المحرر موضوع: السينودس الكلداني، انعطافة متفردة ودماء مستمرة في التجدد  (زيارة 2968 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                                 السينودس الكلداني، انعطافة متفردة ودماء مستمرة في التجدد

الأب نويل فرمان السناطي *
--------------------------------

منذ سنوات ولمسببات متعددة بقيت تسري في تشكيلات السينودس الكلداني دماء مستمرة في التجدد. وقد تناول الكتّاب ذلك في مقالات متعددة. في هذا المقال، نسلط الضوء على سابقة يمكن ان تعدّ منعطفا جديدا في السينودس الكلدان؛ هذه السابقة تضاف الى مضي السينودس بدماء مستمرة في التجدد والتضحية والعطاء، وهي تنسجم بشكل متميز مع مضي اساقفة السينودس باختيار شباب ذوي شهادات و"تكنوقراط" مثل الاب د. سعد سيروب حنا نائبا بطريركا، والاب حبيب هرمز النوفلي باحث متمرس، راعي الكنيسة الكلدانية في لندن، ليكون رئيس اساقفة للبصرة. والذين سبقوهم في اختيارات مجامع سابقة. أما هذا المنعطف المتفرد، فاراه يتمثل بحالتين مشرقيتين:
- التعامل الحكيم للسينودس بطريقة قبول المطران باوي سورو، الاسقف السابق في كنيسة المشرق الاشورية الشقيقة، كعضو في المجمع الاسقفي (السينودس) الكلداني.
- سابقة الانفتاح الى الرهبانية الدومنيكية رهبانية معروفة بالملافنة الوعاظ، من خلال اختيار احدهم، الاب د. يوسف توما الدومنيكي، رئيس تحرير مجلة الفكر المسيحي منذ 1995، الى جانب مؤهلات اخرى، يحملها كما يحملها كل بحسب وزناته وعمره الكهنوتي، سائر الاساقفة الشباب المنتخبين حاليا وفي السابق.  والكنيسة الكلدانية بذلك تستأنف انفتاحها على الرهبانيات، على غرار التعامل مع سائر الرهبانيات الحبرية، كل منها حسب دعوتها وحسب الموجودين فيها من انتماء طقسي كنسي كلداني، مثل الرهبانية الهرمزدية الانطونية، الرهبانية اليسوعية، الرهبانية المخلصية؛ الى جانب طلب البطريركية خدمات للخورنات الكلدانية من الآباء في الرهبانية الكرملية وفيها كفاءات ومواهب واعدة.
سابقة السوابق: حبران "شقيقان" اشوري ودومنيكي في السينودس الكلداني
سأضع هنا تقديما صغيرا للفقرات التي كتبتها قبل ليلة من بيان البطريركية حول قبول الاسقف مار باوي، وقد تستجد ملاحظة ان الفقرات اللاحقة لما كتب قبل البيان، فيها استقراء وتوقع ينسجم مع هذا البيان الذي يفصح بحق عن حكمة التعامل مع الموضوع، بما جاء فيه: "اعلمت البطريركية الكلدانية رئاسة كنيسة المشرق الاشورية الموقرة بذلك"، ويمضي البيان ليثلج الصدر بشهادة الاشادة ان موقف الكنيسة الشقيقة "كان مشرّفا جدا ومسكونيا".

                                               تمحور الحركات الوحدوية المسكونية تجاه الكنيسة الجامعة
                                               ----------------------------------------------------------------------
وهنا تجدر الاشارة، من باب المقارنة الايجابية، الى موقف ايجابي آخر. فمن المعروف ان الحركة المسكونية باتجاه الوحدة المسيحية، تنتهج من جهة العمل المشترك في كل ما يجمع الكنائس، وباتجاه الوحدة، تتمحور بشكل طبيعي ومنطقي نحو الكنيسة الجامعة، مع احتفاظ كل كنيسة متحدة مع الكرسي الرسولي بخصوصيتها الثقافية واللغوية والطقسية.
وتكون الحركة الوحدوية اما باتجاه الوحدة الاندماجية بين كنيستين، مما يكون مرحلة على مسار الوحدة المسكونية بينهما وبين الكنيسة الجامعة. وهناك مثل من الامثلة التي عرفتها شخصيا، مثل الاسقف اللوثري السابق جوزيف جاكوبسون عندما التحق بالكنيسة الكاثوليكية مع عائلته، حيث رسم ككاهن متزوج ، في ابرشية ادمنتون الكاثوليكية. وفي مجال المقارنة، عرفت ايضا جماعة كنسية غير رسولية، اي لا ترتقي الى عهد الرسل، بل الى سنة 1551، وهي رئاسة الكنيسة الانجليكانية في مقاطعة البرتا الكندية، عندما اختار، قبيل سنتين، راعيان ونسبة 70 بالمائة من خورنتهما (خورنة القديس يوحنا الانجيلي) في كالغري اختاروا الانضمام الى الكنيسة الكاثوليكية. وفي تلك المناسبة جرت مداولة رائعة بين اسقفهما الانكليكاني السابق، ومطراننا الكاثوليكي في كالغري، وابدى الاسقف الانكليكاني احترامه للمسار الذي حاز على قناعة الراعيين وجماعتهما، وتمنى لهما النعمة والبركة، ووافق على بقائهما في استخدام، مبنى كنيسة مار يوحنا الانجيلي في حي انكلوود بكالغري، لتكون كنيسة كاثوليكية ذات تراث طقسي انكليكاني.
 وكلتا الحالتين بقيت عندي كموضوع تحقيق مؤجل، يمكن ان يرى يوما النور، حيث توفرت لي مناسبات لمقابلة المعنيين في الكنيستين، واكثر من كاهن التحقوا بالوحدة مع الكنيسة الجامعة.
في المجال الذي نحن بصدده، كسابقتين في السينودس الكلداني، (أول اسقف آشوري واول راهب دومنيكي) كان بالإمكان التحدث عن كل من السابقتين لوحدها، لكني رأيت ضمهما في مقال واحد بنفضة واحدة، بدل تقطيرهما كلا على حدة، ليكون الجهد واحدا، وتنفس الصعداء لهذه المهمة المضاعفة في مرة واحدة.
واقول ابتداءً انه بخصوص الحبر الاشوري الكلداني، أرى أن بشأنه، لن يقال عنه من زوايا مختلفة اكثر مما قيل، فقد اعلنت بشأنه الآراء، متباينة من كثيرين، لا اشك في نزاهتهم وغيرتهم من وجهة نظرهم وفي حبهم لكنيسة المسيح المقدسة، مهما اختلفت رؤاهم. وأتمنى أن يعرفوا، على مختلف مواقفهم من الموضوع، ومما سأكتب، اني اكن لهم مسبقا الاحترام المهني والأدبي مشفوعا بالمحبة المسيحية الأخوية.
كما يجدر القول، انه من المتابعة لمواقف بطريركية الكلدان بالاتجاه التقارب، مع الكنيسة الاشورية الشقيقة، لكل ما يخص الشأن المشترك، فان المساعي المبدئية متقدمة، منها اقتراح بطريرك الكنيسة الكلدانية مار لويس روفائيل الأول ساكو، بإنشاء لجنة مشتركة تعمل على مواجهة المسائل الطارئة المشتركة بين الكنيستين. والارتياح الذي عبر عنه بطريرك كنيسة الشرق الاشورية، مار دنخا الرابع، بشأن هذه المساعي، بقوله: يسرنا أنكم ابديتم عن استعدادكم لتجديد الحوار معنا من أجل الوحدة. واضاف مار دنخا الرابع: وندعمكم في مسعاكم هذا للتقرب من بعضنا البعض بصفتنا أخوة في المسيح، وأبناء وبنات بلد واحد، فهذه كانت رغبة الكنيسة الآشورية وستبقى.
وقد نتوقع، ان من المسائل التي تصب بها النقاشات بعض الانتقالات الاكليريكية بين الكنيستين، وطريقة التعامل معها، خصوصا وان الكنيستين مستمرتان في مساعي التقارب من اجل الوحدة، كإخوة في المسيح وأبناء وبنات بلد واحد. بعد أن اصبح ثابتا الايمان المشترك بما يخص الاتفاق الكريستولوجي الموقع في نوفمبر 1994 بين الكنيسة الكاثوليكية المرتبطة بها الكنيسة الكلدانية، وبين الكنيسة الاشورية.

                                                               مسار تلقائي برغم طول الوقت
                                                               ------------------------------------
لقد جرى قبول الاسقف السابق في الكنيسة الاشورية، مار باوي، على مرحلتين متدرجتين وبشكل منسجم:
موافقة الكرسي الرسولي، على قبول الاسقف السابق في الكنيسة الاشورية لينضم الى الكنيسة الكاثوليكية، وممارسته المهام الكهنوتية في احدى الابرشيات الكلدانية الكاثوليكية التي احتضنته برعاية أخوية، وهي ابرشية مار بطرس الرسول، في كاليفورنيا.
المرحلة الثانية وباتجاه تفصيلي نحو الكنيسة الكلدانية، هي ان مار باوي، بقي دخوله الى السينودس الكلداني، متعلقا بأمور متصلة بظروف السينودس، لما قبل المرحلة البطريركية لمار لويس روفائيل الاول ساكو؛ وأنه في أول سينودس ترأسه البطريرك الجديد الشاب، كان ترشيح الاسقف مار باوي سورو، ضمن حق ممارسة الاختيار للأحبار اعضاء السينودس. وفي هذا الاختيار، يكون مار باوي قد حاز، كما هو متوقع، على نسبة ترشيح مقبولة بشكل أصولي، ما ادى الى ادراج اسمه مع اسماء سائر المرشحين؛ مع اقرار السينودس بأن يكون قران خاتمه الاسقفي على ابرشية رمزية، كما هو الحال مع الاساقفة الذين يرسمون لأغراض واسباب متعددة؛ وللحاجة الى اقتران الخاتم الاسقفي بأبرشية ما، تنسب لهم ابرشية رمزية، بدون ان تكون خدمتهم محددة لابرشية عاملة؛ ويبقى الاحتمال قائما بطبيعة الحال، ان يستجد تعيينهم الى ابرشية عاملة بموجب مقررات السينودس وحاجة الكنيسة البطريركية.
وهكذا كان الاسقف مار باوي يمارس خدمته في إحدى الابرشيات الكاثوليكية وهنا الكلدانية، ابرشية مار بطرس، كأسقف كاثوليكي، في المرحلة الاولى المشار اليها، من جهة؛ ومن جهة اخرى، وفي تلك الغضون تكلل انتظاره، بموافقة السينودس على دخوله في عضويته.
فكان صبرنا وصبر الاسقف مار باوي يرتبط بانتظار ما اقتضى ذلك من وقت، لحصول موافقة الكرسي الرسولي، ولخصوصيات كثيرة لا بد وانها تتعلق بظروف الكنيسة الجامعة وظروف الكنيسة البطريركية الكلدانية.

 هذه الحالة انفرزت ايضا عنها مؤشرات:
-----------------------------------------------
مؤشر اول، قبول الكنيسة الجامعة بحرية الاختيار لأبناء الكنائس الرسولية باتجاهها، وتبني رساماتهم الاصلية، واعتبار اعتناقهم الشركة معها بمثابة اعادة اللحمة الى مرحلة ما قبلها رجوعا إلى القرن الميلادي الخامس، سواء على مستوى الانضمام الشخصي أو على مستوى الوحدة الكنسية. وبقي هذا موقفا قائما لدى الكنيسة الجامعة، حيث كما اشرنا ان مسار الوحدة الكنسية المسكونية يتكلل مع الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، وليس مع هذه او تلك من الكنائس البطريركية المنفصلة تحت ظروف تاريخية عن الشركة الكنسية.
مؤشر آخر، القبول بالرسامة الاصلية لمرتسمين قادمين من الكنائس الرسولية المستقلة عن الكنيسة الجامعة، يأتي بالتوازي مع الخطوات الوحدوية مع كنائسهم، بمعزل عن مبادراتهم؛ واذا كان ثمة مرتسمون تركوا الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الى تلك الكنائس، فان وضع رسامتهم، من الطبيعي انه سيحل تلقائيًا مع وحدة كنائسهم مع الكرسي الرسولي. وقد يكون ثمة خطوات للتفاهم على تفاصيل معينة تعلن للمؤمنين، في حينها؛ وبانتظار ذلك، فإن وضعهم الكهنوتي القانوني يرتبط بعدم وجود شركة كنسية تامة مكللة بالوحدة بين الكنيسة التي انتموا اليها، وبين الكنيسة الجامعة.
 هذا الواقع تفسره حالة معروفة في التاريخ الحديث، وهي الاحتفال الذي جمع بين البطريركين مار روفائيل الاول بيداويد ومار دنخا الرابع، في دير الربان هرمزد في مطلع الالفية الثالثة؛ فقد بقي الاحتفال الديني مشتركا، في رتبة الكلمة الى مرحلة الصلاة الاوخارستية؛ وهذا اتفاق يعرفه ويقرّ به كلا الطرفين واعلن للحضور حينذاك. واذا كان ثمة خطوات اكثر من هذا فمن دواعي السعد ان نعرفها بدقة من رئاساتنا الكنسية الموقرة. على ان هناك انجازًا متفردًا للجنة المشتركة بين الكنيستين الاشورية والكلدانية، المتشكلة في اعاقب الاتفاق الاكريستولوجي، 1994، يتمثل بأن المؤمنين من أي من الكنيستين الشقيقتين، عند تواجدهم في مدينة فيها خورنة من احدى الكنيستين دون  الثانية، فإنه يمكنهم التقرب من الاسرار من خورنة الكنيسة الشقيقة. مما يبين أن الفروقات العقائدية محجمة، وان العتبة الوحيدة الرئيسة لوحدة اي كنيسة مع الكنيسة الجامعة (أقول عتبة وليس عقبة) هي في نهاية المطاف، عتبة الاعتراف بأولوية البابا، خادم خدام الرب بالمحبة. لكن هذه العتبة ليست سهلة الاجتياز على الطبيعة البشرية.

                          مثال للمشتركات القصوى بين الكنيستين الكاثوليكيتين، الانطاكية المارونية والانطاكية السريانية  
                          ----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

واسهل من هذه العتبة لم يتم بعد اجتيازها، على حسب الطبيعة البشرية والظروف الجيو سياسية، في منطقتنا الشرق اوسطية، على سبيل المثال، لا الحصر، هو ما بين الكنيستين الشقيقتين: الكنيسة الانطاكية المارونية الكاثوليكية والكنيسة الانطاكية السريانية الكاثوليكية؛ يكاد لا يكون الفرق بينهما سوى الفرق بين لهجتين الواحدة تقول مجاملة (أغاتي) والاخرى تقول توددًا (تقبرني). ويرأس كلا من الكنيستين الحبران المرموقان واللامعان، البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، والبطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريركان يتنافسان في المحبة والحنكة والطيبة والعنفوان، ويكاد لا يكون بينهما فرق سوى الفرق الكرسوي.
ولنقارن، بجاه المسيح بشير الوحدة والمحبة، بين ما يربط الكنيستين في بلدان المنطقة وبين ابرشيات كلدانية نهرينية اكثر توسعا، واكثر تنوعًا ثقافيا وجغرافيا: لكنيستنا الكلدانية ابرشية في ايران (ثقافة فارسية) وفي تركيا (ثقافة عثمانية تركية)، وفي سوريا ولبنان ومصر والاردن بالتميز الاغريقي، والارامي العربي والافريقي العربي، اضافة الى امتدادات بطريركيتنا الى بلدان الاغتراب. ولنعاين البطريركيتين الكاثوليكيتين الانطاكيتين السريانيتين والمارونيتين، باصلهما المشترك، وبحدود برية كمركية، بين كل من لبنان والشام والعراق وعدد من الاقطار الشرق اوسطية الاخرى، اضافة الى بلدان الاغتراب. ولنتصور ما يتطلبه ذلك من الجهد اللوجيستي والاداري لتعيين اساقفة ومندوبين حبريين في الاماكن ذات الصلة بين كنيستين توأمين ثقافيا وعقائديا، بحبل سري واحد ولا يكاد يميزهما سوى خيط وهمي خرافي. فكم، لعمري، هي الحاجة ، والحال هذه، إلى نجارين ماهري، ينحتون هذا الكم المضاعف بلا جدوى من... الكراسي الاسقفية والبطريكية.
من اجل الوحدة بين هاتين الكنيستين، ومن على شاكلتهما، نحن بحاجة الى الصلوات والتضرعات، مع نوع من الضغوطات الشعبية للمؤمنين، مما يهمس بآذان المعنيين، إننا نعرف ما تعرفون من المشترك بيننا، ونلم بما تترددون عنه في توحيدنا، رحمة بنا وبالفادي الذي طلب الرحمة لا الذبيحة.
على ان ما يصعب على البشر، ليس بعسير على الله ونعمته.

 أما على مستوى كنيستينا الكلدانية والاشورية، فلا بد من الاعتماد أن التقارب بين الكنيستين، يجعل الاعتزاز بحبر مثل مار باوي سورو، تقييما للكنيسة الاشورية التي انجبته، واعتزازا بها وبجذورها. واذا كانت ثمة اجراءات ادارية تجاه اسقف او كاهن مع كنيسته الاولى، تتعلق بالجانب القانوني والاداري، فإن ذلك يقع كمسألة داخلية وشخصية ترتبط بمسؤوليته في التعامل معها. وهذه الجوانب ذاتها، تكون عندئذ نسبية الفاعلية وفق نوع التقارب الوحدوي الذي يحدث بين الكنيستين.

                                                              لقاء "الشقيقين" في مجمع أسقفي واحد
                                                              ---------------------------------------------------
لقد عرفت الاسقف مار باوي سارو، معرفة أولية، خلال عملي في مجلة الفكر المسيحي، نائبا لرئيس تحريرها الاب (المطران) يوسف توما، وذلك مما نقله لنا رئيس التحرير عن صديقه و"شقيقه" على عدة مستويات، مار باوي منذ عهد مهامه الاسقفيه السابقة، ونشرنا اصداء طيبة عن اطروحة مار باوي عن القديسة مريم العذراء.
وعرفت مار باوي شخصيا وباعتزاز متزايد، خلال زيارتي الى سان دياغو، لافهم ثمة ايضا وبالملموس اسباب التفاف ابناء ابرشية مار بطرس حواليه، سواء من خلال الاصداء، أو من خلال القداس المشترك مع سيادته مترئسا احتفال تناول أول، وما شدني وسائر المؤمنين اليه في قداسه ووعظه.
ولا ريبة في ما تحلى به الاسقف مار باوي سورو من جلد ومراس وسعة صدر ينهلهما من ايمانه العميق بقضية الكنيسة ووحدتها الرسولية. وبرغم ما رافقت واقعته من تشنجات واجراءات، لكن خصاله تدل على منبته الاصيل، واشادتنا به، هي اشادة بكنيسته الشقيقة وما يربطنا بها وبأبنائها. ونعول على كل الخير الواعد في هذا الحبر الجليل.
أول راهب دومنيكي كلداني، حبرا في الكنيسة الكلدانية
عندما كتب لي المطران المنتخب مار يوسف توما، رسالة شكر جوابية على تهنئتي له باسقفيته، فإن اكثر ما ركز عليه، كان الحاجة الى صلواتنا، قائلا: اني بحاجة اليها في هذه المرحلة الجديدة من حياتي التي كما تعرف كانت في اتجاه آخر تماما، لكن للرب أحكاما لا تسير مع ما نتصور.
وهنا لي ان اتصور شريط السفرة الترفيهية الودية التي قام بها الاب يوسف توما الدومنيكي، بضيافة الاب كمال بيداويد ومعهم مار باوي سورو، إذ كان اسقفا للكنيسة الاشورية، وشنفت أذناي بما اسمعني الاب (المطران) يوسف من تسجيل للمبادلات الودية والنغمية التي تخللت السفرة. وتدور الايام ليدخل الحبران الشقيقان والصديقان يدا بيد في رحاب المجمع الاسقفي الكلداني في سابقة هي الاولى من نوعها، ولأنظر الى الموضوع بمشاعر صلاة الشكر للعناية الربانية.

نبذة عن الرهبانيات الحبرية وتعاملها مع الكنيسة الكلدانية
---------------------------------------------------------------------
أما عن اختيار اول أب دومنيكي كلداني، كاسقف في الكنيسة الكلدانية، فلا بد من التمييز البسيط؛ انه إذا كان معهد مار يوحنا الحبيب، للآباء الدومنيكان قد اعطى للبطريركية سربا قيما من الاحبار، فإن الاختيار الاسقفي من بين الاباء الدومنيكان، هو إنجاز يحدث لأول مرة.
وبالمقارنة مع الرهبانيات الحبرية الاخرى، نجد مثلا الرهبانية الهرمزدية الانطونية التي تأسست في القوش، ولها موقعها الرهباني في روما كرهبانية حبرية، اسوة بغيرها. وقد اعطت هذه الرهبانية عددا من الاساقفة للكنيسة الكلدانية: االمطران أسطيفان بلو، مطران الكلدان في حلب المتوفى عام 1989. المطران عبد الأحد ربان اسقف أبرشية عقرة والزيبار واسندت اليه إدارة كنيسة السليمانية ايضاً، خدم المركزين إلى يوم وفاته عام 1998. والمطران شموئيل شوريز أسقف أبرشية اورميا حتى وفاته عام 1981 (عن مقال للانبا في الفاضل جبرائيل في موقع ديربون). ويمكن ان يكون لهذه الرهبانية وبحسب خصوصية دعوتها، رهبان هنود ملبار، يرسمون اساقفة لكنيسة الملبار الكاثوليك في الهند، وفي أماكن أخرى على وفق استقبالها لرهبان، من مختلف الثقافات الليتورجية.

الرهبانيات الحبرية والكنيسة الجامعة وعنصرة حلول الروح القدس
----------------------------------------------------------------------------
ان الاباء والاخوة في الرهبانيات الابرشية او الحبرية، في الكنيسة يمثلون اصوات نبوية في خدمة الكنيسة وشعبها، بحسب ثقافاتهم وطقوسهم كما بحسب اللغات التي يتكلمونها؛ يدخل فيها رهبان من مختلف الطقوس، واذا استجدت الحاجة الى اسقفيتهم فيرسمون لطقسهم الاصلي أو لغيره. ومن الطبيعي ان هؤلاء الرهبان القادمين من مختلف بقاع العالم هم من مختلف الطقوس، وعندما يكونون مجتمعين، يصلون بحسب صلواتهم الرهبانية، ويقيمون القداس والاسرار على طقس الكنيسة الجامعة الكاثوليكية، (او على الطقس الكنسي المتأسسة عليه الرهبانية، مثل الرهبانية الهرمزدية على الطقس الكلداني)، فلا يقدس كل كاهن من تلك الرهبانيات، القداس في الدير بحسب طقسه؛ بل بحسب طقس مشترك، كاللاتيني وغيره، على ان قداس كل واحد منهم، الشخصي او في هذه الكنيسة او تلك يمكن ان يكون بالطقس الذي ينتمي اليه او الذي يضاف الى طقسه، بموافقة تسمى الموافقة الطقسية المزدوجة (BiRitual).
وهؤلاء الرهبان كما في كهنة الكنيسة الجامعة، اذا كان فيهم الكاهن الكلداني مع لغة فرنسية، يمكن ان يعين لخدمة كنيسة فرنسية كاثوليكية، واذا كان يعرف الاسبانية، فقد تطلب خدماته حسب الحاجة في التقديس في كنيسة اسبانية، ومن باب أولى اذا استجدت الحاجة الى مثل هؤلاء الكهنة، في احدى الكنائس الشقيقة الاخرى، السريانية او المارونية. لأننا نشكل ككنائس وبموزاييك الثقافات والاجناس، لوحة تجمعها شركة كنسية واحدة، وتظللها عنصرة الروح القدس.
أما ما يتردد أحيانا على لسان بعضنا، هنا وهناك، من تشكي او بعض تذمر: قالت روما، هذه اجراءات روما... فإنها لا تعدو كونها تشكـّيات مألوفة على الطبيعة البشرية، المجبولين كلنا عليها، كما العاملين في روما، موقع الكرسي الرسولي، وما يرافق اعمالهم من محدوديات او اخطاء بشرية، ليست أقل بكثير من اخطاء بشرية لسائر كنائس الرب. ولا غرو اننا نشكو احيانا في ابرشياتنا وكنائسنا من هذا الضعف البشري او ذاك، الا ان ذلك ليس من شأنه أي يزعزع ارتباطنا الحيوي مع ابرشياتنا كما مع الجانب الاداري للكرسي الرسولي في روما. كما ان المؤمن مدعو الى التوبة المتجددة وإيماننا بالمسيح الذي سيبقى مع كنيسته برغم ضعفاتها.
الرهبانيات الحبرية والكنيسة الكلدانية
والرهبانية اخرى من الرهبانيات الحبرية للكنيسة الرسولية الجامعة ، التي تعاملت معها الكنيسة الكلدانية في مجال الاسقفية، فكانت الرهبانية اليسوعية، من خلال اسقفية المطران مار أنطوان أودو، مطران حلب على الكلدان، ثم رهبانية المخلصيين من خلال اسقفية مار بشار ورده، مطران اربيل. فلا يقال ان المطران انطوان اودو اليسوعي، او المطران بشار المخلصي، كانوا آباء على الطقس الروماني الكاثوليكي اي اللاتيني، واصبحوا كلدانًا، فهم كلدان أصلا. وهذا هو الشأن في تعامل البطريركية مع طلب خدمات الرهبان الكرمليين الكلدان عند الحاجة او تعيينهم لخدمة احدى الكنائس.
أما الرهبانية الدومنيكية، وكان فيها منذ عشرات السنين آباء دومنيكان ذوو انتماء طقسي كلداني ، قاموا وبرزوا في هذه الرهبانية منذ السبعينيات، اقدمهم الاب يوسف عتيشا (مواليد تلكيف سنة 1928) من رواد الدومنيكان العراقيين الكلدان في دير بغداد المتأسس سنة 1966. لكن اختيار احدهم للاسقفية برغم تحرك المياه هنا وهناك، بقي يراوح حتى اختيار الاب يوسف توما الدومنيكي الكلداني، المولود في الموصل (1949) من أب نزح من قرية اومرا الكلدانية، المرحوم توما مرقس جودو المعروف بأريحيته وفكاهته وطيبته ومن ام اشورية من قرية غيرامن، كانت معروفة، بحسب شهود كنت التقيتهم، بحنوها على الفقراء ورأفتها بالأيتام، الرحمة الواسعة على كليهما.
وإذ خدم هؤلاء الاباء الدومنيكان في التدريس بالدير الكهنوتي البطريركي، فقد تخرج على أيديهم، اسراب رائعة من الكهنة، منهم اصبحوا اساقفة، وذلك عندما اقتصرت التنشئة الكهنوتية على الدير البطريركي الكلداني، بعد الاغلاق الدراماتيكي لمعهد مار يوحنا الحبيب للدومنيكان، في منتصف السبعينيات.
إن الرهبانية الدومنيكية، كسائر الرهبانيات، والكنيسة الكاثوليكية، كسائر كنائس المسيح في العهود السابقة، وخصوصا عهود القطيعة والانفصال، عاشت مراحل مضطربة، كانت مراحل مرتبطة بظروفها التاريخية البيئية، السياسية، الاجتماعية والعقائدية؛ ولكن الكنائس الرسولية كما سائر الرهبانيات الحبرية، بعد انفتاحها على مسيرة الوحدة المسكونية منذ مطلع القرن العشرين، وبعد الانفتاح الكبير واللقاءات المشتركة، بين الكنائس في اعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني، أخذت كل بحسب الكاريسما الخاص بها، أخذت تعيش عهدا يترك الماضي وراءه بغفران وتسامح متبادل، ويتطلع الى امام، بالمحبة والتقارب والوئام والعطاء المسكوني، وبما يصعب على احد ان يعيد عقارب الزمن الى الوراء، سيما وان الوحدة الكنسية المسكونية هي على المدى البعيد، وعلى ضوء رسالة الانجيل وبشرى المسيح لكل الشعوب، هي حيوية كحيوية حبل الوريد.
واليوم، يشاء تدبير العناية الربانية ان يقتبل الرسامة الاسقفية المطران د. يوسف توما، رئيسا لاساقفة كركوك، برفقة تلميذيه الشابين: المطران حبيب هرمز النوفلي، والمطران د. سعد سيروب حنا. وتشاء العناية الربانية ان يترأس رسامته زميله في معهد مار يوحنا الحبيب، وهو بعده في الدراسة الكهنوتية بسنة واحدة، ويشترك في الرسامة، حبر آخر هو زميله على مقاعد الصف الواحد، مار ربان القس، مطران العمادية وزاخو، وحبر آخر هو زميله الاصغر صفا في التلمذة مار ميخائيل المقدسي، مطران ابرشية القوش (وهو زميلنا على مقاعد التلمذة مع المطران يوسف عبا، المونسنيور نوئيل القس توما، وعددا آخر أذكر منهم الشمامسة عوديشو المنو، د. بهنام قريو، جبرائيل عطا الله، صباح متي، ايشو عيسى، ووعدالله رسام) هؤلاء سبقوه الى الاسقفية كتلاميذ للمعهد الدومنيكي، وها هم يرحبون به كأب وملفان دومنيكي، وبذلك يقومون مع سائر الاحبار الذين انتخبوه في المصاف الاسقفي الكلداني، ما يعطي الاعتبار لهذه الرهبانية الدومنيكية العريقة التي خدمت العراق وكنيسته منذ 1750. وهذه اشارة نبوية صارخة في البرية، انه لم يعد ثمة، بعد سابقة السوابق هذه، ما يمنع الرهبانية الدومنيكية، ولا غيرها من الرهبانيات الحبرية، من ان يعطي ابناؤها الكلدان والسريان وسواهم، كل ثقلهم العلمي والروحي والرسولي في خدمة الكنيسة الكلدانية وسائر كنائس انتمائهم او الكنائس الاخرى. فتكون هذه الرسامة منعطفا جديدا متقدما في مسيرة كنيسة العراق، يتطلع الى الاصالة والتجدد، ويكون، كما نأمل مرحلة جديدة تدفع مسيرة الاخوة في المسيح وأبناء البلد الواحد نحو الوحدة.

                                                                 منعطف استغرق تحضيره مخاضا كبيرا
                                                                 ---------------------------------------------
مرحلة المنعطف، سبقتها تمهيدات مراحل اخرى، استوت على نار هادئة، بموجب ما نستطيع ان نستقرأه من مؤشرات العقدين الاخيرين. اجل لقد اعدت هذه الانعطافة بخطوات متئدة وواثقة، لانتزاع قصب السبق نحو سياقات اختيار الأسقفية، تكون منهجية بعيدًا عن القبلية، واعتماد الاهلية الروحية والعلمية، دون المحسوبية. فيشاء الرب ان الحسابات الضيقة، في نهاية المطاف، وجدت امامها نظرات قصيرة المدى، ووجدت امامها قصورا مرتبطا بعمر وجيل وظروف جيو سياسية، واصطدمت بمحدودية لا محدودية من بعدها، لتنهار مع تقادم الزمن، جدران من القبلية والمحسوبية التي ربما اعتمدتا مع سواهما من عناصر، بحسن نية كدعامة لحماية السدة البطريركية، لتنهار تلك الجدران أمام الكفاءات المواكبة للعصر وأما نفاح الروح القدس في التجديد والصوت النبوي مما يهب على الكنيسة جمعاء.
هذه المرحلة ليست ابنة يومها، بل كانت تنفرز عن مواجهة بين جيلين وتوجهين، كان البطريرك الراحل مار روفائيل الاول بيداويد (البطريرك من 19 ايار 1989 لغاية 7 تموز 2003)، الوسط المتنور بينهما، واستطاع بحكمته وتأثيره ان يلفت انظار مجمعه الى الاجيال الاكليريكية الشابة، مما أدى مع أواخر عهده البطريركي الى ترشيح المطران (البطريرك) لويس ساكو الى جانب سرب مبارك من الاساقفة قبيل وفاة البطريرك بيداويد. وكانت الاستعدادات قائمة لانعقاد السينودس الكلداني لانتخاب خلف للبطريرك الراحل مار روفائيل بيداويد، متزامنة مع اختيار توقيت رسامة الاسقف الجديد مار لويس.
وكأني بلسان الحال يخاطب يومذاك المطران المنتخب لويس روفائيل ساكو: ها قد انتخبت اسقفا، فما العجلة الى تحديد الرسامة قبل موعد السينودس المرتقب قريبا، فماذا تقول: لعل توقيت تاريخ الرسامة الاسقفية سيكون اكثر ملاءمة وحضورا بعد السينودس...! ولكن هيهات فقد كان المطران المنتخب لويس، قد حزم الامر على ان يرسم قبيل موعد السينودس، اي في 14 تشرين الثاني 2003، ليلتحق بالمجمع في بغداد ثم في روما. وليكن له مشاركة مهمة وتأثيرا متميزا. ومن المفارقة ان اجابة الاسقف الجديد مار لويس ساكو، لسؤال صحفي حين اجاب مازحا مع احد الصحفيين، إذ سأله من يتوقع ان يكون البطريرك، ليقول بابتسامة دبلوماسية، لعلي انا سأكون! وما بين تلك الاجابة الدبلوماسية، وما بين المجمع الانتخابي اللاحق، لا غرو انه، بعد اسقفية سنوات عديدة، وفي عهده البطريركي الحالي مع مجموعة خيرة من جيل الاساقفة، هيأ لمرحلة نشهد فيها سابقة تلو سابقة، لمجد الله.
وهنا لا بد من القول، وانا اكتب في مجال بحثي اعلامي، واكتب على المستوى الشخصي، في موقع عام، وليس في موقع خورنة أو كنيسة، عبرت فيه عن رأي الشخصي بغير مواربة، فأقول:  
إن مسيرة وحدة الكنائس الشرقية، مرت عبر التاريخ، بأنواع مخاضات، نحو إعادة اللحمة الى عهد الكنائس البطريركية لما قبل الانقسام، حيث كان البطاركة ملتفين نحو خادم خدام الرب بالمحبة، بالشركة الكنسية التامة.
واذا مرت كنائسنا الرسولية الكاثوليكية او الارثوذكسية في مراحل مظلمة، فإن الرهبانيات هي كانت الصوت النبوي نحو الاصلاح. على ان كنائسنا ورهبانيتها، في تلك المراحل المظلمة، عاشت حالات اخطاء بشرية، لا ينكرها التاريخ، وعاشت مراجعة مع الذات، في مسيرتها. ولا تخلو كنيسة او مرحلة رهبانية كاثوليكية او ارثوذكسية من هنا وهناك، من اخطاء، متوزعة على الطبيعة البشرية. ذلك أننا نحمل وديعة الايمان في اواني ضعيفة كالخزف، لكن المسيح وعد ان يكون مع كنيسته مدى الدهور. لذلك فان هبات الروح القدس، هي التي تنعش كل عصر بحسب خصوصيته، والمسيرة بين الكنيستين الشقيقتين الاشورية والكلدانية، لها أن تمضي قدما، مستنيرة بمرحلة ما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) وبعهد جديد على ضوء الاتفاق الكريستولجي لعام 1994.
واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن المسيرة البطريركية الكلدانية، كانت، مسيرة الى الامام، برغم العوائق والصعاب. هكذا ايضا، نرى من الصواب الاعتقاد، بأن الوحدة فيما بين الكنائس الشقيقة، مهما تأخرت، فإنها ستمضي بالتقدم، اذ ان عقارب الساعة، وتلك سنة الحياة، لا ترجع الى الوراء، أجل لا ترجع الى الوراء.


الأب نويل فرمان السناطي*:

من قدامى تلامذة معهد مار يوحنا الحبيب، نائب رئيس تحرير مجلة الفكر المسيحي 1994 - 2004 بإدارة الاباء الدومنيكان   
راعي كنيسة سانت فاميي (العائلة المقدسة) الكاثوليكية للكنديين الفرنسيين، في مدينة كالغري، وكاهن الارسالية الكلدانية  لخورنة مريم العذراء في البرتا - كندا