مؤتمر أصدقاء برطلة وشعاع من الأمل
سنحت لي الفرصة مؤخراً بالمشاركة في (مؤتمر أصدقاء برطلة) الذي انعقد في قاعة الشهيد سعد عبدلله بأربيل، للفترة من 23-24/11/2013- وكانت فرصة طيبة، لكي أضع إرادتي موضع الإختبار، فأنا من طبعي شحيح المشاركة في مثل هذه المناسبات، لأنني أدرك تماماً أنّ في النهاية ستصدر عنها توصيات غاية في الجمال والأهمية، ولكنها تبقى حبيسة الأدراج، ينتهي العهد بها عند تلاوتها في نهاية المؤتمر، فليس كافياً أن نتمنى أو نرسم أو نكتب لأنفسنا أهدافاً، إنما يجب أن نسعى لتحقيقها.
في الحقيقة، ما حفّزني على المشاركة في هذه المرة، إضافةً إلى الأهداف المعلن عنها، والتي من أجلها انعقد المؤتمر، هو مشاركة عدد من الأسماء الكبيرة فيه، ومساهمتهم الفعّالة في إعداده وتوفير الأجواء والمناخات الملائمة التي تكفل نجاحه، حتى يبلغ الأهداف التي رُسمت له، ويخرج بتوصيات عملية، قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
أجل، هذه المرة تسلل إلى داخلي شعاع من الأمل بعد أن التقيت بأشخاص متحمسين لقضايانا ومشاكلنا، أناسٌ نذروا أنفسهم للعطاء والتضحية من أجل تكريس قيم الحق والخير والجمال. جاءوا ليدافعوا عن كرامة ووجود ومستقبل شعب مهدد بالاقتلاع من جذوره، وتلك لعمري رسالة واضحة في مواجهة الباطل والشر والتطرف وكل أشكال الفتن. هامات عالية شاركت في هذا المؤتمر أمثال: الدكتور كاظم حبيب، والقاضي زهير كاظم عبود، والدكتور رشيد الخيون، وغيرهم ممن حضر وأعدّ له.
هؤلاء الناس جاءوا في عصر غابت عنه معاني البحث عن الحق. جاءوا متبرعين للدفاع عن حقوقنا، وكانت مرافعاتهم صرخةً مدوّية من أجل الدفاع عن وجودنا والمحافظة على هويتنا وخصوصيتنا.
كل هذا يحصل ونحن غارقون في نوم عميق، أدمغتنا مشلولة، وإرادتنا معطّلة.
إنّها حقاَ لمأساة كبيرة أن يأتي الآخرون لنجدتنا، ونحن نتفرج ..
أي عاقل يروق له هذا المشهد؟!
متى نستفيق من هذا السبات الطويل؟، كما قال أحد المطارنة الأجلاء في مستهل كلمته التي ألقاها في المؤتمر.
لا أريد سرد ما جاء في جلسات المؤتمر، فوسائل الإعلام غطّت جانباً كبيراً منه، ولكن لابد لي من الإشارة إلى أنّ المؤتمر أعطى الفرصة للمتحاورين للتعبير عن آرائهم. حصل هذا في اليوم الأول، بعيداً عن مجمل المحاور التي ستناقش من قبل لجان العمل المنبثقة عنه، خاصة، أنَّ الحوار بحد ذاته يُعتبر عصفاً ذهنياً للتنفيس بحرية مطلقة، وفي أجواء صريحة وشفافة. وأعتقد أنّ المشاركين لمسوا من خلال تواجدهم في الجلسات مدى حرية المتحاورين في التعبير عن آرائهم من أجل معالجة القضية المطروحة للنقاش.
وقد سجّل المؤتمر حضوراً واضحاً للإخوة الشبك، وهم الخصم المفترض- إن صحّ التعبير- فكان لحضورهم الأثر الواضح في إثراء المناقشات والمداخلات التي تخللت الجلسة الحوارية المسائية في اليوم الأول. وفي تقديري أصاب منظمو المؤتمر الهدف في الصميم بتوجيههم الدعوات للطرف الآخر لحضور المؤتمر. ويعتبر هذا نجاحاً آخر للقائمين عليه.
إنّ ما نشهده في مناطق تواجد شعبنا من ظواهر التغيير الديموغرافي، لَهو مشهد خطير, يقلقنا كمسيحيين، والأخطر أنّ هذه المحاولات لها ارتباطات بمشاريع كبيرة إقليمية ودولية.
إنّ قوى الجهل والتطرف في بلادنا التي لا يردعها رادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني، كانت ولا تزال أداة لمشاريع الفتنة والتمزيق والتخريب. وللأسف، فإنّ هناك قوى محلية تدعم التطرف وتموله، لإشعال النار وجعل أبناء شعبنا وقوداً لهذه النار.
إنّ التغيير الديموغرافي الذي حصل في (برطلة) ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير. فمحاولات التغيير هذه جارية، ومستمرة في البلدات والقرى العائدة لأبناء شعبنا. بدأت في سهل نينوى، وفي تلكيف على وجه الخصوص، ثم انتقلت إلى بخديدا، والآن جاء دور برطلة.
ولم تسلم بلدتنا عنكاوا من هذه المحاولات المشبوهة. فما جرى ويجري في هذه البلدة يعلم به القاصي و الداني.
لعلّ البلدة الوحيدة التي استطاعت أن تقف في وجه هذه الريح الصفراء، و تنأى بنفسها بعيداً عمّا يحصل، هي بلدة (ألقوش)، بفضل أهلها الغيارى، الذين ظلوا محافظين على هويتهم وخصوصيتهم، فهم يستحقون منّا أن نرفع لهم القبعات احتراماً.
كنت أتمنى أن ينعقد هذا المؤتمر قبل سنوات خلت، تحت عنوان أشمل ومساحة أكبر، آخذاً بنظر الإعتبار التجاوزات التي حصلت في جميع مناطق شعبنا الكلداني السرياني الآشوري, ولكن ...
في النهاية، أتمنى أن يحقق هذا الملتقى المبارك كل النجاح، و أن تكون قراراته وتوصياته فاعلة ومجدية، تأخذ طريقها إلى التطبيق العملي. فنحن بأمس الحاجة إلى الأعمال، لا إلى زُخرُفٍ من الأقوالِ...