نحن واولادنا!
ماجد عزيزة /تدور أحاديثنا في البيوت والمجالس خلال الفترة الأخيرة ( بعد وصولنا المهجر) عن ذكاء اطفالنا الخارق ، ويستعرض كل منا نماذج من تصرفات ( اولاده أو احفاده) غير الطبيعية وغير المألوفة على حياتنا نحن الذين تجاوزنا الخمسين وعشنا ثلاثة أرباع حياتنا في بلداننا الأم . وتعقد ألسنتنا الدهشة ، ويغلبنا الإعجاب من تصرفات اولادنا وأحفادنا ، وطريقة كلامهم معنا وبيننا وأسئلتهم واجوبتهم التي تعطي للسامع سواء أكان أبا أو أما أو جدا ... بأن الأطفال من الجيل الجديد هم من الخوارق وممن يمتلكون شخصيات قوية تختلف تماما عن شخصياتنا التي تكونت لدينا حين كنا أطفالا في أعمارهم .
قبل أيام جرى حوار بيني وبين شخص قريب مني حول هذا الموضوع وأسبابه ، فخرجنا بالعديد من النتائج بعد أن طرحنا على بعضنا جملة من التساؤلات .. فأطفالنا حاليا ( في كندا ودول المهجر الأخرى) يعيشون حياة تختلف تماما في أغلب أنماطها عن الحياة التي كنا نعيشها حين كنا أطفالا ، أو طرائق التعليم والتربية التي سلكناها في تربية اولادنا ، اضافة إلى أن طرق التربية والتعليم في هذه البلدان تختلف كليا عن تلك الانماط التي تربينا عليها في مدارسنا ، او تلك التي تعلمناها عن طريق العلوم والآداب العامة في مجتمعنا .
فمساحة الحرية التي يعيشها أطفالنا حاليا أوسع بكثير من مساحاتنا السابقة ، وحرية التعبير والكلام ، الممنوح لأطفالنا حاليا ( سواء في المدرسة او البيت) وفي ظل القوانين التي تحمي الطفل وثقافته وتنشئته ، وتبعده عن الزجر والمعاملة الخشنة والعقوبة ، اكبر بكثير من تلك التي كان والدينا ومربينا يعطوها لنا ... هذه الأمور جعلت أطفالنا الآن يحصلون على ما يجب أن يحصل عليه الكائن البشري لكي يعيش حياة يستطيع فيها أن يبدع في تعليمه ودراسته وبحوثه ..ثم في حياته العلمية والعملية ، لهذا نجد دول الغرب التي وصلنا اليها خلال السنوات الخمسين الأخيرة ، كانت السباقة في مجال التطور العلمي والإنساني والأخلاقي وغير ذلك ، وباتت الإكتشافات والاختراعات تخرج من بين يدي أبنائها الذين تربوا أو عاشوا نمط حياة ( علمية وعملية ) مكنتهم من النبوغ والاكتشاف والاختراع ، فيما بقيت بلداننا تحت وطأة العديد من القوانين العشائرية الغبية ( كالعيب والمجاملة والممنوعات الدينية والحياتية ..) وحيث بقي الناس في هذه البلدان يتشبثون بالتاريخ ويفاخرون بأجدادهم تاركين الأولاد والأحفاد يرددون كالببغاء ..( بيض صنائعنا سود وقائعنا ..)!
حفيدي ( زين) نموذج من مئات بل آلاف النماذج التي تبهرنا بذكائها الحياتي والدراسي ، واعذروني سادتي وسيداتي القراء الكراتم إن أخذته نموذجا لأنه الأقرب عندي ، فهذا الطفل الذي تجاوز السادسة قليلا ، يحاورك أو يجيب عن أسئلتك بطريقة توقعني شخصيا وفي مرات عديدة في احراج ، فهو يصحح لي أخطائي اللغوية بشكل تعليمي متطور ، وأحسن أمام لغته السليمة انني أمام معلم من طراز رفيع ، وهولا يتورع عن سؤال أي كان ( ضيفا أو غير ذلك) عن اسمه وأين يسكن ونوع عمله وما درجة القربى بوالده او جده ..! وهو لا يعرف المجاملة او ( الكذب) فحين يتكلم فهو يقول الحقيقة ، وهو يعرف بأن ما نقوله له انما هو حقيقة وليس ( دلعا او مجاملة ) ، فحين طلبت منه مرة أن يكلمني في أمر ما وكان منشغلا بالسرم أجابني بكل وضوح :Jido I am bussy ..! قال لي ولم يرفع عينيه عن الورقة التي يرسم بها ، وحين انتهى ، اقترب مني معتذرا : Sorry Jido ..now what you want! ..مثل حفيدي هناك الكثير من الأطفال الذين أصادفهم ، وهم صادقين في كل كلمة يقولونها حتى ان بعضهم لا يقبل المزاح ويصحح لك أخطائك دون خوف أو وجل أو ( مستحه) ، وأقولها بصراحة فقد تعلمت العديد من أنماط السلوك ( المهجري) وعدد من المصطلحات والجمل ( بالإنكليزية) من أحفادي ، فهم يلفظون الكلمات والجمل بشكل سليم جدا ، ويسمون الأشياء بمسمياتها الحقيقية ..!
فيما كنا نتعلم من آبائنا وأمهاتنا ( رحمهم الله) ، ونعلم أولادنا ( بدلع) ونزقهم كلمات وجمل لا معنى لها ، لهذا خرج أغلبنا ( خجولين متواضعي الشخصية ..) ما عدا بعض من تمكن الافلات من ( العيب والمستحه) ..نعم ... كان اهلنا يعلمونا خطأ بأن الملابس الجديدة اسمها ( ججي ) بتعجيم الجيم.. وان اسم الطعام هو ( بُـــــــــف) وانواع الحلويان اسمها ( مميات ) بتفخيم الميم ، والكلب اسمه ( عو عو ) بفتح العين ، والدجاجة اسمها ( قيقي )، والسيارة اسمها ( عوع) ... وان الطفل حين يفرغ امعاءه فإن ما يخرج منها اسمه ( ععّا ) ..! والفرق كبير بين الـ ( قيقي ) و ( I am bussy Jido ) !