المحرر موضوع: زرعوا فأكلنا ..فماذا سنزرع ..؟!  (زيارة 2387 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Hadi Altkriti

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 145
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
زرعوا فأكلنا ..فماذا سنزرع  ..؟!
[/b]


هادي فريد التكريتي
منذ أقدم العصور العراقية والهموم التي يشكو منها الوطن ، هي نفسها هموم المواطنيين اليومية والعادية ، وما كان المرء آنئذ  يفرق أيهما له الأولوية قبل الآخر ، وليس هذا ناتج عن سوء فهم وتقدير المواطن ، وإنما عن فهم جدلي للحياة ، فالعراقي منذ أن انزرع في هذه الأرض ، منذ آلاف السنين ، وهو يبني ويعمر ويزرع من أجل اعمار وطنه وإسعاد شعبه ، ويحمل السلاح مدافعا إذا ما هدد هذا البناء وهذا الزرع أجنبي ما ، ويرى حقه في الحياة ، ولذة العيش ، من خلال حق الآخرين ومشاركتهم له ، لذا فقد اشتدت وترسخت أواصر المحبة والألفة بين العراقيين، حتى إذا ما حل الطاعون البعثي الأسود ، كثر لبس الحرائر للسواد ، في أرض السواد حتى تغيرت الصورة ، وانقلبت المفاهيم ، وما عاد الهم موحدا ، نتيجة للظلم الذي توزعت نتائجه الكارثية على الوطن والمواطنين ، قبل أن تعم وتشمل دول وشعوب الجوار .. وعندما أسقطت قوات الاحتلال النظام ، زال كابوس ، ما عرف الشعب على مر عصور الطغيان أثقل وأبشع منه . ورغم كل ما حصل من قوات الاحتلال من دمار وخراب ، وما يحصل الآن من تدمير وتخريب للوطن ومنشآته ، وقتل جبان يومي للمواطنين بالجملة ، من قبل قطعان النظام المهزوم المتحالفة مع الظلام السلفي ، رغم كل هذا فأملنا ، كان ولا زال ، معقود على وحدة شعبنا ووعيه أولا وثانيا في تجاوز ما يعانيه ، أما قياداتنا التي أوصلها هذا الشعب الشجاع والصبور إلى سدة الحكم ، فلم تكن ، مع الأسف الشديد ، على مستوى الحرص والأمانة في تحمل المسؤولية لإنهاء الوضع المأساوي الذي نعيش فيه ، فبعد كل هذا الوقت ، منذ ظهور  نتائج الانتخابات ، أثبتت بما لا يقبل الشك أنها غير قادرة على تجاوز خلافاتها ، المتميزة بضيق الأفق ، قياسا بما يحيق بالوطن والأمة .. فتضافر جهود البعض ، ممن هم في سدة الحكم ، على حصد أكبر المنافع الشخصية أو الطائفية أو القومية العنصرية على حساب المواطن والوطن ، قد أوجد بعض حالات تصدع في بنيان التحالف الطائفي ـ القومي الهش وبدأ البعض في نشر ، الغسيل النظيف والوسخ ، على كل الحبال ، وتبين أن المواطن كان مخدوعا ومغيبا عن كل ما تم الاتفاق عليه بين القوائم الفائزة ، بعد ظهور نتائج الانتخابات ، فالسيد جلال الطالباني ، رئيس مجلس الرآسة ، يقول :" ... هناك تلاعب في الاتفاقات التي عقدها التحالف الكوردستاني مع الائتلاف العراقي الشيعي والتي بموجبها تشكلت الحكومة ..".. كل اتفاق ما خلا موافقة الشعب العراقي باطل ..والشعب حتى الآن لم يقرأ ولم يسمع ولم يشركه أحد لمعرفة نصوص وما كتب في هذه الاتفاقات التي عقدت بين التحالف الكوردستاني والائتلاف الشيعي ..ولا ندري هل قد استبدلنا نهجا بعثيا مدانا ، بنهج جديد لتحالفات طائفية ـ قومية ، غير معلنة أكثر قبحا في مصادرة الإرادة من النظام السابق ، واعتبار العراق ملكه وساحته لوحده دون مشاركة الآخرين ؟ وهل يجوز أن توقع اتفاقات بين قوى سياسية لاقتسام العراق وجعله مناطق نفوذ ومنافع ومصالح دون أن يعرف الشعب العراقي ماهية هذه الاتفاقات ..؟ هذا خلل كبير في العمل السياسي العراقي ، فالعراق لكل العراقيين ومن حق الشعب أن يعرف كل شيء يدور حوله قبل أن يدب الخلاف ويتهم كل طرف للآخر ، فهل ستنشر هذه الإتفاقات لمعرفة بنودها ، وما تم الإتفاق عليه .؟.. فالتلميحات عن بعض ما يوجه للسيد الجعفري رئيس الوزراء ، من قبل الأخوة الكورد ، يشكل نهجا خطيرا في سياسة الحكومة على الوضع العراقي ، فالتجاهل المتعمد ، في برنامج الحكومة الجديدة ، للمادة 58 من قانون إدارة الدولة لتطبيع الأوضاع في كركوك وعدم الإشارة للمجلس التشريعي لكوردستان والتعاون معه ، في وقت يشير إلى تعاون مع الجمعية الوطنية العراقية وإدارة المحافظات.، وما يثار من تجاهل متعمد لممثلي الشعب في الجمعية الوطنية العراقية والقضاء والقانون في إصدارات العفو عمن أجرم بحق العراق من الأجانب دون الرجوع إلى المؤسسات ذات العلاقة أمر خطير ومؤشر على بداية نهج مدان .. هذا الإغفال للقضايا، القومية ، الحساسة والمصيرية وتجاهلها ، عن عمد أو سهو ..سيؤدي بنا إلى نزاع يعيدنا إلى نقطة البداية ، ليس إلى ما قبل تشكيل الحكومة ، بل إلى ما كان عليه الأمر مع الحكم الفاشي ... فالحكم الطائفي ـ القومي ، حكم القوائم الفائزة ، قد انشغل منذ البدء ، في تشكيل الحكومة على أسس تؤسس لحكم طائفي ، فتوزيع الحصص والمناصب على القادة والمريدين تم على هذا الأساس ، ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة لم يلمس المواطن فرقا في أسلوب عيشه وتحسنا في أمنه، عما كان عليه الحال قبله ، ويساهم القائمون على الحكم في نسف الجسور التي تربط بين مكونات الشعب العراقي ، فقضية الدستور وتشريعه أوجدت حالة من الاصطفاف المتنافرة نتيجة لتصريحات غير مسؤولة يراد منها التأثير على اللجنة المشكلة لهذا الغرض ، على الرغم من أن هذه اللجنة قد كرست الحالة الطائفية والعنصرية في أمر تشكيلها ، وتجاهلت النخبة من علماء القانون والتشريع العراقي والمثقفين ، ووضعتهم في خانة المتلقي لأوامر وتوجيهات لمن هم دون مستوى الفهم المهني لصياغة وثيقة ترسم توجهات العراق المستقبلية وتحدد مساره العلمي والعملي ، ومما يزيد في تعقيد الوضع ويربك اللجنة ـ رغم قصورها الذاتي  ـ التصريحات التي يطلقها البعض بغرض التأثير على صياغة مسودة الدستور ، فالفدرالية العراقية قد أوضحها قانون إدارة الدولة ولا يتطلب الأمر المزيد من التصريحات المربكة ، والمخالفة للفهم الواضح من صياغة الفقرة بهذا الخصوص ، وإذا كان هناك ما يتطلب توضيحه فلجنة إعداد الدستور ستقوم بهذا ، أما بخصوص الدين فالشروط التي يضعها السيد الحكيم فهي تنسف كل ما ورد في قانون إدارة الدولة ، فالمبادئ الديموقراطية ومساواة العراقيين في الواجبات والحقوق أمام القانون ، تعني فيما تعنيه حق الأديان الأخرى في ممارسة طقوسها بحرية كاملة كما هو عليه الدين الإسلامي ، لا فرق ، كما أن مبادئ المساواة والديمقراطية تفسح في المجال لآن ينتخب المسيحي لرآسة الدولة والحكومة ، فما يشترطه السيد الحكيم يتنافى مع هذا المبدأ، لتي وافق وصادق عليها ليس السيد عزيز الحكيم فقط بل كل أعضاء  مجلس الحكم ..
إن العراقيين بكل ممللهم ونحلهم يتحملون مسؤولية مستقبل العراق ، فإن كانت الأنظمة العراقية السابقة قد شرعت قوانينها العراقية والكثير من موادها ألحقت ضررا بوحدة الشعب العراقي وتآخيه ، فعلى الحكومة الجديدة ولجنة صياغة الدستور أن تغلق كل النوافذ القانونية التي تشكل هاجسا محتملا لطغيان فئة على أخرى ، تعيد لنا " أمجاد البعث " الفرقة والتناحر القومي والطائفي ، وإذا أردنا أن نؤسس لعراق حر وديمقراطي يعيش مواطنيه في أمن وعيش كريم ، ووطن موحد متآخي القوميات والطوائف ، فلنبدأ من جديد لتأسيس هذا الوطن ، على أساس " الدين لله وحده والوطن للجميع ،... فهم زرعوا ، فأكلنا حنضلا وعلقما ، ونحن ما ذا سنزرع لأجيالنا ليأكلوا...؟
 4 حزيران 2005
hadifarid@maktob.com