المحرر موضوع: هشاشة الفكر السياسي داخل البرلمان العراقي  (زيارة 675 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جورج ايشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 421
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هشاشة الفكر السياسي داخل البرلمان العراقي

سبق وان كتب كثير من الكتاب السياسيين وغير السياسيين عن هشاشة الثقافة السياسية التي يمتلكها الاشخاص الذين يمثلون شعبهم وطوائفهم في البرلمان العراقي. فبعد ان تعرض العراق الى الغزو البربري، والذي لا يقل وحشية عن الغزو المغولي، وبعد ان باتت مدنه تنهار وتتفكك الى مقاطعات طائفية صغيرة، لا حول لها ولا قوة، وتدمير البنية التحتية، وسحق الشعب تحت النيران، وغير هذا كله، لا يزال الأخوة الأشاوس في البرلمان العراقي يتشاجرون من اجل السلطة ورئاسة السلطة، مُتجاهلين النار التي اشتعلت في نينوى وما جاورها والتي بدأت تندفع الى مدن اخرى حتى تحرق العراق بأكمله وبمن فيه. 
على أي حال، موضوع خراب العراق لا يتعلق فقط بهشاشة الفكر السياسي لدى الساسة العراقيين، بالرغم من محورية تأثيره الكبير، غير ان العامل الرئيسي اكبر بكثير من الحكومة العراقية، لا بل حتى من الحكومات العربية. فلم يعد مبهمًا أمام المجتمع الدولي كله، بان ما يجري في العراق وباقي الدول العربية مثل سوريا وليبيا، ليس هو الا مخطط امريكي صهيوني يهدف الى التقسيم الديمغرافي على اساس طائفي او عنصري. الدلائل على صحة هذا القول كثيرة، ولا حاجة لنا لان نقتبس من هنا وهناك، غير اننا سوف نلفت القارئ الكريم لبعض الافعال والتصاريح المحلية والدولية التي، لربما، من شأنها، ان توضح بعض الامور التي تؤكد على عدم مصداقية ما يفعله هؤلاء الاشخاص تجاه العراق وابناءه.
اولاً، لو بدأنا من الجانب العراقي، ومن داخل البرلمان، على سبيل المثال، فالخراب، والدمار، والانهيار الذي يواجهه العراق بعد سقوط نينوى، اساسه هشاشة الحكومة المتمركزة في بغداد. فانعدام الفكر السياسي، والحس الوطني، وتعشعش الفكر الطائفي، وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث في العراق، بغض النظر عن الخلافات السياسية، وطمع المالكي بولاية ثالثة، وكثرة الاحزاب التي لا منفعة منها، جعل العراق يعيش ويواجه مصير لم يشهد مثله الا في الكتب التاريخية. 
ثانيًا، الفكر الكردي في اقامة دولة كردية يُعتبر احد اهم العوامل الاساسية التي ادت الى سقوط نينوى وانهيار الامن العراقي. لا احد يستطيع ان ينكر بعد الان، وبالأخص بعد تصريحات السيد مسعود، بان النية الكردية لتقسيم العراق كانت موجودة منذ زمن بعيد. وهذا يدفعنا للقول، وبحسب المنطق اذ كانت الفكرة والاصرار متواجدتان لا بد اذًا ان يكون لهما حركة سياسية تعمل من اجل تحقيق ذلك الفكر. اما الاساليب لدفع العجلة بسرعة ولتطبيق ذلك الفكر على ارض الواقع فهي معروفة للداني والقاصي فلا حاجة لذكرها. غير اننا نستطيع ان ننوه شيء واحد والذي قد يؤكد صحة القول، ونستطيع ان نلتمسه في التدخل الامريكي عن طريق اربيل، الذي اقل ما نستطيع ان نقول عنه هو بمثابة مهزلة واضحة، كشفت الغطاء عن المستور، وكشفت ايضًا هشاشة الفكر السياسي العراقي. فبعد ان بدأ المجتمع الدولي بالضغط على الولايات المتحدة لتحديد دورها من هذه الازمة، خرج علينا بارك اوباما بالقول علنًا: "ان الضربات الجوية الامريكية محدودة بحسب الموقف وهي من اجل تأمين محافظة اربيل الكردية والدبلوماسيين الامريكيين المتواجدين هناك." بتعبير عراقي: "خلتحتَرِك محافظات العراق الباقية، اهمشي المحافظات الكردية." وانا بصرحة لا اشك البتة بان القاعدة الامريكية الموجودة في اربيل لها اتصال مباشرة مع قُوَّاد داعش الارهابية، وذلك لاجتنابهم الضربات الجوية العراقية في حالة خروج رتلهم العسكري الى النقطة المتفق عليها مسبقًا. فالمجال الجوي العراقي حُبسَ داخل الرادار الامريكي الموجود في اربيل، وهذا يعني أي عملية جوية عراقية توّجه ضد داعش لن تـُكبدهم خسائر كبيرة وذلك بسبب استباقية المعلومات العسكرية الامريكية والتي تصلهم من اربيل. واما عن مسرحية قتل داعش بسلاح الجوي الامريكي، لن تعبر الا على السادة في البرلمان السياسي، وذلك لعدم ادراكهم اللعبة الامريكية او على الاقل يتجاهلون ادراك ذلك للمنافع الشخصية على حساب الدم العراقي. فالعالم باسره يعلم ان داعش هو صنع امريكي اوروبي واسباب اقامته متنوعة فمثلاً: 1) استقطاب الارهابيين الذين يقطنون البلدان الغربية في بلد واحد، 2) شد الخناق ومحاصرة سوريا من جميع الاطراف، 3) ضرب ايران بهذا الجيش بعد اقامة دولته. فلا يعقل بعد صرف ملايين الدولارات على داعش، وبعد العناد الروسي-الايراني ضد امريكا بسبب القضية السورية،  ان امريكا سوف تخدم العراق كعراق موحد؟ نعم، سوف تخدم الاكراد لكن ليس الطوائف الاخرى كالطائفة الشيعية والمسيحية، واليزيدية.  الشي هذا لن تقبله امريكا واي عاقل بسيط يستطيع ادراك ذلك، لكن البرلمان العراقي لا يريد ادراك ذلك وما زال ينتظر شيء صالح يخرج من الحكومة الامريكية.  
ثالثاً)  الدور الاقليمي في الازمة العراقية بات واضحًا للجميع. ان دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، لن يرتاح لهم جفن ولن تنام لهم عين، لو استقر العراق تحت السيطرة الشيعية والذين يعتبرون من اشد اعداء اهل السنة والصهاينة الذين اصبحوا حلفاء لدول الخليج والذين لن يقبلوا ان يقوم العراق كدولة ذات سيادة وكيان قوي تعاديهم في المستقبل. فالا حاجة لان تكون سياسي محنك لتفهم هذا الشيء. وايضا دول الخليج لم تكن تحلم في أي زمن بان ترتفع صادراتها النفطية بعد هذه النكسة، فلماذا تسهم بشكل فعل ومباشر من اجل حل الازمة العراقية؟ فلا اعتقد بان حلفاء امريكا من دول الخليج سوف يَتْركُوا امريكا تشن غارات على داعش المرتزقة الذين يعملون لصالحهم!
رابعًا) روسيا قد تكون لها نية سليمة تجاه العراق، وتريد بالفعل انهاء هذه الازمة، لكن اذا كان هناك تعارض لمصالحها، فلن تتدخل لأنهاء الازمة. روسيا حالها حال دول الخليج، لها استفادة من الوضع الحالي الذي يواجهه العراق، وذلك لزيادة صادراتها النفطية، وتدخلها يقتصر على المعدات العسكرية كالطائرات الحربية، على سبيل المثال، وعلى جهود العسكريين العراقيين. لكن العراق كان يطمح اكثر من ذلك، كالتدخل الجوي المباشر، غير ان روسيا لم تقم بالموافقة على هذا الطلب.
هناك الكثير و الكثير من العوامل التي تدفع البلدان الغربية والعربية للنيل من العراق وسيادته ووحدة ارضه، لكن المشكلة تكمن في انعدام الرؤية السياسية عند النواب في البرلمان، التي اطاحت بالبلاد وجعلته يواجه مصيرًا كان بإمكان تفاديه لولا التعصب المذهبي والطائفي الذي تعشعش في عقولهم. 
جورج ايشو