المحرر موضوع: هل يصبح رئيس الوزراء حيدر العبادي غاندي العراق المنشود؟   (زيارة 958 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل يصبح رئيس الوزراء حيدر العبادي غاندي العراق المنشود؟
عماد هرمز


"نحتاج اليوم الى غاندي عراقي لأن الحل في العراق متأخر جداً في ظل الانقسام الحاصل المطلوب هو تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع وان تكون هناك شراكة حقيقية للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى وحدة العراق والا فنحن امام خطر تقسيم العراق وحرب اهلية لا سمح الله". ( غبطة لويس روفائيل الأول ساكو)

في منتصف شهر تموز الماضي، صرح غبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو، موجها كلامه إلى ساسة العراق، بأننا ( العراقيون) "نحتاج اليوم الى غاندي عراقي لأن الحل في العراق متأخر جداً في ظل الانقسام الحاصل المطلوب هو تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع وان تكون هناك شراكة حقيقية للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى وحدة العراق والا فنحن امام خطر تقسيم العراق وحرب اهلية لا سمح الله" كان الغاية من تصريحه هو لحث ساسة العراق على الاتحاد والصمود في وجه الموجات الطائفية الخارجية التي كانت تعصف بشواطئ الوطن. دعاهم إلى وضع مستقبل العراق وشعبه في مقدمة أولوياتهم، حثهم على استخدام الوطنية والانتماء الوطني للعراق وأرضه كعلاج للطائفية التي كانت تنخر كيان العراق. دعاهم إلى وحدة وطنية يشارك فيها الجميع وبدون تفرقة أو تمييز عرقي كان أو طائفي. دعاهم إلى شراكة حقيقية وكان بالتأكيد يقصد الشراكة الحقيقية بين مكونيّ الشعب العراقي الكبيران، بين الشيعة وسنّة العراق. فهذا هو الحل الأمثل للحفاظ على وحدة صفوف الشعب العراقي وناشدهم في العمل جاهدين لبناء العراق بدلا من تحطيمه.

كان هذا نداء غبطته ومناشدته لساسة العراق قبل أن ينفجر بركان داعش ويرعب أبناء شمال العراق والموصل بالتحديد ويجبرهم على الهجرة القسرية إلى المناطق المجاورة خوفا ً من ناره الحارقة وقبل أن تصهر داعش تاريخ وحضارة وتراث مسيحيو العراق التي تمتد لقرون طوال في سهل نينوى والموصل لتحولها إلى أثار آيلة للسقوط والاندثار وقبل أن تصهر بركان داعش مكونات الشعب العراقي في الموصل بنارها لتُبيدهم عن بكرة أبيهم وتلف أجساء الأبرياء من المسيحيين والإيزيديين بكفن علم داعش الأسود.

لقد استطاع غبطته قراءة الكتابة على الجدران (تعبير مجازي يقصد به أن الشخص يستقرأ ما يحصل في المستقبل من المؤشرات والأحداث الجارية في الحاضر). لقد نبه غبطته بأن العراق كان على وشك الانهيار والتفكك الداخلي و"أمام خطر تقسيم وحرب أهلية" (لا سمح الله – كما تمنى غبطته).  لكن للأسف لم تلقى كلمات غبطته وأمنياته آذانا صاغية فوقعت "بذورها بين الصخور لتيبس وتذبل وتموت" بحسب مثل المسيح في انجيله. فلم يسمع العراقيون ما نبههم عليه غبطته وساروا بالعراق حيثما لا يريده العراقيون فكانت تصرفات ساسة العراق كالسكاكين تقطع في أوصال العراق وتطعنه في أماكن حساسة من جسمه، الانتماء الوطني. بالطبع لم تكن هذه مشيئة الله ولم يرد الله أن يحصل هذا للعراق لكن كما يقولون فأن الله أعطانا عقلا لنحتكم إليه وإذا كان هذا العقل قد خدرته روائح الطائفية الكريهة فليس لله دخلا فيها وما حصل ويحصل في العراق الأن.

مع ذلك وإيماننا منه بأنه لازال في العراق وطنيين حقيقيين مخلصين غيورين على العراق وجه البطريرك رسالة الى المسؤولين العراقيين دعاهم فيها الى انقاذ العراق، قائلاً: "الوضع في العراق خطير لا امان ولا سلام والعراق مشلول في شكل كامل وهناك فراغ دستوري والمستقبل غير واضح". واضاف: "في وقت يمرّ العراق الحبيب في أزمة آمان ونظام، ويزداد يومياً عدد الجثث والنازحين، ويتعمق الخراب، نضمّ صوتنا البسيط كمرجعيّة دينية مسيحية عراقية الى صوت المرجعيات الاسلامية الشيعية والسنية الموقرة ...... وانقاذ البلاد من خطر الفوضى والانفلات".

نعم لقد كان غبطته دقيقا في رؤيته المستقبلية ولو كان الساسة في العراق وقادته الدينيين استمعوا إلى مناشدته ونداءه  لكان العراق الأن في أمان ويعيش أبنائه متحدين في بلدهم وكان الجميع ينعم بخيرات العراق. ولكن للأسف حصلت الفوضى يا غبطة البطريرك ولم تجدي مناشدتك نفعا ً وذهبت سدى مع الرياح الطائفية العاتية. لم يسمع الساسة وقادة الدين في العراق إلى نداء غبطته ولم نشهد بزوغ أي غاندي في العراق يلبس طرحة بيضاء بسيطة وينتعل صندل رخيص ويعلن الإضراب عن الطعام ويجوب العراق من شماله إلى جنوبه معلنا أن العراقيين يجب أن ينبذوا العنف والسلام هو الحل الوحيد لمأزقه ويجمع حواليه كل أطياف الشعب العراقي على طاولة واحدة ليعملوا جميعا من أجل العراق ووحدته.

لكن هل العراق فعلا ً بحاجة إلى غاندي؟ رغم أنني من المعجبين بغاندي ومبدأ التسامح والسلام في حل النزاعات والخلافات الذي ناشد به ونجح في تطبيقه إلا أنني لا أتفق كليا بأن العراق بحاجة إلى غاندي. فالعراق هو ارض الأنبياء والرسل فهو بؤرة الرب ومنبع رسالاته السماوية ومنه بزغ الكثير من رسل الله ورسالتهم جميعا كانت مرتكزة على السلام والتسامح والغفران. فحلول الله للمشاكل هي التسامح ومغفرة الخطايا للأخرين وحبهم واحترامهم للأخر، وكانت هذه هي رسالة المسيح في مجيئه إلى الأرض بيننا. فلو اتبع الكل بمختلف دياناتهم وطوائفهم تعاليم الله لكان في العراق الآن أكثر من عشرين مليون غاندي. لكن المشكلة هي في أنه بدلا من أن يتخذ البعض من العراقيين الدين للتعامل مع غيرهم بالتسامح والمغفرة ورحمة وشفقة واخوة، أصبحوا يستغلون ويستخدمون الدين لأغراض شخصية وحزبية وعرقية وطائفية. نسى الكثير منا بأننا نحن أبناء إبراهيم الذي باركه الرب في أرض الرافدين لينشر رسالة لله إلى بقية الأمم ويجعله أبا لكل المؤمنين. وعلى أرضنا مشت الرسل والأنبياء ونشروا عن طريقنا شعوبنا رسالة الحب والسلام والأخوة والبشرية والإنسانية فكيف بنا ننسى ذلك ونتحول من شمعة أوقدتها أيادي الأنبياء لتنير للبشرية طريقها لنتحول إلى نار تحرق فيها البشرية وبؤرة الكره والشر والقتل. إذا كانت تعاليم موسى غير كافية لزرع الحب والسلام في العراق فرسالة المسيح في المحبة والسلام والمغفرة كانت واضحة وجليه وهو الذي قبل بصلبه وغفر لصالبيه من أجل أن ينشر السلام في العالم. وجاء محمد بعده ليكرر ما قاله موسى ومن بعده المسيح. لقد ابتعدنا على تعاليم الله وأصبحنا الأن نبحث عن رسل أرضيين مثل غاندي ومانديلا. ولأننا نحترق بنار جهنم الطائفية والشر والحقد والكره الأرضي وبما أن تعاليم الرسل والأنبياء لم تنفع معنا أو بالأحرى لم نستعملها بالشكل المطلوب فلا بد أن نحاول بشتى الطرق لجلب السلام إلى ربوع أوطاننا وعليه لا بأس من أن نأخذ من الرسل الأرضيين، غاندي ومانديلا ً، كنموذجين يحتذى بهما لأنهما بشر مثلنا عسى ولعل نتعلم منهم كيف استطاعوا أن يطبقوها  في بلدانهم لنطبقها في أرضنا.

وللأسف نقول، بسبب الظروف الراهنة التعيسة، بأننا بالفعل بحاجة إلى رسل ارضيين، نحتاج إلى غاندي جديد في العراق. فما اشبه العراق اليوم بهند البارحة، عندما كانت لا تزال ترضخ تحت الاحتلال الإنكليزي. نعم نحن بحاجة إلى غاندي في العراق في هذه الفترة بالتحديد لأن الحلول الدينية التقليدية امست غير ذات نفع. صحيح أن غاندي لم يستطيع أن يمنع انقسام القارة الهندية إلى قسمين، الهند وباكستان، لكنه على الأقل منع حصول كارثة بشرية في الهند بين سكانها الهنود من السيخ والهندوس وبين الباكستانيين. وغاندي استطاع ببساطته وحكمته أن يصل بالهند إلى الاستقلال التام عن بريطانيا وينال الهند استقلاله لتصبح الهند أكبر بلد ديمقراطي. وما يميز غاندي عن غيره هو أنه استطاع أن يفعل ذلك بتضحيته بذاته، براحته، بسلطته، برفاهيته ليحرم نفسه من أجل الهند وشعبها وهذا ما يحتاجه العراق من قادتهم ليتحولوا إلى غاندي جدد في العراق ليحموا ما تبقى من العراق واملا في إرجاعه على ما كان عليه في السابق.  لولا غاندي وكما قال أحد الهنود لكانت الهند وقتها مرت بنفس التجربة التي مرت بها دول مثل لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي وراوندا في التسعينيات والأن وللأسف يمكن إضافة العراق إلى القائمة لنقول "لكانت الهند ستمر بتجربة العراق في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين".

لحد الأن لم يظهر غاندي يدعوا إلى السلام والأخوة والمصالحة في العراق. لم يظهر غاندي عراقي يضحي بماله ومنصبه ومطامعه في سبيل العراق ووحدته. فالكل يتقاتل على السلطة ويحاول استحواذ ما يستطيع من المال ليؤمن مستقبله. العراق بحاجة إلى غاندي واحد ليقود الجميع إلى درب التواضع والتضحية، لكن يا ترى ما هي مواصفات الغاندي العراقي ومن أي طائفة يكون؟ شيعي أو سنيّ أو كردي أو عربي؟ لكي يكون قادر على توحيد العراق من جديد. 

هذا الغاندي العراقي القادم قد يكون غاندي شيعي يلف حوله شيعة العراق ويبيث فيهم روح التسامح والأمر بالمعروف ومن باب السلطة والقوة وليس من باب الضعف. الغاندي الشيعي قد يرمي السلاح ويفكك المليشيات ويطرد المحتل أو المتغلغل في صفوفه من غير العراقيين ويذهب مشيا ً على الأقدام إلى العراقيين السنّة في المحافظات المجاورة في الأنبار وتكريت والموصل مادا يد السلام والأخوة ومناشدا اخوته من السنّة أن يساعدوه على ترميم البيت العراقي ونبذ العنصرية والطائفية. الغاندي الشيعي قد يتنازل عن سلطته وكرسيه السياسي ليمنحه لأخيه السنيّ ويقول له أنت القائد ونحن معك. القائد الشيعي قد يفتح الحسينيات التابعة له للمصلين السنّة.

أما الغاندي السُنّي، فهو الذي يحارب التطرف ويدعوا الجميع إلى نشر تعاليم الله السمحاء وخصوصا تلك التي تدعوا إلى التسامح والغفران. الغاندي السني لا يُكفّر كل من ليس من طائفته. الغاندي السنّي يتحلى بصبر أكبر مع اخوته العراقيين ويستمر في محاولاته لإيجاد حل يناسب كل الأطراف السنية والشيعية والكردية والمسيحية. الغاندي السنّي يقبل بالحكم الشيعي ويعمل معه لبناء العراق. الغاندي السنيّ العراقي لا يقبل بأن تُدنس أرضه غريب ودخيل على العراق. الغاندي السنيّ هو الذي يحمي الأقليات ويتفاخر بتاريخهم ووجودهم على أرضه. الغاندي السنّي يُبقي على عراق واحد متحد مع بقية مكونات الشعب العراقي الكردي والشيعي والمسيحي والإيزيدي والتركماني وغيرهم.

وإلى ساستنا المتشبثين بنزوات الأرض وملاذها أقول:  أي مستقبل هذا الذي تحاولون تأمينه لأنفسكم في عراق تحترق ارضه وسماءه وتشرد أبناءه وتسحق حضارته ومعتقداته وتراثه وإرثه وثقافته. فالعراق سيكون في صراع دائم ودموي لفترة طويلة قادمة وستظل النقود التي تجمعوها في المصارف الغربية راكدة لا تستطيعون أن تصرفوها حتى على ابسط الأشياء. فالمستقبل الذين تحاولون بناءه في العراق هو وكما قال السيد المسيح سيكون مبني على رمال سينجرف ويقع في أول عاصفة. فاقترح أن يضحي أحدا منكم بمركزه وأمواله واضعا ً العراق وشعبه ومصلحته أمام نصب عينه عسى أن يصبح غاندي العراق ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه. فهل ياترى سنشهد ولادة غاندي عراقي في المستقبل القريب أو البعيد ليعم السلام في ربوع العراق؟ وهل بالفعل يصبح رئيس الوزراء حيدر العبادي غاندي العراق المنشود؟ انشاء الله.