض انه يعادي العلم والتطور! – في تلك البازيليك قام جيوفاني كاسيني باستعمال الميكانيزم الموجود داخلها للتحقق من نظرية (يوهانس كيبلر) عن حركة الكواكب. كل هذا حدث في دولة كاثوليكية، داخل بازيليك كاثوليكية وبواسطة عالم فلك كاثوليكي! وفي الحقيقة فان كيبلر نفسه بالرغم من عدم كونه كاثوليكي ولكنه كان يؤكد على ان العلماء الذين كان يعتبرهم من مستواه ونظراء له، كانوا يسوعيين وكهنة كاثوليك لانهم كانوا مثقفين ويعرفون عن ماذا يتحدثون على عكس باقي العلماء. مرة اخرى هذه فصول منسية من التاريخ ولكن لايجب ان تكون هكذا بعد الآن، يجب ان يطلع العالم على هذه الروائع الخالدة من تاريخ العلم ولو قليلا.

"الشمس في الكنيسة"
أليس ممتعا مثلاً أن نسمع بان أحد الأساتذة في جامعة كاليفورنيا بيركلي والذي لم يعرف عنه كونه مدافعاً عن الكنيسة الكاثوليكية كتب كتابا قبل 7 سنوت تقريبا وسماه "الشمس في الكنيسة" وسرد القصة المنسية عن استعمال الكاتدرائيات والبازيليكات في علم الفلك؟ حيث أشار بأنه لا توجد مؤسسة على وجه الأرض على مرّ التاريخ مثل الكنيسة الكاثوليكية سواء في مساهماتها العظيمة في تطور علم الفلك او مشاركتها بالمصادر المتوفرة لديها.
لقد كانت هذه الكاتدرائيات تستعمل في جزء كبير لتوقع اوقات وفترات تساوي الليل والنهار مثلا لتحديد موعد عيد القيامة قبل مجيئه بوقت كاف ليتسنى للشعب البدء بالصوم الكبير، بالاظافة الى استعمالهم لتطوير علوم الفلك.
هنا سيأتي الاعتراض الذي سيقيمه الناس عليك ولهم كامل الحق في هذا، حسنا وماذا عن كاليلّيو؟ لأنك يمكنك التحدث عن كل المساهمات التي قامت بها الكنيسة للعلوم بشكل عام وعلم الفلك بالأخص ولكن ماذا عن كاليلّيو؟ الم يعذب؟ أو حاولوا قتله او ماشابه فقط لكونه لم يتفق مع الكنيسة؟
لدراسة أعمق في هذا الموضوع الرجاء النقر على هذا الرابط (المقال الثاني من سلسلة المقالات هذه):

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,677103.0.html

والذي نبحر فيه في ثنايا قصة كاليلّيو حيث يكمن هنا أعمق تفكير خاطئ ممكن أن يتأصل في تفكير الناس.

الى هنا أكون قد أنهيت 4 أجزاء من هذه السلسلة التي ركزنا فيها على الكنيسة ودورها في نشوء وتطور العلم، يؤسفني أن أقول بأنني ساضطر الى التوقف قليلاً عن الكتابة، لانشغالاتي الكثيرة في امور عدة، لحين نشر الأجزاء الباقية التي تتحدث عن أمور مهمة جداً وشيقة مثل الكنيسة والعمل الخيري، الكنيسة والقانون الدولي، الكنيسة وحقوق الانسان، الكنيسة والأخلاقيات الغربية، الكنيسة ونظام الجامعات المعاصرة وغيرها من المواضيع الممتعة. فالى اللقاء في المقالات القادمة ودمتم بحماية امنا العذراء مريم.

لمتابعة باقي الأجزاء من سلسلة المقالات هذه:

الجزء الأول (مقدمة عامة)
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,675982.0.html

الجزء الثاني (حادثة كاليليو الشهيرة)
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,677103.0.html

الجزء الثالث (الكنيسة والعلم)
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,678201.0.htm


*هذه السلسلة من المقالات مأخوذة ومترجمة – بتصرف من كاتب هذه الأسطر – من كتاب للبروفيسور والمؤرخ المعاصر توماس وودز وعنوانه:
كيف بنت الكنيسة الكاثوليكية الحضارة الغربية
How The Catholic Church built Western Civilization
وكذلك مأخوذة من برنامج كان قد عرض على شبكة EWTN الكاثوليكية العالمية للبروفيسور نفسه قبل عدة سنوات عن نفس الموضوع، حيث قمت بتسجيلها في ارشيفي الخاص وأرتأيت بأن أترجمها وأنشرها للمصلحة العامة... فقد آن أوانها.


غير متصل lucian

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3345
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ Catholic تحية لك

القائمة التي وضعتها تنقصها العديد من اسماء العلماء والتي يمكنني ذكرهم، ولكن الان ولضيق الوقت ساذكر اسمين مهمين فقط

انت نسيت Pierre Gassendi
وايضا نسيت  Georges Lemaître  صاحب نظرية Big Bang theory  والتي هي اليوم اهم نظرية والتي لحظة وضعها من قبل Georges Lemaître حاربها البعض وذلك فقط لان مكتشفها  Georges Lemaître  هو كاهن كاثوليكي. ولان هذه النظرية تؤيد كثيرا الفلسفة المسيحية فقد كان الاتحاد السوفيتي قد انشاء مراكز يدعمها باموال ضخمة لايجاد نظريات بديلة التي تم رفضها من قبل العلماء ، وبقت Big Bang theory كنظرية متينة يتم تدريسها في المدارس والجامعات وخلقت افق واسع للبحث العلمي.

تحياتي



غير متصل ATHEER SHAMAON

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 101
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ catholic
اشكرك على جهودك في ترجمة هذا الموضوع المهم , والذي بالحقيقة سوف يسهم في تنوير وتثقيف ابناء شعبنا المسيحي المشرقي , بعد ان ارهقته كتابات البعض المعادية للكنيسة الكاثوليكية.
وفي سياق موضوعك هذا اود ان اشير الى الاباء اليسوعيين الالمان وكانوا ثمانية اباءفي مدينة هيروشيما اليابانية , حيث كانوا على مسافة 800m من موقع سقوط القنبلة النووية على تلك المدينة انذاك, وقد كانت مسئلة نجاتهم وعدم اصابتهم بالاشعاعات النووية موضع بحث  حير علماء اليابان لمدة ثلاث عقود , وكذلك نجاة الاباء الفرنسيسكان في مدينة  Nagasaki ناكازاكي اليابانية , وقد تم فحص هؤلاء الاباء لاكثر من 200 مرة من قبل العلماء , ولم يستطع هؤلاء العلماء تفسير نجاة هؤلاء الاباء, وعندما كانوا هؤلاء الباحثين يسالونهم عن سبب نجاتهم , كانوا الاباء يجيبونهم في كل مرة :-

We believe that we survived because we were living the message of Fatima. We lived and prayed the rosary in that home.

نؤمن باننا قد نجونا لاننا نعيش حياتنا حسب رسالة مريم العذراء في فاطما , وقد كنا نصلي الوردية المقدسة.

ان موضوع دور الصلاة في حماية الشخص المصلي من الحوادث الطبيعية والكوارث والحروب بدء ياخذ نصيبه من ابحاث ودراسات العلماء الكاثوليك منذ عقود, واستنتج البعض وعن طريق المقياس الاشعاعي في غرف المصلين لصلاة الوردية المقدسة عن وجود نوع غريب من الطاقة يحيط بالمصلين اثناء الصلاة .
لقراءة المزيد حول هذا الموضوع اضغط على الرابط ادناه.

http://2012forum.com/forum/viewtopic.php?f=16&t=6297

ولقراءة المزيد حول موضوع الاباء اليسوعيين والاباء الفرنسسكان في هيروشيما وناكازاكي اضغط على الرابط ادناه

http://en.wikipedia.org/wiki/Hubert_Schiffer





غير متصل عبدالاحـد قلو

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1595
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ الكاثوليكي المحترم
من الطبيعي بانك لا تستطيع ذكر جميع العلماء الذي كانوا ينتمون لكنيستنا الكاثوليكية من رجال دينها ان كانوا رهبنة او كهنة وذلك لكثرتهم ، وكما اضاف الاخ لوسيان بعضا منهم وربما يعرف اخرين ولكنني اشير الى العالم الراهب كريكور مندل المكتشف لعلم الوراثة وتطبيقاتها على النسل البشري وكيفية تحديد جنس المولود ان كان انثى او ذكرا وباستخامه نظرية الكروموسومات والتي اتذكر بعضا منها وقبل اكثر من ثلاثين سنة عندما درّست لنا في المرحلة الاعدادية في بلدنا العراق، وقد ابتدأ الراهب مندل الذي استنبط فكرته هذه من بذور البازلاء التي زرعها امام الدير بعد ان كان  متفرغ للصلاة ولهذه المهمة والتي اطلقها في بداية القرن العشرين ويمكن اضافتها للأنجازات التي حققتها كنيستنا الكاثوليكية وعبر مراحل متعددة من الزمن. وبهذا فنحن لا نقول بأن الكتاب المقدس فيه من الاعجازات العلمية بقدر ابرازنا لدور رجال الكنيسة في تقدم ونهضة هذا العالم والى ما توصل اليه بمساهمتهم مع علماء اخرين في تطويره، مع تقديري لجهدك.


عبدالاحد قلو

غير متصل Catholic

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
  • St. Peter's Church, the mother of All churches
    • مشاهدة الملف الشخصي
لقد ذكرت في نهاية المقال بأنني سأتوقف عن الكتابة والترجمة قليلاً لانشغالاتي الكثيرة اللا ان تعليقات الأخوة أثارت أغناءات جديدة وأسامي علماء آخرين كان لا بد من تشجيعها. لضيق الوقت سأبدأ بأول مداخلة من الأخ المحترم lucian...

مرة أخرى شكرا لك أخي العزيز على هذه المداخلة الرائعة. الراهب اليسوعي جورج لوميتر هو فعلاً من أشهر علماء فيزياء الفلك وصاحب نظرية الانفجار العظيم (Big Bang theory) والتي مفادها وبشكل مختصر جداً بأن الكون له بداية بدأت بانفجار عظيم للمادة وثم بدأ هذا الكون بالتوسع شيئاً فشيئاً آخذاً مليارات السنين ليصل الى ما هو عليه الآن. هذه البداية التي يمكن حسابها بحسب معادلات رياضية تستوجب ضمنياً وجود اله تسبب بنشوء هذا الكون وانه لم يكن هناك أي خلق لأي شي أو مادة وانما الله خلق كل شيء ابتداءاً من الانفجار العظيم. ولهذا فالملحدون يرفضون هذه الفكرة. علماً انه ولحد الآن لم يتم اختراع أية نظرية اخرى تجاري نظرية الانفجار العظيم لتفسير نشوء الكون وبشهادة العلماء المعاصرين اليوم حيث تم اكتشاف ان كل مواصفات كوننا هذا تتماشى مع هذه النظرية منها على سبيل المثال فقط ان الكون في اتساع وتوسع مستمر منذ بداية الانفجار العظيم!

هناك الكثير من العلماء الآخرين من داخل قلب الكنيسة الكاثوليكية منهم كما ذكرت حضرتك، بيير كاسندي وآخرين ممن ذكر الأخ عبد الأحد قلو كريكور يوهان مندل، الأب الروحي لعلم الوراثة. هنالك الكثير والكثير غيرهم أمثال: البابا كريكوريوس الثالث عشر المعروف في اصلاح التقويم واصدار التقويم الكريكوري، البابا سلفستر الثاني الذي أدخل الأباكوس (المعداد) الى اوروبا، كوسيب بينكاني، لادزارو سبالانساني، بيير تيلار دي شاردان الراهب اليسوعي الذي ساهم في اكتشاف انسان بكين. ومن المعاصرين نذكر الراهب اليسوعي روبرت جي. سبيتزر، المختص في علم فيزياء الفلك ولكل من يريد الاطلاع على أعمال الأب سبيتزر فهذا الموقع سيفيده كثيراً:

http://magisreasonfaith.org/

أما السبب الذي دفعني لعدم ذكر هؤلاء العظام في المقال فهو لأنني توخيت الأمانة العلمية والأكاديمية في النقل والترجمة. كما ذكرت مراراً، فان هذه المقالات هي مأخوذة ومترجمة – بتصرف مني – من كتاب البروفيسور المعاصر المختص بتاريخ العصور الوسطى، توماس وودز (How the Catholic Church Built Western Civilization) والذي أخذ فقط عينة من هؤلاء العلماء.

كما أشرت سابقاً فان المداخلات هذه تغني الموضوع أكثر فأكثر ويا حبذا لو استمر الحديث عن هؤلاء كما يتم الحديث عن غيرهم! ولكن وكما ذكرت حضرتك فان هذه الأسامي مغيبة عن عامة الناس لأسباب معروفة كونهم كهنة ورهبان كاثوليك. ولكن الأوساط العلمية والأكاديمية تعرفهم جيداً وتعرف حجم مساهماتهم في تطوير الحضارة الغربية.

شكراً لك مرة اخرى وتقبل خالص تحياتي...


غير متصل Catholic

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
  • St. Peter's Church, the mother of All churches
    • مشاهدة الملف الشخصي
تكملة للرد السابق...

الأخ المحترم ATHEER SHAMAON، تحية لك...

شكرا لك أخي العزيز على هذه المعلومة التاريخية الموثقة، ان مثل هذه الحوادث الفوق الطبيعية التي نسميها نحن معجزات حدثت قبل 2000 سنة ولازالت تحدث في مختلف الاماكن والأزمنة والمصدر واحد، وهو الله الذي خلق هذا الكون بمقدار وعدد ووزن كما مذكور في سفر الحكمة اصحاح 11 آية 20، هذه الآية التي تحدثنا عنها في المقال الثالث (الكنيسة والعلم) وقلنا بأن الكنيسة أخذت هذه الآية في القرون الوسطى وفسّرتها وتشعّبتْ في ذكرها واستنتجت بأن هذا الكون يمكن فهمه باستعمال علوم الرياضيات والفيزياء والمنطق العقلاني وذلك باستخدام الطرق العلمية والبحثية لدراسة كل الظواهر المحيطة بنا.

اي ان هنالك قوانين طبيعية تتحكم بهذا الكون ويمكن استنباطها باستعمال معادلات رياضية وحسابية بسيطة. اللا ان هذا لا ينفي – كما قلنا في المقال الثالث – وجود المعجزات كما نؤمن بها نحن المسيحيين فالله يمتلك القوة التنظيمية (القوانين الطبيعية – Ordered Power) ولكنه أيضاً لديه القوة المطلقة (Absolute Power).

كما وان وجود المعجزة يتطلب التحقق منها بصورة علمية بحتة واجراء كافة الدراسات العملية المتوفرة. أي اننا لا يمكن أن نطلق على كل ظاهرة عابرة بالمعجزة اذا ما لم نؤمن بأن الكون الذي نعيش فيه هو كون منتظم الى أقصى ما يمكن أن يتصوره الأنسان بحيث يمكن أن نفسر الظواهر باسلوب أكاديمي علمي وباستعمال المنطق البشري العقلاني من خلال اجراء مختلف التجارب والدراسات.

فالمعجزة تعرف عندما لا يتمكن العلم لوحده من تفسيرها، هنا يأتي دور الأيمان في الموضوع. ولهذا قال البابا الطوباوي (القديس قريباً) يوحنا بولس الثاني في يوم من الأيام "أن العلم (العقل) والايمان هما الجناحان اللذان بواسطتهما يستطيع الانسان أن يحلق عالياً في سماء الحقيقة."! شيء ممتع اليس كذلك؟ أن يصدر هكذا كلام من بابا، نائب المسيح على الأرض وخليفة بطرس.

لا العلم وحده يكفي لبلوغ الحقيقة ولا الأيمان المجرد من العقل يمكنه التحليق عالياً، الأثنان يجب أن يسيروا معاً وبانسجام تام. أليس هذا عكس ما تعلمناه بأن العلم والأيمان متناقضان؟ في الحقيقة فان البابا يقول لنا ليس هنالك أي تناقض بينهما، بل الواحد يكمل الآخر!

أشكرك مرة أخرى وتقبل خالص تحياتي.



الأخ المحترم عبد الأحد قلو، تحية طيبة...

شكرا على اضافتك القيمة... في الحقيقة، وكما ذكرت للأخ lucian، فانني توخيت الأمانة العلمية والأكاديمية في النقل والترجمة، حيث لم تكن هذه الأسماء مذكورة في المصادر التي ذكرتها.

اللا ان الراهب الأوغسطيني، الذي ذكرته حضرتك، كريكور يوهان مندل فهو الأب الروحي لعلم الوراثة، وهو شخصية لامعة وعالم فذ ورجل دين متواضع بكل ما للكلمة من معنى. قام بنفسه بنشر أبحاثه والنتائج التي توصل البها للعالم في القرن التاسع عشر والمتعلقة بدراسة خواص نبات البازلاء وبذوره والقوانين الوراثية المستنبطة من خلال جهوده في زراعة وتهجين بذور البازلاء التي سميت فيما بعد باسمه.

للأسف فان أبحاثه لم يتم الأهتمام بها بسبب انشغال العالم حينئذ بنظرية التطور لـ (جارلس داروين) والاهتمام كان كله منصَبّاً عليها وعلى والمناقشات التي كانت تدور حولها مما جعل العلماء يغفلون ولو لفترة مؤقتة عن أبحاث مندل، الى بدايات القرن العشرين، حيث تم اكتشاف أبحاثه ونُسِّب له الفضل في تأسيس علم الوراثة وتطويره.

كما ويجب أن نذكر بأنه وبعد أن اختير رئيساً للدير لم يستطع أن يتفرغ لمهمته العلمية بالشكل الذي كان في السابق، وهذا يحسب له كونه اختار لنفسه أن يكون راهباً أولاً وقبل كل شيء تكملة لرسالته السماوية.

لك مني الشكر الجزيل وتقبل فائق احترامي...