المحرر موضوع: في مسار صياغة الدستور . . مخاطر وآفاق !  (زيارة 1312 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في مسار صياغة الدستور  .  .  مخاطر وآفاق !
[/b]

د. مهند البراك

   رغم استمرار الأرهاب واستمرار ضعف الأمن وتفاقم المشاكل المعيشية والأقتصادية والبطالة وانقطاع الماء والكهرباء، التي قللت الى حد كبير من حيوية المناقشات ومن مشاركة اوساط لايستهان بها فيها، وفي وقت انشغلت غالبية الصحف ووكالات الأنباء فيه، بمطالب اوسع القطاعات الشعبية لأيجاد حلول للمشاكل اليومية الآنفة الذكر.
   ساعد النشاط الشاق المتواصل لأنجاز صياغة مسودة الدستور بين اختلافات ومواقف كثيرة التشعّب والتباين والتوقيت، على تعزيز الأتفاق بين اكثرية الفرقاء على ضرورة اعتماد الفدرالية كمبدأ، في تحقيق وحدة البلاد، وتدور نقاشات حامية ترمي الى تذليل الأختلافات على السبل وعلى تفاصيل تطبيقها العملي من جهة .  .  وعلى الأتفاق على اسم وهوية البلاد بشكل عام من جهة اخرى، فيما يبدو ان السير في قضية الحقوق المدنية وحقوق المرأة ودور المرجعيات الدينية لايزال يواجه صعوبات .
   الاّ ان ما اثار استغراب اوساط عديدة تصريح السيد عبد العزيز الحكيم بمفهومه عن تشكيل الفدراليات، الذي لم يتفق معه قسم لايستهان به من قائمته ذاتها، بعد ان طرحه علناً في وقت حرج قبل يومين من الموعد السابق لتقديم مسودة صياغة الدستور، الأمر الذي ادىّ الى تفاسير وصيغ وردود افعال اخرّت تقديم تلك المسوّدة، بتقدير اوسع المراقبين  .
   وفيما وصف عدد غير قليل تلك التصريحات بكونها دعوة لأعتماد الطائفية في تكوين الفدراليات، فسّرها اخرون بكونها ردود افعال على موروث ظلم الدكتاتورية من جهة، وعن كونها مثالاً لأستمرار آلية تفكير ومنطق وتعامل المرحلة البائدة التي لاتزال تتحكم بسلوك عدد من السياسيين. في وقت وصفها آخرون بكونها محاولة كان قد اتّبعها او اضطراليها اكثر من طرف، لتحقيق وتثبيت مطاليبه بطرحها بشكل مبالغ فيه او بشكل عالٍ، لأثارة الأنتباه ولتبيان مخاطر اهمالها .  . ليصار الى التفاهم على حلول تتناسب مع تخفيضها الاّ انها تثبّتها كوجهة يجري الأخذ بها . دون انتباه الى تأثيرات تلك التصريحات في مجتمعنا الذي يعاني التشوّه واعتلال الصحة والمعرفة، وفي ظروف سير كثير من النقاشات خلف ابواب موصدة .
   وفي خضم المناقشة والرفض والشد والجذب الذي جرى ولايزال في التعامل مع تلك التصريحات ، برزت بعض الأتجاهات عبّرت عن عدم رغبة البعض بالبقاء في ترابط مع المناطق التي ينشط فيها الأرهاب والجريمة بل ومحاولته الأبتعاد عن الخسائر والدمار الذي يخلّفه ذلك الأرهاب بدل مواجهته من موقع المسؤولية او تحمّل مسؤولية ايجاد حلول لأحد انواع الأرهاب والجريمة التي تعشعش .  .  في تعبير عن محاولة (تجاوب) مع تعب وارهاق دام عقوداً ولم يتوقف من جهة، وفي محاولة لألقاء مسؤولية وتبعة مواجهته على سكان تلك المناطق، في محاولة انانية ان صحّ التعبير او محدودة الأفق بتقدير عديدين. 
   اضافة الى ظهور تعبير يوصف بكونه يتجاوب مع شيوع او اشاعة اراء وافكار تبسّط مفهوم الدولة وانظمة الحكم ومسؤوليتها الوطنية، الى جعلها وكأنها محاولات لسكان المناطق النفطية للأستحواذ على النفوط التي تنبع من اراضيهم، لأنها تعود لأهاليهم .  .  في تبسيط او عدم معرفة بقوانين الثروات الوطنية والأسواق الدولية المعمول بها في كل انحاء العالم، وكأن البلاد ارض بكر يجري اكتشافها الآن ويجري الصراع على عائدية كنوزها لأي من المكتشفين او الفائزين او المهربين، او ان هناك امور وبواطن غير معلن عنها.
فيما تكشف نقاشات كثيرة تحفل بها صحف ووسائل اعلام متنوعة، عن تعامي او قلة معرفة وضعف متابعة مانشر وينشر عن غنى وثروات المناطق الغربية من العراق كحقول نفط غرب الرمادي العملاقة على سبيل المثال لاالحصر وحقول المعادن الثمينة والأكثر ندرة في العالم الموجودة فيها، اضافة الى حقول الفوسفات العالية الجودة وغيرها هناك .       
   في الوقت نفسه، اسفر ذلك عن ظاهرة اخذت تتأكد، في تصريحات ممثلي كلّ الأطراف تؤكد حرصهم وتقديرهم الى ان كل العوامل والظروف الراهنة والمرحلية تدفع الى الحفاظ على وحدة البلاد واعتماد الفدرالية التي ترمي الى ترسيخ تلك الوحدة لا الى تفتيتها. في وقت اصدر فيه مكتب مرجعية السيد السيستاني الشيعية بياناً افاد بعدم تدخلها بالسياسة، التي تفسرّها اوساط غير قليلة عن كونها ردّ على من يحاول الزج بها في مشروع سياسي محدد .
   فيما تلاحظ اوساط واسعة فيه بروز جهود عالية المرونة سواءاً من السيد رئيس الجمهورية اومن السيد رئيس اقليم كوردستان، اضافة الى كلّ القوى الحريصة على سير العملية السياسية نحو تكوين وبناء الدولة المدنية الحديثة .  .  التي تلاقي تجاوب اوساط متزايدة سواء ممن لم تشارك او قاطعت الأنتخابات الماضية او ممن كانت تقاوم الجهود المبذولة لأقامة دولة المؤسسات البرلمانية الفدرالية. 
   من ناحية أخرى وفيما لم ترحّب دول الجوار والدول الأقليمية عموماً بمسيرة العراق نحو اقامة دولة المؤسسات البرلمانية كبديل لنظام صدام الدموي، وان وافق بعضها على مضض .  .
فقد عمل ويعمل قسم منها على تقويض التجربة بطرق متنوعة .  .  من دعم الأساليب الأرهابية والأرهاب واحتضان مجاميعه مباشرة، الى محاولات مد جسور مع الأطراف الداخلية المتصارعة واللعب على تناقضاتها وزيادتها وتعميقها .  .  اضافة الى ماتدفع اليه قوى ومصالح حربية متنوعة باشكال مباشرة وغير مباشرة. 
وفيما يرى قسم ـ دون العناية او دون معرفة الوظيفة الستراتيجية للدستور ـ ان على الدستور ان ينطلق من الواقع القائم وموازنات قواه بعد ان صار واقع الحال ينطلق من الأسراع بعودة الأمن والماء والكهرباء ومعالجة البطالة والضائقة الأقتصادية المتفاقمة، ومحاولات اطراف وقوى اقليمية متنوعة وبدرجات متفاوتة الى تحويل البلاد الى ساتر لها بتعبيرها الذي اخذ يزداد وضوحاً مؤخراً على لسان السيد خالد مشعل (*) ودعوته الى عدم السماح بالأستقرار في العراق، لأن استقراره يهدد امن وسلامة سوريا ؟!
تستذكر اوساط أخرى ان اعلان صدام الحرب على الجارة ايران (حرب الخليج الأولى) التي دفع  مختلف الفرقاء اليها وعملوا على ادامتها لأكثر من ثماني سنوات، والتي اشتعلت في وقت كانت تعيش ايران فيه انتصارات ثورة شعبية اطاحت بالشاه ومزّقت ترسانته العسكرية الشاهنشاهية وكانت تبتدئ الخطوات الأولى في اعادة بناء البلاد واطلاق طاقاتها التحررية واعادة بناء جيشها الذي تحطّم امام ضربات الجموع الثائرة .  .  فحرفتها، وادّت الى ارهاب وتشديد القبضة الحديدية على الشعبين الجارين المسلمين، باحكام الطوارئ وقوانين الحرب .
وترى فيه نموذجاً مؤلماً جرى وقد يجري سوق البلاد اليه ان لم تنتبه الأطراف العراقية .  . باوساط وآليات جديدة تفرزها المرحلة، ووفق توازن القوى القائم اليوم سواءاً في المنطقة او العالم .  .  حيث ترى ان حل الجيش والدولة وتساقط حدود البلاد واعلان الأحتلال في العراق والتباطؤ، كانت بداية اضعفت من طاقات البلاد وتوقها الى الأنعتاق من الدكتاتورية واقامة الديمقراطية ومؤسساتها، واغرت كلّ تلك الفئات الأرهابية المتنوعة الداخلية والوافدة والمرسلة، التي طغت حتى على الفعاليات الوطنية التي واجهت الأحتلال كما في كل العالم .  . وعرقلت وتعرقل وتحاول حرف ارادة الخير والتقدم في تحقيق الأستقلال وبناء العراق الدستوري الفدرالي الموحد .  .  في وقت تدفع فيه اضافة الى اوساط عسكرية متشددة اميركية واسرائيلية، اوساط دولية آسيوية واوروبية واوروآسيوية واقليمية، تدفع نحو جعل قضية المفاعل النووي الأيراني عنواناً لأشعال حرب خليج مدمّرة جديدة، في المنطقة الأغنى في العالم !
وفي الوقت الذي يصرّح فيه عدد من المسؤولين العراقيين بضرورة الحفاظ على استقلال البلاد والنأي بها ووقايتها من مخاطر اشتعال الحرب في المنطقة، تؤكد اوساط شعبية واسعة على ان ذلك لن يمكن ان يتم دون القضاء على الأرهاب والجريمة وايجاد حلول لمشاكل قائمة، وعلى الفساد وتوفير الشروط الأساسية لحياة البشر في البلاد، ثم تعبئتها شعبياً وسياسياً وتنظيم مباراتها بعيداً عن النعرات الشوفينية والطائفية المدمّرة وعلى اساس رفضها، وتوطيد وحدتها الوطنية على اسس تساوي  المواطنين والمواطنات على اساس هوية الأنتماء للبلاد .  .  من اجل تعزيز وتنظيم القوى الشعبية صاحبة المصلحة في الدفاع عن الدستور وضمان سلامة تنفيذه .
وفيما تؤكد اوساط واسعة اضافة الى ضرورات اعتماد الأطراف الوطنية على التوافق والتنازل المتبادل من اجل تحقيق نجاحات هامة لكل الأطراف لكونها عراقية كلّها، من اجل انجاز مهام  المرحلة واقامة دولة المؤسسات الحديثة، التي بانجازها تنقل الواقع العراقي الى مناخ جديد يتيح طرح النقاط المؤجلة ويتيح صياغة اسلوب الأتفاق عليها.
تؤكد على ضرورة احتواء الدستور على  المبادئ الأساسية للديمقراطية والفدرالية وحقوق الأنسان وحقوق المرأة ورفض العنف واعتماد التبادل السلمي للسلطة وغيرها .  . 
وان يعبّر عنها بصيغ مبادئ عامة واضحة، تحال الى ملاحق ولجان فنية تتشكّل على ضوء اقرار مسودة الدستور والتصويت عليه ( بمبادئه المنوي انجاز تفاصيل لها).  .  . 
وان تتشكّل تلك اللجان بعدئذ من ذوي علوم اكاديمية ومن تكنوقراط وذوي خبرات معترف بها (او يجري الأستعانة دوليا بها ) وفق الأصول الدستورية وكما معمول به في العالم، اي " التوصّل الى صياغة دستور مدني يحتوي المبادئ الأساسية ويصلح للقيام بالتعديلات الدستورية على طريق السكة التي شرّعتها تلك المبادئ، التي جرى اقرارها والأتفاق عليها  وتم الشروع  بتنفيذها " .  . الأمر الذي قد يتطلّب فسحة اكبر من الوقت، وبما يتناسب مع عدم الأخلال بالموازنة المالية وجهود انعاش الأقتصاد المتهالك .

16 / 8 / 2005 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) رئيس المكتب السياسي لمنظمة حماس، راجع خطابه في مسجد الكويتي في دمشق يوم الجمعة الفائتة، المنشور في الصحف ووكالات الأنباء .[/size]