كان يا ما كان ...
السُّــريان (السّـوريان) في تاريخ الفاتيكان
آشور كيواركيس - بيروت
13/12/2013
كثيرا ما نقرأ مقالات التملــّـق للفاتيكان بأقلام تتجاهل حقيقة السياسة الفاتيكانية التي أجبرت شعوب العالم ذات التراث الكنسي العريق الذي سبق أن انتشر حين كانت روما لا تزال تلاحق رسل المسيح وأوروبا تأكل الجراد، وما الأسطر التالية إلا أمثلة صغيرة جدا مقارنة بسياسة الإرهاب الفكري التي مارسها الفاتيكان في الهند وجنوب أميركا وتدمير ثقافات الشعوب ... وكي لا نطيل أكثر، سنتطرّق إلى مثلين حول تدمير الكثلكة للتراث الســّـرياني للموارنة، وكذلك مرحلة فرض "الكنيسة السريانية (السوريانية) الكاثوليكية" في جبال آشور وتحديدا "آزخ" التي صمدت عبر القرون في وجه المحيط المتخلف بسبب شجاعة أبنائها... ولا عجب أن يــُـهمـِـل المشرقيون المتكثلكون لغتهم وثقافتهم موارنة كانوا أم سوريانا أم كلدانا ... ولكن الدور يقع اليوم على المثقفين الليبراليين من أبناء الكنائس المشرقية المتكثلكة، في إعادة الأمور إلى نصابها.
المثال الأوّل : كثلكة السوريان الموارنة في جبال لبنانمن كتاب الفايكونت فيليب دي ترازي (1865 – 1956) :
"أصدق ما كان عن تاريخ السريان، وصفحة من أخبار السريان" – المجلد الأوّل
صفحة /72/ - /73/ : ما يؤسف له غاية الأسف هو أن قسما كبيرا من مؤلفات السريان المخطوطة في لبنان أو المنقولة إليه من بلاد السريان قد تمّ تلفه أو إحراقه مرار خصوصا بين عاميّ 1578 و 1580 بذريعة أنها تتضمّن أمورا مخلــّـة بالدين، ولم يفطن ببال هؤلاء الذين أقدموا على ذلك أن بعض تلك المخطوطات على ما نعتقد ويعتقد الكثيرون، كانت تحتوي في طيــّـاتها على قضايا علمية وحوادث تاريخية لا علاقة لها بالمسائل الدينية. فلو سلمت تلك الكنوز من التلف لكان استفاد منها العلماء والمؤرخون فوائدا لا تقدّر بثمن.
صفحة /95/ : في آذار 1578 أوفد الباب غريغوريوس الثالث عشر، الأب جان إليانو باتيستا اليسوعي، والأب توماس راجيو والأخ أماتو اليسوعيين، فرحّب بهم البطريرك ميخائيل وأرسلهم موكلين منه بزيارة الأبرشيات المارونية والإطلاع على المخطوطات، فقام هؤلاء بجمع الكتب الكنسية وأحرقوها بموافقة البطريرك والأساقفة الموارنة (
1)
صفحة /96/ : في 22/آذار/1579 عاد الأب إليانو مع رفيقيه إلى روما وعرض على البابا إقليموس الثامن خلاصة رحلته إلى لبنان ثم حصل من البابا على أمر بطبع كتب الموارنة من جديد وحرق الكتب الخطية مستغنين عنها بما هو أفضل (
2)
صفحة /97/ : "قام الأب دنديني بجولة أخرى في الأديرة والأبرشيات المارونية، ونسب الكتب التي عثر عليها إلى "الجهلة" فكان يحرقها ويعدهم بنسخة منها بعد إعادة طبعها" (
3)
صفحة /98/ : أصدر الباب إقليموس الثامن أمرا إلى إيرونيس دنديني لأن يذهب إلى لبنان ويطـّـلع على أحوال الموارنة، فأرسل إلى البطريرك الماروني سركيس الرزي يعلمه بأن دنديني سيكون مرسلا من قبله للإطلاع على أحوال الموارنة، وختم رسالته مذكرا بما أرسله من هدايا بيعية إلى "أبنائه الموارنة" كعربون عن "عطفه الأبوي" (
4)
صفحة /99/ : أبحر الأب دنديني إلى لبنان في 14/تموز/1596 يرافقه الأب اليسوعي فابيوس بروني والقس موسى العنيسي والشدياق إليان الحلبي المارونيــّـان، ووصلوا دير قنــّـوبين في أيلول فرحّب بهم البطريرك الماروني سركيس الرزي وتناول البراءة البابوية وقبلها ووضعها على رأسه ثم عقد مجمع قنــّـوبين وأعلن رسميا ارتباط كنيسته بروما، ثم طلب الأب دنديني أن يزور الأديرة المارونية حيث اطـّـلع على مخطوطاتها وكتب قائلا : "إن الكتب النافعة نادرة عندهم، ولكن أغلب كتبهم فاسدة وهي نسطورية ويعقوبية وما شاكلها من كتب البدع ..."
الصفحة /100/ : يقول الأب دنديني: "لقد أحسن آباء المجمع كثيرا في تعيين كهنة من خرّيجي روما ليعلموا الأولاد والجهلة التعليم المسيحي، وتصحيح الكتب من الشوائب والضلال" (
5)
وقد أدخل اليعاقبة إلى لبنان حمولة 50 إلى 60 بغل من كتبهم ما عدا كتب القداس والطقس الكنسي، وقد انتشر السريان في لبنان وراجت كتبهم ومؤلفاتهم العلمية والدينية بين الموارنة، وقد أحرق الأب إليانو كمية كبيرة من هذه الكتب وتبعثر القسم الآخر في الأديرة والمكتبات الخاصة ونقل قسم آخر إلى أوروبا.
الصفحة /147/ : لقد كانت المخطوطات السريانية والكرشونية
* كانت وافرة وقد كتب البطريرك ميخائيل الرزي سنة 1587 إلى رئيس الرهبنة اليسوعية العام ما يلي : "إن الأب يوحنا أليانو قرأ فرائض من كتبنا ووجد فيها أشياء كثيرة خاطئة، وإن كتبنا لا تحصى" (
6)
* الكرشونية : لغة كتابية استعملها الموارنة حصرا، حتى القرن الثامن عشر، وهي العربية المكتوبة بالحرف الآشوري الحديث (ألــّـف بيت ...)
1- موسوعة المشرق، المجلد /17/، ص: 454، سنة 1914
2- موسوعة المشرق، المجلد /17/، ص: 762، سنة 1914
3- موسوعة المشرق، المجلد /19/، ص: 758-770، سنة 1921
4- موسوعة المشرق، المجلد /18/، ص: 678، سنة 1920
5- رحلة الأب دنديني، الفصل /26/
6- موسوعة المشرق، المجلد /18/، ص: 682 – سنة 1920
الفايكونت فيليب دي ترازي (إنظر الصورة أدناه) هو مؤرّخ آشوري من مواليد حلب، وتعود أصول عائلته السريانية الكاثوليكية إلى مدينة نينوى في العراق، عاش في لبنان وأنهى دراسته في الجامعة اليسوعية في بيروت عام 1884. وقد وُجد في مكتبته حوالي 20.000 كتاب وموسوعة، و4000 جريدة بكافة لغات الشرق.
المثال الثاني : كثلكة سوريان جبال آشور (آزخ)يتحدّث عن استغلال الفاتيكان لمجازر آشوريي "آزخ" والذين ينتمون إلى الكنيسة السوريانية الأورثوذوكسية، حين اختطف المستوطنون الأكراد قسم منهم وكان باستطاعة المبشرين الكاثوليك التوســّـط لإطلاق سراحهم، ولكن الأخيرين لم يقوموا بذلك إلا بعد أن وعدهم آشوريـّـو آزخ بالإنتماء للكثلكة، ونفس القصة نجدها في كتاب تشكلوفسكي "نشاط المبشرين في آسيا"، والذي يذكر بأن الفاتيكان أوفد رسوله المعتاد بطريرك الكلدان (الآشوريين الكاثوليك) مار يوسف عمانوئيل توميكا إلى عائلة المار شمعون عام 1918 لإقناعها بالإنتماء إلى الكثلكة لينقذ الفاتيكان مقابل ذلك، كنيسة المشرق من الإبادة الجماعية على يد الأتراك والأكراد، فرفضت ذلك كنيسة المشرق ووقف الفاتيكان يتفرّج على مقتل عشرات الآلاف من الآشوريين لمجرّد كونهم غير كاثوليك وعلما أنه كان باستطاعته وقف المجازر بحسب شرطه المذكور.
مقطع من تقرير طويل باللغة البولونية تحت عنوان Wspomnienia z Mezopotamii (ذكريات من ما بين النهرين) (1850-1860) نشرته المجلة البولونية Missye katolickie (التبشيرات الكاثوليكية)، سنة 1890، المجلد 9، العدد 7، الصفحات 176-180 – ترجمة الدكتور ميخائيل عبدالله.
"من باسبرين توجهنا إلى آزخ الواقعة في الجنوب الشرقي على بعد ثلاث ساعات مشيا. قبل سنوات هجم الأكراد على هذه القرية الكبيرة وخطفوا جميع النساء والأطفال. كان هذا بعد إعلان الحرب على الأكراد من قِبَل عمر باشا، حيث وقفت آزخ إذ ذاك إلى جانبه. بعد أن أقسم سكانها بأنهم سيتحولون إلى الكثلكة إذا تم إعادة أسراهم إليهم، أصدرت روما أمرا إلى الأب ريككادونا ليتوجه إلى آزخ وينجز هذه المهمة، فسافر برفقة الأب بوري، موظف السفارة الفرنسية في القسطنطينية آنذاك والذي شغل فيما بعد منصب جنرال عام للآباء اللعازريين. وتمكن هؤلاء بحنكة وحذاقة القيام بدورهما في تحرير الأسرى من قبضة الطاغية بدرخان حفيد أحفاد تمورلنك، حيث تكللت مساعيهما بالنجاح خلال فترة قصيرة. إلا أن سكان القرية أجّلوا تنفيذ وعدهم إلى وقت غير محدد، علما أنه وصلتنا أخبار أن جزءا منهم قَبِل الكثلكة وجزءا آخر صار بروتستانتيا، أما المتخلفون منهم فقد ظلوا متمسكين بيعقوبيتهم".
يــُــتبــَــع