"وطني هو لغتي" – بمناسبة الذكرى الأولى للإحتفال بلغتنا القومية
ليون برخو
جامعة يونشوبنك
السويد
المقولة بين هلالين في العنوان هي إقتباس ورد في مقال علمي عن الفرنكوفونية – وهو مصطلح يطلق على كل الذين يستخدمون اللغة الفرنسية كلغة أساسية اولية او لغة ثانونة خارج فرنسا.
المقال ضمن حوالي 10 ابحاث إخترتها من عشرات الأبحاث للنشر في المجلة العلمية التي أحررها والتي ستظهر في عدد خاص حول "إعلام الأقليات" في نهاية عام 2015.
والمقولة مترجمة من الإنكليزية "My country is my language" لأن المقال اساسا مكتوب بالإنكليزية. ويقول الباحث، مارك ليست، من الجامعة الكاثوليكية في لوفن في بلجيكا، إن المقولة رددها اغلب المشاركين في إستبيان اجراه لتقييم الإعلام الفرانكوفوني في كندا وبلجيكا وسويسرا ودول أخرى إتخذت الفرنسية لغة أساسية منها بعض الدول الأفريقية.
والبحث طويل أكثر من 8000 كلمة من الصعب إختزاله في مقال قصير إلا ان النتائج التي يحصل عليها في غاية الأهمية لكل اقلية تعيش ضمن اكثرية تختلف عنها ثقافة وهوية (أي لغة).
ويؤكد من خلال دراسة اذهلتني حقا لرصانتها العلمية ان الناطقين بالفرنسية في كل الدول خارج فرنسا ينظرون إلى لغتهم الفرنسية كمعيار رئسي للهوية والثقافة والفنون التي تتبعها وهم على إستعداد للتخلي عن أي شيء حتى جنسية بلدانهم ولكن ليس لغتهم (هويتهم).
ويظهر ان الإعلام الناطق بالفرنسية في هذه الدول له باع طويل في الحفاظ على الهوية الفرنسية للناطقين بها بإختلاف أجناسهم وجنسياتهم وذلك بتركيزه على اللغة الفرنسية في كل الوسائل الإعلامية - مرئية ومكتوبة ومسموعة.
ويضيف لولا الإعلام لربما ماتت اللغة الفرنسية في هذه الأمصار وأندثرت ومعها الهوية الفرنسية لهم. بالطبع يعترف الباحث ان التعليم باللغة الفرنسية وتدريسها الذي يصر عليه الناطقون بها خارج فرنسا له الدور الأساس في الحفاظ عليها.
والتشبث بالهوية اللغوية اصبح له مدلولات قومية وسياسية وجغرافية وإقتصادية حيث ترسم خطوط وحدود الأقاليم حسب التوزيع اللغوي وصار الفرز اللغوي في دول مثل بلجيكا وكندا وسويسرا وأماكن كثيرة اخرى من العالم مدعاة لطلبات الإستقلال او الفدرالية على أساس هذا الفرز.
لن يكون بإمكاني منح هذه الدراسة المهمة جدا حقها حيث قبلها المقيمون كما هي دون الطلب من الباحث إدخال أي تغير عدا الطلب منه إكمالها من الناحية الشكلية formatting كي تتماش مع متطلبات دار النشر.
في الشرق الأوسط حيث ارض اجدادنا هناك مسعى واضح في هذا الإتجاه في شمال افريقيا، في العراق وسوريا وتركيا وإيران وحتى افغانستان ودول أخرى كثيرة حيث بدأ الفرز اللغوي يحدد الخطوط العريضة للهوية والجغرافية والسيادة والفدرالية والأمثلة واضحة ولا أعتقد ان القارىء اللبيب بحاجة إلى الإتيان بها وما يقوم به الأكراد في العراق وسوريا وتركيا وغيرها من الدول لهو خير دليل.
ماذا عنا نحن الناطقين بالسريانية؟
نحن غائبون وللغتنا محاربون ولفنوننا وادابنا وموسيقانا وطقوسنا وليتورجيتنا مهمشون ولمدارسنا السريانية القليلة جدا مزدرون ومع ذلك نبحث عن هوية وقومية.
وكانت سعادتي غامرة عندما اعلن البعض من ابناء شعبنا من الغيارى على لغتهم اي هويتهم وقوميتهم ووطنهم كما يعلمنا الباحث الفرنسي في بحثه الرائع يوما في السنة للإحتفال بلغتنا السريانية.
ولكن اتى حتى هذا الحدث المهم وهو يعكس وضعنا الذي لا يحسد عليه من صراع ومهاترات حول إسم اللغة وليس دورها الحيوي والأساسي في الهوية القومية. بدلا من ان يكون هذا اليوم الكبير مناسبة لجمع ولمّ الشمل والوحدة صار مثل كل شيء في حياتنا تقريبا سببا للفرقة والتشتت.
لماذا لا نجتمع ونناقش ونحاور قبل ان نقدم على إتخاذ قرارات مصيرية مثل هذه كي ننهض بأنفسنا وهويتنا كي لا نزول ونندثر؟
كانت المناسبة ستكون إنطلاقة جديدة ودفعة دم تبث الحياة في اجسامنا المنهكة بسبب التناحر المذهبي والطائفي والتسموي لو ان الأخوة القائمون على هذا الأمر إستأنسوا بأراء كل مكونات شعبهم كي يجمعوا ولا يفرقوا ومن ثم اطلقوا على هذا اليوم الكبير والعيد البهي "يوم اللغة السريانية" لأن هذا هو الإسم العلمي لها والإسم الذي يستخدمه إخوتنا الباقون في ارض الأجداد والإسم الرسمي في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والهند وكل جامعات الدنيا.
هل خلقنا لله لنمزق أنفنسا بعد كل الويلات التي حلت بنا ام لنجمع ونحن اقلية وهوية لغوية في طريقها إلى الضياع؟