ايها المسيحيون لا ترتكبوا اخطاء الماضي... اجعلوا لحالكم قضية !
بولس يونان
2014-06-27
ان الانسان بطبيعته يتعلم من اخطاء سابقة لكي يتجنبها في حال صادفته لاحقا, هذه غريزة مرسخة في اي كائن حي. ان الحيوانات تتجنب الطرق الخطرة وتتفادى المواقف السابقة, اما البشر فانه يدرس اخطاء الماضي لكي يتفاداها او يؤشر مكامن الخطأ فيها! هل مكوننا المسيحي استفاد من تكرار اخطاء الماضي؟
نلاحظ تبسيط قضايا مكوننا وتجريدها من عمق وجسامة وقعها على حساب حياة وكرامة بشر ليس لهم ذنب سوى انهم ولدوا مسيحيين في وسط اسلامي متشدد وقاسي او انهم تنازلوا عن اكثريتهم لهؤلاء الغزاة في هذه الارض وذلك لانشغالهم في ترتيبات الفوز بالآخرة. لا يمكن ان نلوم اجدادنا بتخاذلهم وذلهم وحالة الدونية التي رضوا بها امام الغزاة الجدد القادمين من صحراء العرب, فتلك كانت مداركهم ولكن ان نتغنى بها فتلك المصيبة الكبرى.
تجربة يجب ان تذكر
في ذروة الهجمة الهمجية لابناء المكون المسيحي في الموصل وفي اعقاب التنكيل والاعتداء الكبير الذي توج بحادثة اختطاف الشهيد المطران بولس فرج رحو رئيس اساقفة الموصل للكلدان وبقية الكهنة والشمامسة الشهداء الاب بولس اسكندر والاب رغيد و ما اعقبه من الفعل الاجرامي بحق الشهيد المطران من نزوح جماعي وكبير للمسيحيين نحو بلدات سهل نينوى واقليم كوردستان, لم يستفد ابناء مكوننا من تجربة الكورد في الحالة المماثلة في اعقاب تداعيات حرب تحرير الكويت.
ان العقلاء من الكورد استفادوا من تجارب الاخرين او محنهم لخلق ما يسمى ازمة, كانت التعليمات صارمة ومحددة بان يتوجه الجميع نحو الجبال وبالتحديد الحدود التركية وحتى لقاطني النواحي القريبة من الحدود والبعيدة عن مسرح العمليات العسكرية. خرج الكورد بما عرف النزوح الجماعي نحو البرار واتخذوا من تجاويف الصخور والكهوف واعالي الجبال ملجأ لهم. ماذا كانت نتيجة هذه الفطنة الذكية من قبل قادة الكورد؟
الحالة كانت مأساة انسانية جلبت انتباه العالم والدول الكبرى بحكوماتها ومنظماتها الانسانية, انها ازمة حقيقية لمأساة بشرية يجب على العالم ان يبحث عن حل معقول لها قبل ان تتغلب الطبيعة على فعل البشر ويتمخض الواقع عن مئات الالاف او الملايين من الضحايا! سارعت كل القوى العالمية للبحث عن الحل الامثل للمأساة الكوردية فكانت نتيجتها المنطقة الامنة في شمال العراق والتي تمخضت عن اول حالة من الاستقلال الحقيقي والذي لا زالت المنطقة تجني ثمار تضحية النزوح الجماعي.
وماذا عن المسيحيين
لم يُخْلِق بين ابناء هذا المكون شخص عاقل او حكيم لكي يستغل المأساة ويحولها الى حالة ما يسمى تراكم الارباح نحو الفوز بالاستقرار او الحصول على الثمار من بطن حالة المآسي. ما فعله ابناء المكون عند نزوحهم هو حالة سفرة سياحية والبحث عن السهل الممكن, ولاننا نعتبر انفسنا ارقى من الشعوب المتآخمة لنا في المنطقة! وبما اننا شعب راقي فيجب ان نعيش حالة الرقي التي في مخيلتنا.
اتصلت باحد القيمين على النازحين ومتابعة احتياجاتهم في اعقاب النزوح الجماعي من الموصل في اعقاب مقتل الشهيد المطران فقلت له ان ما تقومون به لا يخدم ابدا قضايانا, ان الوضع مؤاتي لخلق قضية, وجهوا النازحين نحو البراري والجبال, انصبوا المخيمات, ان توجه المسيحيين نحو استئجار القصور الفارهة وبأيجارات خيالية لا يمكن ان يجلب انتباه احد عن عمق المأساة التي يعيشها المسيحيون في المنطقة.
ولكن كيف لمن لا يملك القضية ان يتاجر بها او يبحث عن طرق لتوظيفها في الوقت الذي كان جميع هؤلاء يوظفون القضية لمصالحهم الخاصة ولانتفاخ جيوبهم بارباح بيع مآسي الاخرين.
ان يعيش معظم النازحين الاخرين في الخيام على تخوم كوردستان واطراف الموصل وابناء مكوننا في القصور والبيوت والمنشآت الحكومية وغيرها سوى الخيام لا يجلب الينا انتباه احد وعلينا ان لا نتشكى من الاهمال الظاهر للمسيحيين من قبل الرأي العالمي والمنظمات العالمية, فنظرتنا ليست نظرتهم, هم ينظرون الى الظاهر ونحن ننظرالى العمق, ومن خلال نظرتهم هذه لا يتبين او يظهر اي نوع من المأساة التي تتطلب التدابير الدولية.
وجهات مختلفة
ان على القيمين على شؤون المسيحيين من اصحاب دكاكين او رجال دين ان يسلموا بالواقع ويعترفوا بان " اللعبة قد انتهت " وليس للمسيحيين مستقبل في هذه المنطقة الموبوءة بالحقد وانتهاك حقوق البشر.
ان قادة الاحزاب اصحاب الدكاكين ولتصريف بضاعتهم يتباكون على ارض الاجداد وامجاد اناس اتخذوهم او توهموا بانهم اجدادهم وانه تبعا اتخذوهم حجة للتمسك بالارض وحماية امجادهم في الظاهر اما في الباطن وفي الحقيقة هو استغلال حالة انسانية بائسة لمصالح شخصية.
كما ان رجال الدين يتباكون على المقدسات وحجارتها ويصرون على البقاء تارة بحجة الاحتفاظ ببقية للمسيحية في منطقة مهد المسيحية وتارة بالتباكي على المسلمين بحجة ان خلو المنطقة من المسيحية يخلق متاعب للمسلمين وكلا الحجتين واهيتين لا يمكن ان يصدقها عاقل.
الاحزاب تتباكى على الاوطان ورجال الدين يتباكون على المقدسات. اما التباكي الحقيقي يجب ان يكون على صون الكرامة الانسانية والبحث عن ملاجئ واماكن لحمايتها.
ماذا ينفعنا اشور وحمورابي وغيرهم وماذا تنفعنا الاديرة والكنائس ومقامات القديسين عند تركنا لها. ويجب على الكنيسة ان تعلم ان القديسين يهاجرون ايضا عندما يغادر المؤمنون مزاراتهم, فقد هاجر القديسون عندما هاجر مسيحيو الشمال خلال حروب الشمال واصبحت اديرة وكنائس القديسين العظام التي كان يهاب المسلم قبل المسيحي ان يأخذ حزمة حطب من اراضي هؤلاء القديسين! ماذا اصبحت تلك الاديرة او الكنائس؟ حظائر اغنام ومواشي. اين جبروت هؤلاء القديسين؟ انهم في الحقيقة قد هاجروا مع المهاجرين وان مقامهم الحقيقي هو في وجدان المسيحيين وليس داخل تلك الحجارة المكومة. انه زحف التاريخ ولا يمكن ان يوقف هذا الزحف سوى قوة خلاقة تستعمل نفس سلاح البراربرة من المسلمين.
فهل يعي قادتنا هذه الحقيقة ام سوف يستمرون على غيهم ويستمروا في تقديم الاضحيات على مذبح الاسلام!
قلناها سابقا و لا نزال نكررها, كفى متاجرة بانفس البشر على حساب الحجر, ايهما اثمن؟