احلام وامال في زيارة البطريرك لابرشية القوش
سامي بلو
قد تبدو مفردة احلام غير ايجابية للبعض، ولكن الحقيقة ان جميع ما أُنجِزَ وما تحقق على يد البشر بدأ بالاحلام، فمشاريعنا وإن بدأت احلاما فلا بد من ان تصبح حقيقة في قادم الايام، ولعلني هنا اشير الى مارتن لوثر كنك الانسان وبطل للسلام والحرية من القرن العشرين، ويطيب لي ان ادعوه غاندي امريكا، واستشهد بخطابه الشهير"لدي حلم". واستمر في نضاله حتى تحققت احلامه وإن بعد حين، اذا دعونا نحلم يا ابناء امتي على طريقة مارتن لوثر كنك، ولكن مع الحلم علينا ان نعمل بدون خوف او وجل، كما عمل مارتن لوثر كنك، وكفانا نواحا كما قال هذا الزعيم. عندما زرتُ متحف مارتن لوثر كنك في المدينة التي سكنتها يوما ووقع نظري على اثاره، كان صوته يرن في اذاني "لدي حلم" عندها كبر حلمي، وتيقنت بان اليوم الذي سيحصل فيه ابناء امتنا على حقوقهم كاملة قادم لامحالة، طالما هناك ابناء لها مؤمنين بقضيتهم ويعملون من اجل ان نكون مواطنين من الدرجة الاولى على ارض اجدادنا، فنحن شعب اصيل يعيش على ارضه، ولا فرق ان كان من يعمل من رجال الكنيسة او من القيادات المدنية. وإن المجتمع الدولي بدأ يدرك مسؤولياته في حماية الشعوب الاصيلة والاقرار بحقوقها، وإن كان اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصيلة غير ملزم للحكومات اليوم، سيبقى اللبنة الاولى لقرارات تليه تكون ملزمة التطبيق.
زيارة البطريرك لابرشية القوش لم تكن زيارة راعوية روتينية كما عهدنا من قبل مثل هذه الزيارات، فقد كانت هذه الزيارة زيارة تفاعل مع ابناء وبنات الكنيسة، وكم لاحظت على الوجوه علامات الامل، وكم سمعت من اصوات تستشهد بمقولات غبطته. هذا البطريرك دون سواه رايته متفاعلا مع شعبه، وقت الصلاة تراه يصلي على المذبح مع الشعب، وبعد الصلاة يجلس معهم ويشاركهم همومهم اليومية في ساحة الكنيسة، يستمع باهتمام الى كل ما يطرحونه، ليس مهماً ما نوع المشكلة المطروحة، بل المهم لديه ان يقدم حلولا لها، او يستعين بذوي الخبرة للرد على السائل وتقديم الحل، ويوعد ابناء شعبه بطرق جميع الابواب من اجل تقديم افضل الحلول لمشاكلهم، لكي يعيشوا بكرامة على ارض ابائهم، ويطلق شعاره الذي لم نسمعه ممن سبقوه، لابل لم نسمعه من اي كاهن او مطران، شعاره الذي كرره عدة مرات بان "اموال الكنيسة هي لشعبها"، ابحثوا عن اية مشاريع لمنفعة شعبنا العامة قال لنا، ونحن (الكنيسة) نكون اول المساهمين فيه. لست ارشح الكنيسة لتكون في المقدمة لتقود مسيرة شعبنا في الوطن كبديل للقيادة المدنية، ولكن للكنيسة دور عليها ان تؤديه تجاه شعبها وقياداتهم المدنية، الكنيسة لا يليق بها ان تُسَيًّس او ان تخوض مستنقعات السياسة، وواضح للمتابعين بان دور الكنيسة في العراق كبُرَ وزادت مسؤولياتها بعد أن خذلتنا احزابنا (القومية) السياسية وتحولت الى مؤسسات للمنافع الشخصية والحزبية، وعلى ايديها خسرنا اسمنا القومي وحقوقنا القومية، واصبحنا مسيحيين فقط بعد ان كانت هذه الاحزاب تنادي وتناضل من اجل هويتنا القومية بالاضافة الى مسيحيتنا، فهويتنا اكبر من ان نكون مسيحيين فقط ووجودنا على هذه الارض هو اكبر من سنين مسيحيتنا، وحقوقنا القومية هي اكبر بكثير من حقوقنا كمسيحيين، وحسب قول الراحل الدكتور الاب يوسف حبي، ان المسيحيين في العراق ليسوا كباقي مسيحيي الدول العربية الاخرى، مسيحيو العراق لهم خصوصياتهم من لغة وتاريخ وتراث وتقاليد، فالمسيحية ليس لديها لغة ولا ارض ولا علم ولا نشيد قومي، وليس لديها تقاليد وتراث لانها تعود للشعب، المسيحية تتمثل بالايمان والروحانيات تعمل على ديمومة علاقة الانسان بخالقه. فما حاجتنا اذا الى احزاب تعمل تحت الاسم المسيحي فقط؟ نحن واثقون من أن الكنيسة ورئاساتها قادرة على حماية حقوقنا كمسيحيين، دون ان يكون لها اي ممثل في البرلمان.
لعل اكثر ما آلمني وعكر علي فرحة زيارة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو الى "منجب البطاركة" القوش، ومعقل كنيسة المشرق الخالدة، هو الرسالة التي ارادت ابرشية القوش والكنيسة الكلدانية عموما ايصالها لاتباع هذه الكنيسة من الملتزمين باصالتها ولغتها والتي بُلغَّت الى الشعب من خلال عشرات اللافتات التي انتشرت في شوارع وازقة وكنائس القوش وجميع بلدات الابرشية وقراها، جميع ما كتب على هذه اللافتات دون استثناء ينطق بالعربية، رسالة واضحة جدا أليس كذلك؟ تقول فيها الكنيسة الكلدانية لشعبها بانها في طريقها الى التعريب، وان التعريب قادم شئتم ام ابيتم، فلغتكم ايها الشعب لم تعد نافذة المفعول، وانتهت صلاحيتها، ولن يبقى لها مكان في هذه الكنيسة. وقد قالها احد المطارين المرافقين لغبطة البطريرك، "الى متى نبقى نرتل ترتيلة (لاخو مارا)؟ وعلينا ان نجدد طقوس الكنيسة" ولا اعلم ان كان التجديد بحسب ما يقوله هذا المطران يعني التخلص من الاصيل، ولا اعلم ان كان بامكان هذا المطران ان يكتب لمؤمني الكنيسة الكلدانية صلاة بعمق وروحانية ترتيلة (لاخو مارا)؟ واكثر ما يخيفني في شعار ابينا البطريرك من ان يفهم الكهنة والاساقفة بان "التجديد" يعني القضاء على التوأمين الخالدين للكنيسة الشرقية، الطقس الاصيل واللغة، الصلوات الطقسية ينظر اليها البعض من الكهنة والاساقفة بانها اصبحت قديمة ويجب ان تتجدد، وإن تضمنت رسالة غبطته اشارة خجولة الى الشعب للاحتفاظ بلغته، الشعب متمسك بلغته لانها هويته، ولكن الكنيسة هي التي رذلت لغتنا الام، بحجة ان نصلي بلغة يفهمها المؤمنين، متناسين بان شعب هذه الكنيسة حافظ على ايمانه لما يقارب من الفي سنة حتى وصل اليناهذا الايمان صافيا نقيا رغم ان اباءنا كانوا يصلون ويسمعون طقوسهم بلغة لايفهمها عامة الشعب، ورغم هذا لم تبرد حرارة ايمانهم ولم يرقى الشك الى افكارهم بان اللـه لايسمع تضرعاتهم لانهم يصلون ويسمعون التراتيل بلغة لا يفهموها.
القوش عبق التاريخ وعطره الفواح، تخلدت لتبقى شاهد على امجاد الاجداد في نينوى واشور، وامتدت على مر العصورلتحتضن وتحافظ على كنيستنا المشرقية المقدسة واصالتها، ثرية بارثها الكنسي وتراثه، ومباركة برفات قديسيها الذين عجت بهم صوامع دير الربان هرمز الخالد الحزين، الذي يشكو ويئن من مرارة التشويه الذي يلحق باثاره وعمرانه وسيقضي على ماتبقى منه، ليتحول الى كتل خرسانية مقرفة وبلاط من السيراميك الغريب على هذه البيئة بجبالها واحراشها وصوامعها المنقورة في الصخر. ذخائر اباء هذه الكنيسة لازالت تشهد لهذه البلدة عراقتها ودورها البارز الذي لعبته لاكثر من ستة قرون في تدبير شؤون ابرشيات كنيسة المشرق المترامية الاطراف، من الفرات غربا وحتى اقاصي الشرق وصولا الى الصين. وشواهد قبور تسعة من بطاركة هذه الكنيسة لازالت قائمة في دير الربان هرمز، وصور ايمانهم المحفورة في الصخر، وفي قلوب المؤمنين من اتباع كنيسة المشرق بكل فروعها تشع نورا وتحكي للاجيال قصة شعب شهد للانجيل ومازال لما يقارب الالفي سنة رغم المأسي والقمع والاضطهاد والقتل ومجازر الابادة الجماعية البشعة التي تعرض لها على ايدي جيرانه المختلفين عنه في الدين. من تلك الصوامع ادار هؤلاء البطاركة كنيسة الرب بايمان لايتزعزع ليسلموه الى من بعدهم ناصعا سنيا.
تركت القوش بصمات واضحة على كنيسة المشرق ومن ثم على كنيسة المشرق الكاثوليكية التي تبعت روما في القرن السادس عشر والتي ستسمى لاحقا بالكنيسة الكلدانية، وبالرغم من ولادة هذه الكنيسة الا انها لم يكتب لها النجاح في بداياتها، ولم تتمكن من الانتشار وبقيت محدودة ومتقوقعة في مناطق قليلة في اعالي بلاد اشور، ومرت عليها قرون من السنين على هذا الحال الى ان تبنتها القوش على يد احد ابنائها البطريرك يوحنا هرمز ابونا الذي تبع روما في النصف الاول من القرن التاسع عشر، حينها فقط نمت هذه الكنيسة وكبرت وانتشرت في السهل على اطراف نينوى وبقية المناطق.
يعلمنا التاريخ والتقليد المتوارث بان نشأت كنيسة المشرق كانت على ايدي الرسل منذ نهاية القرن الاول لميلاد المخلص، وحفظ لنا هذا التاريخ الحافل سلسلة طويلة لبطاركة هذه الكنيسة منذ بداياتها الاولى. والبطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو هو الحلقة الاخيرة في هذه السلسلة الطويلة من البطاركة لكنيسة المشرق الكاثوليكية (الكلدانية) والتي هي امتداد لشريان رئيسي لكنيسة المشرق الام على ارض الاباء، ونتمنى ان لا يكون اخرها، لتستمر شهادة شعبنا للانجيل في هذه البقعة من العالم التي رويت بدماء الشهداء القديسين. استلم غبطته مهام تدبير هذه الكنيسة في زمن اقل ما نستطيع ان نقول عنه بانه زمن صعب، سواء فيما يحيط بالكنيسة من الخارج والذي يؤدي الى تناقص تعداد المسيحيين في الوطن الام العراق بسبب عدم الاستقرار الامني والاقتصادي، او فيما يحدث داخل الكنيسة ذاتها، فالكنيسة الكلدانية في انحدار مستمر لعقود طويلة من السنين ولاسباب عديدة، قد تكون رئاسة الكنيسة من ضمنها ولكنها ليست السبب الوحيد، وليس من الانصاف ان نحملها كل المسؤولية عن اسباب هذا التدهور. ولا اغالي ان قلت بان الكنيسة الكلدانية على حافة الانقسام والتفكك، حيث ان الفساد وعدم الخضوع لرئاسة الكنيسة ومقرراتها باتت صفات متلازمة للكثير من الكهنة والاساقفة، لذا كانت بانتظار مدبر ينقذها من هذا الوهن ويوقف هذا التدهور، من كلا الناحيتين الروحية والمادية، وباستلام غبطته مسؤولية تدبيرها استبشر اتباع الكنيسة الكلدانية خيرا، وعقدوا عليه امالهم الكبيرة واحلامهم، ليسمو بكنيستهم الى ما كانت عليه من مجد في سالف الايام. ومن الجانب الاخر ان يكون معينا وفعالا في ايجاد السبل لوقف نزيف الهجرة التي تنخر في جسم كنائس العراق.
إن ايجاد الحلول لتثبيت الشباب في ارض ابائهم ليس سهلا، ولكنه ليس مستحيلا ان صدقت النوايا وتكاثفت الجهود من قبل الكنيسة، الكنيسة بامكانها ان تكون فعالة جدا في ايجاد الحلول، الكنيسة ليست لديها صفقات سياسية لكي تتنازل عن حقوق شعبها كما يفعل ممثلي المسيحيين في البرلمان والحكومة العراقية، وما نذكره هنا عن القوش هو مثال ينطبق على باقي بلدات وقرى ابرشيتها وباقي مراكز تجمع المسيحيين.
• الشبيبة في القوش بحاجة الى اجواء اجتماعية افضل، وخاصة المتعلمين منهم من الخريجين وطلبة الجامعات والمعاهد وحتى الصفوف المنتهية في الثانوية، الشباب من جلا الجنسين مطلعين تماما على الحياة الاجتماعية في الغرب من خلال الانترنت والفضائيات وهذا اكثر ما يجذبهم للهجرة، في القوش مثلا لايوجد اي مكان تمضي فيه الفتيات وحتى النساء من جميع الاعمار اوقاتا اجتماعية خارج حدود المنازل، طريق الدير هو المتنفس الوحيد لهم، وهذا ايضا لا يخلو من المضايقات وطيش المراهقين الذين يزحم بهم هذا الطريق في اوقات العصر. صحيح نحن نعيش داخل المجتمع العراقي، ولكن نحن شعب لدينا خصوصياتنا، عاداتنا وتقاليدنا، ومسيحيتنا ايضا، وليس من الضروري ان نكون نسخة اخرى من المجمع العراقي، وخاصة في بلداتنا وقرانا. هنا يأتي دور الكنيسة في التوعية وخلق اجواء اجتماعية بين كلا الجنسين، ليس من الضروري إن يقوم بهذا الدور الكاهن، وغير مفضل ايضا ان يكون المرشد او الموجه من جيل لاينسجم مع عقلية الشبيبة لاجيال اليوم، من يقوم بمهمة المرشد بالامكان ان يكون من الشباب انفسهم ومن الخريجين والمثقفين، مثل هذه الاجواء كفيلة بتخفيف التحرش بالفتيات، هذا السلوك المقيت والمرذول. وفتح محلات عامة مثل الكافيتريات خاصة للعوائل والشابات هي ضرورة اجتماعية ملحة. حتى المدراس الابتدائية في القوش ليست مختلطة، وهذا شئ يثير العجب، فقد عملت في منطقة بين بغداد والفلوجة المنطقة الاكثر تطرفا من ناحية الاعراف الاجتماعية والدينية، وكانت فيها مدارس ابتدائية مختلطة.
• البنى التحتية والخدمات في القوش ليست بالمستوى المطلوب.
• القوش بحاجة الى مشاريع استثمارية صغيرة لتوفير فرص العمل للشبيبة من كلا الجنسين وعلى الاخص للنساء، وقد تكون مشاريع الصناعات الغذائية من المشاريع الناجحة على المدى البعيد، فبالاضافة الى مردودها المالي، فانها تشجع الزراعة التي هي عماد اقتصاد المنطقة.
• القوش بحاجة الى المزيد من المساكن، اللائقة للسكن، وهنا اقترح ان تقوم الكنيسة والدير بانشاء مشاريع استثمارية سكنية على اراضيها، على سبيل المثال وليس الحص، المساحة المحصورة بين دير مريم العذراء حافظة الزروع ومدخل وهدة دير الربان هرمز ممكن ان تكون حيا سكنيا كبيرا، يصمم وفق اعلى مواصفات الاحياء الحديثة. ولاننسنى بان هذا الحي سيكون له تأثير مباشر ايجابي في اعادة الحياة الى دير الربان هرمز.
• ومقترح ثاني لتوفير المساكن في قرية بندوايا التي هي الان بمثابة حي من احياء القوش فموقع بندوايا ايضا صالح لاقامة مجمع سكني عليه، بالاضافة الى المساكن القائمة حاليا، والتي اكثرها غير مشغول.
• الزراعة في القوش هي العصب الرئيس في اقتصاد هذه البلدة، وان استقطاع مساحات كبيرة من الاراضي الخصبة واطفاؤها من قبل النظام السابق بنية التغيير الديموغرافي امر يضر باقتصاد القوش وبخصوصيتها الاثنية والدينية، ورغم ان القرار ابطل بعد 2003 الا ان العدالة لم تنصف القوش برفع الغبن عنها واعادة هذه الاراضي الى اصحابها.
• وضع حد لالافراط بالاراضي الزراعية واستغلالها لغير اغراض الزراعة والصناعات التي تعتمد على الزراعة.
• لايجوز ان تبقى ابواب القوش موصدة بوجه ابناء امتنا من الذين يرغبون ان يجعلوا من القوش ملاذا ومسكننا لهم ولاجيالهم، القوش استقبلت دائما كل من قصدها من ابناء امتنا، اذا ليس هنالك من مبرر لهذا الانغلاق في الوقت الحاضر. ان الوافدين الجدد من ابناء امتنا الى القوش كفيل بدعم اقتصاد البلدة ورفع مكانتها من ناحية العدد السكاني، واضافة طاقات جديدة الى طاقاتها السكانية الحالية .
ملاحظاتكم مهما كانت صغيرة قد تفيد وتغني الموضوع
E-Mail: alkoshbello@gmail.com