أحزاب شعبنا السياسية ومسيرة الإخفاقات المتواصلة
ايفان جاني
هناك تصانيف وتعاريف عديدة ومختلفة للأحزاب السياسية، تتباين بتباين الأسسس الفكرية والأيديولوجية التي تقوم عليها. إلا أن مايهمنا هنا هو الأحزاب القومية، التي ستكون محور حديثنا. وهذه الأحزاب عادة ما يلاحظ وجودها في الدول النامية ذي التنوع القومي والديني وتبرز فيها المشاكل القومية والعرقية والدينية الطائفية، وذلك نتيجة وجود تركة كبيرة من ميراث إنتهاك حقوق الإنسان على مختلف الأصعدة.
وهذا السبب كان وراء إخفاق الأحزاب الوطنية العريقة في العراق، وصعود الأحزاب ذي النزعة القومية والطائفية إلى سدة الحكم.
يعود تأريخ تأسيس الأحزاب والمؤسسات السياسية الآشورية (*) في العراق إلى نهاية الستينيات من القرن المنصرم. وبحسب الوثائق العراقية، فإن حزب (النسر الآثوري الأسود) يعتبر أحد أهم تلك الأحزاب في الساحة السياسية من حيث التنظيم والنشاطات.
ومن إستقراء الوثائق العراقية يبدو أن الحزب تشكل خارج العراق إما في الولايات المتحدة الأمريكية أو إيران، والمرجعية الدينية الآشورية كانت الجهة المؤسسة والقائدة للحزب، الذي كان عضواً في جبهة الإنقاذ الآثورية، وكانت للحزب فروع نشطة في سوريا ولبنان وتركيا وإيران. فوفق الكتاب المرقم 1س/خاصة/1458 والصادر بتأريخ 16/أيلول/1967، والموجه إلى مديرية الإستخبارات العسكرية العراقية، تم تنسيب رئاسة الحزب المذكور إلى " المدعو مار شمعون والذي يسكن الولايات المتحدة الأمريكية حالياً". أما" المسؤول عن التنظيم في العراق والشرق الأوسط المطران يوسف خنانيشو والساكن حالياً في بغداد كرادة مريم وهو خال رئيس الحزب المذكور أعلاه يعاونه في عمله هذا بعض رجال الدين للطائفة مستغلين الكنيسة والمؤسسات الإجتماعية المربوطة بها". ولخصت الوثيقة أهداف الحزب بما يأتي: إحياء وتجديد مطاليب القومية الآثورية وتأسيس وطن لهم في شمال العراق، وتوحيد جميع الآثوريين بالرغم من إختلاف مذاهبهم تحت لواء القومية الآثورية.
ويرجع الأستاذ عبدالفتاح علي بوتاني، ناشر الوثيقة أسباب تشكيل الأحزاب الآشورية إلى " غمط حقوق الآثوريين والمذبحة التي نظمتها لهم حكومة رشيد عالي الكيلاني (20أذار1933-9أيلول1933" في قرية سميل". (1)
لم تتوقف الحركة السياسية الآشورية عند نقطة نهاية مسيرة حزب النسر الآثوري الأسود، بل يمكن إعتبار الحزب المذكور الشرارة الأولى التي إنطلقت لتوقد الشعلة الكبيرة، ومنها أصبحت تولد الأحزب الآشورية تباعاً. المتابع لسياسة وأهداف الأحزاب الآشورية سيلاحظ أن جميعها وليدة رحم واحد، ولها رسالة وأهداف واحدة مشتركة. فجميعها تنادي بعراق ديمقراطي، يضمن حقوق كافة المواطنين دون تمييز، وطن تصان وتحترم فيه حقوق القوميات الأصلية لاسيما شعبنا المغبون.
لم يرتقي مستوى الأحزاب الآشورية إلى مستوى الطموح إلى يومنا هذا، رغم الظروف المؤاتية لبعضها والدعم الكبير الذي كانت تتلقاه من داخل وخارج الوطن. فمعظم هذه الأحزاب كانت تحصل على ميزانيات شهرية جيدة من حكومة إقليم كوردستان العراق، ناهيك عن المساعدات التي كان يرسلها أبناء شعبنا من خارج الوطن لأشقائهم، والتي لم يكن يصرف منها إلا شيء نزر على المشاريع التي كانت تجبى بواسطتها هذه الأموال والبقية كانت تذهب إلى جيوب بعض المسؤولين. التغيير الذي طرأ على سياسة أحزابنا القومية، وتحولها من أحزاب ديمقراطية قومية ذي أيديولوجية خاصة، إلى أحزاب هجينة من الأحزاب البرجماتية والشخصية، أفقدها جزءاً كبيراً من شرعيتها، ووصلت بعضها لحد الإفلاس الجماهيري والسياسي. والدليل على كلامنا نسبة مشاركة أبناء شعبنا في العمليات الإنتخابية الأخيرة، وعدم دعوة أي فصيل سياسي سواء كان كلداني أو سرياني أو أشوري لحضور إجتماعات رئيس الإقليم، وصمتها صمت القبور على ذلك. وإن كان البعض يفسرها على أنها تهميش بحق شعبنا، فأنا أعتبرها تحصيل حاصل تهميش قادتنا لشعبهم وإرتمائهم في حضن الأخر وإستصغار شعبهم لغايات في نفوسهم.
لقد سنحت العديد من الفرص لأحزاب شعبنا لتحسين صورتها وأداءها في نظر وفكر الشارع القومي، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك، ولم تكن بمستوى الطموح، وذلك لكونها كما أسلفنا تحولت إلى أحزاب شخصية براجماتية هدفها الإنتفاع الذاتي لا أكثر.
واليوم وبعد أن مر أكثر من إسبوع على سيطرة الجماعات المسلحة المتطرفة على مدينة الموصل، ونزوح مئات العوائل منها نحو أربيل ودهوك، وما أفرزته تلك الظروف من عبيء على قرى وبلدات ومدن سهل نينوى من إنقطاع للتيار الكهربائي وشحة مياه الشرب الصالحة وأزمة الوقود، وإرتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من المقومات الأساسية في الحياة، وأخر المستجدات كان الهجوم الذي شنه المسلحين مساء أمس على قوات البيشمةركة الكوردستانية وقصف مدينة بغديدا بقذائف الهاون، ونزوح مئات العوائل منها خوفاً من إقتراب شبح الحرب منها. فرغم تسارع الأحداث وتشابكها لم نشهد تحركاً يذكر لقوى وأحزاب شعبنا السياسية، وإن كانت هناك تحركات لعدد من القادة فهي تحركات فردية لاترتقي لمستوى الأزمة التي أصبحت تعصف بشعبنا. فالتجمع السياسي لقوى وأحزاب شعبنا الذي ولد كسيحاً، أخفق هذا المرة وكالمعتاد في أن يلتئم إعلامياً لمرة واحدة ويصدر بياناً تضامنياً على الأقل. والأحزاب السياسية التي لها ثقل في المنطقة لم تتحرك بشكل جدي وعملي للتقليل من هول معاناة هذه العوائل النازحة ولو معنوياً. كما لم نشاهد أي زعيم من زعماء أحزابنا القومية ممن يجيدون ويتفننون في توزيع الكلام المعسول إبان الحملات الإنتخابية، يتفقد قرى أبناء شعبنا ويهدئهم ويبث فيهم روح الطمأنينة، لابل لم يفكروا أو يبالوا حتى في الدعوة لإقامة إعتصام لا مظاهرة أمام مداخل بيوتهم وفي المدن التي يقبعون فيها وأصبحوا من سماسرتها المعروفين.
مع هذا فإنهم سيعاتبون هذا الشعب المغلوب على أمره، والذي مل من ألاعيبهم إذا لم يخرج ليمنحهم الثقة بعد أربعة سنوات أخرى ليشرعوا من جديد بتعبئة جيوبهم النتنة، ويعمروا بألام ودماء الأبرياء قصوراً فخمة لهم ولذويهم وحاشيتهم وأبواقهم.
وفي النهاية، أنا على يقين بأن التأريخ لن يرحم أي متخاذل غير مبالٍ بمصير ووجود شعب برمته، شعب فرقه ساسته المنتفعين من فرقته، فأمسى شعباً لايفكر كل فرد فيه إلا في نفسه وحاشيته، مغلباً مصالحه الشخصية على القومية، غير مكترث لمصير أشقائه. ليستحيل في النهاية إلى شعب هزيل مسحوق مصهور مذبوح، روح الأمل فيه معدومة، يجول ويدور طارقاً الأبواب شاحذاً الرحمة والعطف من هذا وذاك.
(1) للمزيد راجع: د. عبدالفتاح البوتاني، حزب النسر الآسود الآثوري، مجلة كولان العربي، العدد55، 2000، أربيل، ص40-47.
(*) إستخدم الكاتب التسمية الآشورية، كون جل الفصائل والأحزاب التي تأسست في تلك الفترات حملت التسمية القومية الآشورية.
• كتب المقال قبل أحداث مدينة بغديدا يوم أمس 25/6/2014، لهذا لم يتعمق الكاتب في تفاصل الحادثة.