على ضوء المؤتمر الدولي الذي انعقد في عمان يومي 3-4/9/2013 تحت عنوان (التحديات التي تواجه المسيحيين العرب). جاء المؤتمر بعد لقاءات وجهود من العاهل الملكي الأردني عبد الله الثاني. كان اللقاء الأول مع الكاردينال البشارة الراعي بطريرك الموارنة وقال:(ان المسيحيين هم اصاله هذه الأرض في الشرق الأوسط). ثم جاء لقاء الملك مع البابا في الفاتيكان في 29/ 8/ 2013 وتعهد الملك على اجراء مؤتمر دولي في الأردن وبيّن للبابا ايضاً بأن المسيحيين هم الاصالة في المنطقة. على ضوء ذلك جاء المؤتمر وحضره العديد من المسيحيين البطاركة والمطارنة والقساوسة العرب وغير العرب ورجال وعلماء من الاخوان المسلمين أكثر من مائه شخص. منهم غبطه البطريرك ما لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكلدان في العراق والعالم والوفد المرافق معه والكاردينال بشارة الراعي بطريرك الموارنة ومار غريغوريوس الثالث بطريرك الروم الملكي الكاثوليك ومار يوحنا العاشر بطريرك الروم الأرثوذكس (انطاكيا) والبطريرك مارتي فيلوس للروم الأرثوذكس ومار فؤاد طوال بطريرك اللاّتين ومن حاضره الفاتيكان الكاردينال جان لوي توران والكاردينال جورجي لينكوا السفير البابوي في العراق والأردن والأب نكتاريوس نيابة عن البطريرك الاسكندرية وسائر افريقيا للروم الأرثوذكس. وحضور رؤساء من الإسلاميين من الشرق الأوسط والعالم، جاء المؤتمر لتعزيز الحوار والتفاهم وتمتين جسور التعايش بين الأديان خدمه لمفاهيم المحبة والوئام بين الأمم بعيداً عن الانغلاق والتعصب من اجل تحقيق التآخي والسلام والاستقرار لشعوب العالم عامه والشرق الأوسط خاصه. وقد دعت الكلمات للصلاة من اجل السلام في سوريا والشرق الأوسط والافراج عن المخطوفين المطرانين (مار بولس اليازجي-شقيق البطريرك يوحنا العاشر-ومار يوحنا إبراهيم والاباء الكهنة). وتكلم الأمير غازي بن محمد كبير مستشاري العاهل الأردني للشؤون الدينية والثقافية قال في كلمته (لا نسمح لأي اضطهاد للمسيحيين او لأي اقليه دينيه او عرقيه لأي سبب كان). قبل الدخول في اختتام المؤتمر لابد من ايضاح كوني مسيحي عربي من دراسة وبحث علمي وتاريخي لمضمون (المسيحيين العرب). اولاً السامية ولغاتها، الساميون هم الشعوب التي هاجرت منذ 3500سنه ق.م من الصحراء العربية (سكان الجزيرة) الى ضفاف وادي الرافدين (العراق) حيث الحضارات المزدهرة. فالأكيدون الذين سكنوا سومر دعويا بالساميين كذلك عرب الجزيرة العربية والميزة المشتركة لهذه الشعوب لم تكن عرقيه بقدر ما كانت خصائص لغويه متشابهة ومنها الآرامية والامهرية والعبرانية والاكادية. وتنسب اللغة السامية الذين ينسبون لسام بن نوح، الذي هو أبو الشعوب التي تتحدث حسب الميثولوجيا الدينية. تتميز اللغات السامية التي استعملت الابجدية في كتاباتها ومنها انتقلت الى اليونانية واللاتينية. وجدت كتابات أكاديه ساميه تعود للألفية الثالثة ق.م. اللغة السامية صنفين شرقي وغربي،( اللغة الكنعانية ومن افرادها الامورية والكنعانية والفينيقية والعبرية والادغاريتية والمؤابية. اما المجموعة الثانية فهي الآرامية ومنها الآرامية القديمة ما بين القرنين 10-8 ق.م وتفرعت الى فرعين الآرامية الشرقية والغربية، الآرامية الشرقية ومنها اللهجات الحضرية – مدينه الحضر-والآرامية البابلية والرهوية – سريان الرها-والصابية والاشورية، اما الآرامية الغربية ومنها النبطية والتدميرية والفلسطينية والسورية). اما كتابات اللغات الجنوبية وهما لغات الجزيرة والحبشة والحجازية ومنها اللغات العربية الجنوبية مثل المعينية والسبئية والحميرية والقتبانية، اما اقدم كتابة آراميه عثر عليها في شمال سوريا وترجع للقرن 9ق.م وتنسب الاراميين في الكتاب المقدس الى آرام بن حام بن نوح. ثانياً شعب العرب، هم قبائل شتى في نسبها ترجع الى شعبين هما قحطان وعدنان، وان أعظم قبائلها في الجزيرة العربية وهي: عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم (المصدر: كتاب محمد/عبد الرزاق محمد اسود). عاد من القبائل الآرامية وثمود قبيلة من العرب وان ملك الاشور سرجون الثامن انه اخضع ثمود ضمن القبائل التي اخضعها له وعُثر على آثارهم في مدائن صالح. العرب هم العرب العاربة والمستعربة، فالقحطانيون هم الحميرية وقبائلهم، قضاعه ويهرم وتنوخ في الشام والثانية هم كهلان منها القبائل طي وهمذان ومجح والزاد وجذام وغسان وهم من امارات الشام، الخزرج والاوس في المدينة. اما القبائل العدنانية المستعربة ومن قبائلها اولاً الربيعة وديارهم في دجله والثانية مضر وقبائلها قيس وعيلان وتميم وتغلب وكنانة وقريش. كانت القبائل العربية تهاجر ودياناتها مختلفة في مرحله معينة كانت معظمها وثنية وأخرى يهودية ومع ظهور المسيحية تحولت بعضها اليها واعتنقته العديد من القبائل والكثير من العرب الجاهلية كانوا مسيحيين مثل امرؤ القيس وطرفة بن العبد واللغة السائدة في المنطقة كانت العربية والتي أصبحت لغة القران والإسلام، والحال هي لغة العرب قبل الإسلام. ان الزعم بأن هؤلاء المسيحيين العرب قد استعربوا بعد العرب الإسلام لبلادهم هو زعم خاطئ. لأن البلدان العربية معظمها مسكونة بالعرب مسبقاً وبالأصح المسيحيين العرب قبل ظهور الإسلام. لكن هل يوجد اليوم ما تمكن تسميته العرق العربي؟ أكيد الجواب لا. إذ ليست هناك جماعة بشرية في العالم يمكنها الزعم بأنها صافية عرقياً. القبائل العربية المسيحية تفككت وانقسمت وتفرعت لسبب الغزوات التاريخية وهناك شواهد تاريخية عديدة (المصدر: كتاب القبائل العربية وسلائلها/مصطفى الدباغ). نحن عرب مسيحيون والكتاب المقدس يؤكد ذلك عندما نزل بولس الرسول الى بلاد العرب(الانباط) لثلاث سنين وكانت قواعدهم صلع وبصري ولصخد والحج (انظر غلاطية 1: 17-18و كورنتوس11: 32). ومن اهم المدن المسيحية حوران وبصري والحيرة وبلاد ما بين النهرين ونجران في اليمن. لقد ذكر بن اسحق اللغة العربية ذو فرعين، العربي الحميري ثم الفرع العدناني او الحجازي أي لغة إسماعيل. وعند مجيء الإسلام رقيت اللغة أعظم درجه للعرب المسلمين والحال هي لغة العرب قبل الاسلام. بعد وفاة النبي عادت عدة قبائل كانت قد اعتنقت الإسلام الى المسيحية منهم بني عقل وبن وكلب فقام خالد بن الوليد بحمله عسكريه ضدهم افضت الى مجزره بقتلهم ومعهم قبائل متآلفه معها في دومه الجندل. وفي العصرين الاموي والعباسي حصل الاستقرار الديني. لكن في العصر العثماني بدأ الفكر الاعمى التعصبي اللاإنساني. وبدأت مخاوف المسيحية لحركات التغير بحيث تمكن متطرفين إسلاميين من القفز الى مقاعد السلطة. تلك هي الحقيقة في شعار المؤتمر في عمان (التحديات التي تواجه المسيحيين العرب). اختتم المؤتمر بعد يومين من الجلسات المكثفة لعرض أوضاع المسيحيين العرب ومعاناتهم في ظل الأوضاع والتطورات الراهنة في البلدان التي يعيشون فيها خاصة سوريا ومصر والعراق ولبنان، فوجد المشاركون متنفساً لكلام من اجل الخروج بثمرة وثمنوا الجميع دعم الأردن ملكاً وشعباً وحكومةً، وقبل انعقاد المؤتمر في عمان دعي البابا فرنسيس الى الصوم والصلاة لرفض أي عمليه عسكرية ضد سوريا. وفي ختام المؤتمر منح الملك اوسمة ملكية تقديراً لجهودهم في نشر الثقافة والتسامح والحوار بين الأديان السماوية. كان الهدف الرئيسي من المؤتمر الخروج بتوصيات وقرارات وكانت توصياته وقراراته منح الاوسمة التقديرية. علماً ان غبطة البطريرك مار لويس طالب بمخرجين رئيسيين للمؤتمر، الأول تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ التوصيات والثاني اصدار وثيقة رسمية من الجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية وفتوى من العلماء والمرجعيات الدينية تعترف بوجودنا وحقوقنا اسوة بالمسلمين، وليس منّةً، هذا يطمئننا ويشحن ثقتنا ورجاءنا في البقاء والتواصل والعيش المشترك. لكن المؤتمر انتهى من دون بيان ختامي وتوصيات وقرارات. يبقى موقف المشاركون جميعاً والفاتيكان من وراء هذا الاجتماع وشعاره، انه من المخزي ان يظل المجتمع الدولي والإنساني عاجزاً مثل هكذا التحركات ووضع حد لهذه المأساة الانسانية التي يعيشها شعوب العالم المسيحي في الشرق الأوسط وبالتالي تهدّداً وعدم البقاء في أصالة ارض مسيحيو العرب.
الباحث/ سمير يوسف عسكر