المحرر موضوع: لا فرق بين النصرانية والمسيحية  (زيارة 2071 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لقد كتب الكثيرون من المُجتهدين المسيحيين بأن هنالك فرقاً بين المسيحية والنصرانية وحتى أنَّ أحد المطارنة الكلدان لم يُعط جواباً شافيا لأحد سائليه: "ما الفرق بين النصارى والمسيحيين؟ ولماذا أشير بحرف النون الى المسيحيين في العراق؟ نحن لسنا نصارى، نحن مسيحيون!" فكان جواب المطران بأن مثل هذه الأسئلة تبدو له وكأنَّها آتية من العجلة او الجهل او الحكم المتسرِّع!! وانتقل فوراً ليقول:
"المسيحيون" هو الاسم الذي أطلق على المؤمنين بيسوع المسيح (اعمال 11/ 25-26). نحن مسيحيون؛ نؤمن بالله الواحد: الاب والابن والروح القدس. معمذون بالايمان بيسوع المسيح مخلصنا الوحيد الذي فدانا بدمه على الصليب وأحيانا بقيامته المجيدة؛ ونحن ننتظر مجيئه الثاني (راجع قانون الايمان).
ولكن المطران لم يذكر متى أطلق اسم المسيحيين على المؤمنين بالمسيح يسوع! لقد أطلق عليهم بعد اضطهادهم وطردهم من قبل رؤساء المجمع اليهودي من اورشليم وضواحيها، فتفرَّقوا وكانت انطاكيا أقرب مدينة دخلوها وفيها دُعوا مسيحيين! (اعمال 11/26).
أما "النصارى" فهو الاسم الذي أستخدمه القرآن للأشارة الى اتباع يسوع الناصري. فبحسب الرواية القرآنية (سورة آل عمران 113؛ سورة البقرة 121؛ سورة النساء 131؛ سورة القصص 52) يشير الى قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الخير واصحاب كتاب سماوي وهم لا يستكبرون.
ولكنَّ اسم "النصارى" كان معروفاً قبل ظهور الإسلام وكتابة القرآن، وقد أُطلِق على أتباع اصحاب البِدع  "الهرطقات"المُخالفة لعقائد الإيمان المسيحي الذي تعتمده الكنيسة الجامعة، والتي ظهرت بالتتابع منذ القرن الميلادي الأول وحتى السادس، كان أصحابُها: "سيمون الساحر، شردون، والينتينوس، تاسيان، منتانوس، بولس السميساطي، ماني، بيلاجيوس"ولكنَّ الهرطقات ذات التأثير الأكبر في ظهور الإسلام الأريوسية، الكسائية، المريمية، الأبيونية، المونوفيزية، الأحناف والرهبان النساطرة. قامت الكنيسة بحرم كافة أصحاب الهرطقات وتعاليمهم ومطاردتهم فلم يروا منطقة حاضنة لهم أفضل من الجزيرة العربية التي كانت مثوى الوثنية بكُلِّ أشكالها غارقة في الجهل حتى الثمالة فبثّوا سمومهم بين سُكّانها، ومنها اختمرت الفكرة الإسلامية في مكة قاعدة الجزيرة العربية. فالسور المذكورة أعلاه هي "مكية" ولذلك جاءت بصالح أتباع المسيح. إنما المُروِّج لإسم "النصارى" فكان اليهودُ بسبب كُرههم للمسيحيين وحقدِهم عليهم، حيث يقول:
المؤَرخ بول بـيجان في(تاريخه  ص . 143 - 145 و254) بأن بلاد الكلدان ولا سيما منطقتي كلدو وآثور، كانت تَـعُجُّ باليهود وبشكل كثيفٍ نسبياً، وإنَّ كُرهَهم للمسيحيين وحِقدَهم عـليهم يفوقان كُلَّ وصف، وانطلاقاً مِنهما أطلقوا عليهم تسمية النصاري مِن بابِ التعيير والإنتقاص، نسبةً الى اسم يسوع الذي كان ينتمي الى مدينة الناصرة، ومِنهم إقـتبسَ الفرسُ والعربُ هذه التسمية التي لم يعلم اليهود بأنَّها ستكون مدعاة اعـتزاز المسيحيين وموضعَ افـتخارهم! ولم يترك اليهودُ أيَّـة فرصةٍ سانحة دون استثمارها للوشاية بالمسيحيين والإيقاع بهم أمام ملوكِ الفرس وزعماء المجوس بهدف إثارة الإضطهادات ضِدَّهم لينفرج كُربُهم المكبوت ويتلذَّذوا بالدم المسفوك .
ويَدُلُّنا كتابُ العالِم الكلداني الكبير والحكيم الشهيرالمُلَقَّب بـ (أفراهاط الحكيم الفارسي) فمِن أصل ثلاثٍ وعشرين مقالةٍ كَتَبَها هذا العالِم القديس، والموَجَّهة مِنها الى اليهود كانت تسعة، فضح مِن خلالِهـا أكاذيبهم، داحضاً مَزاعِـمَهم الباطلة بأنهم شعب الله. ففي اولى مقالاتِه التسع (ايضاح الإضطهاد) يقول أفراهاط :" لقد غَشِيَ عَينَيَّ ضبابُ الألم إذ سَمِعتُ اليهود يستهزئون بنا مُتَكَبِّرين على أبناءِ امّتِنا، وذات يوم صادَفتُ رَجُلاً  يُلَقَّبُ بـ (حكيم اليهود) فجادَلني قائلاً: ألم يَكتُب لكم يسوعُ المَدعو مُعَـلِّمكم: لو كان لكم ايمانٌ بقدر حَبَّةِ الخَردَل لَقلتُم لهذا الجَبَل إنتَقِل مِن هنا فيَنتَقِل ويقعُ في الـبَحر طائعاً لكم! أفلا يوجَدُ في كُلِّ شَعبكم رَجُلٌ حكيمٌ مُستجابُ الدُعاء يَصرِخُ الى الله ليوقِفَ مُضطهديكم عن ايذائكم ؟ " (تاريخ بيجان ص 143 – 145 و254)هذا نوع مِن أنواع عِداءِ اليهود للمسيحيين مَرَدُّه ليس البُغضُ فحسب، بل انغلاق عقولهم عن إدراك يسوع وكُنهِ رسالتِه فظلُّوا غارقين في بحر ضلالهم .

ولكن بعض نصوص القرآن (نصوص مدنية)، تشير الى ان بدعة النصارى انحرفت بتعليمها وكانت تؤلّه شخص مريم العذراء الى جانب الله وعيسى (المائدة 116). وان الله أتخذ صاحبة له (الانعام 101؛ النساء 171). وهو الشيء الذي لا يقول به المسيحيون في إيمانهم بالثالوث الاقدس أو بشخص مريم العذراء.
إنَّ ما ورد في السُوَر الثلاث المُشار إليها أعلاه، اقتبس القرآنُ نصوصَها من إحدى بِدَع النصارى العديدة التي أتينا الى ذِكرها آنفاً وهي بِدعة المريميين التي شجبتها الكنيسة الجامعة واستهجنها المسيحيون لأنها تُمثل الكفر بأجلى مظاهره. المسيحيون يؤمنون بأنَّ الله ذاتٌ له صفات ثلاث "الوجود والعقل والحياة".

القرآن اصطدم بهذه المجموعة أو الشيعة المسيحية (المسماة بالنصارى) والتي تشرح العقائد المسيحية بطريقة أثارت حفيظة القرآن وأتباعه ما جعلهم يغيرون نظرتهم عن النصارى والتي كانت في بداية الدعوة الاسلامية تتسم بالكثير من التسامح والاعجاب. وهنا أدعوكم الى مراجعة نصوص أخرى تتكلم بكل إيجابية عن النصارى (المائدة 82؛ البقرة 62؛ المائدة 69)

(ملاحظة مهمة: بعض البحوث والدراسات اليوم تقول بان الاختلاف في موقف القرآن يعود الى وجود مجموعتين من النصارى واحدة في مكة وواحدة في المدينة؛ وهذا ما يبرّر الاختلاف بين النصوص المكيّة والنصوص المدنية التي تتكلم عن النصارى؟)

ليس لهذه البحوث والدراسات سند تاريخي، وإنما الإختلاف في موقف القرآن يعود الى حالتي الضعف والقوة، فإن نصوص القرآن المكية وردت بخصوص النصارى حين كان الإسلام ضعيفاً، أما النصوص المدنية فجاءَت حين غدا الإسلام قوياً. كما لم يكن هناك مجموعتان من النصارى بل كانت مجاميع متعددة أفرزها الصراع العنيف الذي قاده المنشقون عن الكنيسة الجامعة ضِدَّها وكان له أثرُه البالغ، لإنتشار النصرانية بحَسب بِدَعِها وشيَعها وفرَقها وأحزابِها في مكة بل في قريش كُلِّها وقد أشارت الى ذلك السُوَرُ القرآنية (الشورى 13 الروم32 البقرة 75 و100 و 101 وآل عمران 103 و105 والتوبة 122 والنساء 150) وأشار الى ذلك رسول الإسلام محمدٌ ذاتُه في القرآن (سورة مريم 37 ) < اختلف الأحزاب بينهم > أي النصارى(شرح الجلاليين ص406) وفي (سورة الرعد 36) < ومِن الأحزاب مَن يُنكرُ بعضَه > وفي (سورة المؤمنين 53) < وكُلُّ حزبٍ بما لديه فرحون >.
وخلاصة القول فإنَّ نصرانية اليوم هي مُرادفة للمسيحية وليست تلك النصرانية التي يتصوَّرُها أتباع القرآن وهي موضع افتخار المسيحيين لأنَّهم بحقٍّ ينتسبون الى مسيح مدينة الناصرة الذي نما فيها وترعرع ومنها انطلقت رسالته الخلاصية! وها هو البابا الفخري العظيم مار بينيديكتوس السادس عشر قد ألَّف كتاباً قيِّما عنوانُه "يسوع الناصري"وبأكثر من جزء واحد!
الباحث التاريخي
الدكتور كوركيس مرو
في 23/8/2014