المحرر موضوع: دور الرهبان في الحفاظ على الحضارة بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، مروراً بالعصور الوسطى والى الآن  (زيارة 1883 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Catholic

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
  • St. Peter's Church, the mother of All churches
    • مشاهدة الملف الشخصي
دور الرهبان في الحفاظ على الحضارة بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، مروراً بالعصور الوسطى، والى الآن؟*


من هم الرهبان:
لقد ذكرت في ختام المقالة السابقة بأن الرهبان كانوا أكثر جماعة بشرية معروفة لحد الآن، وفرت السبل اللازمة للحفاظ على الحضارة الغربية من الضياع والانحطاط. هؤلاء كانوا من اكثر الناس الذين يمكن أن يُقال عنهم متعددي الاستعمالات ان صح التعبير، فقد كانوا بالاضافة الى كونهم أناس صلاة، فقد كانوا مزارعين، خبراء بالمعادن، علماء، أطباء، مخترعين ويقومون بأعمال خيرية ويوفرون المأوى والملاجئ للناس... الخ.

الكل يعرف بأن الايرلنديون كان لهم الفضل الكبير في الحفاظ على الحضارة الغربية، ولكن ما لا يعرفه معظم الناس هو بأن الايرلنديون استطاعوا عمل ذلك في جزء كبير منه بسبب رهبانياتهم.
 
كيف تكوّن مجتمع الرهبان:
في القرن الثالث الميلادي بدأنا نرى جماعات من النساء المؤمنات يبدأون بنوع معين من الحياة الايمانية. حيث يجتمعْنَ ويتشاركْنَ حياة الصلاة، ويكرسْنَ أنفسهُنَّ للعناية بالفقراء والمرضى، لذلك نرى تشكيل أولى اللبنات في تكوين تقليد الأديرة وحياة الراهبات. كذلك نرى نفس التقليد ينتشر في القرن الثالث أيضاً بين الرجال ليصبحوا نُسّاك أو رهبان، فيختلوا مع أنفسهم ويتركوا كل شيء في سبيل الاتحاد مع الله أكثر لسماع صوته والصلاة له. والمثال النموذجي على اولئك النُسّاك هو الراهب أنطونيوس الكبير من القرن الثالث في مصر.

النُسّاك (جمع ناسك) يعيشون بمفردهم، ولكنهم يجتمعون أيام الآحاد في الافخارستيا، ولكنهم يكونون لوحدهم في أغلب الأوقات وعادة ما يكون لديهم حديقة يزرعون بها الخضراوات أو يصنعون اعمال يدوية كالسلال. ان هذه الطريقة في عيش الحياة النسكية هي جيدة ومقبولة، والكنيسة لم تنتقد أو تدين تقليد الحياة النسكية في العيش المنفرد. بل بالحقيقة فأحد بابوات الكنيسة كان ناسكاً، البابا سيلستين الخامس في أواخر القرن الثالث عشر.

موقف رجالات الكنيسة من الحياة النسكية:
ولكن مع ذلك كان هنالك انتقادات من داخل الكنيسة نفسها لطريقة عيش الحياة النسكية، لأن الناسك الذي يعيش بعيداً نوعاً ما عن أي مرشد روحي، فكان من السهل له في بعض الأحيان أن ينخرط في ممارسات روحية يمكن أن تُعتَبرْ مشكوك فيها، البعض كان يمارس تقشفات يمكن ان يُقال عنها انها مبالَغ بها، فمثلاً كان البعض منهم يؤجل أكل الطعام الى أن يفسد، وغيرها من الأمور التقشفية العسيرة التي اعتبرها الكثير من رجال الكنيسة بأنها ليست صحية، وليست بالضرورة أن تكون هي ارادة الله، ولا دعوة من المسيح لها.

القديس بازل (St. Basil) الذي من الشرق مثلاً، ردّد مراراً وتكراراً بأن حياة الناسك هي ليست الحياة المسيحية المثالية. لأن الناسك مدعو أن يعيش مع أقربائه من النساك الآخرين وليس بمعزل عنهم، أي أن يكون هنالك مشاركة في الحياة مع رهبان ونُسّاك آخرين تركوا الحياة الصاخبة ليعيشوا ويشاركوا بعضهم البعض.

هنا لا بد من الاشارة الى ان الرهبان لا يعتقدون بأن العالم يمثل الشرّ، لذلك فهم ينعزلون منه. أو أن الدجاج المحشي والبرياني والكبة هي أكلات شريرة لذلك يلتجئون الى البساطة في الأكل. على العكس من ذلك، لأن الكنيسة تؤمن بالخير الموجود في العالم الذي خلقه الله، ولكن ما يقوله الرهبان هو بأن العالم الخارجي شيء جميل جداً ومليء بالمشتهيات والأشياء الحلوة، لذلك فنحن نضحي بكل هذه الأمور الرائعة والمدهشة لنبين مدى حبنا لله.

أما في الغرب، فقد كان هناك القديس بندكت (St. Benedict) من ايطاليا الذي شدد على ضرورة أن يعيش الرهبان مع بعضهم البعض ويتبعون نفس النظام وتحت سلطة رئيس الدير نفسه. لقد ألف القديس بندكت القوانين المسماة بإسمه لكيفية ادارة الدير وألفها في 529 ميلادية. ومع مرور الوقت أصبحت هذه القوانين بمثابة النموذج في كيفية تنظيم وادارة الأديرة.

الوسطية والاعتدال في فلسفة القديس بندكت:
لقد أشار القديس بندكت بأن الرهبان يجب أن يعيشوا حياة التقشف ولكن ليس لدرجة تعطيل حياتهم الروحية، فهذا ليس هو المطلوب من الراهب. ولكن ان يعيشوا حياة البساطة التي كان يعيشها عامة الشعب في ذلك الوقت، بحيث يحصلوا على نوم صحي، ولا ينخرطوا بأعمال جسدية مرهقة جداً ومظنية، ولكن أن يتبعوا الاعتدال في كل شيء من الأعمال الجسدية والصلاة والدراسة.

رهبنات ايرلندا:
أما الرهبنات في ايرلندا فقد كانت مختلفة بعض الشيء، فالراهب النموذجي هنالك كان يعمل 14 ساعة في اليوم باعمال جسدية مرهقة ومن ثم يعود ليصلي كل المزامير. وهذا ما لم يستسيغه القديس بندكت حقيقة، لأنه اعتبر بان هذا الارهاق الجسدي ليس في مصلحة حياتك الروحية. ومع ذلك فلا بد أن نذكر هنا بان الاديرة الايرلندية كانت مكتضة بالرهبان من جميع الأماكن، وهذا يعني بأن طريقة حياتهم هذه كانت تجتذب الدعوات الرهبانية بشكل من الأشكال. ولكن نموذج القديس بندكت كان يفضّل الاعتدال في كل شيء وهذا حقيقة يتماشى مع طبيعة الجسم البشري فسلجياً بصورة أكثر واقعية.

وبمرور الوقت تبين بأن القديس بندكت ورهبانيته قد لعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على الحضارة الغربية في فترة حرجة، وأيضاً بنت أجزاء مهمة منها.

ماذا أنجز الرهبان:
حسناً بالاضافة الى الطباعة ونسخ الكتب بجد، وهذا شيء نعرفه كلنا بطبيعة الحال، ولكنهم أيضاً أنجزوا اعمالاً يدوية وجسدية كثيرة جداً. على سبيل المثال، فقد استصلحوا الكثير من الأراضي الزراعية في اوروبا الغربية. لأن ما حصل هو بان الناس كانوا يحبون أن يعطوا أراضيهم للرهبان والاديرة اشارة الى أعمالهم الصالحة، ولكنهم كانوا يهدونهم أراضي قذرة، فقيرة وغير صالحة وبعضها كان عبارة عن مستنقعات. فهم كانوا من جهة يودون مساعدة الأديرة، ولكن من جهة أخرى لم يكونوا مستعدين للمساعدة الى درجة أن يهدونهم أراضي صالحة للزراعة.

بالنتيجة كان على الرهبان أن يتعاملوا مع أراضي لا أحد يريدها، وعبارة عن مستنقعات بدون قيمة. فكان الرهبان يحفرون الخنادق ليصرفوا مياه المستنقعات ليحولوها الى أراضي مثمرة. الكثير من خبراء تاريخ الزراعة في اوروبا الغربية قالوا بأننا ندين للرهبان كثيراً في اعادة ترميم واستصلاح الكثير من الأراضي الزراعية في اوروبا.

دور الرهبان في الزراعة واستصلاح الأراضي في اوروبا:
مؤرخ آخر قال: أينما حلّ (الرهبان) فانهم حوّلوا الأماكن البرية الى اماكن وبلاد زراعية قابلة للحرث. كانوا يسعون لتربية المواشي والزراعة مستعملين أيديهم بانفسهم ليصرفوا مياه المستنقعات وينظفوا الحشائش. بفضلهم، ألمانيا أصبحت بلداً مثمراً.

وأخيراً فان كل دير بندكتيني، كان بمثابة كلية زراعة بحد ذاتها لكل المنطقة التي تشملها. لقد اخترع الرهبان المحاصيل والصناعات وطرق الانتاج التي لم تكن معروفة قبلهم، ولم يخافوا بالعمل بأيديهم، في فترة من الزمن كان يُنظر الى العمل اليدوي بشيء من الاشمئزاز والدونية. ولكن على العكس من ذلك، فالرهبان كانوا ملهَمين للعمل بأيديهم لانهم كانوا يعرفون بانهم عندما ينخرطوا باعمال جسدية فان ذلك يُعتبر كنوع من أنواع التقشف وطريقة لترويض الجسد، لذلك كانوا متلهفين للعمل في المستنقعات.

لقد كان الرهبان مهتمون أيضاً بتربية المواشي، انتاج البيرة، تربية النحل، وساهموا بشكل كبير في جوانب أساسية من الاقتصاديات المحلية في جميع أنحاء اوروبا: تجارة الذرة في السويد مثلاً، صناعة الجبن في بارما، مصائد أسماك السلمون في ايرلندا، واجود أنواع الكروم في أنحاء كثيرة من اوروبا.

الرهبان كانوا متمرسين بشكل حرفي في خزن المياه ليستفيدوا منها ويوزعوها اذا ما ضربهم الجفاف في سنة ما. أيضاً كانوا محترفين بوسائل الري. الرهبان كانوا اول من حاول تحسين نسل مواليد الماشية بدل ان يتركوا هذه العملية للصدفة. هذه نماذج من الاعمال الزراعية التي ساهم بها الرهبان في أوقات حرجة من تاريخ اوروبا ابان سقوط الامبراطورية الرومانية.

دور الرهبان في اختراع المكائن والتعدين:
الأبعد من ذلك، فالرهبان كانوا رواداً في المكائن والمكننة وخاصة جماعة السيستيرسيان The Cistercian وهم فرع من البندكتين من القرن الثاني عشر. هؤلاء بنوا معامل تعمل على الطاقة المائية في أغلب أديرتهم والتي فاقت المائة في جميع أنحاء اوروبا. فقد كانوا مولعين بالمكائن ومحترفين بصنعها واستخدامها لأغراض شتى في أديرتهم أكثر من أي جماعة بشرية وُجدت في عصرهم.

كان هنالك أيضاً الخبراء في التعدين وكان لديهم أفرانهم الخاصة لاذابة المعادن. ايضاً كانوا سباقين في التكنولوجيا، فأول ساعة تم اختراعها كانت من قبل الذي كان سيصبح بابا فيما بعد، البابا سلفستر لثاني في 996 ميلادية، ولكن تم صناعة ساعات أكثر تطوراً من هذه بكثير في القرن الرابع عشر. ولكن الامر لا يتعلق بالساعات أو الزراعة، ولكن العمل الخيري، الثقافة، الاختراع... الخ.

هذا اقتباس من عالم فرنسي Reginald Gregoir من "مملكة الأديرة" The Monastic Realm يختصر دور الرهبان العملي في بناء الحضارة الغربية والحفاظ عليها:

"بالنتيجة، سواء كان باستخراج الملح، الحديد، الألمنيوم، أو الجبس، أو التعدين بشكل عام، استخراج حجارة المرمر، ادارة صناعة السكاكين وأعمال الزجاج، أو تطريق ألواح المعادن، لم يكن هنالك أي حقل من هذه لم يظهر الرهبان فيها ابداعهم وروحهم البحثية المثمرة التي كانوا يتمتعون بها. لقد استطاعوا بواسطة عملهم اليدوي، تدريب الآخرين وارشادهم بكيفية القيام بكل ذلك بكمال ناضج. ان الطريقة الرهبانية لعمل الأشياء واختراعها انتشرت في كل أرجاء أوروبا".

الاكتشافات الجديدة لدور الرهبان في الثورة الصناعية الاوروبية:
وفي الحقيقة وحتى يومنا هذا فاننا لا زلنا في البداية لاكتشافات جديدة لادراك مدى انتشار الذكاء التكنولوجي للرهبانيات في اوروبا، ففي أواخر 1990 وجد عالم الآثار المختص بالتعدين جيري مكدونالد Jerry McDonald من جامعة برادفورد Bradford، وجد اثباتات في نورث يوركشاير North Yorkshire في انكلترا لمرحلة متطورة ومعقدة من التكنولوجيا التي سبقت الثورة الصناعية الكبرى في القرن الثامن عشر. لقد وجد مكدونالد بان الرهبان قد بنوا فرناً لاستخراج الحديد من المواد الخام في القرن السادس عشر.

الجدير بالذكر بأن الأفران التي كانت موجودة في تلك الفترة لم تكن متطورة بل كانت غير فعالة، بحيث ان الحديد كان يتبقى في مخلفات هذه الأفران بنسبة عالية لكونها لم تكن فعالة وحارة بدرجة كافية لصهر الحديد ومن ثم استخراجه من المواد الخام، فبقي الحديد في مخلفات هذه الأفران. ولكن ما وجده مكدونالد أثناء بحثه في منطقة نورث يوكشاير انكلترا، بان الرهبان تمكنوا في فترة القرن السادس عشر من بناء فرن تكون نسبة الحديد في المخلفات الموجودة فيه قليلة جداً ومقاربة للأفران العصرية الموجودة في زماننا. وهذا يعني بأنهم تمكنوا بطريقة ما من رفع درجة حرارة هذا الفرن لدرجة تمكنوا من خلالها من استخراج أكبر كمية ممكنة من الحديد من المواد الخام. وبهذا استنتج مكدونالد بان الرهبان كانوا على حافة أن ينتجوا كميات كبيرة من الحديد الذي كان المفتاح لبداية العصر الصناعي في اوروبا، وهذا الفرن الذي فحصه بنفسه يُعتبر النموذج الأصلي لما موجود في أيامنا هذه.

السؤال هو لماذا لم يستمر الرهبان في بناء هكذا أفران عظيمة؟ ولماذا نرى نموذج واحد فقط؟ حسناً، تذكروا نحن نتحدث في القرن السادس عشر في انكلترا، ماذا فعل الملك هنري الثامن عندما فصل كنيسة انكلترا عن الكنيسة الجامعة؟ بالطبع أغلق الأديرة وصادر ممتلكاتها مما ساعد بشكل كبير في تدمير هكذا نماذج ابداعية من قبل الرهبان.

دور الرهبان في العمل الخيري:
أما ما يتعلق بالعمل الخيري فأنا قد كتبت أيضاً مقالة مفصلة تبين الدور الأساسي والعظيم للمفهوم المسيحاني للعمل الخيري الذي لم يكن موجوداً قبلها. ولكنني فقط ساذكر هنا قوانين وارشادات القديس بندكت للأديرة فيما يتعلق بالعمل الخيري. حيث وصى بأن يتم استقبال كل الضيوف المحتاجة في الأديرة وكأنهم المسيح نفسه.

لقد كتب أحد المؤرخين من الدير النورماندي في بك Norman Abbey of Bec التالي:

"ليسألوا الأسبان، البركنديين، أو الغرباء أياً كانوا، كيف كان يُستَقبَلون في بك Bec. سيجيبون بأن أبواب الدير كانت مفتوحة دائما للكل، والخبز كان متوفراً مجاناً وللجميع."

بالاضافة الى ذلك فقد بنى الرهبان البنى التحتية من طرق وجسور في العصور الوسطى. كما كانوا الكثير من الرهبان اطباء. ومن المعلوم بأن الكنيسة هي أول من ساعدت في تكوين أول مستشفى.

دور الرهبان في الحفاظ على الكتابة والقراءة وتعليمها:
أيضاً كان الرهبان معلمين عظماء. يذكر لنا القديس يوحنا الذهبي الفم St. John chrysostom بتقليد كان موجوداً في أيامه في أنطاكية – القرن الرابع – بأن يرسل الآباء في أولادهم الى الرهبان ليتعلموا القراءة والكتابة. القديس بونيفس (St Boniface) أسس مدرسة في كل دير أسسه في ألمانيا. القديس اوغسطين من كانتربري (St. Augustine of Canterbury) وأخوانه الرهبان أسسوا مدارس أينما ذهبوا في انكلترا. العالم يُرجع الفضل في تطوير وتشجيع الزمالة الايرلندية الى القديس باتريك (St. Patrick) والواقع ان الأديرة الايرلندية تطورت بشكل كبير وتحولت الى مراكز تعليم مهمة جداً للرهبان والعلمانيين على حد سواء. وهذا يدحض ادعاء واعتراض البعض بأن الرهبان كانوا يعلّمون نظرائهم الرهبان فقط وليس العلمانيين، وهذا الاعتراض ليس دقيقاً كما رأينا.

ولكن لنقبل جدلاً بهذا الاعتراض، بان الرهبان والاديرة كانوا يوفرون التعليم فقط لرهبان آخرين، فهذا ليس باسهام صغير أبداً. لأننا اذا أخذنا بالحسبان العصور المظلمة الاغريقية التي امتدت من 1100 الى 800 قبل الميلاد. فالتاريخ يقول بان كارثة ما حلت بالحضارة الاغريق الميسينية Mycenaean Greek خلال هذه الفترة، طبيعة الكارثة غير معروفة تماماً لحد هذه اللحظة. ولكن وبعد زوال الغيمة أو الكارثة نرى بان هؤلاء الأقوام ولمدة 300 سنة قد فقدوا قابلية القراءة والكتابة. لنتذكر بأننا نتحدث عن دور الرهبان في فترة كانت تمر بها اوروبا هي مشابهة تماماً لما حدث للأغريق الميسينيين من انحطاط ودمار وحروب وجهل وفراغ في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية. في هذه الفترات كان الرهبان يقومون بكل هذه الامور المذهلة والعظيمة، لذلك فاذا كان كل ما فعله الرهبان هو الحفاظ على القراءة والكتابة فهذا يُعتبر شيئاً مهماً جداً لأنهم منعوا أن يعيد التاريخ نفسه بالعصور المظلمة الاغريقية من 1100 الى 800 قبل الميلاد بفقدانهم القراءة والكتابة.

اعتراف المؤرخين المعادين للكثلكة بدور الرهبان الحيوي والأساسي في الحضارة:
بالحقيقة فان دور الرهبان كان عظيماً لدرجة حتى أذعن واستسلم له العلماء الذين لم يستسيغوا الأديرة ولا الرهبان. فعندما يعترف العلماء المعادون للكنيسة بعظمة دور الرهبان في الحضارة، فان هذا يدل على شيء مهم.

مثال على ذلك، فهذا اقتباس من أحدهم:

"الرهبان لم يؤسسوا المدارس وكانوا أساتذة في تلك المدارس فحسب، ولكنهم أيضاً وضعوا الأسس للجامعات. كانوا مفكري زمانهم وفلاسفة عظام، وشكّلوا الفكر السياسي والديني. الفضل يعود للرهبان سواء بشكل جماعي او فردي، في استمرارية فكر وحضارة العالم القديم مع العصور الوسطى المتأخرة وأيضاً مع الفترة المعاصرة."

قبل قرن من الآن، مؤرخ آخر قال:

"لقد كان الرهبان الوحيدون الذي نجحوا في تهدئة الغزاة المنحرفين الثائرين، وتلطيف قساوة طرقهم وخشونة طبعهم. كذلك جعلوهم يتقيدون بالأخلاقيات المسيحية بحيث يتآلفون معها، وأيضاً جعلوهم يقبلون بقناعة تامة ضرورة الالتزام بالقوانين والأنظمة. قاموا بارشادهم كيفية استعمال الفن ووسائل التصنيع والتقدم الاجتماعي. بكلام آخر، مسحنة (من المسيحية) وحضرنة (من التحضر) 20 قبيلة بربرية غريبة. الكثير من هذه القبائل البربرية كانوا متأثرين جداً بأخلاقيات الرهبان المسيحية والتزامهم."

مؤرخ بروتستانتي قال التالي:

"لو لم يكن الرهبان والاديرة، فان طوفان البرابرة كان سيمسح ما تبقى من الحضارة الرومانية. الرهبان كانوا رواد الحضارة وأيضاً رواد المسيحية في انكلترا، المانيا، بولندا، بوهيميا، السويد، الدنمارك. كان الراهب في عزلته حتى في أبعد الأماكن النائية – جبل آثوس مثلاً – يحافظ على المخطوطات المسيحية وكذلك الوثنية بواسطة النسخ والتدوين والترجمة والطباعة، أيضاً كان يقوم بتسجيل ملاحظاته للحوادث المعاصرة، وهو بذلك كان يُسلّم منارة العلم والمعرفة المشتعلة الى الأجيال المقبلة، ويسيج مخازن لمعرفة واسعة لاجيال قادمة. أوائل الموسيقيين، الرسامين، المزارعين، رجال الدولة، في اوروبا بعد سقوط الامبراطورية الرومانية تحت هجوم البرابرة الضار والمفسد، كانوا من الرهبان."

خاتمة:
هذه فقط عيّنة من منتقدي الرهبان المعادين للكنيسة وهم يعترفون بملء أفواههم بدور الرهبان الجوهري في الحضارة، يمكنكم أن تتخيلوا ماذا سيقول عنهم أصدقائهم. هنا نرى اسهامات الأديرة في الحفاظ على الحضارة الغربية وبناء أجزاء مهمة منها. هذا ونحن لم نتكلم بعد عن الاسهامات العظيمة للحفاظ على الأدب في الغرب وكذلك الكتاب المقدس نفسه من خلال الطباعة والنسخ والتدوين المتكرر. لأن هذا الأمر معروف للقاصي والداني، بأن الرهبان هم من فعلوا كل هذا.

لقد قلتها مراراً في هذه السلسلة، ومن خلال الأبحاث الأخيرة في الخمسين سنة الأخيرة، ان من يدعي بأن الكنيسة هي عدوة العلم والتطور والمنطق، فانه سيُنظَرْ اليه من قبل الأكاديميين والمؤرخين المختصين بتاريخ الكنيسة ونشوء العلوم، بأن هذا الشخص لم يتعدى مرحلة رابع ابتدائي، وقد بدأ البعض في هذا المنبر في الآونة الأخيرة يسرق هذه التشبيه ليعكسه على معشر المؤمنين لأغراض التشهير بهم وذمهم وتلفيق مختلف أنواع الافتراءات والخرافات بهم ووصفهم بأنهم معادون للمنطق العلمي زوراً وبهتاناً (بالرغم من ان أكثر المؤمنين في هذا المنبر هم أصحاب شهادات عليا في مجال العلم). بالضبط كما كان يتم تلفيق التهم قبل 200 سنة عندما كتب أندرو ديكسون وايت كتابه الشهير. أما الآن وكما أثبتنا ذلك بالدليل القاطع والبرهان، من خلال 12 جزء من سلسلة كيف بنت الكنيسة الكاثوليكية الحضارة الغربية، فان هذه الادعاءات هي مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة.



*هذه السلسلة من المقالات مأخوذة ومترجمة – بتصرف من كاتب هذه الأسطر – من كتاب للبروفيسور والمؤرخ المعاصر توماس وودز Thomas E. Woods وعنوانه:
كيف بنت الكنيسة الكاثوليكية الحضارة الغربية
How The Catholic Church built Western Civilization
وكذلك مأخوذة من برنامج كان قد عرض على شبكة EWTN الكاثوليكية العالمية للبروفيسور نفسه قبل عدة سنوات عن نفس الموضوع، حيث قمت بتسجيلها في ارشيفي الخاص وأرتأيت بأن أترجمها وأنشرها للمصلحة العامة... فقد آن أوانها.



غير متصل عبدالاحـد قلو

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1595
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
"الرهبان لم يؤسسوا المدارس وكانوا أساتذة في تلك المدارس فحسب، ولكنهم أيضاً وضعوا الأسس للجامعات. كانوا مفكري زمانهم وفلاسفة عظام، وشكّلوا الفكر السياسي والديني. الفضل يعود للرهبان سواء بشكل جماعي او فردي، في استمرارية فكر وحضارة العالم القديم مع العصور الوسطى المتأخرة وأيضاً مع الفترة المعاصرة."

الاخ المحترم كاثوليك..مع التحية
وحسب المقولة اعلاه، فهي فعلا بفضلهم تطور العلم والتكنولوجيا ان كان من خلال مدارسهم او من خلال علمائهم الذين سبق وان تتطرقت الى بعضهم في مقالاتك السابقة.. نعم وليس ذلك فقط، وانما هجّنوا وروّضوا القبائل البربرية وبمختلف اشكالهم وحولوهم للعيش من مبدأ شريعة الغاب الى مبدا المحبة والتسامح.. واوربا كانت نموذجا لذلك التغيير ومن بعدها اميركا ودول العالم الاخرى ..
وبالنتيجة فقد كان لهم دور في جعل العالم بقرية صغيرة ..شكرا لجهودك في اغنائنا بهذه المعلومات.. تقبل تحيتي

غير متصل Catholic

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
  • St. Peter's Church, the mother of All churches
    • مشاهدة الملف الشخصي
الأخ عبد الاحد قلو المحترم، تحية لك...

"الرهبان لم يؤسسوا المدارس وكانوا أساتذة في تلك المدارس فحسب، ولكنهم أيضاً وضعوا الأسس للجامعات. كانوا مفكري زمانهم وفلاسفة عظام، وشكّلوا الفكر السياسي والديني. الفضل يعود للرهبان سواء بشكل جماعي او فردي، في استمرارية فكر وحضارة العالم القديم مع العصور الوسطى المتأخرة وأيضاً مع الفترة المعاصرة."

الاخ المحترم كاثوليك..مع التحية
وحسب المقولة اعلاه، فهي فعلا بفضلهم تطور العلم والتكنولوجيا ان كان من خلال مدارسهم او من خلال علمائهم الذين سبق وان تتطرقت الى بعضهم في مقالاتك السابقة.. نعم وليس ذلك فقط، وانما هجّنوا وروّضوا القبائل البربرية وبمختلف اشكالهم وحولوهم للعيش من مبدأ شريعة الغاب الى مبدا المحبة والتسامح.. واوربا كانت نموذجا لذلك التغيير ومن بعدها اميركا ودول العالم الاخرى ..
وبالنتيجة فقد كان لهم دور في جعل العالم بقرية صغيرة ..شكرا لجهودك في اغنائنا بهذه المعلومات.. تقبل تحيتي


منذ اليوم الأول الذي كتبت فيه بهذا الموقع العزيز وهذا المنبر، فان هدفي كان هو كشف زيف المغالطات التي يؤمن بها غالبية عامة الناس - وأنا كنت واحداً منهم بطبيعة الحال - عن الكنيسة بسبب الجهل حيناً والعداوة أحياناً اخرى، وجعل الناس يفكرون مرة ومرتين وعشرة قبل أن يتفوهوا بهذه الخرافات المتعلقة بالكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص والدين بشكل عام. هذه الخرافات التي أصبح من يؤمن بها في يومنا هذا، يُعتبر وكما ذكرتُ ذلك مراراً وتكراراً بانه لم يتعدَّ مرحلة خامس ابتدائي في الأوساط الاكاديمية والمختصة بعلاقة الكنيسة والايمان بالعلم والحضارة الغربية تحديداً.

كل هذه الأشياء أقرنتها بأدلة ملموسة وتاريخية من مصادر علمية وأكاديمية بحتة لا دخل للعاطفة بها، لذلك ترى بأن البعض ممن أيد هذه النظرة هم المفكرون والمؤرخون المحترفون المعادون للكنيسة الكاثوليكية أصلاً، لأن البحوث الاكاديمية الرصينة والتاريخية لا تقبل المحاباة والعواطف فجاءت هذه السلسلة كمادة علمية رصينة وقوية بنفس الوقت.

أنا أكون قد أنهيت السلسلة هذه وكل ما يتعلق بها من حقائق تؤكد بأن الايمان المسيحي قد ساعد بشكل كبير في تطور البشرية وتكون الثورة الصناعية في اوروبا وتشكل الحضارة الغربية بصورة عامة. وستبقى هذه الحكمة شاخصة أمامي (الانسان عدوٌ لما يجهل) منذ اول مرة سمعت بها من فم الكردينال البطريرك بشارة بطرس الراعي - بطريرك الموارنة - في برنامجه الاسبوعي الشيق "التنشئة المسيحية" على قناة نورسات الفضائية. الكثير منا يجهل دور الكنيسة والايمان المسيحي في بناء الحضارة، علينا نشر هذه السلسلة بكل طاقاتنا لمحاربة هذا الجهل الذي يولد العداوة.

لك كل التقدير وتقبل اعتذاري في تأخر الرد كوني كنت منشغلاً في رحلات ومحاضرات شتى ولم يسعني الرد حينها.

غير متصل فريد وردة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 515
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

 العزيز المحترم  كاثوليك

 تحية طيبة

 مثلما  تفضلت  ليس  هنالك عاقل يتجاهل وينكر دور  الكنيسة في تقدم وتطور الحضارة على مر القرون  . وجهودك التي أغنت الموضوع  بالآدلة والبراهين وأعترافات المؤرخين المحايدين والملحدين وخصوصا السلسلة ألاخيرة  ودور الرهبان  المتواصل في هذا التطور .

 لكن مداخلتي هي حول كيف أن تعمقك ودراساتك وترجماتك وثقافتك الدينية خلقت منك شخصية بسيطة مثالية  يحسدك عليها  غالبية الرواد لما تملكه من  مصداقية و طيبة  و  صبر  وقابلية عجيبة  على  تحمل  بعض  المتطاولين  وما هي ردودك وتعليقاتك على المنبر الحر خير دليل عى نبلك ونشأتك  ,  الرب يباركك ويعطيك الصحة والنشاط والنجاح  حتى  تتواصل  معنا  ونحن  بأنتظار المزيد

 تحية طيبة

غير متصل عبدالاحـد قلو

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1595
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاخ العزيز كاثوليك..مع التحية
ان الموضوع الذي طرحته لتوضيح الحقائق عن الكنيسة الكاثوليكية ودورها في تطور العلم والتكنولوجيا من خلال مدارسها وعلمائها المتمثلة برجال الدين  وبمختلف اشكالهم فقد كان ذلك رائعا وعظيما، ليقف القراء على تلك الحقائق ذلك.. وذلك بعد ان اراد البعض تقزيم دور الكنيسة الكاثوليكية بتنسيبهم لمخلفات القرون الغابرة لها، في الوقت الذي كان يخترق شعاعها الايماني والعلمي والمعرفي لتلك الظلمات الى ان توج ذلك بعصور النهضة والعلم، بالرغم من وجود بعض الاخطاء وذلك للظروف الحرجة التي مرت بها الكنيسة في مجتمع غلبت عليه البدع والهرطقات وما الى ذلك من تعقيدات.. ولكن بالنتيجة فكانت ايجابياتها كبيرة وبما يخدم الانسان بالدرجة الاولى..
واخيرا لايسعني الا ان اقدم لجنابكم الكريم، الشكر الجزيل وذلك للفائدة المتوخات التي عرفتها من جهدك هذا.. وانا اعتبر ماعملته فهو بجزء من الرسالة لزيادة الوزنات المعطاة لك من الرب باضعاف واضعاف.. ولنا الامل بأن تواكبنا وتتحفنا بالجديد من ما عندك وحسب ظروفك المتاحة.. والرب يباركك

اخوك  عبدالاحد قلو