الاتحاد الوطني الكردستاني..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض ما حدث*
عبدالمنعم الاعسم قراءات كثيرة تناولت، وتتناول، دلالات التراجع المثير لتمثيل الاتحاد الوطني الكردستاني في برلمان الاقليم على ضوء نتائج انتخابات ايلول الماضي، وسيكون من السذاجة إفتراض الموضوعية والحيدة وعدم التشفي في جميع تلك القراءات، ومن السذاجة المفرطة القبول بالنظرية القائلة بان "هزيمة" الاتحاد ما كان لها انْ تحدث لولا الغياب الصحي لزعيمه ومؤسسه جلال طالباني، فان التصدعات في بنية الحزب حدثت منذ العام 2006 حين استقال نائب السكرتير، والمسؤول الثاني في الحزب، وبدأ يشيّد مشروعه السياسي الانشقاقي، ثم بدأ التهرؤ في هرم القيادة بعد سنوات كان اكثرها مثارا للجدل تهديد جملة من القادة الحزبيين تصل الى تسعة بالاستقالة، وقد عولجت جميع تلك الارهاصات بالترضيات والمكرمات، لا بالاصلاح الجدي والجذري.
سنقول ما يمكن اعتباره امرا معروفا بان وقفا سريعا لتدهور بنى وسمعة الاتحاد استعصت على قيادة مام جلال، الذي عرف بـ"التبصّر في السياسة واستشفاف الغاطس منها" كما قال باحث في الشؤون الكردية، وكان كل ما استطاعت طاقته الفذه هي إطفاء بعض التوترات في صفوف الحزب و"إصلاح البين" المؤقت بين زعاماته المتنافرة، والمراهنة على الوقت لكي يدير الرؤوس المتخاشنة في الحزب عن مدارها، لكن الانتكاسة الصحية للرئيس قلبت مسار المراهنة الى الضد منها وفتحت ابواب المخاشنات على مصراعيها.
وإذا ما شئنا تسمية الاشياء باسمائها فانه يجب القول بان ازمة الاتحاد الوطني الكردستاني تتمثل وتتمحور في قيادته السياسية وحلقات النفوذ في صفوف الكادر، وان مظاهر الفساد المالي وصراع المصالح والتنافس على المواقع والامتيازات لم تضرب الصف القيادي فقط، بل وفاقمت الصراع بين اجنحته وزعاماته ايضا، وسيكون مفهوما لأي محلل وجود استقطابات عشائرية وشللية في مثل هذه البيئة الحزبية، وفي مثل هذه التجربة التي تنتمي الى منطقة اقليمية تعاني من تدني مستويات الوعي الجمعي وتقاليد الحياة المدنية الحزبية الديمقراطية، كما تعاني من تغلغل الفساد في اوصالها.
والحال، فان المعطيات المتداولة عن الفساد المستشري في الحزب وادارته تفسر ما يؤكده قياديون في الحزب بان الجمهور المؤيد والمناصر له رد بمعاقبته (أو الانقلاب عليه) في الانتخابات الاخيرة حين لم يمنحه صوته، علما ان هذا الجمهور كان قد أطلق رسائل تحذير الى الحزب منذ زمن أبعد تتضمن الاحتجاج على السباق المحموم بين بعض القياديين الذين يشار لهم بالبنان على جني الثروة والقصور وتاسيس الشركات والمتاجر، حتى نُقل عن مام جلال (وانا أثق بمصدره) قبل مرضه الاخير قوله "لم اكن لأصدق يوما اني سأكون عاجزا عن مواجهة هذا الفساد والتخلص من المتورطين فيه".
حتى الآن، نحن ندور في توصيف الحال "المَرَضي" الذي يعانيه الاتحاد، وكأننا لا نقول شيئا جديدا، سوى التفكير في العلاج، وهو الامر المطروح للمناقشة في صفوف الحزب وخارجه، وبخاصة بالنسبة للذين ينظرون الى اهمية وخطورة الدور الذي يضطلع به كردستانيا وعراقيا، وحتى إقليميا، ويأملون اصلاحه ونهوضه على اسس راسخة، اخذا بالاعتبار انه يرث باسم زعيمه الكبير طالباني خبرة وسمعة ومكانة، وتقاليد ادارة، ورؤى موصولة بزخم قابل للتجديد، عدا عن عبقريته في التناغم مع متناقضين في آن واحد.
اما العلاج، والحل، فان المنطق المتفق عليه يؤكد بان العلاج ينبغي ان يستنبط من جنس المرض.. ولهذا حديث آخر.
*******
" الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً.".
اينشتاين