المحرر موضوع: البارزاني ... الرهان الكوردي الذي لايخسر !  (زيارة 685 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وسام جوهر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 105
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
البارزاني ... الرهان الكوردي الذي لايخسر !
بقلم وسام جوهر
السويد 2012-05-17

لقد كان تسلم فخامة رئيس اقليم كوردستان رئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مؤتمره التاسع المنعقد في تشرين الثاني 1979, نقلة نوعية ومنعطفا حقيقيا في تاريخ الحزب وجاء متوازيا مع متطلبات المرحلة والظروف الحرجة للحزب و الحركة الكوردية بشكل عام. وبعد قيام المنطقة الامنة في كوردستان العراق وبدأ تجربة الادارة الذاتية اظهر السيد مسعود البارزاني صفات قيادية متميزة شهد له القاصي و الداني.
بعد سقوط نظام البعث في نيسان 2003 برز مسعود البارزاني كقائد سياسي محنك يتعامل مع الاحداث بدراية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحركات الكوردية, ومن نافلة القول ان نذكر هنا الدور القيادي الناضج والناجح الذي ابداه فخامة رئيس جمهورية العراق و الامين العام للاتحاد الوطني الكوردستاني, مام جلال الطالباني, حيث تلمسنا تناغما غير معهودا لدى القيادات الكوردية مما اسفر عن تحقيق منجزات كثيرة ومهمة للاكراد بكافة المقاييس.
ومع مرور الايام اظهرت قيادة كاك مسعود قدرات سياسية جعلته من انجح القادة السياسيين في المنطقة ومن اشهر واهم انجازاته, تعامله الذكي مع تركيا المعادية للاقليم وتحييدها مع الزمن لابل تحالفها اخيرا مع اكراد العراق. توطيد علاقات اكراد العراق مع معظم الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج بعد ان كان العالم العربي يرفض حتى قبول مفردة كوردستان. استقل بالاقليم من الناحية العملية حيث لا ادري ما هي شروط الدولة ان لم تكن سيادتها المطلقة على السلطات الرئيسية الثلاثة, وعلم, ودستور, وميزانية, وجيش وشرطة وكافة الاجهزة الامنية الاخرى والقائمة تطول. يضاف الى كل ذلك وقوع الاقليم خارج اية سلطة مركزية, لا بالعكس فقد جعل من اربيل مفتاح الحل العراقي والتقاء الفرقاء لحل العقد السياسية.
عقدة مستعصية ومزمنة بقت تشكل صداع قيادة الاقليم الا وهي مشكلة كركوك وما تسمى بالمناطق المتنازعة عليها. ثم ظهرت مشكلة النفط والغاز التي اصبحت القشة التي اقصمت ظهر البعير حيث ارتطمت ارادة الاقليم مع ارادة المركز في بغداد و بشكل خاص ائتلاف دولة القانون بقيادة السيد نوري المالكي, الذي برز على الساحة السياسية العراقية كقائد شيعي متميز يملك قدرات وقابليات وطموحات سياسية غير معهودة في المعسكر الشيعي الذي يعاني من قلة الخبرة السياسية. لقد اثبت المالكي انه رجل المناورات السياسية واجتياز الازمات بشكل يشهد له القاصي والداني. لقد استطاع السيد نوري المالكي ان يكون خيار ايران الاول وما ادراك ما هو خيار ايران الاول في العراق.! وبقدرة عجيبة استطاع ان يكون في ذات الوقت خيار امريكا الاول في العراق....اليس غريبا امر السياسة؟!
اذن اصبحنا امام قوتين رئيسيتين ومتضادتين في العراق قوة تريد البقاء واخرى تريد الاطاحة بها....اقليم...مقابل المركز.....حزب مهيمن هنا ....مقابل حزب مهيمن هناك....قائد بلا منازع في الاقليم...يوازيه قائد في المركز ويعاكسه في الاتجاه. قائد يريد استقلال الاقليم وانفصاله متى ما سنحت الفرصة, والى حين ذلك الوقت يريد حكومة وادارة مركزية تشريفية وقيود وتحديدات كثيرة على القيادات المركزية كتحديد عدد فترات رئاسة الوزراء في المركز. وعلى الجانب الثاني نرى قائدا مركزيا يسعى جاهدا السير بعكس الاتجاه, يريد مركزا قويا,و لايريد انفصالا ولا دولة في دولة. انه حقا صراع الاضداد.
ان ما يدور بين الرجلين ليس صراعا شخصيا بل صراعا ايديولوجيا وسياسيا عميقا...انه صراع الكورد مع المركز...صراع بقاء وقيام الدول من عدمها. احسب ان هذا الصراع كان سيحتدم كائن من كان في موقع الرجلين. كأن الفريقين قد اقتنعا بان الاخر عقدة لا تحل الا بازالتها نهائيا مما ادى الى خطاب متشنج ومفتوح. المالكي عزز جبهته الخارجية منطلقا من ايران وسوريا وامريكا وجبهته الداخلية متكا على التحالف الوطني ما عدا التيار الصدري وفي الخفاء كتل وشخصيات برلمانية و سياسية بما في ذلك من القائمة العراقية.
السيد البارزاني هو الاخر اسس لجبهة خارجية منطلقا من تركيا, دول الخليج وداخليا الاحزاب الكوردية اضافة الى تحالف تكتيكي مع كل من القائمة العراقية و التيار الصدري. لحظة كتابة هذه الاسطر ينتظر المراقبون ما تخبئه الايام من احداث هذه المعركة خاصة ونحن اليوم نشهد اليوم الاخير من مهلة اجتماع اربيل الخماسي وورقة سماحة السيد الصدر في تنفيذ كافة ما تبقى من بنود اتفاقية اربيل في نهاية ايلول 2010.
السؤال الكبير والمحير هو: ما هو اللغز في اقدام السيد مسعود البارزاني الى اتخاذ هذه الخطوة و بالذات في هذا التوقيت, وهو صاحب كل ما اسلفنا ذكره من خبرة و دراية سياسية؟ اغلب الظن انه يعلم جيدا ما هو فاعل وانه يتربع على خطة محكمة مضمونة النتائج. ليس من الحكمة قراءة الامور بظواهرها  عندما يتعلق الامر بكلام السياسيين, بل نحتاج الى شيء من التاويل.
ليس مستبعدا ان يكون المالكي هو المستهدف ظاهريا و القائمة العراقية و التحالف الوطني بما فيه المالكي باطنا.
بالتاكيد لم يكن هذا التحرك بمناى من الاستجابة الى الضغط السياسي الداخلي المتمثل بمعارضة غير سعيدة على اقل تقدير, ونشاط التيار الاسلامي المتشدد متزامنا مع استفحال الفساد الاداري في الاقليم. يضاف الى ذلك الضغط الشعبي المتحمس الى قيام الدولة الكوردية خاصة من اوساط ترى انها الفرصة الاخيرة و المناسبة لهذا الاعلان. اكاد اجزم ان العامل الخارجي حاضر في اتخاذ قرار التصعيد وخاصة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية وقطر, وكذلك تركيا بقيادة اوردوكان. لاننسى هنا احتمال محاولة استثمار تذمر خصوم المالكي في مقدمتهم القائمة العراقية والتيار الصدري . هناك من يقول بان الاقليم وبقيادة فخامة الرئيس مسعود البارزاني يعلم جيدا عدم امكانية الاطاحة بالمالكي. لماذا اذن هذا الخض الكوردي للقدور؟
تجربة الاقليم مع المركز زاخرة بمهارة وذكاء الاقليم في الدفع بمواقعه الى الامام و احكام قبضته على زمام الامور و بنفس وصبر, فلا بد من جديد ادى الى شروع هذا الصراع المفتوح. الامر يتحمل تكهنا بان نكون اما خطة كوردية محكمة ومضمونة النتائج والعوائد...! لكي نفهم ذلك علينا ان نقيٌم النتائج التي لاتحتمل الا ان تكون واحدة من الاثنين فاما النجاح في الاطاحة بالمالكي, وهو المكسب المعلن عنه بحد ذاته, واما الفشل في الاطاحة بالمالكي, فيكون المكسب السياسي هو اضعاف كل من الجبهة الشيعية و العربية السنية. وهو مكسب لايقل اهمية من ازالة المالكي وهو مفيد لما هو قادم من الايام. ان التماسك الطائفي كما هي عليها الحالة الان يبقى تحديا كبيرا في طريق حسم ملفات الاقليم العالقة مع المركز وذلك على عكس تفكك هذه التماسكات.
السؤال الاخر الذي لايقل اهمية هو: ما هي نسبة ملوحة نجاح معركة ابعاد المالكي؟ هناك ما يشير الى الاتجاهين معا....فما يشير الى نجاح المحاولة هو الانشقاق الواضح في الصف الشيعي ولاول مرة بخروج التيار الصدري ذو الوزن الثقيل من الصف الشيعي واصطفافه على الضفة الاخرى قوميا ومذهبيا في ان واحد. يضاف الى ذلك تسرب شائعات عن تذمر قيادات في حزب الدعوة من المالكي  وانشقاق وشيك في صفوف الحزب والراي عندي انها شائعات مبالغة فيها وربما كانت من باب الدعاية المضادة.
في الجانب الاخر هناك ما يشير الى بقاء المالكي, اذ نرى تماسك التحالف الوطني خلف المالكي, التخوف الكبير داخليا وخارجيا لدى قوى مؤثرة من الفوضى التي قد تندلع على اثر ابعاد المالكي حاليا. هناك احتمال كبير جدا لانشقاق كبير في صفوف القائمة العراقية اذا ما اقدمت قيادة القائمة مع حلفائها على مغامرة سحب الثقة من المالكي, حيث هناك تذمر يكاد يلمسه المرء في صفوف مؤازري وبعض قيادي القائمة العراقية. لقد بات هذا التذمر جليا بعد زيارة السيد نوري المالكي الاخيرة الى مدينة كركوك.
هناك احتمال كبير ان ما حشدته جبهة الحلفاء التكتيكيين لاسقاط المالكي تاتي بمردودات عكسية على هذه الجبهة , بخلق تعاطف شعبي مع السيد نوري المالكي كمدافع عن وحدة الوطن.
الرأي عندي ان الاكراد حققوا مكاسب ومنجزات لا يستهان بها وكل ما هو ممكن حاليا وكان من الاجدر التركيز على تثبيت ما انجز والحفاظ عليه,  و الالتفات الى الجبهة الداخلية التي تعاني من مشاكل حقيقية لا يمكن التعامل معها الى الابد بتكابر وتعالي وتجاهل. ان اكثر ما يهدد الاقليم ليس قطعا بغداد و لاحتى المالكي. ما يهدد الاقليم وتجربته هو مقدار نجاح ادارته. متى يتجه الاقليم الى بناء مؤوسسات الدولة؟ متى يتم فصل السلطات الثلاثة بشكل ملموس؟ متى يتم اشراك المعارضة في صنع القرار السياسي المصيري داخليا وخارجيا؟ متى تختفي المحسوبية والمنسوبية؟ متى تبدأ معركة الحسم مع الفساد المستشري في مفاصل الادارة؟
الاكراد وضعوا علاقة تاريخية متينة مع الشيعة وخاصة المجلس الاعلى على المحك بعد ان تحولوا من محايدين الى طرف في النزاع الشيعي. التاريخ اثبت اكثر من مرة فشل الرهان الكوردي على خصومهم لكي لا نقل اعدائهم وعليه فان المشروع الكوردي في هذا التحرك في اعتماده على تركيا و القائمة العراقية الضعيفة ذات المستقبل الغامض, لاتخلوا من عنصر المغامرة.
والان لنرى الى اين يميل الامر..لقد كسب المالكي الجولة الاولى في نجاحه في عقد مؤتمر القمة في بغداد رغم مقاطعة خليجية منسقة,  دعما لجبهة خصومه الداخلية. لقد كسب المالكي جولة الهاشمي باصراره على عدم تداول مشكلة الهاشمي سياسيا رغم كافة الضغوط السياسية من الاخرين فكانت النتيجة ان  غادر الهاشمي الاقليم مخلفا ورائه خرابا سياسيا لانه بكل بساطة كانت ورقة سياسية منتهية الصلاحية. و نجد ان الاتراك تورطوا فيه ايضا و مؤشرات مهمة تشير الى ان تركيا ادركت ورطتها وهي ستعمل قريبا على التخلص من الهاشمي لانها ايقنت انها انما تواجه مسالة قضائية بحتة وان حلفاء الهاشمي في قائمته انفسهم مستعدين للتضحية به بعد ان بات ثقلا على كاهل خارت قواه في صراعه الدائم من اجل البقاء. اما ملف السيد صالح المطلق فيبدوا ان حلا ما يلوح في الافق ات من التحالف الوطني واكاد اجزم انه باق في منصبه علاوة على احتمال كبير لقدومه الى تمرد من نوع ما على القائمة العراقية محاولا انقاذ ما يمكن انقاذه و الاستفادة من الفراغ السياسي الحاصل في حيز قيادة القائمة العراقية المتخبطة في صراعها من اجل البقاء.
اما فيما يخص جولة الذهاب الى الانتخابات المبكرة, فيكفي ان نرى من هو المتحمس الاكبر للذهاب الى صناديق الاقتراع مبكرا لنعرف من الذي كسب هذه الجولة....العراقية هي الاكثر تخوفا من ذلك لماذا ؟! لانها تدرك جيدا حجم الهوة بينها وبين قاعدتها الشعبية اضافة الى علمها بزيادة شعبية المالكي بحكم نجاحه في التعامل مع المشكلة على اساس كونه الحامي لوحدة العراق.
في جولة الاجتماع الوطني, نرى ان المالكي يصرح ويدعوا الاخرين ليل نهار الى عقد هذا الاجتماع في بغداد بل يتحداهم جميعا في طرح كافة المشاكل على طاولة البحث.....السؤال كيف نفسر عدم استجابة الاخرين؟ فان تم عقده فهو نجاح بحد ذاته للمالكي..وان لم يتم عقده فهو على الاقل ضمان للمالكي على انه لاجديد تحت الشمس.
وسام الجوهر.