إلى مجلس رؤساء كنائس العراق
[/color]
بادء ذي أود أن نُهنئكم لنِعَمِ أعياد الميلاد والعام الميلادي الجديد ونَضُم صلاتنا مع صلاتكم لتكون هذه الأيام بُشرى الخلاص للمظلومين والمُهَمَشين المُعَذَبين.
لاشك أن للكنيسة رسالة ورؤية ودور وشهادة في إصلاح ما أفسده الساسة والمنتفعون والطارؤون وصُناع القرار من حياة الناس من خلال فضح أي ممارسات تطال كرامة وحُرية الإنسان، وتسعى وتُناضل الكنيسة لمساندة مَن أُنتهك حُقوقهم، فتعيش رسالة التضامن معهم وتكون خير عون لهم في أن تُفتح أمام الجميع أبواب العدالة الاجتماعية في ظل نظام يُؤمن بالمواطنة والمساواة. وهذا ليس تدخلاً في السياسية بل عيشٌ للرؤية التي تُؤمن بها الكنيسة من أن السلطة جاءت لخدمة الإنسان لا لتحديد حياة الإنسان.
ولأن المرحلة الحالية تتطلب مثلما كانت في السابق عملاً وجهوداً مُشتركة لرؤساء كنائسنا الكرام، ويؤمن الجميع بالشركة لا في المسيح فقط، لكن في إدارة أزمات شعبنا، لنكون النموذج لقياداتنا السياسية. لذلك نتطلع هذا العام أن توحد جهودكم في رؤية وخطاب صريح وواضح يتبناه مجلسكم المُوقّر، مجلس رؤساء كنائس العراق، إزاء ما يجري على الساحة السياسة، وأن يعلن عمق قلقكم وتأثركم البالغ لما يشهده البلاد من حالات تشرذم اجتماعي يدفع ثمنها مواطنون أبرياء، وعلى الحكومة أن تتطلع بمسؤولياتها الكاملة وتسعى بخطوات جادة لا بخطابات مُزركشة بعبارات ومُصطلحات لا يفهموها هم أنفسهم.
يُضاف إلى ذلك سعي مجلسكم لرسم ملامح خطاب مسيحي وطني أساسه إنتماؤنا لهذه الأرض وأصالة جذورنا وعظمة إسهامنا الحضاري فيه. هناك مَن يسعى لإخفاء هذه الحقيقة، خطابكم الوطني هذا والذي يتجاوز تعابير الأقليات والمُحاصصات الطائفية والتي يحاول البعض فرضها كواقع سياسي ثم اقتصادي، لتكون الحياة على هذه الأرض منية منه علينا، هذا الخطاب الواضح سيُذكر الجميع من أننا لم ولن نكون ضيوف على العراق، بل نحن كُنا وهم جاؤوا. مثل هذا الخطاب ليس تدخلاً في السياسة، بل حث الجميع ليطلع بمسؤولياته ويلتزم عهود الشراكة الاجتماعية التي هي أساس التعايش السلمي البناء في أي مُجتمع إنساني.
كما وأن لا يتناسى المجلس أهمية التأكيد على أن استقلال العراق لن يكون إلا إذا حماه أهله وشبابه. فأبن البلاد، العراقي أينما كان هو مَن يتحمل مسؤولية حماية وصون الأعراض والمُمتلكات، ويدافع عن استقلال البلاد من كل تدخل أجنبي. لذا، سيكون للمجلس أثر طيب إذا ما أشار على ضرورة أن تلتزم الحكومة العراقية بالتعاون مع أصدقاءها وحلفاءها لتأهيل القوات العراقية المُخصصة لحماية أمن البلاد داخليا وخارجياً، من خلال برامج مدروسة تسمح للجميع بالمشاركة في هذه المهام من دون إقصاء لأحد أو طائفة، وتستفيد من خبرة شعوب أخرى ومن أخطاء المرحلة السابقة. هذا ليس تدخلا من قبل الكنيسة بالسياسة بل شعور وطني عالٍ، ورغبة من الكنيسة بأن لا يكون المسيحيون أجانب على أرضهم وأرض أجدادهم. قضية استقلال ووحدة العراق قضية وطنية تخصنا جميعاً كعراقيين، ونطمح لنظام سياسي يقبل تعدديتنا واختيارنا لأسلوب الحكم وتنظيم إدارة البلاد. فما هو موقفنا نحن كمسيحيين من حاضر ومستقبل القوات الأجنبية على أرض العراق؟
وإذا ما حاول البعض تناسي ضحايا العنف الطائفي والسياسي فعلى الكنيسة أن تكون صوتاً صارخاً لذوي الضحايا، ونحب أن تتطلع الكنيسة عبر مجلسكم المُوقّر لتكون رائدة في الدفاع عن حقوق هؤلاء، فتُناشد الحكومة لتعمل عبر ديوان الأوقاف لتثبيت أسماء وحياة هؤلاء الضحايا، مُعزز بصور وشهادات عن حياتهم. ثم يسعي الديوان لضمان حقوق عوائلهم فيكون العراق كُله أباً وأمُا وأخاً وأُختاً لهم جميعاً. ليشعر عوائل هؤلاء الضحايا أن العراق فَقَدَ أعزاء وهو مُتأسف لذلك. وهذا ليس تدخلاً في السياسة، بل سير حثيث نحو الالتفات إلى مَن أُنتزعت منهم فرص الحياة الكريمة، فتيتموا وترملوا من جراء صراعات سياسية لبست ثوب الدين والدين براء منها.
للمجلس دور فعّال ومؤثر على الخطاب القومي والسياسي لأبناء شعبنا في المهجر ليكون عوناً لمَن هم الداخل. الخطأ الفادح الذي سقطت فيه الحكومة العراقية هو أنها تحاول إدارة أزمات البلاد من المنطقة الخضراء، فلا نُريد أن تُدار وتُدار أزماتنا كمسيحيين من البلدان الخضراء. أنا لا أنكر الدور المُتميز الذي يلعبه مثقفونا وسياسيونا في المهجر وتضامنهم مع قضية الشعب وجروحاته، ولكن عليهم أن يُصدقوا أن الواقع يأتي مُخالفاً لما يُحللون ويتوقعون. فنرجو أن يُلفت المجلس عناية أبناء شعبنا في المهجر ليأخذوا على عاتقهم مهام تدويل وشرح قضية شعبنا لصُناع القرار في بلدانهم، ويُصغوا بتيقظ لواقعنا المُتغير يومياً.
حُكم ذاتي للمسيحيين في سهل نينوى أو إدارة ذاتية لهم في هذا السهل، هذا ليس شأن الكنيسة بل هو اختيار ومطلب شعبي سيُثبثب عبر استفتاء أو اجتماعات بين قادة أحزاب سياسية. ما يهم الكنيسة ويجب أن يشغل حيزاً كبيراً من تفكيرها هو أن هذا السهل يضُم الآن ألآلاف العوائل المسيحية، وينزح إليه يومياً عشرات أخر غيرها مما يُضفي رونقاً وواقعا جديداً على السهل وهو واقع حال يجب أن نتعامل معه. لا يخفى على الجميع تزايد حالات التهجير في المحافظات المُلتهبة مما يُضاعف حجم المشكلات الاجتماعية التي يعيشها أبناء هذا السهل. فهل يُفكر مجلسكم في مواجهة هذه التحديات الجديدة وكيف يكون للمجلس فرصة إسهام في تخفيف حجم المعاناة؟ هل سيكون للمجلس فرصة فتح قنوات اتصال مع جيران هذا السهل لشرح وكشف الواقع الاجتماعي والاقتصادي للعوائل الساكنة فيه؟ هل سيسعى مجلسكم لتشكيل لجان لمُتابعة الطارئ من القضايا والأزمات وكيفية التعامل معها؟ هل هناك إمكانية لتشكيل لجان كفوءة قادرة على رسم ملامح رؤية لمستقبل المنطقة في خضم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها؟ كيف يُمكن استثمار الفرصة ليكون للمجلس دور ريادي (وليس بالضرورة قيادي) في حياة أبناء المنطقة؟
علاقاتكم طيبة ومُتشعبة في الداخل الخارج وسهل نينوى مُهمل بشكل كبير من ناحية الخدمات والمشاريع الإستراتيجية وبحاجة إلى مدارس نموذجية ومستشفيات مُتميزة ومشاريع صغيرة الحجم تخدم أبناء السهل إذ تفتح أمامهم فرص عمل آمنة ولتكن حصرياً لأبناء السهل، وخدمات متميزة لهم بأجور مُخفضة، فيما تُستقطع أجور تتوافق والخدمة لغير الساكنين في السهل لضمان استمرارية الخدمة. لذلك، يُمكن لمجلسكم أن يستغل هذه العلافات لخدمة أبناء السهل ويُشجع استثمارات أبناء المهجر ليقفوا وقفة تضامن مع أبناء السهل في زمن نحن بحاجة لمساهمة الجميع. فالاقتصاد اليوم لا يهدف إلى زيادة الأرباح المادية للمُستثمر فقط، بل يسعى لأرباح معنية من خلال مشاريع لها غايات إنسانية أيضاَ. النداء الذي يوجهه مجلسكم في هذا الخصوص له تأثيره لاسيما إذا ما رافقه تشجيع لتشكيل هيئة مُخصصة لهذا الشأن، ويُعهد أمر تأسيسها وإدارتها لمُتخصصين أكفاء في الاستثمار والإعمار والإدارة وتتعامل بشفافية مع المشاريع المطروحة أمامها لللتصديق عليها وفق معايير تهدف إلى رفع شأن السهل ليكون له الموقع المُتميز بكل قُراه ونواحيه. ونتمنى أن ترافقوهم بالإرشاد والتوجيه والاقتراحات البناءة التي تسمعونها من قبل أبناء السهل، فلنا من أبناء الجالية متميزون في الإدارة ولهم من الغيرة لأبناء شعبنا وقضيتهم ما يُشفي ويُطيب جراح ويفتح أبواب الأمل لهذا الشعب المسكين. هذا لن يكون ابتعادا عن رسالة الكنيسة وشهادتها في المجتمع إلا إذا طلب رجل دين أن يكون له مركز قيادي في مثل هذه الهيئة. دورنا ككنيسة يتحدد بالتوجيه والإرشاد وفضح الانتهاكات من دون مجاملات.
وأخيراً، وليس آخرا، للمجلس إمكانية تشكيل لجنة لفتح ابواب الحوار الهادف مع الجان المُشرفة على بناء المساكن في القرى المسيحية لتطوير هذه البرامج ورفدها بالمقترحات البناءة وشرح التقصير الحاصل فيها ليأتي العمل مُتكاملاً قدر المُستطاع. نحن نُدرك تماماً أن البرامج المُنفذة في هذا المجال هي برامج طارئة، والتخصيصات المالية لها قد لا تكون عالية، ولكن كُلنا يتطلع لأفضل الخدمات لأبناء شعبنا، فنكون النموذج والمثال حتى في إدارتنا لما يُعهد إلينا كمسيحيين من مشاريع من الدولة أو الجمعيات ذات العلاقة.
هذه جملة اقتراحات، ويُمكن للقارئ أيضا أن يُضيف عليها ما يراه هو مهماً لهذه المرحلة ولمُستقبلنا كمسيحيين. ولا نريد تعليقات تمدح أو تستغل الفرصة لتُمرر انتقادات لهذا وذاك، لأننا نرغب بحوار هادئ ولكن حوار هادف بالدرجة الأولى.[/b][/font][/size]