المحرر موضوع: ( العراق بين الازدواجية والنفاق )  (زيارة 1045 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كفاح محمود كريـم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 663
    • مشاهدة الملف الشخصي
( العراق بين الازدواجية والنفاق )
                              القسم الرابع                       
                العراق... والشرف المعلق بالدماء
              [/color]
                 

    كفاح محمود كريم
   Kmk_info@yahoo.com


قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة خرج رجل أمي من أعماق الصحراء بشريعة أوقفت تعريفا باليا للشرف في الشرق وعموم الأرض، ووضعت قانونا سماويا لعلاقة الرجل بالمرأة إبتداءً من فراش الليل وحتى صغائر الأمور بين الكائنين. وساوت بين العبيد والأحرار في الحقوق الإنسانية، بل دعت إلى تحرير العبيد واستكراه استعباد الإنسان لأخيه الإنسان كما جاء في مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض): كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟.
     لقد عمل الإسلام كنظرية وفلسفة إلى تغيير في مفاهيم الشرف الشخصي للفرد والمجتمع وتحريره من تحجيمه في أعضاء المرأة التناسلية واستخداماتها، إلى ربطه بالأيمان بالله والفروسية والصدق والكرم والنزاهة ودماثة التعامل مع الآخرين.ِ
    ورغم تلك الاشراقات المنيرة من الأفكار والقيم التي أنتجها الإسلام وحاول زرعها كمفاهيم بديلة لتلك الجاهليات من منظومات التفكير والسلوك، إلا إن الكثير من المجتمعات الإسلامية العربية منها وغير العربية المتعايشة معا، ما زالت تمارسُ وتسلك نفس ممارسات وسلوكيات ومفاهيم تلك الجاهليات في التفكير البدائي والبدوي في تعريفها لكثير من القيم والعادات والتقاليد.
   ولعل أبرز تلك المفاهيم هو مفهوم الشرف وتعريفاته في مجتمعاتنا وحصره دوما في أعضاء المرأة التناسلية فقط والتي يتم استخدامها خارج منظومة الشرعية.
   ونعرف جميعنا ( في مجتمعاتنا وبالذات القروية منها والقريبة في سلوكياتها من نظام القرية والقبيلة ) بان الرجلَ يكفيه أن يكون شريفا من ناحية الأعضاء التناسلية لكي يتم غض النظر عن الكثير من السلوكيات الأخرى في حياته، والى فترة ليست ببعيدة زمنيا لم تك السرقة إلا صفة من صفات الفروسية والشجاعة لدى الكثير من الناس، وعلى الأقل لم تكن عيبا أو عارا اجتماعيا للفرد أو المجتمع.
   بل أن الكثير من طبقات مجتمعاتنا لا تعتبر سرقة المال العام عيبا أو حراما أو شرفا شخصيا للفرد، موظفا كان أو عاملا، بل لم تثقف أو تربي مؤسسات مجتمعنا المدنية ابتداءً من منبر الجامع ووعظ الملالي والى مرابع ومضايف القبائل وشيوخها وأغواتها، حتى رأينا بأم أعيننا كيف ينهب العراق بأكمله يوم سقوط حكومته ودولته، فلو كانت هناك قيمٌ خلاقة وسلوكيات وطنية وتربوية لما حصل ما حصل بعد سقوط بغداد.
  ولو كان للشرف معنى آخر غير ارتباطه بأعضاء التناسل لاستطعنا الحفاظ على بلادنا حتى ولو سقط ألف طاغية. ودخلت كل جيوش العالم، لكنه ذلك المفهوم المتدني للشرف هو الذي أغرق العراق في بحور من الدماء والدموع وأباح كل المتدنيات في السلوك والاحتفاظ فقط بسلامة أجهزة التناسل.
  ذلك الشرف الذي أباح وأفلت العنان لوحوش بشرية في جنوب العراق وكردستانه، شرقه وغربه، كي تعيث في الأرض والشعب فسادا واغتصابا وتقتيلا ونهبا وسلبا، للحفاظ على شرف الأمة ومستقبل الجماهير؟
  أي شرفٍ هذا الذي يبيح اغتصاب المئات من النساء والفتيات أو ربما الآلاف منهن منذ ( عروسة الثورات ) عام 1963 وحتى هذا اليوم وتحت أي مسمى كان؟
  أي شرفٍ هذا الذي يبيح السرقة والقتل والنهب والسلب والكذب والافتراء والإقصاء وتدمير وطن بأكمله في مائهِ وهوائهِ ونفطهِ وزراعتهِ وصناعتهِ وسكانهِ وتحت أي مسمى من المسميات إلا ما آمن بها ( رفاقنا ) في تبرير الوسيلة لتحقيق هدفهم للعودة إلى قيادة الشرف العراقي ثانية؟
  وأعود مرة أخرى إلى هذا الخزين العجب من القيم والسلوكيات المتناقضة والمتضادة والمزدوجة في مجتمعنا، فهو الذي يتحدث ملأ شدقيه عن الوطنية والقومية والعراق، وهو الذي سرق دولة بأكملها من سكان يفترض أن يكونوا أشقاء له في الدين أو العرق أو المذهب، ثم ما لبث أن سرق نفسه ووطنه، ليس الكل بالتأكيد ولكن الكل أيضا لم يفعل شيئا إلا الخنوع والسلبية والتفرج واللامسؤولية.
   خليط رهيب من المفاهيم وتعريفاتها المزاجية وكيفية التعامل معها من وقت إلى آخر. ومن أقصى يسار تعريفها إلى أقصى يمين تحليلها والانتقال من لونها الأكثر بياضا إلى الأكثر عتمةً وسواداً.
  وربما ما يحصل الآن من ازدواجيات في المواقف والتعريفات لأبسط الأمور يعكس التدني المرعب في التعامل الأخلاقي مع المفاهيم الوطنية والاجتماعية، ابتداءً من القتل على الهوية المذهبية والعرقية وحتى المناطقية والعشائرية وانتهاءً بعمليات التهجير والتطهير وإشاعة العنصرية والشوفينية كما يحصل الآن في الموصل وكركوك على أيدي أولئك الذين ما زالوا مغرمين بعمليات الأنفال القذرة و(قائدها الضرورة صدام حسين) ومن لف لفه من ( المناضلين والمجاهدين ) حاملي شرف (العروبة والإسلام) في المقابر الجماعية وبيع الفتيات العراقيات إلى المخابرات الأجنبية.
  إنها سنوات رهيبة من السلبية والازدواجية المقيتة في التعامل مع الحدث والمفاهيم وتعريفاتها ووظائفها، فأي شرف شخصي هذا بأمكانه أن يكون طاهرا وهو يسمح لنفسه بالعبث أو العدوان على شرف الآخرين لمجرد إنه يمتلك القوة والسلاح كما حصل أثناء حكم النظام السابق وجرائمه في كوردستان وبقية أنحاء العراق جنوبا ووسطا منذ انقلابه في عام 1963 وحتى سقوطه المخزي في نيسان 2003 وما جرى على أيدي ازلامه ومؤسساته الحزبية والخاصة وتلك التي هيمن عليها من القوات المسلحة ومفاصل الدولة عبر أربعة عقودٍ من أحلك حقب التاريخ الذي عاشته شعوب بلاد ما بين النهرين.
   لقد كرس النظام السابق أكثر القيم ظلامية وانحرافا في مفاصل مجتمعاتنا العراقية، وزرع أكثرها ظلما وعنصرية وقسوة في نفوس أطفالنا، ومسخ مفاهيما وفلسفات في الدين والاشتراكية والعلمانية، مقدسة ومتحضرة وحولها إلى سلوك منحرف ووسيلة لأغراضه في الهيمنة والتسلط والدكتاتورية والشوفينية. وبدلا من الانطلاق إلى مفاهيم متحضرة ومعاصرة لكثير من القيم والتقاليد التي ورثناها عبر مئات السنين، انحدر نظام البعث إلى مستويات متدنية من الازدواجية والنفاق السياسي والاجتماعي في علاقاته وتعريفاته لمفاهيم اجتماعية ووطنية وأخلاقية، ابتداءً من إلغائه للوطنية العراقية ومواطنتها بمزايداته القومية الساذجة وصولا إلى استهانته بالشرف والأرض والمال العراقي حتى وصل العراق إلى ما وصل إليه الآن. [/b] [/font] [/size]