منذ مدة والمسيحيين مشغولون بالانتخابات والمرشحين الذين انتشرت صورهم في ارجاء المعمورة، فكثرة القوائم وضعت ابناء هذه الطائفة في حيرة بشأن التصويت واختيار الافضل والانسب لعضوية مجلس النواب العراقي، فكل المرشحين دون استثناء يدعون ويعلنون ويصرخون ويقسمون، كذبا طبعا، على الوفاء لشعبنا وقضيته في حالة فوزهم بالمقعد البرلماني، ولكي لا نبتعد عن العنوان والموضوع الذي نريد طرحه ومناقشته سنتناول بعض المهازل بكثير من الاختصار دفعا للملل والتكرار.
1- احزابنا ومؤسساتنا القومية:- ساحتنا القومية لا تفتقر الى الاحزب، بل بالعكس من ذلك تماما فهي تعج وتكتظ بالاحزاب المتمثلة ببضعة اشخاص انتهازيين يحاولون الوصول الى غايات شخصية بحتة وتحقيق مصالح ذاتية عن طريق استغلال الشعور والعاطفة القومية والدينية، وهذا لا يشمل الاحزاب فقط بل يشمل كافة المؤسسات واللجان والهيئات .....الخ بكافة المسميات، فلا فرق بين التسميات اذا كان الهدف واحد، فكلهم على حد سواء يتاجرون بمعاناة شعبنا ويكرسون قضيته للوصول الى القمة من حيث المنصب وجمع المال الحرام.
2- الكوتا وسيلة لتمثيل شعب ام اداة لتدميره؟:- من المعلوم ان مقاعد الكوتا اذا ما خصصت لفئة او طائفة او جنس معين فانها بالاساس تخصص لتمكين تلك الفئة من التمثيل في البرلمان واشعارها بانها غير مهمشة، لان عدد الاصوات التي تحصل عليها هذه الفئة بصورة اعتيادية تكون قليلة وغير كافية للحصول على مقعد برلماني حسب القاسم الانتخابي، لذلك وعطفا على الاقليات استحدث نظام الكوتا وعومل به، لكن الكوتا التي خصصت للمسيحيين في العراق ( خمسة مقاعد في برلمان اقليم كوردستان ومثلها في مجلس النواب العراقي )، رغم صورية التمثيل وتناطح البرلمانيين الكرام فيما بينهم على كل صغيرة وكل كبيرة، كانت سببا في تفريقهم وتناحرهم وبدلا من تكريس هذه المقاعد ( الكوتا ) لخدمة المسيحيين ورفع الغبن والظلم عنهم، نلاحظ تحولها الى وسيلة لتبوأ المنصب والتمتع بامتيازاته بعيدا عن الهدف الاصلي التي خصصت لاجله هذه الكوتا، وبذلك اصبحت الكوتا اداة لتدمير المسيحيين وتفريقهم دون احداث اي ضجة بدلا من توحيد خطابهم وتدويل قضيتهم لضمان مستقبل اجيالهم القادمة.
3- المرشحين ومسألة التصويت:- مع بدأ فترة الدعاية الانتخابية ( نعلم جيدا ان بدأ الدعاية الانتخابية صادف الاول من نيسان الذي يعتبر يوم الكذب في العديد من الدول، وكون العراق احدى هذه الدول فعلى الشعب العراقي ان لا ينسى ان كل البرامج الانتخابية والوعود التي اطلقها المرشحون اثناء فترة الدعاية ليست سوى اكاذيب لكسب الاصوات وخداع البسطاء والسذج ) زينت شوارعنا بصور المرشحين المبتسمين!!! ( المضحك في هذه الصور هو ان الكثير من اصحابها، اي المرشحين، نراهم مبتسمين بينما في الحقيقة والواقع، وحسب معرفة الجميع لهم، لم يبتسموا يوما لاحد، بل ان الغضب والكره يخيم على وجوههم العبوسة طول الوقت وبصورة دائمة، بالاضافة الى كون غرورهم وتكبرهم مانعا لالقاء التحية والسلام على اقربائهم واصدقائهم ... اذا كانوا كذلك قبل الفوز والتمتع بامتيازات المنصب فكيف سيكون تصرفهم وتعاملهم وحالهم بعد الفوز؟ الله يستر ) الذين ارفقوا صورهم بشعارات وكلمات كبيرة لكسب اصوات الشعب ( لا احد من هذه الشعارات سيتحقق، ووعودهم لن تكون سوى وصمات عار على جباههم ونقاط سوداء في تاريخهم القذر )، وكأن الشعب سينخدع مرة ثانية وثالثة بالربطات المرموقة والبدلات الراقية والابتسامات الماكرة والكلمات المعسولة لينتخب الحيتان والتماسيح.
الغريب في الامر لم يكن في كثرة القوائم وكثرة الصور وكثرة المرشحين، بل ان الغريب في الامر والعجيب في القضية وما يثير الاشمئزاز لدى الغالبية العظمى من ابناء شعبنا ان البعض من هؤلاء المرشحين لم يكن معروفا! ( ليس له لا نشاط سياسي ولا اجتماعي ولا انساني... )، والبعض الاخر جاء من وراء الحدود ليدافع عن وجودنا! ( وكأن الباقين في الوطن كلهم اغبياء وجهلة ولم يصلوا الى طور او مرحلة تؤهلهم ليصبحوا عضوا في البرلمان)، والبعض الاخر سبق وان شارك في الانتخابات ولم يكسب ثقة الجماهير وتكرر اسمه في القوائم الجديدة ( شعبنا في ازمة فلم يبقى الا هؤلاء ليقودوا الامة! )، والبعض الاخر كان عضوا في البرلمان وتحسسنا غروره وانتهازيته وانانيته عند التعامل مع قضايا الشعب المصيرية في الدورات السابقة ومع ذلك رشح نفسه وربما سيفوز لمرة اخرى!!، والبعض الاخر ( مع احترامي لكل القوائم والمرشحين والمصوتين ) لم يكن اهلا للترشيح حتى فكيف يستحق التصويت....، هذه الاسباب وغيرها ادت الى عدم اقبال ابناء شعبنا على التصويت بكثافة لفقدانهم الثقة بالتغيير نحو الاحسن او الاتيان بممثل حقيقي يرعى مصالح العامة ويلتفت الى معاناتهم ومشاكلهم، اي ما معناه ايمانهم بان البعير سيبقى على التل!!.
4- تضليل وخداع لاحتكار المناصب وبناء الامبراطوريات المالية:- بات مؤكدا للجميع ان قادتنا الاكارم واغلبية المسؤولين في كافة المؤسسات لا تهمهم معاناة الشعب ولا يهمهم مستقبله وبقائه، فالمهم هو البقاء في المنصب واغتنام ما يمكن من المال الحرام ولا يهم ان كان هذا المال على حساب معاناة اهلنا او مستقطع من خبز يتيم حافي او محجوبا عن ارملة ليس لها من معيل ( هذا الكلام يشمل جميع المؤسسات الحزبية والخيرية والاجتماعية والاعلامية ..... بلا استثناء )، لكن المؤسف له ليس في استمرار هؤلاء بالكذب والتضليل والخداع بل ما يؤسف له ويثير الشجون هو بقاء بعض المطبلين والمزمرين والكتاب المستقلين طبعا! ( لا اعرف لماذا يخجل هؤلاء من اعلان انتمائهم والافتخار به! ) والوعاظين والمنافقين واصحاب الفتات على حالهم واستمرارهم في مدح قائد الضرورة وتعظيم ذاته وتمجيد اخفاقاته وتجميل بشاعاته لنيل رضاه والحصول على بعض فتاته، وكاننا نعيش في عصر الجاهلية ولا نعرف ماذا يدور من حولنا من مكائد واتفاقيات لتحقيق مصالح شخصية بحتة تعارض المصلحة العامة.
5- الاخلاص صفة نادرة :- بعيدا عن المزايدات السياسية والتلاعب بالمشاعر والعواطف القومية والدينية لتعظيم الذات، فان الاخلاص اصبح نادرا بين صفوف قادتنا الموجودين على الساحة السياسية في الوقت الراهن ( لا اقول مطلقا اننا نفتقر الى المخلصين والخيرين بين صفوف ابناء شعبنا، بل بالعكس هناك مخلصين وخيرين وعظماء سيخلدهم الدهر لما ادوه وقاموا به من اعمال وجهود وتضحيات لمساعدة شعبنا وبقائه في ارض الاجداد )، لان الخيرين والمخلصين ابتعدوا عن الساحة وذلك ربما لشعورهم باليأس من نتيجة الحصاد لانهم زرعوا الحنطة وحصدوا الزوان، وهنا تنطبق علينا حكاية الاسد والكلب والحمار التي سنسردها باختصار:-
يحكى انه كان هناك كلب قد ارق مضاجع الاسد واضناه واتعبه كثيرا وفي يوم من الايام وبينما الاسد نائم جاء الكلب وربطه فاصبح الاسد يصرخ الى ان جاء حمار فقال الاسد للحمار:- فك وثاقي وسوف املكك نصف غابتي وتردد الحمار في بادىء الامر لكن ضعف امام المغريات ووافق على العرض وقام بفك وثاق الاسد، وبعد تحرر الاسد من قيوده فاجأ الاسد الحمار بقوله سوف اغير الاتفاق واملكك الغابة كلها فرد الحمار ولم ذاك ايها الملك فرد الاسد قائلا لان البلد الذي يربط فيه الكلب الاسد ويحل فيه الحمار لا تصلح مأوى للاسود!!.
ترى هل سيبقى الحال على ما هو عليه في الربط والحل ورحيل الاسود وسكوتهم؟.
كوهر يوحنان عوديش
gawher75@yahoo.com