اللغة هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ماضينا والتعامل مع حاضرنا والحفاظ على وجودنا
ليون برخو
جامعة يونشوبنك
السويدأود في هذا المقال أن أعرج مرة أخرى على أهمية اللغة في تكوين الهوية وأسرد بعض الحقائق عن لغتنا القومية التي تشكل أهم قاسم مشترك يجمعنا كشعب وحضارة وتراث وفنون وتاريخ.
ولغتنا إسمها العلمي والأكاديمي هو السريانية هذه تسميتها في كافة الأروقة العلمية وهذا ما تطلقه عليها كافة الجامعات – 100 جامعة ونيف – التي تدرسها وتبحث فيها وتمنح الشهادات الجامعية للمختصين بها من دبلوم وبكلوريوس وماجستير ودكتوراة.
اللغة والهويةاللغة الأم تشكل هوية الأمة الناطقة بها. اللغة لها طاقة هائلة لا نحس بها لأننا نكتسبها دون عناء يذكر عند الولادة والترعرع في أحضان والدين ومجتمع ينطقها كوسيلة إتصال أساسية.
وطاقة اللغة لا حدود لها لأنها الماضي ولأنها الحاضر ولأنها المستقبل بالنسبة لأي شعب صاحب هوية. هي المرآة التي ترى الأمة ذاتها خلالها.
ماضيها بكل ما يحمله من ثقل فني وتراثي وحضاري وليتورجي وأدبي وغيره مكتوب فيها.
حاضرها مرتبط بالماضي الذي تختزنه هذه اللغة وهذا الحاضر يتم خزنه أيضا في ذاكرتها غير المتناهية ويتكدس بأحداثه ورموزه وفنونه وثقافته على الرقم اللغوية للماضي وسوية تشكل الإنطلاقة صوب المستقبل.
متى وكيف يحدد التاريختاريخ وهوية أي شعب يحدده بداية الفترة الزمنية التي بدأ فيها يكون لنفسه لغته الخاصة به ولا يزال مرتبطا بها وبأدابها وفنونها عبر التاريخ. وتاريخ اي امة يبدأ بظهور إرثها الكتابي المحفوظ بلغتها الخاصة.
واللغة تتطور شأنها شأن الكائن الحي. والتطور هذا قد يؤدي إلى ظهور لهجات مختلفة. وهذه اللهجات قد تتطور إلى لغات مستقلة مختلفة. وهذه اللغات المستقلة المختلفة تؤدي إلى ظهور هويات وقوميات مختلفة.
والهويات الجديدة يبدأ تاريخها منذ ظهور ادابها الكتابية ونصوصها المكتوبة. وهذه النصوص قد تكون لغويا وأدبيا كلاسيكية (أي لا يستوعبها إلا المتعلمون والمختصون) ولكنها قريبة جدا من اللهجات المحكية واللغة الرسمية المتداولة.
ينتهي التواصل اللغوي وتواصل وترابط الهوية حالما تتخذ اللهجة الجديدة إستقلاليتها اللغوية الكاملة من حيث المفردات والقواعد والصرف. وهذا هو شأن اللغة الإسبانية واللغة الإيطالية واللغة الفرنسية مثلا التي إستقلت إستقلالا كاملا عن أمها اللاتينية وكونت شعوبا وهويات مختلفة مستقلة مرتبطة كل واحدة منها بتاريخها الكتابي الخاص بها.
هذه مقدمة وجيزة عن أهمية اللغة بالنسبة للهوية وكيف ان اللغة والهوية يشكلان ويكونان الواحد الأخر. نأتي الأن إلى المسألة الأهم وهي دور لغتنا القومية السريانية في تشكيل وتكوين هويتنا بماضيها وحاضرها ومستقبلها.
بعض الحقائق عن لغتنا القوميةلغتنا القومية السريانية لغة مستقلة وهي ليست لهجة من لهجات اللغة التي كانت دارجة لدى الشعوب القديمة في الشرق الأدنى ومنها بلاد الرافدين الا وهي الأكدية.
لغتنا ليست لهجة من اللهجات الأكدية. الأكدية التي سادت بلاد الرافدين بعد إضمحلال وإندثار اللغة السومرية هي أيضا إضمحلت وماتت. ولا علاقة للغتنا السريانية بالأكدية وإن وجدت بعض المفردات المتشابهة فهذا شأن عام وخاصية عامة لدى كل اللغات في العالم.
ولغتنا السريانية ربما هي من اللغات الفريدة والقليلة في العالم التي حافظت على كلاسيكيتها حيث لا يصعب اليوم على ابناء شعبنا الذين يتحدثون لهجات صافية إن في القوش او بغديدا مثلا على فهم وإستيعاب الكثير من الأشعار والأداب التي تركها لنا مثلا ملافننا السرياني الكبير مار أفرام الذي عاش قبل 1500 سنة ونيف.
وكتابات مار أفرام السرياني لا تختلف إلا قليلا جدا عن كتابات برديصان الذي سبقه تقريبا بثلاثة قرون وكتابات برديصان لا تختلف إلا قليلا عن كتابات من سبقه بقرون.
ولكن قراءة مار أفرام وبرديصان ومن سبقهما – والتي أتمكن منها أنا شخصيا مثلا – لا يعني البتة التمكن من قراءة الأكدية لأن الأكدية لغة مختلفة تماما وتطلّب فك رموزها عقودا طويلة ومضنية من العمل الشاق ومن قبل عشرات لا بل مئات من العلماء من كافة أنحاء العالم.
والحوليات والرقم وغيرها التي أتتنا من الإمبراطوريات والممالك التي حكمت بلاد الرافدين او العراق القديم جلها بالأكدية. تدخل لغتنا القومية وبقوة وتصبح لغة عالمية في القرون الأخيرة قبل الميلاد مما تطلب من البلاط الأشوري والبابلي وغيره تعين مترجمين يتقنون لغتنا القومية والأكدية في آن واحد لأن التخاطب بين اصحاب اللغات والهويات المختلفة كان شبه مستحيل دون لغتنا القومية كما هو شأن الإنكليزية اليوم.
كنا أصحاب أرقى ثقافة وفنون وحضارةوكان أجدادنا أصحاب علم ومعرفة وثقافة وفنون وأصحاب تجارة لا سيما في القرون ألأخيرة للميلاد وأسسوا ممالك ودويلات ومدن كبيرة ومحميات قارعت إمبراطوريات كبيرة.
ثقافة أجدادنا التي إحتوتها لغتنا القومية كانت أسمى وارقى من كل الشعوب في حينه فهرعوا إلى إستيعابها وتوطينها ومنهم اليهود والعرب وبقية الشعوب في الشرق الأدنى.
وأقرب اللغات إلى لغتنا القومية هما العبرية والعربية لا بل اللغتين تعدان لهجتين من لغتنا كوّنتا لنفسيهما كيانا خاصا وهوية خاصة كما هو حال الفرنسية والفرنسيين والإيطالية والإيطاليين والإسبانية والإسبان الذين جرى ذكرهم أعلاه.
هل هناك لغة أشورية او كلدانية؟ واليوم ليس هناك في كل جامعات الدنيا من يدرس لغة إسمها الكلدانية او الأشورية. هذه أسماء أقوام وجغرافيا في العراق القديم. وهذه الأقوام والأقاليم كانت لغتها الأكدية وبمرور الزمن حلت محلها لغتنا القومية السريانية.
واليوم يقول علماء اللغة وعلماء الإجتماع إن الفرد والمجتمع الذي يكتسب لغة جديدة يكتسب هوية هذ اللغة بمرور جيلين او ثلاث. وهذا حدث لأشقائنا المارونيين السريان الذين بدلوا لغتهم إلى العربية واليوم صاروا عربا أقحاحا أفضل من عدنان وقحطان.
شعبنا والهويةونحن اليوم شعب نبحث عن هوية والهوية هي لغتنا – سمها ما شئت لأن هذا لا يغير في جوهرها ومرادفاتها وجملها وعباراتها وقاموسها وصرفها وعلم صوتها وقواعدها التي هي واحدة بإختلاف اسمائنا ومذاهبنا.
مشكلتنا هي الغلو في الماضي السحيق والغلو المفرط في المذهبية والطائفية والتسمية وهذا الغلو والصراع السقيم ومع الأسف الشديد سحبناه إلى أقدس ما نملكه وهو لغتنا القومية – التي هي بحق ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ووجودنا كأمة صاحبة هوية.
والصراع السقيم هذا جعلنا نبتعد عن العلم والأكاديميا ومصادرهما الرصينة المعتمدة ونلهث وراء أي كتاب او مصدر منطلقه مذهبي وطائفي وتسموي وليس العلم والمعرفة إلى درجة أخشى فيها اننا أصبحنا كلنا مزورون لتاريخنا ولغتنا وهويتنا وماضينا.
وهكذا عندما تحاول مثلا ان تكتشف إن كان مصدر ما او إقتباس او نص ما مثل الذي يردده الكثير من ابناء شعبنا (رابط 1) معتمدا ورصينا ترى أنه لا يساوي الحبر الذي كتب فيه لأنه لا يتم ذكره إلا في الوكيبديا وباللغة العربية.
وموسوعات الويكي – بدّيا وغيرها – لا يجوز الإعتماد عليها والجامعات تنصح طلبتها لا بل قد تعاقبهم إن إستندوا إليها حتى في ابحاثهم الجامعية الأولية.
لنا مئات العلماء وهم أصحاب شهادات رفيعة وهم أساتذة في أرقى جامعات الدنيا ويدرسون ويبحثون ويشرفون على أطاريح جامعية في أقسام اللغة السريانية ولهم دوريات علمية رصينة ومعتمدة وحسب علمي ليس بينهم كلدني او أشوري واحد.
فلنشمر عن سواعدنا لنمتلك ناصية لغتنا على المستوى الشعبي والجماهيري كي نعرف ماضينا وندرك حاضرنا ونعد أنفسنا للمستقبل كي لا نندثر ونضمحل وننفني كما إنتهت شعوب وأمم ولغات وحضارت أخرى كثيرة وضاعت معها هويتها.
إن لم ننهض نهضة رجل واحد ونعود إلى لغتنا وبقوة فإن مصيرنا الزوال كما زالت الأمم من قبلنا.
-----------------------------
رابط 1
أنظر الويكيبديا الرابط أدنا والإقتباسين في الهامش. لا يجوز البتة الإستناد إلى هذا الرابط وأي رابط أخر من هذه الموسوعة الشعبية لأن أي واحد منا بإمكانه إضافة ما يشاء. ما يرد في هذا الرابط وأي رابط أخر في موسعات ويكي يبقى غير موثق ونحن لا نسمح حتى لطلبة الدراسات الجامعية الأولية الإقتباس منها وقد نعاقب طلبتنا إن فعلوا ذلك. ستكون هذه المسائل معتمدة علميا وأكاديميا ومعرفيا إن وردت في موسوعة علمية مثل بريتانيكا وستانفورد مثلا او ضمن مقال علمي منشور في دورية أكاديمية معتمدة. عداه يكون كلام جرائد.
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9يتفق أغلب الأكاديميين أن لفظتي سرياني (ܣܘܪܝܐ وهي نفسها سوري) اطلقها الإغريق القدماء على الآشوريين[19][20][21] حيث أسقطوا الألف في آشور (Ασσυρία، أسّوريا) لتصبح سوريا (Συρία، سوريا) واستعمل هيرودتوس لفظة سوريا أو "سيريا" في كتاباته للإشارة إلى الأجزاء الغربية من الإمبراطورية الآشورية[22] ثم امتدت التسمية لاحقا لتشمل جميع مناطق أعالي بلاد ما بين النهرين. كان عالم الساميات الألماني ثيودور نولدكه أول من أشار إلى رجوع السريان إلى الآشوريين سنة 1881 حيث استشهد كذلك بأعمال جون سلدون سنة 1617[19] تم إثبات هذه النظرية بشكل قاطع بعد اكتشاف نقوش جينكوي الثنائية اللغة بجنوب تركيا والتي تظهر فيها ترجمة لفظة "آشور" بالفينيقية إلى "سوريا" باللوية.[23]
في مقدمة قاموس ”زهريرا“ (عربي-سرياني) للقسين شليمون خوشابا وعمانوئيل بيتو يوخنا، يذكر أن تسمية ”السريان“ و ”السريانية“ هي تحريف فارسي يوناني للاسم ”آثور“ أو ”آشور“ مستندين في ذلك على ظاهرة تبادل الأصوات (ش - س) أو (ت - ث) بين اللهجتين الشرقية والغربية فتكون التسميتين السريانية والآشورية كمترادفات تعني أحدهما الأخرى. ويعتبران بذلك سريان اليوم ورثة شعوب المنطقة القديمة وورثة اللغة الآرامية، مستندين على كتابات سريانية قديمة لدعم رأيهم كقصيدة للشاعر نرساي (437- 507) يتحدث فيها عن بلبلة الألسنة أثناء بناء برج بابل فيذكر أسماء شعوب مختلفة قريبة وبعيدة مغفلاً ذكر الآشوريين والكلدان والبابليين والآراميين والفينيقيين مكتفياً بذكر السريان (ܐܣܘܪܝܝܐ)، كذلك في تاريخ البطريرك السرياني ميخائيل الكبير (1126 - 1199) يعدد هذا الأخير الأمم والشعوب المعروفة آنذاك «ويقول وبنو سام الآثوريون، الكلدان، اللوديون، الآراميون، وهم السريان».[29][30]