المحرر موضوع: حفلة مثالية رائعة في ليلة رأس السنة  (زيارة 2071 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
حفلة مثالية رائعة في ليلة رأس السنة

شمعون كوسا

في احدى مدن فرنسا حيث يتواجد جمع صغير من مسيحيي العراق ، أمضت العوائل سنواتها الاولى في علاقات يسودها الوئام التام ، غير ان هذه العلاقات ، تعرضت لتقلبات أفضت بها الى البرود والتباعد والنفور . بدأ الانقسام لاسباب واهية جدا ، قد تكون مثلا كلمة عادية تفوه بها احدهم دون قصد ، أو حديث سقط في سورة غضب وخرج من المهلة المقررة للندم  ، فتطورت الحالة واصبحت تشبه حيّزاً تساقطت عليه الثلوج وتراكمت يوما بعد يوم  . كل كلمة كانت تلقى تفسيرا خاصا ، وكل حركة تكتسي ثوبا غير ثوبها ، وكل بسمة بريئة تتحول الى استهزاء واحتقار وتتحول الى اهانة في قاموس العلاقات الباردة . تنتقل هذه التأويلات إما بصورة مباشرة ، أو عبر شخص ثان او شخص ثالث له مصدره الخاص ، وكل له روايته واضافاته الخاصة ، وبهذه الصورة ، ولمثل هذه الاسباب البعيدة كل البعد عن سياقاتها،  اصبح الناس يتباعدون عن بعضهم البعض ، وصار كل فريق ثابتا في موقفه رافضا اية ملاحظة توجه اليه أو إلى لَبَنِه ، حتى اذا كان حامضاً !!
إزاء هذه التجافي ، بادرَ  أفرادُ من الجانبين بمحاولة لتقريب القلوب وإعادة الحرارة للاواصر التي كانت تربط هذا القطيع الصغير . فوضعوا على المائدة اقتراحات ، واجريت اتصالات لتنفيذ مشروع يدعو الى مراجعة النفس باتجاه المحبة والتآلف . تمَّ الاتفاق على أن يُقام حفل رأس السنة في صالة تحتضن  جميع العوائل  مع اصدقائهم ، مبادرة كان لا بدّ منها لاعادة  العلاقات الى سابق عهدها . لم يكن الوِفاق سهلا ، وسط جوّ الريبة والتوجس والشروط التي كان يضعها البعض ، غير انه في النهاية قَبِل الجميع  بتاريخ الحادي والثلاثين من السنة كيوم للتلاقي في سهرة رأس السنة .
بالرغم من التفاؤل الذي وفّرته هذه المبادرة ، لم يغب عن البال جانب التدابير الاحتياطية  ، لاننا نعلم  بان الحفلات ، اينما كانت ، تصبح أحيانا مناسبات لانزلاق يتجاوز احيانا بعض الحدود ، تجاوزات لا تحتاج الى اكثر من  كلمة او حركة تجد لها تفسيرها الخاص في ذات القواميس الجديدة .
كانت السهرة تدنو من الدقائق الاخيرة الفاصلة بين السنتين ، أُطفِئت الانوار لتشييع السنة المنصرمة وإيداعها سجلات الماضي ، واضيئت الانوار من جديد لاستقبال السنة الجديدة بتفاؤل وامل . صفّق الجميع للسنة الجديدة وتوجّهَ كل واحد لاول شخص بقربه كي يصافحه ويقبّله ويهنئه متمنيا له الصحة وعارضا عليه سلة تمنياته الكثيرة والمنوعة لينتقي منها ما يناسب ظروفه ورغباته . كم كانت الفرحة عظيمة لرؤية الحاضرين يتعانقون بشوق غير مسبوق ، فيأتي الشخص الذي كان غاضبا ويعانق خصمه بحرارة ،  وبعضهم كانوا يصطدمون في توجههم السريع نحو بعضهم ، ويعود الناس للمعانقات ثانية وثالثة وتنهمر الدموع ويرتفع صوت الهلاهل ، فكان احدهم يقول للثاني : اين كنت يا رجل لقد اشتقتُ اليك كثيرا . ويجيبه الثاني : فعلا كنّا قد فقدنا عقلنا كي نعيش متخاصمين ، لاسيما واننا كنا نقطن نفس المدينة وفي مساكن غير بعيدة . وكان يقول آخرون ايضا : كانت سعادتنا في متناول يدنا ، والأهمّ من كل هذا  كان يجب علينا التفكير باولادنا فنكون قدوة لهم . وآخرون كانوا يقولون : كنا نكذب على أنفسنا ونهزأ حتى بالعقائد والقيم عندما كنا نحضر المراسيم الدينية ونتقرب للتناول بقلوب مليئة بالاحقاد ، كان يصعب علينا كسر كبريائنا ، علماً بان خطوة واحدة كانت كافية لازالة الجمود .
في هذا الجوّ المفعم بالحب والتفاهم والفرح ، سقطت تلقائيا خطط الطوارئ  واقتنع الجميع بان الجهود قد اتت بثمارها . كان القائمون على الحفل اشبه  بطاقم الفنيين الذين اطلقوا صاروخا وبعد ان استقر في الاجواء امتلأوا سعادة لنجاح عمليتهم . 
كان الجوّ مؤاتيا لينطلق كل واحد في تقديم فعالياته  في الغناء ، او سرد فكاهة ، او تقديم دور هزلي ، كانت الرقصات تتالى وتتخللها الدبكات بجميع انواعها . كان قد تم تحديد ساعة لانهاء السهرة ، غير ان الجوّ الجديد ، بخلاف ما كان يردده الشاعر العربي في حينه عن الليل عندما يقول : ألا ايها الليل الطويل الا انجلِ وما الاصباح منك بامثل ، كان يتغنى الناس باغنية عراقية قديمة كانت تقول : طولي يا ليلة طولي يا ليلة . مهما قلتُ ومهما اطلتُ في الحديث سوف لن أفي هذه المناسبةَ بما تستحقه من وصف. أجواءُ الليلة التاريخية هذه كانت عالقة في ذهني ولم أشأ ان تمرّ دون ان اكتب عنها.
بعد اختتام الموضوع وايداعه البريد المسجّل  ، سمعتُ صوتا يناديني من بعيد ويقول لي :  لماذا ارسلتَ المقال ، لماذا تسرعت في ارساله ؟ هل تعرف ما الذي فعلت وهل انت واعٍ لما كتبت ؟ هل يا تُرى كنت نائما أم حالما ، ام ثملا أو غائصا في الخيال كعادتك ، الا ترى بانك بان مقالك باكمله هو مغاير تماما لواقع السهرة وحقيقتها ؟
دعاني النداء هذا الى برهة من الصمت كي استعيد الاحداث ، فاكتشفتُ بعد فوات الاوان بان كل ما تفوّه به قلمي كان انطلاقا من شوقي العارم ورغبتي الشديدة في رؤية الناس يُمضون ليلة محبة وتآلف ، كتبت وانا احلق سعيدا في خيال بعيد عن الواقع . كنت احلم بهذا اللقاء ، فتخيلت المجتمع المثالي ، وبقيت اردّد هذه النغمة فاقتنعت بها وتلذذت بالحانها واجوائها السعيدة .
يقال بانه في تلك الليلة ، كان قد مرّ الحبّ على باب كافة العوائل وبقي ينتظر من يفتح له . هناك من فتح له بابه وقلبه ، وهناك من جعله ينتظر ، ومن ثمّ فتح له الباب واكتفى بتعليقه على صدره كمجرد شعار . الحبّ الحقيقي اذا دخل القلب يجعل حامله ينكر ذاته ، الحب لا يَصدّ أحدا ، الحب يغفر ويستغفر ، الحب يتنازل ويتواضع ويسامح ،  الحبّ ينسى الكرامة وعزة النفس والكبرياء لان قضيته اكبر من كل هذا ، الحب يجد سعادته بسعادة غيره . اقول هذا وكأني اصلي ، اقول هذا بايمان وقناعة يصلان حد العظم ، فهل يا تُرى أجد أحداً يأبه لهذا الكلام ؟
تبلّغتُ للتوّ بنبأ يقول بان الحبّ قد مدّد اوقات مروره وانتظاره أمام الابواب . امنيتي ان اكون اول المنتبهين لذلك ، عساي ان أجني واياكم  ثماره الشهية المجانية التي توفر لنا ولغيرنا السعادة والسلام الداخلي الذي نفتقر اليه كثيرا .


غير متصل 1iraqi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 111
    • مشاهدة الملف الشخصي
السيدشمعون كوسا
 مقالة رائعة يا سيدي الكريم.. لامست جوانب كثيرة في مجتمعنا. سلمت يداك ودام قلمك نابضاً بكلمة الحق.
 فائق تحياتي واحترامي.
«يمكن ان تكون الكذبة قد جابت نصف العالم فيما الحقيقة لا تزال تتأهب للانطلاق».‏ مارك توين

غير متصل برديصان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1165
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
    الشماس السيد شمعون كوسا المحترم   قد يكتب المرء احيانا مقالا يقع ضمن نطاق الخيال ويجيد الوصف والاحتكام الى واقع معين  لذا جاء موضوعك نابعا من واقع حال كان كما وصفته سابقا بالتشظي بسسب عدم حمل روحية المسيحيه التي تطلب منا ان نكون بتلك البساطه التي يتقبلها المقابل مهما كان ذو نفسيه متعاليه  لذا يجب ان     نحمل البساطه في كل تصرفاتنا مع بعضنا بهذا   نكون  قد توصلنا الى ان نكون اولاد الرب  حيث الان ننطلق لمشاركتكم افراحكم للعمل الصميمي اللذي قمتم به وهو لم شمل ابناء شعبنا لان ليس من الانصاف ان نكون في الشتات وتاءخذنا الحميه  كان فلان من المدينه واخر من القريه وحتى مابين القرى من ينظر للاخر من غير قريته نظره قد تكون دونيه في بعض تجلياتها  لذا نقول بارك الرب بهكذا مبادرات والقائمين على لم الشمل   واقترح اقامة منظمة تسمى بيث حوبو  بيت الحب ينظوي تحت لوائها الجميع لتكو ن الرائده في حل اي اشكال بين اثنين دون خجل من ايضاح الحق مع  دون الاخر    تحياتي      بغداد

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الى الاخ iraqi
والاخ برديصان

شكرا لمداخلتكما وتثمينكما الموضوع عبر كلماتكما الرقيقة 
كل عام واناتما بخير

غير متصل سامي ديشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 941
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

الاخ شمعون كوسا المحترم

مقالة رائعة، اسلوب رائع، تعبير رائع، يا شمعون يا رائع. انت كاتب من الطراز الاول. تحياتي...

سامي ديشو- سدني/استراليا