سورما خانم دبيث مار شمعون ودورها في التاريخ الآشوري الحديث
( الجزء الأول )
المهندس : خوشابا سولاقا إن المتطلع على التاريخ الآشوري الحديث ومنذ عام 1900 والى تاريخ وفاة هذه المرأة الأسطورة في 1975 سوف يعثر على البصمات الكبيرة لها التي طبعت بها هذا التاريخ وسوف يكتشف بان هذه المراة التي قيل عنها الكثير وقيل فيها الأكثر من قبل الأصدقاء والأعداء على حد سواء إنها لم تكن إمرأة عادية ككل نساء مجتمعها الآشوري وكذلك لم تكن ككل نساء منطقتها وزمانها في ربوع ووديان تلك الجبال بذكائها وثقافتها وقوة شخصيتها وفطنتا ومنطقها في التعامل مع الاخرين حقيقة كانت المرأة المناسبة في المكان المناسب في البيت المقدس الكبير البيت البطريركي لكنيسة المشرق المقدسة العريقة والعظيمة ، وكانت إمراة من طراز خاص لم يظهر قبلها ولا حتى بعدها الى اليوم في المجتمع الاشوري إمرأة أخرى مثلها بكل صفاتها ، كانت حقاً فلتة زمانها . كان لها دور مؤثر ومشهود يقره كل من عاصرها في رسم مسار تاريخ الشعب الآشوري خلال هذه الفترة الصعبة من حياته . إلا أن العقدة في فهم هذه الشخصية الفريدة في خصائلها وصفاتها هي في فهم العلاقة بين هذه الشخصية النسائية الفذة والفريدة في المجتمع الآشوري عندما تعاظم دورها وتوسع تدخلها في رسم توجهات السياسة الآشورية خلال الحرب وبعدها وبين قادة وزعماء القبائل والعشائر ووجهائها كانت في كون الهوة واسعة جداً بين المستوى الثقافي والوعي القومي وبعد النظر لسورما الذكية بالفطرة والمتعلمة والمطلعة على أمور كثيرة من خلال موقعها ومكانتها الاجتماعية بنت البيت البطريركي وبين قادة وملكاني ( جمع ملّك ) الذين كانوا أغلبهم شبه أميين لايقرأون ولا يكتبون ، حيث كانت سورما خانم نستطيع القول إنها إمرأة ظهرت في زمانٍ غير زمانها وفي مكانٍ غير مكانها ، هذا الأختلاف الكبير في المستوى الثقافي والوعي القومي التاريخي جعلها تغرد بأرائها وأفكارها في وادٍ وقادة وملكاني شعبها تغرد بأرائهم وأفكارهم في وادٍ آخر مختلف كلياٍ . كانت سورما تتصرف وتتعامل مع الحياة ووقائعها وفق منطق الانسان المثقف والمتعلم والواعي والمدرك لخبايا الأمور وتحولاتها من حال الى حال وبالأخص ما يتعلق منها بمصير ومستقبل شعبها الآشوري وهو في قلب الأعصار المدمر الذي إجتاح موطنها وكنيستها المشرقية مدعومة في ذلك بموقعها الاجتماعي الرفيع كونها سليلة العائلة البطريركية العريقة من بيت المارشمعون المقدسة عند شعبها ، وكون الاخرين زعماء قبائل شعبها من ملكاني ورؤساء العشائر يتعاملون معها وفق منطق العشيرة الذكوري لرجال العشائر الذين يؤمنون بمنطق الخنجر والسيف والبندقية ومفهوم الرجولة والذكورية . هذا ما جعلها في حالة التعارض والتقاطع معهم في أمور كثيرة في أغلب الأحيان مما جعلت البعض منهم ينظرون إليها بعين عدم الرضا والأرتياح وبشيء من الأستعلاء الذكوري والكراهية ويضمرون لها الحقد الدفين وسعوا الى تقويض دورها وعزلها وإتهامها بتهم شتى منها العمالة للانكيز من دون أن يدركوا ماذا كان بالأمكان العمل للتصدي للانكليز وبريطانيا العظمى هي الإمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس وشعبنا الصغير المعدم والمشرد عن موطنه وهو في خضم إعصار الحرب والذي لا قوة ولا حول له لمواجهة الأعداء المحيطين به من كل جانب . ماذا كان بوسع العقلاء أن يفعلوا غير التشبث بالتمسك برداء الانكليز الذي كان خيارهم الوحيد بعد إنسحاب الروس من الحرب ؟؟ . من المفروض بالذين يريدون تقييم دور هذه الشخصية عليهم أن يتعرفوا على الظروف المحيطة وإمكانيات الأعداء من العثمانيين والفرس والكورد ودور بريطانيا في رسم السياسة الدولية وأخيراً إمكانيات شعبنا المشرد العسكرية والتموينية الشحيحة قبل أن يطلقون أحكامهم غير الموزونة وغير المستندة على الوقائع التاريخية على الأرض . علينا أن لا نقيم نتائج تلك الأحداث بمعاييرنا اليوم بل أن نقيمها بمعايير ذلك الزمان والمكان لكي نكون منصفين في أحكامنا . كانت سورما وبسبب شخصيتها القوية وثقافتها الواسعة ووعيها للتاريخ ولكينونة الأمة الآشورية وكنيسة المشرق وذكائها الحاد قد نالت الكثير من الألقاب الرفيعة من الغرباء سنأتي الى ذكرها لاحقا ، وكان لها مكانتها الخاصة وقولها المسموع في كل مجالس شعبها الآشوري وكنيستها وعائلتها عائلة البطاركة منذ قرونٍ خلت . هذه الصفات النادرة والخصائل الشخصية الراقية التي كانت عليها سورما دبيث مارشمعون والنكسات الأليمة التي أصابت العائلة البطريركية والأحداث التي واجهت الشعب الآشوري بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ، وما حصل من فراغ في السلطة الدينية والدنيوية بعد استشهاد أخيها البطريرك مار بنيامين شمعون عام 1918 ووفاة أخيها الآخر البطريرك مار بولس شمعون عام 1920 في بعقوبة قد قَوَتْ من عزيمتها وإصرارها على تحمل المسؤولية لقيادة شعبها في نيل حقوقه القومية التاريخية في أرض الأجداد هكذا وجدت سورما خانم نفسها أمام مهمات ومسؤوليات كبيرة تخص شعبها المشرد وكنيستها التي قطع رأسها وعائلتها المنكوبة في خضم الصراعات المتعددة الجوانب وعلى جبهات متعددة ، وهي على خلاف مع بعض قادة وملكاني ورؤساء العشائر وأكليروس الكنيسة بين مؤيد ومعارض لرسم البطريرك القادم من جهة ومع الأعداء الآخرين من الغرباء بكل تلاوينهم من جهة ثانية . كل هذه الأمور أعطت لسورما خانم دوراً ريادياً بارزاً في صناعة القرار الاشوري الديني والدنيوي وجعل منها فجأةً الشخص الأول في مقدمة الأحداث وفي صدارة المجتمع الآشوري من دون منازع الى أن بلغ إبن أخيها البطريرك الطفل مار إيشاي شمعون سن الرشد فحمل عنها المسؤولية وكانت سورما عملياً الشخص القيَّم عليه .
سورما خانم دبيث مارشمعون وحياة الرهبنة ولدت سورما في قرية قودجانس في اليوم السابع والعشرين من شهر كانون الثاني من عام / 1883 ، وكانت البنت البكر للمرحومين شماشا إيشايا وزوجته أسيت ، وكان لهما إضافة الى سورما سبعة أولاد ستة منهم ذكور وهم البطريرك مار بنيامين الشهيد وهو الوليد الثاني للعائلة بعد سورما . بعده تأتي اختها رومي وبعد رومي هناك خمسة ذكور هم على التوالي البطريرك مارشمعون بولس ، داوود والد البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون ، الشهيد هرمز ، وزيا وأخيراً إيشايا . عايشت سورما مشاكل عويصة تتعلق بشعبها وعائلتها . فمنذ نعومة أظفارها ونظراً لأنتسابها الى العائلة البطريركية ومعايشتها للعديد من البطاركة من أبناء العائلة واجهت مشاكل معقدة منها كانت مشكلة الخلافة البطريركية على الكرسي البطريركي وراثياً ، حيث أدت هذه الخلافات في بعض الأحيان الى خلافات كبيرة بين أفراد العائلة نفسها أحياناً ، وبين العائلة البطريركية من جهة وبين الجماهير من أتباع الكنيسة من جهة ثانية أحياناً أخرى ، وكما حصل في توريث مار شمعون روئيل لناطر كرسييه حيث حصل خلاف في العائلة بين إختيار مار بنيامين وبين إبن نمرود شليطا والذي إنتهى باختيار مار بنيامين ، وكما حصل من خلافات بين الجماهير من أتباع الكنيسة وبين العائلة البطريركية في توريث مار شمعون بولس لناطر كرسييه في بعقوبة بين الطفل إيشاي والمطران مار طيماثيوس . نظام الوراثة كان يقتضي عندما تكون أم بطريرك المستقبل حامل يتم توريث الجنين من قبل البطريرك القائم وفق مراسيم معينة ، عندها تعيش الحامل حياة قداسة ورهبنة وتنقطع عن أكل اللحوم بكل أنواعها وتناول المشروبات الكحولية والخمور طيلة فترة حملها ويكون طعامها يعتمد على تناول الفواكه والخضراوات الى أن يولد المولود ، فاذا كان الوليد ذكراً ينطبق عليه نفس النظام الغذائي طيلة سنوات عمره وتكون حياته حياة الأكليروس . وفي حالة كون المولود أنثى فالتقليد المتبع يلزمها أن تعيش حياة الرهبنة مطبقة نفس الشروط التي يعيشها الذكر ، أي عدم تناول اللحوم والمشروبات الكحولية والخمور . وهذا ما طبقته سورما في حياتها وقررت بإرادتها الحرة في عام 1897 وبصورة نهائية أن تعيش حياة العزوبية وتكرس ذاتها لحياة شبه رهبانية لخدمة الدين طيلة حياتها الى يوم إنتقالها الى الحياة الأبدية في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية في اليوم السابع من شهر تشرين الثاني من عام / 1975 .
سورمة خانم إمرأة سياسية بعد أن حطت سورمة الرحال على أرض لندن عاصمة الضباب في 11 / تشرين الأول / 1919 بعد رحلة بحرية شاقة وتجوالها فيها اكتشفت إنها مدينة صناعية كبيرة فيها ترسم السياسات الدولية ، ومنها تصدر الأوامر الى ما وراء البحار والمحيطات ، وهي في ذات الوقت مركزاً للثقافة والعلم والأقتصاد ، وبعد التفكير ملياً والتمعن في كل ما يقع تحت أنظارها في لندن استنتجت سورمة ما يلي :-
• إن بريطانيا تكافح من أجل حماية شبه القارة الهندية والطرق المؤدية إليها لغرض حماية مصالحها الحيوية فيها .
• انتبهت أيضاً في ملاحظاتها الذكية الخاصة الى موضوع أهمية حقول النفط المكتشفة في بلدان الشرق الأوسط ، لأن الثروة النفطية الوفيرة في تلك البلدان كانت دليلاً واضحاً ومؤشراً مهماً للتطور السريع لتلك البلدان وشعوبها مستقبلاً ، وكانت تعني في نفس الوقت لبريطانيا مورداً اقتصادياً وفيراً وشبه دائم وتبشر بأفاق تقدم هائل .
فهمت سورما خانم بحدة بصرها وبصيرتها الحاجة البريطانية الملحة للنفط كأهم مصدر للطاقة . بعد تمحيص كل هذه الحقائق بعناية عن جوهر السياسة البريطانية إتضحت الرؤية أمام سورما وتسألت هل أن قضية شعبها الآشوري التي جائت لتدافع عنها تحتل موقعاً مهماً في خضم المصالح المتصارعة في جسم هذا الكيان السياسي البريطاني العملاق والذي لا يتنازل عن مصالحه قيد شعرة ؟؟ إنه كان تساؤلاً ذكياً . بقي هذا السؤال حياً في ذهن سورمة ومخيلتها وملازماً لتفكيرها ، وبموجبه كانت تزن تطورات الأحداث السياسية بكل ما يعني شعبها الآشوري وتتخذ القرار المناسب . وكانت هذه التصورات لسورما عن السياسة البريطانية فهماً دقيقاً وعميقاً لقواعد السياسة البريطانية في تعاملها مع الآخر .
عندما كانت سورما في طريقها الى موعد المقابلة مع اللورد كورزون نائب ملك بريطانيا السابق في شبه القارة الهندية المتعاطف مع القضية الآشورية وبرفقة اللوردان الحبران الأنكليكانيان وأثناء تجوالها في أروقة قصر ويستمنستر مبنى مجلسي اللوردات والعموم والأحتفالات الخاصة بالملكية البريطانية وعندما كان المرافقان يشرحان لسورما خانم تاريخ هذا المبنى العملاق وعن قاعاته وأروقته الجميلة وعن أهميته في تاريخ بريطانيا العظمى باغتتهم سورما وقاطعتهم بعد أن أذنا لها بالتحدث ، فانطلقت سورما في حديثها وأسهبت في شرح ما كانت عليه مدينة بابل عاصمة العالم التاريخية الشهيرة التي كانت قبلة الدول والشعوب في زمانها وتحدثت بأدق التفاصيل عن هياكلها العظيمة التي تجاوز عددها الألف هيكل ، وتحدثت عن أبوابها الجميلة كباب عشتار وزخارفها المزركشة والملونة وعن شارع الموكب الذي كان يتوسطها ويمر بباب عشتار . ثم إنطلقت بالحديث عن مدينة نينوى العظيمة عاصمة الآشوريين التي كان لها السطوة على الكثير من البلدان والتي كانت أبوابها وأبواب قصورها الملكية تحرسها ثيران مجنحة بوجوه بشرية ، تحدثت عن المدينتين كيف كانتا في غابر الأزمان وبأية هيبة وجلال العظمة وأين صارت اليوم بعد ( 26 ) قرناً ، حيث لم يبقى منها إلا بعض الأثار والأطلال الحزينة وتحولت الى تلال من الأتربة . وأين صاروا أحفاد بابل ونينوى اليوم يستجدون العطف والمساندة من الغرباء لأستعادة أرض الأجداد .
وقالت أيضاً قولاً حكيماً وبليغاً في مضمونه إن الأمجاد تعمي العيون لكن لا زال لدينا الأمل بالدول ذات القوى العظمى متمنين أن تكون رؤيتها للأمور واضحة وأن لا تنسى حليفها الصغير الذي تخيلوا كان قديماً شعب لا يقهر ولا يقبل بالذل والهوان . الحبران الجليلان المرافقان لسورما فهما الرسالة بوضوح وأعلنا اتفاقهما مع رايها من دون تعليق لأنهما فهما عمق الحكمة المبطنة في حديثها والى ماذا كانت تشير . وعندما وصلوا الى الرواق الرئيسي المؤدي الى الغرف والقاعات والمكان الذي فيه يجتمع البرلمانيون للمناقشة كان اللورد كورزون بانتظار استقبال سورما خانم برفقة اللوردان الحبران الانكليكانيان ، وعندما وصلت سورما وأصبحت وجه لوجه مع اللورد كورزون لم يستطع اللورد الوقور من إخفاء إندهاشه عندما رأى سورما خانم بهيبتها المتألقة والوقورة ، سيدة بملامح مشرقية جذابة ممشوقة القامة ، مدت يدها له لمصافحته وتقدم له الاحترام الواجب والتقدير البالغ اللذين طلب أخيها مارشمعون بولس بطريرك كنيسة المشرق نقلها إليه . بعد المصافحة فهم اللورد كورزون أن تعامله سيكون مع شخصية مهمة ذي كارزمة مؤثرة تمثل بحق الشعب الآشوري . ومن ثم جلس الأثنان متقابلان وتباحثا لوحدهما بين جدران الغرفة لا أحد يسمعهما . عقب المحادثات دعى اللورد كورزون سورما الى شرب الشاي وجلسا على شرفة مطلة على نهر الثيمز والتي هي مخصصة لجلوس البرلمانيون فقط ، كل هذا التقدير والأهتمام وفق هذه البروتوكولات يدل على مدى أهمية سورما ودورها في إيجاد حل للقضية الآشورية التي كانت مفاتيحها الرئيسية بيد بريطانيا وكانت سورما تدرك وتفهم ذلك جيداً ، لذلك سعت معهم وبكل جهدها وقدرتها الى آخر نفس لأنتزاع إعتراف بريطانيا بالقضية الآشورية وحق الشعب الآشوري في تقرير مصيره . في هذه الجلسة إلتحق بهما اللوردان الحبران المرافقان لسورما خانم . أثناء الجلسة بدأ اللورد كورزون بالكلام فقال
(( إني قررتُ طرح القضية الآشورية أمام مجلس اللوردات للمناقشة في كانون الأول القادم ، وبما أني أحد أعضاء الحكومة البريطانية لذا سأكون إيجابي أثناء المناقشة ومع صالح القضية . والليدي سورما أوضحت الكثير من النقاط المهمة حول القضية الآشورية )) . فقال اللورد كورزون أيضاً
(( ساحتفظ بكل الملاحظات التي سجلتها في هذا اللقاء لأهميتها ، لكن هناك نقطة مهمة يجب عدم إغفالها تلك هي نشاطكما أنتما اللوردان العزيزان – يقصد الحبرين المرافقين لسورما خانم - ، عليكما شحن الموضوع وإحيائه وذلك بالتأكيد على وجود المشكلة من الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الأولى . عليكما الأستناد وخاصة على حضور الكنيسة الانكليكانية وخبرتها مع الشعب الآشوري في ربوع جبال هيكاري ، هذه النقاط مهمة جداً تساعد في توضيح الرؤية وتقييم أهمية القضية الآشورية للرأي العام البريطاني )) . بعد هذا اللقاء والمقابلة المهمة مع اللورد كورزون خرجت سورما خانم من قصر ويستمنستر وقلبها طافح بالآمال الكبيرة . لقد أعطت هذه المقابلة إنطباعاً إيجابياً لسورما خانم ، اليوم يستطيع الطرفان البريطاني والآشوري أن يعلنا عن وجود أرضية لأقتراب مصالحهما . استمع اللورد كورزون الى حديث سورما باهتمام بالغ ومتابعة دقيقة وهي تشرح له أبعاد القضية الآشورية وحق شعبها في تقرير مصيره في أرض أجداده . نظرته الأستراتيجية لم تستثني إمكانية إقامة " آشـور " ذات حكم ذاتي تحت مظلة إنتداب بريطاني ، لكنه في نفس الوقت لم يخف الحقيقة الفعلية التي تظهر مستقبلاً حيث أن بريطانيا ليست القوة الوحيدة التي تلعب في الميدان وتقوم بإعادة رسم خارطة بلدان الشرق الأوسط على مستوى الحلفاء في الحرب ، بالأضافة الى وجود أراء مخالفة لرأيه الشخصي داخل مؤسسات الدولة البريطانية نفسها والتي قد لا ترضي بوجهة نظره أي إمكانية إقامة " آشـور " ذات الحكم الذاتي في موطنهم الأصلي في هيكاري وشمال العراق وأورميا .
في يوم 17 / ك2 / 1919 اجتمع مجلس اللوردات البريطاني لغرض مناقشة قضية الآشوريين والأعتراف بهم كجهة سياسية . بعد هذا الاجتماع حققت سورما خانم أول أهدافها من وراء زيارتها للندن ذلك هو المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الآشوري وطرح الموضوع رسمياً وعلنياً . كان الصراع السياسي بخصوص هذه القضية في مجلس اللوردات على أشده . اللورد كورزون قدم مشروعاً ينص على إنشاء "
حبيسة آشورية " أي أرض محصورة تقع شمالي ولاية الموصل حينذاك وليس بحدودها الحالية . واعتمد اللورد كورزون في ذلك على دعم الكنيسة الانكليكانية له وعلى المفوض العام للشؤون المدنية في بلاد ما بين النهرين السير تولبوت ولسن الذي كان من المؤيدين لمشروع إنشاء " حبيسة آشورية
" في منطقة تقع في نواحي العمادية لكي تكون مجاورة لمنطقة هيكاري موطنهم الأصلي قبل الحرب العالمية الأولى وكان المارشمعون قد أيد الفكرة ومقترح مشروع الحبيسة الآشورية . وقال اللورد كورزون في خطابه أمام مجلس اللوردات
(( إن سياستنا واضحة جداً وتعتمد على الاسس التي تقر عودة آشوري بلاد فارس الى مناطقهم الأصلية حالما تسمح الظروف بذلك . أما موضوع الآشوريين الذين كانوا يسكنون المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني سابقاً والذين رغبتهم تتركز على طلب العودة الى تلك المناطق ، فهناك إمكانية لأسكانهم في " حبيسة آشورية " مجاورة لتلك المناطق على أن يكون ذلك تحت حمايتنا ورعايتنا ورقابتنا بهذا سيمكنهم الأستفادة من حمايتنا وبسهولة أكبر . علينا المحاولة للبحث عن حلول بديلة باستطاعتها ضمان سلامة هذا الشعب وأمنه وتوفير حياة مشرفة له تليق به )) . بعد ذلك إنتهز اللورد فرصة إلقاء خطابه هذا أمام مجلس اللوردات ليكيل المديح لسورما خانم فقال ((
عملياً من الصعب لا بل من المستحيل أن نتصور أن هناك شخص يستحق الملاحظة والأهتمام أو شخص أكفأ من الليدي سورما . هي الوحيدة التي باستطاعتها التحدث عن الشعب الآشوري الذي تنتمي إليه بشكل وافِ وبحُجة )) .
بعد هذا اللقاء والخطاب الذي ألقاه اللورد كورزون عرضت سورما قضية شعبها الآشوري علنياً ورسمياً ، وقد كان ذلك موضع إهتمام واسع لوسائل الأعلام والصحافة البريطانية والأوربية والعالمية - أي تم تدويل القضية الآشورية من قبل سورما إعلامياً – وطلب الكثير إجراء مقابلات مع سورما خانم من المؤسسات والمنظمات الخيرية والشخصيات الشهيرة المعروفة في بريطانيا والتي تريد الأستماع إليها ومعرفة الشيء الكثير عن قضية شعبها الآشوري . كان جمال سورما الآخاذ وجاذبيتها المشرقية وقوة شخصيتها المؤثرة ومحبتها غير المحدودة لأبناء شعبها وذكائها الحاد وقوة ملاحظتها الخارقة للأمور وإخلاصها لمبادئها كلها كانت عوامل مؤثرة في الشعب البريطاني وجعل لها شخصية كارزمية مؤثرة . في الحقيقة كانت سورما خير سفير وفي ومخلص لشعبها الآشوري . لقد طرحت بوضوح تام وجلاء طموحات ومطالب شعبها العادلة بأمانة وإخلاص أمام الحكومة البريطانية وأمام الرأي العام البريطاني والأوربي والعالمي حينذاك ، طرحت كل أرائها بتحديد وتوكيد وجرأة . في هذه الزيارة التاريخية لها لبريطانية . منحت سورما خانم لقب " الليدي " بناءً على طلب الملكة " ميري " زوجة الملك جورج الخامس ملك المملكة المتحدة . وختاماً لهذه الزيارة التاريخية نقول إن إقامة الليدي سورما في لندن كانت فترة مضيئة في تاريخ الشعب الآشوري وكنيسة المشرق لمن يفهم قواعد علم السياسة وكيفية التعاطي معها وليس لمن يجهل أبسط قواعدها ، لأنها أعادت ذكرى ماضي هذا الأمة العريقة وهذه الكنيسة العظيمة وأظهرت تألق نجم حمل معه أمالاً عريضة فسطع نوره في سماء الشعب الآشوري المعتمة .
خوشـابا سـولاقا
26 / 7 / 2013