المحرر موضوع: هل الاندماج للمهاجرين واللاجئيين الي البلدان الجديدة ضروري او اختياري؟؟؟؟  (زيارة 10837 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

إشكالية اندماج المهاجرين في المجتمعات الجديدة
د. هاشم عبود الموسوي

تعتبر الهجرة خاصية إنسانية سكانية تتمثل في الانتقال من مكانٍ إلى آخر بحثاً عن حياةٍ أفضل أو هروباً من وضعٍ سيء. هذه الخاصية الديموغرافية والمتمثّلة في حق التنقّل، تم الاعتراف بها دولياً من أكثر من ربع قرنٍ ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد وضعت برامج وتم تحويلها من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لحل مشاكل المهاجرين. ومن ناحية اقتصادية يُمكن أن يكون للهجرة المنظّمة ردوداً إيجابية كبيرة سواء على المجتمعات المُهاجَر منها أو المُهاجَر إليها، بما في ذلك نقل المهارات وإثراء الثقافات. وتُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين في العالم وصل إلى أكثر من 200 مليون شخص. ولكن بقدر ما يُسهم المهاجرون في بناء المجتمعات المستضيفة بقدر ما يمثّل ذلك خسارة موارد بشرية للدول المُهاجَر منها أي ما يُعرف بهجرة العقول والكفاءات. كما أن الهجرة قد تسبب في خلق توترات سياسية واقتصادية أو اجتماعية في البلدان المُهاجر إليها وبضمنها نمو المستوطنات الغير رسمية ذات المستوى المتدنّي للسكن البشري وهو ما جعل موضوع الهجرة الدولية ينتقل إلى صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية.
تدفق المهاجرين إلى الدول الغنية يحمل في طياته مشاكل كثيرة بينها البطالة وصعوبة الاندماج، إضافة إلى حرمان بلدانهم الأم من كفاءات نادرة، واللجنة الدولية للهجرة تُطالب بسياسة جديدة، لكن الحل الأكثر عملية يتطلّب سلوك طريقٍ آخر.
أفاد تقرير اللجنة الدولية للهجرة GCIM إلى أن عدد المهاجرين في العالم وصل في الوقت الحاضر إلى 200 مليون نسمة مقابل 75 مليوناً قبل ثلاثين سنة. ويتوقع التقرير الذي تم عرضه في برلين اتساع ظاهرة الهجرة خلال السنوات القادمة. وفي هذا الإطار برز التزايد المضطرد في عدد المهاجرين من الدول الأفريقية والعربية منذ أكثر من عقدين. ويُشير إلى أنّه في الوقت الحاضر يتوجه آلاف الأفارقة يومياً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط الشمالي قاصدين أوروبا ومتحملين عناء الصحراء الكبرى الذي يؤدي بعددٍ منهم إلى الهلاك. أما الاتساع المذكور فيعود بالدرجة الأولى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول على خلفية غياب الحريات وانتشار الفساد والتسلط السياسي والدكتاتوريات.
مشكلة الاندماج:
يتوجه معظم المهاجرين في عالمنا إلى الدول الغنية، وفي مقدمتها دول شمال أمريكا واستراليا والاتحاد الأوروبي، ويعود اختيارهم لهذه البلدان إلى سعيهم لإيجاد فرصة عمل تساعدهم على تحسين مستواهم المعيشي. غير أن غالبيتهم تُعاني هناك من صعوبات كثيرة على صعيد الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة وفي سوق العمل فيها. ويبرز من بين هذه الصعوبات ضعف مستوى التأهيل مقارنةً بالمستوى السائد في الدول الصناعية الغنية. ويزيد من تعقيد الأمور ظاهرة التمييز العلني والمبطن ضد المهاجرين وأبنائهم، بسبب ازدياد حدة البطالة في هذه الدول. ولعل خير مثال على ذلك هو ألمانيا التي تعاني هذه الأيام من نسبة بطالة عالية وصل تعداد الذين يعانون منها إلى خمسة ملايين. ونظراً إلى صعوبة إيجاد عمل حتى بالنسبة للألمان، فإن الكثيرين منهم ينظرون إلى المهاجر أو أبنائه كمنافسين لهم في سوق العمل الآخذة بالتراجع. ومن شأن ذلك أن يولّد حساسيات ويُساعد على شيوع أحكام مُسبقة تقف عائقاً أمام اندماج القسم الأكبر منهم من المهاجرين في مجتمعهم الجديد وتنميته.
وحين يشعر المهاجر ولفترة طويلة بأن إقامته مؤقتة، فهو لا يسعى إلى تكييف محيطه وبيئته السكنية بدرجة مقبولة، حسب احتياجاته الاجتماعية والعائلية، وتبعاً لمقدرته الاقتصادية المحدودة، وفي الغالب يكون التحسين أو الارتقاء بالمأوى في حدودٍ ضيقة، وذلك لعدم قدرته على دفع نفقات التحسين. كما لا يشعر القاطن المُهاجِر بالاستقرار في المنطقة والأمان من حيث عدم امتلاكه لوحدة الإيواء.
والذي نُريد أن نقوله هنا هو أن نظرة المُهاجرين أنفسهم أثناء إقامتهم الفعلية في موطنهم الجديد، وتقويمهم لتلك التجربة التي يمرّون بها وبخاصة فيما يتّصل بعلاقتهم بالمجتمع الأصلي الذي نزحوا منه، ومدى ارتباطهم به، ونوع هذه العلاقات والروابط التي لا تزال كلها بحاجة إلى مزيد من الدراسة المتعمّقة عن طريق الاتصال المُباشر وتطبيق مناهج وأساليب البحث الأنثروبولوجي. ومثل هذه الدراسات خليقة بأن تكشف لنا عن جوانب إنسانية قلّما يُعطيها الباحثون ما تستحق من عناية واهتمام. والدراسات التي أجريت في الخارج، كلها تكشف عن قوة الرابطة التي تربط بين هؤلاء المهاجرين وأوطانهم الأصلية، وعن صدق الرغبة في العودة إلى الوطن.. وإن كانت هذه الرغبة لا تتحقق بالفعل في كل الحالات بل وقلما يبذل المهاجرون جهوداً حقيقية لإخراجها إلى حيز التنفيذ..
وقد يُفلح عددٌ منهم في تحقيق ذلك بعد أن يكونوا قد حققوا أهدافهم من الهجرة، أو نتيجة لتغيير الظروف في المجتمع الأصلي وزوال الأسباب والعوامل التي دفعتهم في الأصل إلى الهجرة، أو لعدم رغبة المجتمع المُضيف في الاحتفاظ بهم. نتيجة لبعض الأزمات الاقتصادية التي يُعاني منها. أو بعدما يكون قد استنفذ هو نفسه أغراضه منهم.
وعلى أي حال، فإن مثل هذه الدراسة تحتاج إلى مناهج وأساليب تختلف تماماً عن الأساليب السوسيولوجية والإحصائية التقليدية المتّبعة حالياً في مُعظم الدراسات التي بأيدينا، وتتطلب الاتصال المُباشر وتوطيد الثقة المتبادلة بين الباحث والأشخاص أو الجماعات الذين يُجري عليهم دراسته.
 


غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

ما هي مشاكل الأندماج التي تواجة المهاجرين في الدول الأوروبية,؟؟


علي الكسواني

ما هي مشاكل الأندماج التي تواجة المهاجرين في الدول الأوروبية,؟؟
وما هو دور الاعلام في التحفيز على الاندماج العادل بين الجاليات 

المهاجره والسكان الاصليين في دول الشمال خاصه وفي الغرب عامه. 

في هذا السياق ارى ان الاوربيون وخاصة في دول الشمال، يفرقون بين الناس حسب لونهم وديانتهم ، متجاهلين في كثير من الاحيان خبراتهم العلميه والعمليه ومستوى تأهيلهم. تمما كمايحصل في الدول العربية حيث ان المرء لا يسأل عن الدين فقط، وإنما عن المذهب وفيما إذا كان شيعي أم سني أم علوي ام مسيحي" كذلك اسم العائله له دور كبير في اتخاذ القرار. وبالنسبه لي لا تكمن المشكلة في السؤال وإنما في تبعات الإجابة عنه حيث يتم اتخاذ مواقف وقرارات قد تكون سلبية تجاه الآخر حسب انتمائه المذهبي فهذه القاعده في اعتقادي مُسلم بها في عالمنا العربي ولا تجد من يعترض عليها لا في وسائل الاعلام ولا حتى في المجالس الخاصه .
وفي دول الشمال نجد هناك صعوبه في الاندماج كون المواطن الاصلي لا يزال متاثرا بالاعلام الموجه ضد العرب خاصه رغم ان حكومات دول الشمال تبذل اقصى الجهود في مد جسور التعاون والادندماج بين المواطنين الاصليين والمهاجرين لقناعتهم بان للمهاجرن دور كبير في تسيير امور المجتمع والدوله في المستقبل القريب والبعيد معا لوجود نقص كبير في الخدمات لا يمكن التغلب عليه دون تأهيل المهاجرين لذلك مقدماُ.

لهذا قررت ان اطرح هذا السؤال من خلال مركز النور في السويد كون المركز يضم بين اعضائة نخبة كبيره من كبار المثفقين العرب المهتمين في شؤؤن الجاليات العربيه في الغرب واتمنى ان يجد هذا الموضوع تجاوبا من اخواني المثفقين في هذا الصرح الحضاري العظيم.
لعل مشاركاتكم واقتراحاتكم تنير لنا الطريق وتتيح الفرصه للسياسيين والمواطنين على حد سواء ان يغرفوا من تجاربكم وعلمكم ويعملوا على تطبيق اقتراحاتكم لما فيه خير الجاليات المهاجره لتمكينهم من خدمة وطنهم الجديد الذي عقدوا العزم على الاقامة فيه بعد ان ضاقت عليهم اواطنهم الاصليه. علما بانني ساتابع الموضوع بنفسي وساقوم بترجمة كل مقترحاتكم الى اللغه السويديه كي يتمكن الشعب السويدي من الاطلاع عليها. راجيا ان يكون الرد منطقيا قابلا للنشر من قبل مركز النور والترجمه مني شخصيا لانني ساقوم بطبعه وتوزيعه على اعضاء مجلس الامه السويدي ان امكن مع الشكر والتقدير لكل مشارك.



 

علي الكسواني


غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

لهجرة بين الحاجيات وعوائق الاندماج

 
مهاجرون غير شرعيين في أوروبا

محمد نظيف
إن إشكالية الهجرة تعتبر من بين أهم انشغالات جل إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول ذات التقاليد العريقة في استقبال المهاجرين (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا) أو الدول الحديثة العهد في هذا الميدان (إيطاليا، إسبانيا والبرتغال) التي تبحث كلها عن الوسائل التي تمكنها من مراقبة وتدبير تدفقات المهاجرين حسب حاجيات الدول المستقبلة وكذا الإجراءات القانونية والعملية التي تمكن من اندماج المهاجرين في مجتمعات تلك الدول. لكن يبقى السؤال: كيف تتم في الواقع الموائمة بين هذين المطلبين.
أوروبا والحاجة إلى اليد العاملة
الاندماج بين الخطاب والممارسة
أوروبا والحاجة إلى اليد العاملة
"لتعويض العجز الدمغرافي الناجم عن انخفاض خصوبة المرأة الأوروبية ومن أجل الحيلولة دون انهيار نظام التقاعد فإن تقديرات المصالح الدمغرافية للأمم المتحدة تقدر بأنه على أوروبا أن تستقبل 159 مليون مهاجر في أفق 2025"
إن أوروبا التي كانت حتى بداية القرن العشرين بلدا مصدرا للهجرة، تحولت إلى أرض استقبال، بل ومن أهم المناطق المستقبلة للمهاجرين. هذه الحاجة إلى الأشخاص الوافدين من خارج أوروبا ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى خاصة مند العقدين الأخيرين من القرن العشرين حيث تحولت بعض الدول الأوروبية من بلدان مرسلة للهجرة إلى بلدان مستقبلة لها مثل إيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال فيما بعد.
وقد تم استعمال اليد المهاجرة في عدة مجالات وفي حالات الحرب والسلم.
فخلال الحربين العالميتين لم تتردد بريطانيا وفرنسا مثلا من اللجوء إلى مستعمراتها من أجل تجنيد عدد كبير من الناس. وهكذا تم تجنيد ما بين 70 ألفا و90 ألف مغربي خلال الحرب العالمية الثانية من قبل فرنسا.(1)
بعد الحرب العالمية الثانية ساهم العمال المهاجرون في عملية إعادة إعمار أوروبا في مجال البناء والأشغال العمومية كما تم استعمالهم كيد عاملة في المناجم وقطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات.
خلال صدمة البترول الأولى والأزمة الاقتصادية التي واكبتها في جل الدول الأوروبية، شرعت هذه الأخيرة في اتخاذ عدة تدابير من أجل التوقف عن استيراد اليد العاملة الأجنبية، كما تم الترويج لبعض الأفكار مثل:
أن عهد الهجرات الكبرى قد مضى.
أن العاطلين الأوروبيين سيحلون محل العمال المهاجرين.
أن التقسيم الدولي للعمل قد يجعل الهجرة دون جدوى.
كما أن التقدم سوف يعوض الهجرة.
لكن الملاحظ كان عكس ذلك حيث أن عدد الأجانب الوافدين على أوروبا لم يتوقف كما أخذ أشكال ومظاهر أخرى.
من الهجرة الذكورية والمؤقتة إلى الهجرة العائلية والدائمة
إن الهجرة إلى أوروبا والتي كانت في البداية تهم الذكور على الخصوص كما أنها كانت تعتبر بمثابة ظاهرة مؤقتة، تحولت منذ عقد السبعينات من القرن العشرين، إلى هجرة دائمة وعائلية الأمر الذي أدى إلى إعطاء وجه جديد لظاهرة الهجرة كما طرح عدة إشكالات أخرى.
فبموازات مع قرار الحد من الهجرة إلى أوروبا انطلقت سياسة التجمع العائلي وقد نتج عن ذلك ارتفاع عدد النساء المهاجرات وكذا عدد الأطفال والشباب المهاجرين.
"على الرغم من كل ما يقوم به المهاجرون في تنمية دول الاستقبال فإنهم يعانون من عدة أشكال من التمييز والإقصاء في كل المجالات: السكن, التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والثقافية "
من هجرة اليد العاملة إلى هجرة الكفاءات
إن العولمة ما فتئت تعمق الهوة بين دول الشمال ودول الجنوب في مستوى التقدم الاقتصادي وخاصة في ميدان التكنولوجيا المتطورة. هذا الوضع أدى إلى تقسيم جديد للأنشطة الاقتصادية على المستوى العالمي وتمركز جل أنشطة الخدمات التكنولوجية الحديثة في دول الشمال ومن ثم ظهور الطلب على اليد العاملة المهاجرة ذات المستوى الثقافي والعلمي المرتفع. وهكذا أخذت دول الاتحاد الأوروبي تستقبل أعدادا متزايدة من الأساتذة الباحثين, والمهندسين والأطباء والمحامين الإعلاميين... إلخ
كما شرعت في نهج سياسات انتقائية في ميدان الهجرة لتتمكن من استقطاب بعض المتخصصين في مجالات معينة من العلم والمعرفة (البطاقة الخضراء بألمانيا Green Card).
هذه السياسة الانتقائية ينتج عنها "جلب للأدمغة "من دول الجنوب وجعل عدد كبير من الأشخاص الآخرين يقعون في وضعية السرية واللاقانون.
الهجرة غير الشرعية كمكمل للهجرة القانونية
بموازاة مع استمرار الهجرة القانونية. لوحظ منذ نهاية الثمانينات ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين على المستوى العالمي بصفة عامة والأوروبي بصفة خاصة كما تعدد شبكات التهريب والمتاجرة في اللحوم البشرية. ولم تعد  تقتصر ظاهرة الهجرة السرية على الرجال فحسب بل طالت حتى النساء والأطفال.(1)
هذا الارتفاع ناتج عن الطلب المتزايد من طرف بعض القطاعات الاقتصادية في دول الاستقبال والتي تحتاج إلى يد عاملة كثيرة بصفة دائمة أو بصفة موسمية: كالفلاحة, والبناء والأشغال العمومية, والنسيج والخدمات المنزلية, والمطاعم والفنادق وخدمات الأشخاص المسنين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بين الفينة والأخرى تتم تسوية الوضعية القانونية لبعض المهاجرين السريين من طرف الدول لأوروبية.
ففي فرنسا خلال عمليتي التسوية في 82– 1983 و1997 كان 30% يعملون في قطاع البناء ثم بعده المطاعم وخدمة الأشخاص المسنين, والأشغال المنزلية والنسيج.(3)
كما أن حاجيات الدول الأوروبية إلى المهاجرين ستزداد خلال السنوات المقبلة نظرا للخصوصيات الديمغرافية لهذه القارة والتي تتميز بالشيخوخة وانخفاض الخصوبة.
"هناك من يرغب في أن يكون المهاجر مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والدينية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها"
فشيخوخة السكان تؤدي إلى انخفاض نسبة الساكنة النشيطة كما تؤدي إلى ضغط كبير على نظام الضمان الاجتماعي والتعليم، فعلى سبيل المثال فبحلول سنة 2007 سيفوق عدد العمال الذين يتراوح أعمارهم ما بين 55 و 64 عاما بكثير عدد الذين هم ما بين 20 و29عاما. (2)
فيما يخص الخصوبة, فلكي يتم تجديد الأجيال والحفاظ على المستوى الدمغرافي لبلد ما, يجب أن لا يقل مستوى معدل الخصوبة لدى النساء عن 2.1 لكن الملاحظ في أوروبا هو أنه وصل إلى 1.6 فقط, بل إنخفظ في بعض دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا إلى 1.07 بعدما كان سنة 1975 في مستوى 2.8.
ولتعويض هذا العجز الدمغرافي ومن أجل الحيلولة دون انهيار نظام التقاعد فإن تقديرات المصالح الدمغرافية للأمم المتحدة تقدر بأنه على أوروبا أن تستقبل 159 مليون مهاجر في أفق 2025.


الاندماج بين الخطاب والممارسة
إن التحول الذي عرفته ظاهرة الهجرة إلى أوروبا من مؤقتة إلى دائمة كان له عدة مؤثرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ارتفاع نسبة النساء المهاجرات
ارتفاع نسبة الزواج المختلط
ارتفاع نسبة التجنس
ارتفاع عدد الأطفال الأجانب في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها داخل دول الاستقبال.
وهكذا لم يعد ينحصر مجال المهاجرين في إطار العمل الذي يزاوله بل أصبح كائن يرغب في الاندماج أكثر هو وباقي أفراد أسرته داخل مجتمع الاستقبال ويريد أن يتمتع بمواطنة كاملة (خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث) والتي من خلالها يؤدي ما عليه من واجبات ويحصل على ما له من حقوق خاصة على مستوي السكن والتعليم والعمل. فما هي الإجراءات القانونية المتخذة في هذا المجال وما هو الواقع المعاش؟.
1- الاندماج على مستوى الخطاب
"تتفاقم مشكلة الاندماج  بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة أكثر من غيرها بسبب الأحكام والتصنيفات المسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية"
الكل يقر بأنه على الحكومات أن تلعب دورا رئيسيا وفعالا في مجال مسلسل اندماج المهاجرين وكذا ربط وتوطيد العلاقات ما بين مختلف المجموعات البشرية المتواجدة في دولة ما.
كما أن هذه المسألة لا تخص المهاجرين والأقليات فحسب بل وتشمل أيضا مجتمعات دول الاستقبال بأكملها, والتي يجب أن تتفاعل بطريقة إيجابية وبذل الجهود من أجل التكيف والتواصل مع المهاجرين.
على المستوى الرسمي يصرح اللمسؤولون باستمرار بأن السلطات العامة تعمل على أن يتمتع المهاجرون بنفس الحقوق المخولة لمواطني البلدان المستقبلة وكذا تكافؤ الفرص خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ميادين التعليم والصحة والسكن والعمل.


2- عوائق الاندماج
على الرغم من كل ما يقوم به المهاجرون في تنمية دول الاستقبال فإنهم يعانون من عدة أشكال من التمييز والإقصاء في كل المجالات: السكن, التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والثقافية.
لكن حدة هذا الإقصاء والتمييز تختلف حسب الأصول الإثنية للمهاجرين وكذا لغتهم ودينهم كما تختلف حسب وضعيتهم القانونية في البلدان المضيفة.
السكن: إن مستوى الاستفادة من فضاء الإقامة والسكن يعتبر من أولى المؤشرات والأعراض التي تبين مدى اندماج أو إقصاء فئة معينة. وفي هذا المجال نشير بأن جل المهاجرين يعانون من الإقصاء لكن حدته تختلف حسب مدة الهجرة والبلدان. لكن السمة الغالبة في هذا المضمار هي:
تجمع المهاجرين, خاصة المغاربيين منهم, في أحياء معينة حيث ترتفع نسبة الانحراف والتهميش.
في البلدان الحديثة العهد بظاهرة الهجرة مثل إسبانيا وإيطاليا يتكدس بعض المهاجرين (3, 4 أو5 أشخاص) في غرف مشتركة أو في أماكن العمل بالنسبة للعمال الفلاحيين. وتنعدم في هذه البيوت أبسط الظروف الصحية.
"المسؤولون الأوربيون واعون بأهمية المهاجرين لكن هناك من لا يزال يجد صعوبة في الموائمة بين الحفاظ على الصفاء العرقي والثقافي والحضاري لأوروبا, وحاجة هذه القارة العجوز إلى الأجانب لتغطية النقص الدمغرافي والاستجابة لحاجات مختلف القطاعات الإنتاجية بكل أنواعها ومستوياتها"
التعليم: "المدرسة للجميع"  تبقى هي أيضا في بعض الأحيان مجرد شعارات لأن المهاجر لا يتوفر على نفس الظروف الثقافية (اللغة) والاجتماعية (البيئة العائلية) من إتمام مساره الدراسي في أحسن الأحوال، وحتى إذا ما تمكن من تجاوز مختلف العقبات والصعاب وحصل على مستويات أكاديمية عالية فإن ذلك لا يعني بالنسبة إليه الحصول على شغل يتلاءم ومستواه الدراسي وكذا مؤهلاته العلمية والتقنية.
الشغل: وهذا يحيلنا على الإشكالية المتعلقة بالشغل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العمال المهاجرين يتمركزون أساسا في قطاع المعادن والفلاحة ... والعديد من الأشغال التي لا يقبل عليها السكان المحليين.
البطالة: كما أن المهاجرين هم الذين يعانون أكثر من مشكل البطالة ويتفاقم الوضع أكثر بالنسبة للمهاجرين من المغرب العربي وأفريقيا السوداء وتركيا. ففي فرنسا مثلا إذا كانت نسبة البطالة العامة تقدر بحوالي 12.4% فهي تتغير بالنسبة للمهاجرين حسب أصولهم الإثنية وجنسيتهم. ففيما يخص مواطني دول الاتحاد الأوروبي فإنه يقدر ب 10.1% بينما يرتفع إلى 31.2% بالنسبة للجاليات الأخرى.
الأنانية واللاعقلانية وعدم الموضوعية هي القيم السائدة غالبا في سوق العمل عندما يتعلق الأمر بتشغيل الأشخاص المهاجرين أو ذوي الأصول الأجنبية, لأن الحصول على الجنسية لا يعني بالضرورة الاندماج الكامل والتخلص من التمييز والإقصاء. فهناك من قام بتغيير اسمه لكنه لم يتمكن من بشرته وملامحه.
الاندماج: كما أن مشكلة عدم اندماج المهاجرين يتجلى أكثر في الميدان الاجتماعي إذ غالبا ما يكون هناك خلط بين الهجرة والإجرام. وتتفاقم الوضعية بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة، فهناك أحكام وتصنيفات مسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية.
إن المسؤولين الأوربيين واعون بأنه لا مناص لأوروبا من المهاجرين. لكن هناك من لا زال يجد صعوبة في الموائمة بين الحفاظ على الصفاء العرقي والثقافي والحضاري لأوروبا, وحاجة هذه القارة العجوز إلى الأجانب لتغطية النقص الدمغرافي والاستجابة لحاجات مختلف القطاعات الإنتاجية بكل أنواعها ومستوياتها.
كما أن هناك من يرغب في أن يكون المهاجر مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والدينية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها. فهل نحن أمام ظاهرة نوع من الاستعباد للآخرين خلال الألفية الثالثة؟.
إن عملية اندماج المهاجرين أو الذين هم من أصول مهاجرة عملية معقدة تستدعي تضافر جهود كل الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والإعلامي, والتعليمي وكذا مختلف مكونات المجتمع المدني من أجل نشر وتعميق وتطبيق مبادئ التسامح والاعتراف بحق اختلاف المهاجرين والأقليات المتواجدة في بلد واحد وقبول هذا الاختلاف والتعايش معه.
______________
أستاذ بكلية الحقوق، الرباط، عضو مكتب الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.

المصادر
1- محمد نظيف: الهجرة السرية وتفشي ظاهرة الزواج المختلط: مداخلة بندوة حول الزواج في العلاقات المغاربية الأوروبية, كلية الحقوق وجدة المغرب
Mohammed Nadif : colonisation des mobilités transnationales : les conséquences socio-culturelles ( Université de Cagliari – Sardaigne – Italie ).
Mohammed khachani : L’impact de l’émigration sur les pays d’origines (quaderne 16 Université de Bari – Italie)
2- أنظر وقائع ندوة حول هجرة الكفاءات: كلية الحقوق أكدال الرباط أبريل 2001 .الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.
3- وقائع الندوة حول الهجرة والمواطنة كلية الحقوق أكدال الرباط أبريل 2003 . الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة.
4- Dignité pour les migrants : sous la direction de Lucia Bianco et Carmine Lanni .Edition gruppo ABELE.Torino 2000.
5- Informe 2000 Sobre la inmigracion en Almeria. Andalucia 2000
6- Tendances des migrations internationales : O C D E 20

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

ظافر شينوجاك - عبد القادر بن علي:
المهاجرون والاندماج في أوربا
ظافر شينوجاك كاتب مقيم في ألمانيا ذو أصل تركي وعبد القادر بن علي كاتب هولندي ذو أصل مغربي يتناقشان في المراسلة التالية حول الحياة في ثقافتين وحول مشكلة الهجرة والاندماج في أوربا.
برلين، 30 مارس/آذار
عزيزي عبد القادر
نشأت داخل عائلة يلعب الدين فيها دورا كبيرا. وقد كان أبي خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي قائما على إصدار إحدى المجلات الدينية الأكبر تأثيرا في تركيا. تلك المجلة التي تسمى بكل بساطة "إسلام" كانت منبرا فكريا لإسلام ذي طابع محافظ، فقهي، صوفي و فلسفي.
لكنه لم يكن إسلاما ذا محتوى سياسي من ذلك النوع الذي تم إقصاؤه من مجالات الحياة العامة في إطار مسلسل الإصلاحات التي
ظافر شينوجاك، الصورة: الأرشيف الخاص
ظافر شينوجاك: لمدة من الزمن ساد الاعتقاد بأن مسألة الدين قد تم تجاوزها، منذ موجة التحرر الجنسي على الأقل.
​​وضعها كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة. وبالمقابل كانت أمي معلمة مدرسة عصرية وهي تنحدر من عائلة موظفين علمانية. كان أبوها قاضيا من الجيل الأول لرجال القانون في الجمهورية التركية.
ويعتبر الإسلام في نظر هذه العائلة شأنا من شؤون الطبقات الدنيا للمجتمع يتجسد في غطاء الرأس المرتبط في ذهنهم بالريفيات وخادمات البيوت. كان الإسلام يمثل بالنسبة إليهم السبب الرئيس في تأخر البلاد. ألم يظل الفقهاء لقرون عدة يعيقون كل تطور للمجتمع بأحكامهم الشرعية الظلامية؟ بل أنهم قد رفضوا حتى إدخال استعمال المطابع خوفا مما يمكن أن تسببه تلك الآلات من تعدد في نسخ القرآن المقدس.
لكن أتاتورك قد حرر المرأة من سجنها المجتمعي، كما وضع الأسس لعلوم وبحوث حول المعارف الدينية وقاد مسارا تنويريا. داخل هذا المحيط وجد أبي نفسه بأفكاره وقناعاته الدينية على الهامش. لكنه كان يبهرني بشخصيته الهامشية تلك.
إذ أنه كان رجلا ذ عمق فني وكان أكثر تفتحا من الكماليين المتشددين عندما يتعلق الأمر بمسائل فنية أو بالمواضعات الاجتماعية. من أجل أي شيء كان ذلك الرجل يناضل في النهاية؟ من أجل دوره كرجل، أم من أجل عقيدته، من أجل كرامته أم من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وبالتالي فإن ما يسمى بصراع الثقافات يعد بالنسبة لحالتي مسألة عائلية داخلية.
وبما أنني أعتبر التوترات محركا للطاقات الإبداعية فإنني كنت أجد نفسي داخل هذا الوسط في موقع مناسب جدا، حتى وإن كنت أنتهي دوما إلى الخلاصة نفسها وهي أن حوارا في مجال المسائل المتعلقة بالمعتقد لا يمكن أن يوجد إلا بصفة جزئية ومحدودة.
مع ذلك يظل التنويري الذي يعتقد في استقلال الإنسان بمسؤوليته، والمؤمن الذي يرى نفسه صنيعة المشيئة الإلهية مرتبطين ببعضهما لا يستقيم وجود أحدهما من دون الآخر. أحدهما يذكر الإنسان بقدرته على الفعل وبطاقاته الإبداعية، والثاني بمحدوديته. وإن وجود أحدهما دون الآخر يفضي إلى الهجانة، أو إلى العبودية.
عبد القادر بن علي، الصورة: http://www.ukzn.ac.za
الكاتب المغربي الأصل المقيم في أمستردام عبد القادر بن علي
​​تركيا الستينات لم يعد لها من أثر الآن. والحجاب لم يعد رمزا للطبقات الدنيا للمجتمع بل لنساء يردن التعلم ولا يسمح لهن بذلك بسبب المنديل الذي يضعنه على رؤوسهن. وزوجة رئيس الوزراء نفسها ترتدي الحجاب. لذلك هي لا تظهر في المناسبات الرسمية للدولة التركية. مفارقة: هذا النظام الذي كان يريد تحرير المرأة وإخراجها من عزلتها غدا الآن يسد عليها باب ولوج الفضاء العمومي. إن النساء المسلمات يتقبلن بحق هذا الأمر كضرب من الميز.
لكن أية ديانة هذه التي تصوغ للناس قوانين لباسية بعينها؟ وأي دخل لله في أمور الجنس؟ ولِم تتوجب في النهاية حماية الرجل من فتنة المرأة؟ ألا تغدو الحياة أكثر رونقا إن كان بإمكاننا نحن الرجال أن نعاين هذه الفتنة بكل ما فيها من سحر ومباهج؟ وما الذي تجنيه المرأة من وراء كل هذا؟
لمدة من الزمن ساد الاعتقاد بأن مسألة الدين قد تم تجاوزها، منذ موجة التحرر الجنسي على الأقل. لكن هذا التحرر الجنسي لم يجد طريقه إلى الأذهان في المجتمعات الإسلامية، إذ هو بالأساس ظاهرة من صلب المسيحية الغربية. ففي المجتمعات الإسلامية ما من حاجة هناك لتخليص الجنس مما علق به من تصورات القذارة، فهو قائم الوجود ومعترف به كحاجة طبيعية. لكن ينبغي تأطيره وتنظيمه شأنه شأن كل الأشياء عموما.
وبسرعة سيتحول الجنس إلى شأن من الشؤون المتعلقة بالشرف؛ من وجهة نظر الرجل بطبيعة الحال. إن هذا الهوس بالنظام الذي يطغى على المجتمعات الإسلامية ليس له ما يضاهيه في غيرها. شيء من صميم الطبع الألماني في الواقع. لكن منذ تجربة الحكم الهتلري كانت قد ارتخت وتيرة الشطط في الاحتفاء بهذا الهوس النظامي في ألمانيا.
ذات مرة شاهدت مقتطعات من فلم يعرض الهولنديون فيه صورة عن المهاجرين. كانت هناك صورة لامرأة نصفها الأعلى عار. إنها صورة صادقة على أية حال. إذ هكذا يتصور الناس الغرب في العالم الإسلامي: آلة للإنتاج الاقتصادي والجنسي. لكن هل يريد الغرب أن يرى نفسه على هذه الصورة؟ هل بإمكان المرء، وهل يحق للمرء أن يفصل الجسد عن الرغبة الجنسية وأن تتكون للمرء تبعا لذلك علاقة حرة بذاته؟
في ألمانيا يجري الحديث بكثرة الآن عن تقلص نسب الولادات وعن تدهور المنظومة العائلية، وعن القيم بصفة عامة. قبل عشر سنوات فقط كان الناس ينادون بمجتمع التسلية، وقد كُرس الحفل طقسا مركزيا في الحياة. أي نعم، بمثل هذه السرعة تتغير الحقب وتتناوب. بل إن الأمر لا يتجاوز كونه تشظيات زمنية. ولعل ذلك هو أحد العوامل المتسببة في الحالة العامة للشعور بالضياع وفقدان البوصلة.
لقد نجح البابا الراحل في أن يضع نفسه في مرتبة النجوم الفنية الشعبية بحلول من نوع ترك وسائل الوقاية الجنسية وممارسة الجنس قبل الزواج. نعم، هذا أيضا هو الغرب. وأحيانا يتراءى للمرء كما لو أن المرء هنا يحسد المسلمين على عائلتهم الكبرى "المتماسكة"، بل وعلى حسهم الجماعي عامة.
هذا الحسد الموارب لا يمثل البتة شرطا ملائما لترويج الحس الفردي. وضمن مثل هذه الظروف يسعى المرء إلى جعل المجتمع المتفتح نمطا مستساغا لدى المهاجرين المسلمين، ويطالبهم بمزيد من الاحترام والإخلاص؟ إن فكرة انطواء عملية الهجرة بكليتها على عنصر إيروتيكي تبدو لي واضحة. لكن التلاقح لا يمكن أن يتم إلا إذا ما كانت هناك استمالة متبادلة؛ أي قدر محدد من الجاذبية.
ظافر شينوجاك
ترجمة علي مصباح
أمستردام، 4 أبريل/نيسان

عزيزي ظافر
إنني مندهش لهذا النسق السريع الذي عرفته العولمة خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل انتشار الأنترنت وتذاكر الطيران الرخيصة، لكن أيضا بسبب التقارب الرهيب بين الكيانات الثقافية المختلفة التي وجدت نفسها منجذبة إلى بعضها بفعل ما طرأ من أحداث من نوع الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أو حرب الخليج.
أنا شخصيا، عبد القادر بن علي، ولدت بالأقاليم الفقيرة للشمال المغربي من أبوين لا يكادان يعرفان القراءة والكتابة(غادر أبي
عبد القادر بن علي، الصورة: ukzn.ac.za
عبد القادر بن علي
​​ البلاد في الستينات باتجاه أوروبا ليعيش حياة عامل مهاجر هناك حتى انتهى به المطاف إلى الاستقرار كجزّار في مدينة روترادام)، والآن ها أنا أكتب باللغة الأنكليزية وأتحاور مع كاتب ألماني تركي حول مسألة الحجاب، والتناقضات الناشئة بين العلمانية والفكر الديني، وحول الإمكانية المثلى لتفادي إشكالات سوء التفاهم.
لقد التقينا في ماستريشت، المدينة التي تم فيها التوقيع على الاتفاقية الشهيرة التي سينشأ عنها في ما بعد توحيد العملة والاقتصاد الأوروبيين. وقد كان تقبّل الكثير من جماهير الكادحين آنذاك لتلك الفكرة الأوروبية (حسب عبارة ديغول) شيئا خطيرا معتبرين أنه لا خير يرجى من ورائها. ومنذ ذلك الحين تعالت في كل مكان أصوات التشكي من أن هذا العالم الذي نعيش داخله شاسع، وقد أصبح القادة السياسيون محل تهكم وازدراء - ولم يكن ذلك دوما عن غير حق.
ومع ذلك يبدو وكأن مواقف حتى أكثر المنتقدين لهذه الفكرة الأوروبية تشددا قد لانت، أو على الأقل قد فترت حدة انتقاداتهم. واليوم فإن الإسلام هو موضوع الساعة الأساسي في أوروبا، والحديث كله يدور حول ما إذا كانت تشريعات المسلمين ومنظومتهم الأخلاقية وأشكال حياتهم الاجتماعية قابلة للتلاؤم مع قيم المجتمعات العلمانية التي يعيشون داخلها كأقليات.
هناك حيرة يمكن للمرء أن يلمسها بسهولة، وهناك خوف أيضا بعد حادثة اغتيال السنيمائي تيو فان غوخ في أمستردام ومجيء الحكومة اليمينية التي يتميز برنامجها السياسي بمعاداة واضحة للإسلام. في أثناء ذلك غدا الكثيرون يعتقدون بأنه لا ينتظر من المسلمين أي خير. ينظر المرء إليهم كمتخلفين ويُستشهد في ذلك بالحجاب الذي لا يمثل مجرد غطاء للرأس بل وسيلة اضطهاد للمرأة، أو بطقوس ذبح الخرفان في عيد الإضحى، أو بالخطابات المعادية للغرب التي يجترها المسلمون كلما طرحت للنقاش مواضيع تتعلق بالعولمة أو بالفصل بين الدين والدولة.
أول مرة رأيت فيها مهاجرين مسلمين ممثلين كفئة في حد ذاتها كانت في فلم ألماني. تدور أحداث القصة حول مجموعة من المهاجرين الأتراك قادمين من بلاد الأناضول إلى ألمانيا داخل شاحنة للبضائع، لكنهم كانوا لا يتكلمون مع بعضهم إلا نادرا. وفي برلين التي تُقدم كمدينة فاحشة تجد الجماعة نفسها أخيرا أمام عرض جنسي مباشر ويشاهدون امرأة ورجلا عاريين يتضاجعان فوق الخشبة. أفراد الجماعة الذين دفعوا مبلغا لمشاهدة هذا العرض يصفقون عندما يبلغ الرجل حالة الاستفراغ. لكنهم لا يصفقون أبدا عندما تبلغ المرأة ذروتها. وبالرغم من أن والديّ قد حاولا أن يخفيا عني هذا المقطع السخي جدا، إلا أنني تمكنت من مشاهدته، ولم يمّح بعدها من ذاكرتي البتة. ما استخلصته من ذلك هو أن المسلمين يشمئزون من الجنس الرخيص.
واليوم أجدني مطالبا ككاتب ذي خلفية إسلامية أن أوضح للمجتمع ولأولئك الذين يريدون إصلاحه كيف ينبغي التعامل مع هذه الأقلية التي يفترضون أنها متناغمة. وعندما أسأل عن رأيي أحب دوما أن أمارس شيئا من الدعابة العابثة. وأنا على رأي أنه على الكتّاب أن يتقنوا مثل هذا الغمز. خاصة الآن وفي مثل هذه الأجواء المشحونة باللغط.
-"كيف يمكننا حل هذه المشكلة مع المسلمين؟" غالبا ما أُسأل.
-"إنني لا أرى أية مشكلة"، أجيب دوما.
-"كيف لا ترى أية مشكلة؟"
-"أية مشكلة إذن؟"
-"ألا ترى كيف أن الجيل الثاني من المهاجرين المغربيين ينظرون باحتقارإلى الثقافة الغربية؟ إنهم معادون للسامية عداء متمكّنا ويستجلبون زوجاتهم من بلادهم الأصلية ولا يخرجون عن محاكاة نمط عيش آبائهم. علاوة على ذلك فهم مازالوا يتناولون أكلهم بأيديهم."
-"أي عيب في ذلك، أن يتناول المرء أكله بيديه؟"
-"إنك تعرف ما الذي أعنيه."
لا أستطيع أن أمنع نفسي من الابتسام قبل أن أجيب. ثم أسأل مخاطبي: "هل سمعت عن تلك الاستمارة التي أعدت في هولندا؟ "Forum"(المنتدى)، وهو معهد يقوم بدراسات عن التطورات والاتجاهات المختلفة داخل مجتمع متعدد الثقافات، قدم في هذه الاستمارة أسئلة لمسلمين من الشباب حول حياتهم الدينية وكذلك حول نظرتهم إلى مسائل متنوعة من الحياة اليومية. وقد اتضح من بين ما كشفت عنه هذه الاستمارة أن لا أحد تقريبا من هؤلاء يؤم المساجد، بل إن اهتماماتهم موجهة بالأحرى إلى الأزياء الإستعراضية أكثر من التوجه الى قبلة مكة من أجل الصلاة.
إنهم شباب، وككل الشباب هم أيضا ميالون إلى التطرف. لتتذكر قليلا جيل الـ68 الذين كانوا يضعون زهورا في شعرهم ويستمعون إلى موسيقى عجيبة وينادون بالثورة العالمية. كم من هؤلاء ظل حقا مواصلا على درب تلك الأهداف التي كانوا ينشدونها؟"
لكن ليس بهذه السهولة يمكنني دوما التخلص من ورطة هذه النقاشات. ذلك أن الناس عندما يقعون على كاتب هولندي من أصل مغربي بإمكانه أن يتناقش معهم في مسائل متنوعة؛ من الإسلام في مناطق الواحات المغربية إلى السمفونية الخامسة لمالر، فإنهم لن يكفّوا عنه بسهولة.
-"لكن الدعوة إلى المحبة والسلام تختلف تماما عن الدعوة إلى الجهاد وتقتيل الكافرين. إن هذا الجيل من المهاجرين لم يعد لديه أي احترام، ولأي شيء!"
-"لكن لعل ذلك من خصوصيات الزمن الذي نعيش فيه. أن لا يكون للناس أي احترام لبوش أو لتوني بلير، وأن يسموا الأشياء بأسمائها. أن يكون هناك كلام عن التمييز وعن انعدام العدالة الاجتماعية، أو أن يطرح التساؤل عن المعنى الذي يمكن أن يكون للإيمان الديني في عصر العلمانية، فهذه ليست من مشاغل الشباب المسلم وحده. إنها موضوع الكلام في كل مكان، وباب الجدال قد فتح الآن."
-" تريد أن تقول إذن إنهم مثل غيرهم تماما."
-"أنا على أية حال لا أرى فرقا كبيرا."
-"ما عدا الحجاب."
-" أتدري أن هناك فتيات يرتدين الحجاب لكنهن يتزينّ ويدخنّ السجائر؟ إن ذلك يبدو كمثال على التناقض، لكنني رأيت ذات مرة فتاة تركية ترتدي حجابا (بالمناسبة التركيات يضعن الحجاب بطريقة تختلف تماما عن المغربيات) وتجر وراءها كلبا. إنه تناقض في حد ذاته، بل هو أقصى أشكال التناقض."
-"إذن أنت لا ترى أي خطر؟"
-"إنني أرى كثيرا من الكلاب المشدودة."
-"بعض تلك الكلاب تعض."
-"بعض تلك الكلاب وديعة."
-"البعض من تلك الحجابات يطالب بمزيد من الحجاب ويحركه رجال من أصحاب اللحى."
-"البعض من تلك الحجابات له ممارسات جنسية مذهلة، حتى عندما لا يتحدث عن ذلك، وحتى عندما يتستّر عليه أمام المجتمع.
تُرانا بحاجة إلى مهرجان للحجاب كما كان جبل الستينات بحاجة إلى مهرجان وودستوك Woodstock-Festival كي يبرهن على أنه قد تحرر من كل القيود، وأنه حل اللغز الوجودي الذي كان يشد مجتمع ما بعد الحرب إلى فلكه؟"
-" إذن أنت لا ترى أي خطر؟"
-"إنني واقعي. وأعتقد أننا بحاجة إلى مصالح أمنية قوية تستطيع أن تمنع حدوث عمليات تستهدف المجتمع المدني. لكنني أعتقد أن الحريات الفردية حاليا مهددة أكثر مما يدعى بالمجتمع المدني."
-"بودي لو تكون على حقّ."
-"وبودي لو أنه بإمكاننا أن نتوصل بالحجج إلى إقناع حتى أكثر الناس خوفا ممن وُهب شيئا من عقل بأن ينظر بثقة إلى المستقبل وأن يناضل من أجل ذلك المستقبل."
-" أي أنك تريد أن تنتصر على الخطر الذي يحكم قبضته على المجتمع؟"
-"لِم لا؟"
-"لأن الخطر لا يعرف اللعب."
-"ذلك ما سنراه مستقبلا."
عبد القادر بن علي
برلين، 11 أبريل/نيسان

عزيزي عبد القادر
​​تتكلم في رسالتك عن العالم الشمولي. وبالنسبة لنا نحن الكتاب بالذات، نحن الذين نحتاج إلى شيء من البطء لكي نستطيع العمل، ذلك أن الكتابة ليست في الحقيقة شيئا آخر غير التخفيض في نسق سيل الكلام من أجل الإمساك بما هو مهم، فإن هذا العالم يمثل ضربا من التحدي(الذي يواجهنا)، لكنه يفتح أمامنا أيضا مجالات جديدة للتدخل وفضاءات للتواصل.
فهل من باب الصدف أن نجد أنفسنا نتواصل ونتحاور عبر هذه الوسيلة الإعلامية التي هي جزء من هذا العالم الشمولي. وليس الكلام المتكررعن فشل المجتمعات ذات التعدد الثقافي سوى التعبير عن الفشل أمام ما تطرحه العولمة من تحديات.
وكلمة السر بالنسبة لهذا الفشل هي "الخوف". خوف من فقدان السبل المعتادة وإمكانيات التعبير المتداولة والعملات المعهودة. ففي كل لحظة يمكن لما هو معروف أن يغدو شيئا غير معهود و تحوّلا جديدا. وهذه التحولات المطردة لا يتم تقبلها كأشياء مثيرة ومثرية، بل كخطر مهدد، خاصة وأنها غالبا ما تكون مرفقة بخسارات على مستوى السلطة الاقتصادية والسياسية.
عندما تم استجلاب اليد العاملة الأجنبية إلى ألمانيا قبل ما يقرب من نصف قرن من الزمن لم يكن لأحد بالتأكيد أن يفكر في الخطر الإسلامي. واليوم يؤلف العديد من الكتاب كتبا يتنبأون فيها بعالم سيسيطر عليه المسلمون، وتتقوّل بأن الفاشية الإسلامية تهدد العالم "الحر". إن هذه السيناريوهات هي الطريقة الأكثر ملاءمة لتحويل الأنظار عن المشاكل الحقيقية.
اطلعت مؤخرا على إحصائية يبرز من خلالها أنه قد غدا من الصعب جدا خلال السنوات الأخيرة على الشبان ذوي الأصل التركي أن يحصلوا على مكان لتلقي التكوين المهني في ألمانيا. وقد شهد عدد المتمتعين من بينهم بهذا التكوين تقلصا بما يعادل الثلث، بينما ظل عدد المتمتعين بالتكوين من الألمان الأصليين محافظا على مستواه في أسوأ الأحوال، بل أنه قد شهد تحسنا في بعض المقاطعات.
ماذا سيكون مصير هؤلاء الفتيان والفتيات؟ وأية آفاق مستقبلية لهم؟ وهل يمكن إدماج أناس داخل مجتمع لا يضمن لهم حتى أبسط الشروط الضرورية للحياة؟ إن مجتمعنا ينتج فئات مهمشة بطريقة مسترسلة. الكثيرون من هؤلاء الشباب لا علاقة لهم بالدين، والأمر سواء لديهم أن يؤذن المؤذن للصلاة أم تصدح أجراس الكنيسة. لكنهم في تمثل الرأي العام لهم هم المسلمون الذين يستحيل إدماجهم، والإرهابيون المحتملون والمعادون للمرأة وللمثليين الجنسيين ، إلى غير ذلك من النعوت.
نعم، صحيح أن هناك تشددا في القيم وإلى حد ما تطورا للتطرف في الرؤى. والبعض من الشبان قد ترعرعوا داخل محيط تقليدي سرعان ما وجدت أعرافه وقيمه نفسها في مواجهة مع قيم مجتمع ليبرالي وتعددي. إلا أن تدين هذه الظاهرة، الاجتماعية في المقام الأول، لا يساعدنا على التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
في ألمانيا يقيم حوالي 120 ألف إيراني، الأغلبية الساحقة منهم من ذوي العقيدة الإسلامية، لكن لا يكاد يأتي ذكرهم في النقاشات الدائرة حول "الخطر" الإسلامي. أغلب هؤلاء منحدرون من الفئات الوسطى، بل بعضهم من الطبقات العليا، وبالمقابل فإن الأتراك الذين استُقدموا بمئات الآلاف في الستينات من أجل تنفيذ الأعمال القذرة والكد داخل مناجم الفحم الحجري وفي أنفاق المترو، غدوا يشكلون الآن فئة اجتماعية دنيا تُعد بالملايين وذات حظوظ في الارتقاء متدنية جدا.
إن مواطن الشغل التي كانوا يشغلونها في ما مضى لم تعد موجودة، وبالتالي فإنه، وبكل بساطة، لم تعد هناك من حاجة إليهم. كما أن الأغلبية الساحقة منهم ذات تكوين ثقافي رديء أو منعدم تماما، وأبناؤهم يصابون بالفشل في المدرسة. والذين يفلحون من بين هؤلاء في تسلق جدران هذا القاع بأيديهم وأرجلهم، وهم أقلية الأقلية، يكونون قد أنجزوا بالفعل عملا جبارا. هذه هي الفضيحة الحقيقية التي ينبغي أن يُتكلم عنها. أما الخطاب الذهني عن الإسلام فهو في الحقيقة جدال وهمي، وهو لا يصل إلى أولئك الذين يعنيهم. إنه شأن من شؤون الدردشة الصحافية.
لنعد إلى ظاهرة الخوف؛ لقد عودت نفسي على تغيير زوايا النظر عندما أكتب عن هذه الظاهرة. أي أنني أضع نفسي لا موضع الذي يُتخوف منه، بل في موضع الذي يخاف مني. أتصور نفسي واحدا من أولئك الألمان المستقرين منذ عشرات السنين في دائرة بعينها من مدينة برلين.
سني يقارب الآن الخمسين وحظوظي في العثور على موقع عمل جديد ضعيفة. والآن ها أن جامعا سيبنى في الحي الذي أقطن به. وسيغدو بإمكان أولئك الناس ذوي الهيأة الغريبة والذين يتنقلون جماعات على الدوام أن يتجمعوا في هذا المكان ويقيموا صلواتهم هناك.
وقد علمت عن طريق وسائل الإعلام بأن هؤلاء الناس لا يقيمون صلواتهم فقط في مثل هذه البنايات. وعلى العموم فإن المظهر الغريب لهؤلاء الناس يزعجني وكذلك نوعية لباسهم الغريبة وألمانيتهم المكسرة. إنني أريد أن أعيش في ألمانيا بين أشباهي. وهذه بلادي في النهاية. عم يبحث كل هؤلاء الغرباء هنا إذن؟
لقد سمعت من جاري أن أغلبهم يعيشون من المساعدات الاجتماعية، على حسابنا. كما قال لي أيضا أن الجنس الألماني سينقرض عما قريب وأن هؤلاء الغجر سيرثون كل ما شيدناه بجهد عملنا. ذلك أنهم يتوالدون مثل الأرانب.
طبعا مثل هذه الآراء لا تسمع في الجلسات الراقية لحلقات النقاش أو القراءات التي أقوم بها. بل هنا تطرح المسألة بالتأكيد على أن الأتراك قد امتنعوا حقا عن الاندماج، وعددهم بكل بساطة قد تجاوز الحد.
ظافر شينوجاك
ترجمة علي مصباح
أمستردام، 26 أبريل/نيسان

عزيزي ظافر
عبد القادر بن علي، الصورة: ukzn.ac.za
عبد القادر بن علي
​​هذا النقاش حول التعدد الثقافي والعولمة يذكرني بعرض مسرحي رديء. إننا نحب الكلام عن كل ما هو جميل وقبيح مما يدبره الإنسان لأخيه الإنسان. لكن عندما تكون أمم وحكومات، الديمقراطية منها والأقل ديمقراطية، ...
منشغلة في الآن نفسه بإعداد حروب ومعالجة مادة الأورانيوم، أو قصف بلدان بريئة بالقنابل فإن الجانب الإيجابي من هذا الاستعراض لطبيعة الإنسان سيبدو خاويا من المحتوى إلى حد ما.
الشعر لا يغير أي شيء، بل إنني سأضيف بأن الروايات والأقاصيص والمقالات ليست أكثر جدوى بدورها. وأنا على رأيك بأنه ينبغي على الكتّاب أن يتحلوا بالتأني حيث يكون المجتمع متسرعا في إصدار الأحكام ويطلب بإلحاح حلولا سريعة لمشاكل ظلت مهملة لمدة من الزمن.
إنني أحب كثيرا أن أكتب ببطء وأمرّن نفسي على الصبر مع أنني أعتقد أيضا أن هناك حالات عاجلة تستوجب غير هذا السلوك: أي أن يُسمع المرء صوته ويعبّر أيضا عن رأيه في مسائل تعد من مواضيع الساعة. فحين يكون بإمكان المرء أن يرى الأشياء بوضوح في حين تتراءى ضبابية أمام أعين الآخرين، فإن عليه أن لا يتردد.
لكنني أصبحت أضيق بهذا الأمر أيضا. فأنا أعتقد أنه من الخطأ أن ينتظر من الكتّاب أن يضعوا أسسا للمستقبل، وإن كان على الورق فقط. وبالذات لأننا نجد أنفسنا بصفة طبيعية وتلقائية في وضع الذي ينهل من ثقافتين بطريقة متوازية ومتساوية نكون غير قادرين على الإيفاء يهذه المهمة أفضل من غيرنا.
إن المستقبل يظل على الدوام في مجال المجهول. بطبيعة الحال أنا أؤمن بثنائي الزوج في حد ذاته، أي ترابط شخصين وقرارهما بتكوين سعادة مشتركة، كما أؤمن بالعقل البشري السليم الذي يقرب بين الناس ويوحدهم في النضال ضد الحيف الاجتماعي ومن أجل العدالة.
لكن، وكما في الزيجات السعيدة، هنا أيضا يمكن أن تحدث أشياء غير منتظرة. يمكن أن يقع الزوج في غرام امرأة أخرى، وعندما تأخذ الأشياء مجراها قد تغدو المسألة في كليتها في لحظة ما شبيهة بشريط "مشاهد من حياة زوجية" لإنغمار برغمان.
لكنني أود أن أكشف لك أي خطأ تقوم به حكوماتنا اليوم؛ فعوضا عن القيام بعمل ما لمواجهة الحيف الذي تعاني منه الطبقات الاجتماعية الدنيا للمجتمع، تراها تلقي بالمشاكل الاجتماعية لهذه الفئات على الدين. وقد كان على الفرنسيين أن يدفعوا ثمن هذا الخطأ كما شاهدنا من خلال اضطرابات شباب الضواحي مؤخرا.
إضافة إلى هذا فإن أوروبا كيان مكون من تجمع لدول متفرقة مازالت كلها تنظر إلى نفسها في المقام الأول كدول قومية مختلفة. ولكم كانت الفوارق بين الدول المتفرقة تلعب دورا مهما على مدى التاريخ: فرنسا مختلفة عن ألمانيا ولذلك ينبغي الدخول في حرب؛ وأنكلترة تختلف عن هولندة ولذلك من الأفضل أن لا نخوض حربا.
كانت الهويات القومية تتحدد على الدوام بحسب هذا النوع من الحدود المفرِّقة. وقد ضحى جنود الحربين العالميتين الأولى والثانية بحياتهم من أجل هذا المفهوم الاختلافي الأخرق، وذي الفعالية الفائقة مع ذلك. لذلك تظل فكرة أوروبا الموحدة دون وقع إيجابي على أنفس المواطنين، إذ أنه لم يعد هناك من شيء يمكن الدفاع عنه بقوة السلاح، ذلك أن الفكرة الأوروبية فكرة سلام في النهاية. ويظل الأساس الذي ترتكز عليه هذه الفكرة هو المصالح الاقتصادية الخاصة. وهو توازن استطاع أن يظل قائما إلى حد الآن.
ما الذي يجعل أوروبا إذن تواجه مشكلا في الاعتراف بالمهاجرين كمواطنين ذوي حقوق متساوية مع مواطنيها الأصليين؟ لأن ذلك سيعني التخلي عن فكرة الاختلاف التي ظلت محافظة عليها على مدى قرون عديدة. على المهاجر أن يظل مختلفا كي لا يصاب الحلم القومي بالتداعي. وعندما يطالب هذا الأخير بحقوق متساوية فإنه يُمنح ذلك رغم كل شيء، تماشيا مع المثل الأعلى للثورة الفرنسية. لكن ذلك لا يتلاءم في الأساس مع الفكرة القومية.
لقد وجد المعذبون في الأرض خلال القرن العشرين ملاذا لهم في الاشتراكية. وقد كانت هذه الأخيرة بمطمحها الأممي الرامي إلى تخليص كل المضطهدين في العالم تمارس جاذبية قوية وقد بدا في البداية أنها تسير بنجاح، لكنها منيت بضربة قاضية مع انهيار جدار برلين. فجأة ماتت الفكرة الاشتراكية وإذا الأحزاب المتنازعة تتجه باهتمامها إلى الفئات الوسطى الجديدة التي نشأت وتطورت من داخل الطبقات الدنيا سابقا.
واليوم قد تشكلت لدينا طبقة دنيا جديدة مكونة من مجموع أناس مختلفي الأصول لا يستطيعون أن يجدوا ضالتهم لا في الفكرة الأوروبية ولا في "النهج الثالث" لما يسمى بـ"الوسط الجديد" لأوروبا. هؤلاء هم اليتامى الجدد. أن يكون الواحد يتيما يعني أن يكون مرغما على التبعية. وعندما ترى المصائر الفردية نفسها لا تحظى باهتمام أي طرف من الأطراف فإنه لن يظل أمام المعني سوى أن يطور درجة قصوى من الانغلاق.
هذا السلوك يمثل في الآن نفسه ضربا من التحدي، كما قلت أنت أيضا في رسالتك، ففي مثل هذا الموقف تكمن بالنسبة للأفراد الإمكانية الوحيدة للتوصل إلى إثبات ذاتية خصوصية ومتطورة. لكن المجموعة تظل مرتبكة وغير قادرة على مواكبة هذا الأمر. إن هذا الشكل الجديد للإسلام يوافق حاجة في نفوس هؤلاء الميتّمين وذلك ما أستطيع تفهمه جيدا.
إنهم لا يرغبون في أن يكون عليهم أن يعيشوا تلك الوضعية التي تعيشها شخصيات شريط "مشاهد من حياة زوجية"، وهم يطمحون إلى هوية خاصة حتى وإن كانت مجرد صورة مبسطة لما يمكن أن تكون عليه الهوية الحقيقية. إنهم يهفون إلى استقرار نفسي يمنح حماية لكيان اليتيم الذي يسكنهم في الأعماق، ويريدون أن يقال لهم:
أنت أيضا يمكن إنقاذك! حتى وإن كان ذلك الاستقرار النفسي مخترقا بكل كليشيهات ما يسمى بالديانة النشيطة. وسواء رأى المرء في هذا المسار أمرا فظيعا، أم أبدى تعاطفا معه فإن هناك على أية حال واقعا جديدا ينشأ من خلاله وسيكون على المجتمع الشامل أن يتفاعل معه. وكي نعود مرة أخرى إلى مسألة العولمة، فإنني أتفق معك في أنه حيث لا تتم معالجة صحيحة لما ينجم عنها من تبعات، ينشأ الخوف والمقاومة اللذان يرميان بجذورهما في القومية الآفاقية.
إن أوروبا قد وقعت سجينة حلمها الخاص بأن يكون لها إصبع في كل شيء. وقد نجحت في ذلك جيدا على أية حال، إلا أن مواطني هذا الكيان الأوروبي يظلون فاترين ومتخلفين عن الركب. حول هذه المسألة سأتكلم بأستفاضة أكثر في الرسالة القادمة.
عبد القادر بن علي
ترجمة علي مصباح
8 مايو/أيار

عزيزي عبد القادر
ظافر شينوجاك، الصورة: من الأرشيف الخاص
ظافر شينوجاك
​​تطرقت في رسالتك إلى المشكل المركزي لأوروبا الذي يتمثل في العلاقة بالآخر وفي الثقافة كأمر غدا من مشمولات إدارة بوليس الأجانب، وكيف يجري تطوير المسألة الثقافية ورعايتها كعنصر يسند فكرة الهوية الخاصة. وأنا أعتقد ...
بالفعل أنه من دون تجاوز هذا الفكر الإقصائي، شديد العنصرية في الجوهر لن يكتب للإتحاد الأوروبي أن يوجد مستقبلا، وستكون هناك في أحسن الحالات منظومة من الدول المستقلة التي تجتمع حول مصالح اقتصادية واستراتيجية بعينها. ولعل هذا المستوى الأدنى في حد ذاته يعتبر نجاحا إذا ما استحضر المرء التاريخ الأوروبي الموسوم بالحروب والتقتيل المتبادل.
وقد نجحت قارة الحروب الأهلية خلال الستين سنة الماضية إلى حد ما في ضمان السلام. لكن هذا السلم سيظل مهددا طالما لم يقبل المرء بواقع أن الهجرة ستفرز بدورها توترات جديدة في أوروبا. وبالذات لأن التوترات بين الدول قد تم فك ألغامها فإن الطاقات العنفوية تبحث لها عن حقل جديد سبق أن أثبت صلاحيته في الماضي: العلاقات مع أناس من ذوي العقيدة واللون المختلفين.
أما الأصولية الإسلامية فإنني أنظر إليها كتنويعة "مشرقية" عن القومية الأوروبية، حيث تمثل عناصر معاداة الأجنبي والتمترس الثقافي وتقوقع العناصر البشرية داخل مجموعتها وقبيلتها وأمتها وثقافتها الخاصة السمات المشتركة بين الظاهرتين. من هذا المنظور فإن الحركة الإسلامية أبعد عن كونها قناعة دينية عتيقة، بل هي تيار سياسي حديث كليا.
بعض المعلقين يتكلمون في هذا المضمار عن إديولوجيا شمولية ثالثة بعد الفاشية والاشتراكية، على العالم الحر أن يفرض نفسه في وجهها. وأنا أشاطرك الرأي في أن هذا الصراع المتأوَّل ثقافيا في أغلب الأحيان هو في المقام الأول مواجهة حول الثروات المادية والحظوظ المستقبلية ومسائل المكانة الاجتماعية والعدالة.
هذا المفهوم الأخير غالبا ما يتراءى بمثابة العبارة البلاغية الغريبة في تاريخ الإنسانية. ولديّ إحساس أكثر فأكثر ترسخا بأن الهروب إلى التمترس الثقافي –والثقافة تستعمل هنا كنموذج جاهز لتوضيح كل المشاكل- يتدعم أكثر كلما ازداد تأجيل تدبر حلول للمشاكل الاجتماعية.
أية حظوط ستكون هناك أمام طفل من أبناء المهاجرين داخل مجتمع أوروبي إذا ما غادر المدرسة دون شهادات؟ وعدد هؤلاء في ألمانيا ليس بالقليل. أكيد أن المجتمع ليس مسؤولا عن كل الإخفاقات. فهناك أيضا الكثير من الفتور وعدم الاكتراث في صفوف المهاجرين.
لكن هؤلاء "الأيتام"، كما أصبت جيدا في تسميتهم، يحظون بمستوى ضعيف جدا من الاهتمام. ففي العشريات الماضية الأخيرة اختزلت الاعتمادات المالية بنسب عالية في ميادين التكوين وأنشطة أوقات الفراغ بالذات وذلك بهدف التقشف. ولا ينبغي أن يكون المرء نبيا كيما يرى منذ الآن بأن هذا التقشف ستكون له تكلفة عالية بالنسبة للمجتمع.
نحن الكتاب لسنا بالمربين الاجتماعيين، ولا نحن بالأنبياء أيضا. لكن لدينا مع ذلك قرابة ما بهذين المجالين. ذلك أننا نصف أوضاعا ومشاعر إنسانية غالبا ما يتم التعتيم عليها داخل ما يسمى بالخطابات الرسمية. أن يكون سعي "الأيتام" إلى تأسيس نظام منغلق منطويا على بعد جمالي فذلك ما لا يمكن الاعتراض عليه.
وهذا البعد الجمالي يستمد مادته في نظري من منظومة إديولوجية إثباتية وهي الحركة الإسلامية. إن عمليات الإخراج المسرحي للحركة الإسلامية ورسالات مرتكبي العمليات الانتحارية المنقولة عبر أشرطة الفيديو، والاستعمال المكثف للأنترنت، والترويج الإعلامي لأمراء الإرهاب كنجوم الفنانين قد غدت في هذه الأثناء ضربا من التعويض الفني، أو لنقل نوعا من الشعر الرديء. أن تواجه هذه الظاهرة ببرنامج فني جيّد ومبدع فذلك ما يعد عمل تحد حقيقي.
لا يتعلق الأمر هنا بنية في تغيير العالم عن طريق الكتب، بل أن يكون الكاتب حاضرا في العالم بهدف معاينته من وجهة نظر جديدة، والسعي بين الحين والحين إلى إيجاد لغة للتعبير عن الضياع من شأنها أن تحسس الكثيرين ممن لم تعد تربطهم علاقة بدولة ووطن وتقاليد. إن هناك بالتأكيد شيئا آخر غير جبهتي صناعة المسلّيات ومنظمة القاعدة.
إنني في سن تتجاوز سنك ببعض السنوات، وليس غريبا عني البتة هذا القرف الذي تتكلم عنه بخصوص وضع الذي يقف مثل حارس للجسور ما بين الثقافات. أن يأخذ المرء على عاتقه تحمل هذه المهمة التي غالبا ما تناط بعهدتنا بصفة آلية يعني أيضا أنه بإمكاننا أن نصنع لنا شيئا من ذلك.
ألا تشعر بالامتننان لكل هذه القصص الرائعة الكثيرة التي بين أيدينا، لا لشيء إلا لأننا نشأنا وترعرعنا في محيط تسوده أكثر من ثقافة واحدة وحيدة؟ لقد أصبحت في الأثناء أدرك هذا المعطى الواقعي كتحد جمالي، تماما كما أدرك الإسلام كتحد جمالي أيضا. بغير هذه الطريقة فإن المضي إلى الانغلاق سيكون أمرا حتميا.
ظافر شينوجاك
ترجمة علي مصباح
أمستردام، شهر أيار/مايو
عزيزي ظافر
عبد القادر بن علي، الصورة: ukzn.ac.za
عبد القادر بن علي
​​
أجسادنا لم تعد ملكا لنا. لقد غدت مصادرة، ممزقة، مفترَسة، محتجزة، موضوعا للقصف والجدالات ولعمليات التوضيح والتشريح والاختبارات الصارمة التي تمارسها عليها أفكار وتأثيرات وتقاليد جديدة، وأغاني ومنوعات وأفلام وملابسات سياسية وأفكار متطرفة...
نحاول حماية أجسادنا والحرص على أن تظل جسرا بين ما هو شعوري وما هو لا شعوري، بواسطة ارتداء الملابس الجميلة والسباحة وبناء البيوت التي تكوّن المحيط الحاضن لنا ولأفكارنا السطحية. إننا ندافع عن هذا الجسد الفاني الذي هو لحمنا ضد السهام الموجهة إليه بتوخي سلوك الانكماش والاختباء ورفض الإجابة عن الأسئلة الملحة التي تطرحها علينا الحداثة.
الشرق كما الغرب، كلاهما يتنازعان حق نفوذهما على جسدنا، وكلاهما يملي علينا: أظهر جسدك للعالم، أو فجّره، أو اجعل منه شيئا متبتّلا، أحجب كنوزك! وهكذا يتحول الجسد إلى ساحة قتال داخل ما يسمى بالصراع على السيطرة.
تظل الإمكانية الوحيدة لتحقيق سيادة الإنسان على جسده تتمثل بالنسبة لكل كائن ذي عقل في التفكّر في الأشياء والكتابة عنها، وبالتالي استثمار شحنات الغضب من أجل تطوير شكل جديد للمقاومة أو للوجود على منوال التفليد الفكري والأدبي الثري لأعلام مثل أبي نواس وفولتير وجيمس جويس وألبير كامو وإدوارد سعيد وآخرين من إخوتهم وأخواتهم.
هذا بالضبط هو ما يشغلنا اليوم. وكثيرا ما يذكرنا هذا العمل بمَثل سيزيف الذي كان محكوما بدفع صخرة ورفعها إلى قمة الجبل. إنني أحمل في داخلي هذه الصورة التي تنطوي على دلالة كبيرة بالنسبة لي، وعلى الدوام تظل تعود إليّ كلما دخلت في نقاش حول الإسلام وأزمة الحركة النسويّة والإرهاب أو حول مسائل الظلم الاجتماعي.
فهذه النقاشات تبدو لي مكرّرة ومستعادة دوما، ومواضيعها غدت معروفة ومجترة. ونادرون هم أولئك الذين، في ضوء هذا الواقع الذي يخضع إلى سيرورة تحول مطّرد، يبدون استعدادا للانفصال عن قناعاتهم الراسخة الصلبة، وهكذا أتراءى لنفسي شبيها بسيزيف الذي لا يتوقف عن تسلق جبله. أما الصخرة فأستعملها كسلاح – أو كأسلوب- كي أجعل نفسي مفهوما وأعبر بوضوح.
إن جسد سيزيف نفسه غير محصن من الانقراض؛ ففي يوم ما سيأتي الموت ويأخذه. ولا تظل هناك غير الصخرة وانتظار مجيء سيزيف جديد سيتولى من جديد دحرجتها إلى أعلى الجبل.
إن المهمة التي تطرح نفسها على الكاتب تتمثل في تحديد مدى الوضوح الذي ينبغي أن تكون عليه الصخرة، والطابع المباشر للمعاينة. فأنا أسافر بعينين مفتوحتين من أجل التقاط الأشياء وبالأخير أعود محملا بمحصول تجاربي. وتماما مثلك أنت أشعر بنفسي مرتبطا بجذوري وفي الوقت نفسه أتطلع إلى المستقبل بكثير من الاهتمام.
لعل هذا المنظور يبدو أفقا بائسا، لكن لم لا ندع أنفسنا نتعلم كيف نحب هذا البؤس!
هناك أمر أكيد وهو أن الكتاب والمثقفين باستطاعتهم أن يغيروا طريقة تفكير الناس من حولهم وذلك بفتح نوافذ على العالم الجديد. لكن من بين الحقائق التي سيكون عليهم أن يتكلموا عنها هناك أيضا الكثير من الحقائق الشنيعة، وإنه يستحسن الكلام عنها وسردها بشيء من الرقة والصبر.
على سيزيف أن يكون متحليا بالصبر. كما علينا أن نصغي بصفة أفضل، وأن يكون واضحا لدينا أن أرقى أشكال المسؤولية تتمثل في بعض الأحيان في عدم تحمل مسؤولية بالمرة. علينا أن نكون صريحين وصادقين، بل وعلى شيء من السذاجة أيضا كما هو الشأن بالنسبة لإيراسموس في عمله الرائع "مديح الجنون"، إذا ما أردنا أن نشحذ قبسا طفيفا من النور داخل الوضع العبثي والجائر بالتالي الذي نجد أنفسنا داخله نحن المنذورون للفناء.
علينا أن نقف موقف الرافض لكل أنواع الاضطهاد، دائما وفي كل مكان. وهكذا فقط يغدو بوسعنا أن نكون كونيين بأتم معنى الكلمة.
إننا غالبا ما نرى ما يسمى بـ"المفكرين الكبار" لعصرنا يتفادون أي انتقاد علني للدين وللمؤسسات الحكومية. وغالبا ما يضع نقاد المجتمع الحديث الموضوعيون المزعومون سدادات العور على عينهم النقدية. لكن ذلك لم يظل دون تبعات؛ فهناك عدد أكثر فأكثر من الناس قد غدوا يدركون تدريجيا بأنه لا يمكن للمرء أن يصدر أحكاما على مظالم فضاء ثقافي آخر غير ذلك الذي ينتمي إليه إن هو لم يسلط في الوقت نفسه نظرة نقدية على الرذائل التي تنتعش داخل مجتمعه أو فضائه الثقافي الخاص. فهذا أمر غير نزيه؛ وسيزيف لا يحق له أن يشترك في هذه اللعبة.
إن هذه المراسلة بداية تواصل، ولا ينبغي أن يتوقف الأمر عند هذا الحد. وأنا قد عرفت بطريقة ما تغيرات حصلت لدي أثناء هذا الحوار. فقد شرعت في مراجعة بعض من مواقفي وكان علي أن أطرح عني بعضا من آرائي القديمة.
إن الحوار وحده هو الذي يجعل التفاهم ممكنا. وهو السلاح الوحيد الذي بحوزتنا في صراعنا الطويل ضد التعصب.
إلا أن مشكلة عصرنا الحالي لا تتمثل في صراع بين كيانين متساويين. بل على العكس من ذلك لقد كان العالم دوما حقلا لللامساواة. والمشكلة هي أن كل نزاع هو نزاع بين طرفين لامتساويين. وعلى الدوام يكون القوي هو الذي يخوض صراعا ضد الضعيف، والغني ضد الفقير، والأكبر ضد الأوغاد الصغار.
لدينا مبرر جيد لاستعمال عقلنا؛ إذ هكذا فقط يمكننا أن نتوصل إلى حيازة فهم لهذه اللامساواة وللصور المشوّهة التي تفرزها. ولعل ما يجعل أسطورة سيزيف أقرب إلى ذهني هو الآتي: الضعيف يدفع بالصخرة الثقيلة. والصخرة تظل تمعن في سحق وإبادة إرادة الإنسان، لكن يظل لهذا الأخير أمر واحد يمتاز به عليها: إنه العقل.
عبد القادر بن علي
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة

ظافر شينوجاك، كاتب تركي الأصل مقيم في برلين.
عبد
القادر بن علي، كاتب مغربي الأصل مقيم في هولندا.

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
]
المسلمون في أوروبا.. الاندماج أو العزلة!
تركي الدخيل

    يشكل الحديث عن المسلمين في أوروبا وتحديات الاندماج موضوعاً مهماً في دوائر القرار في الحكومات الأوروبية، ذلك أن المسلمين أصبحوا واقعاً ملموساً في أوروبا، بل ويشاركون في النسيج الاجتماعي ويؤثرون على القضايا الثقافية، ومطالبهم الثقافية مطروحة سواء من حيث حرية العبادة أو بناء المساجد أو الحجاب، وهي متطلبات تتفاوت مستويات توافرها بحسب كل دولة ونظامها.

في كتاب: "الإسلام في أوروبا - أنماط الاندماج" للمؤرخ: إنزو باتشي؛ يتطرق بشكل مفصل لأنماط الاندماج في أوروبا، ويطرح مشكلة الاندماج باحثاً فيها، وقد وفق لأن يغوص في أعمق أعماق المشكلة. عدد المسلمين في أوروبا حوالي 43 مليون نسمة وهي نسبة كبيرة نسبة إلى مجمل عدد سكان أوروبا كلها البالغ عددهم 750 مليون نسمة، بل ومن المتوقع أن تصل نسبة المسلمين إلى 9.1% في سنة 2025! مما يعني أن مشكلة الاندماج ستكون على رأس أولويات الدول الأوروبية في السنوات المقبلة. والاندماج لا يعني إلغاء الهوية الأوروبية، بل يعني أن تكون الهوية مفتوحة للتشكل والتعدد.

يخاف بعض المسلمين من كلمة "اندماج"، لأنه يشعر بأن الهوية ستكون في خطر، بينما الهوية التي يحتاجها الإنسان سواء كان في أوروبا أو غيرها تلك الهوية التي تقبل وترسل، تتفاعل وتتجاوب، وهي ليست الهوية المغلقة المنكفئة على نفسها.

يقول عالم الاجتماع "زيغمونت بومان": "إن هوية متماسكة صلبة البناء والتشكل بمثابة عبء وقيد يحد من حرية الاختيار، حيث استحالة فتح الأبواب حين يطرق الآخر، باختصار ستكون وصفا للتصلب وبالتالي مذمومة ومستهجنة ومدانة، من طرف كافة السلطات الحقيقية والمزعومة في أيامنا (وسائل الإعلام، خبراء المشاكل البشرية، الساسة) لأنها على نقيض الموقف الصائب والرشيد، المبشّر بيسر التعامل مع الحياة".

أكبر عائق أمام الاندماج هو انغلاق الهوية. والعائق الآخر هو العنف الرمزي الذي تسببه هذه الهوية، العنف الرمزي نتيجة من نتائج الهوية المغلقة، وحتى إن كان باتشي يتكلم عن مرحلة تاريخية مضت من تاريخ أوروبا غير أن المشكلة لا تزال ماثلة، لا يزال تحدي الاندماج يواجه بالهوية الصلبة، وهذا ما ندعو المسلمين إلى أن يتجاوزوه، يكفي أن نتذكر فتاوى علماء مثل محمد مهدي شمس الدين تنص على وجوب الاندماج ومرجعية الدولة المضيفة والالتزام التام بقوانينها، فهل نستطيع؟!
]

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أوروبا تسعى الى تشجيع اندماج المهاجرين وحد من هجرة غير شرعية

أعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أخيرا أنه من المستحيل تنفيذ قرارات شاملة عن اوضاع المهاجرين الغير شرعيين لتقنين خلال فترة ولايته ،وذلك لأن هذه الأساليب لا يمكن أن تحد من الهجرة السرية والغير شرعية إتجاه أوربا.

تسبب تتفق الأعداد الكبيرة من المهاجرين في أوروبا قلقاً لامثيل له من قبل،فقد تسببت في ظهور مشاكل إجتماعية خطيرة"مشكلة الهجرة "في حين أدت إلى تشجيع وتحفيزالتنمية الإقتصادية في أوروبا.

إن السعي إلى حياة سعيدة واكثر إستقراراً هو الدافع الرئيسي في هجرة بعض العائلات من الدول الفقيرة ومنخفضة الأجور إلى اوروبا فنجد معظم المهاجرين إلى إيطاليا هم من أصول مغربية وألبانية وغيرها ،في حين نجد المهاجرون إلى فرنسا وألمانيا وهولندا معظمهم من اصول تركية واندونيسية وعرب،بالنسبة للموظفين التقنيين فهم من الجزء الشمالي من آسياواوروبا أما العمال العاديون فمعظمهم من شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا واماكن اخرى.

من جهة اخرى وفي ظل تزايد نسبة الشيخوخة في اوروبا أصبحت الهجرة ضرورية لا مفر منها لتعويض هذه البلدان في نقص العمالة في مجالات مختلفة من التنمية الإجتماعية والإقتصادية ولا يمكن تجاهل مساهدة المهاجرين في التقدم التكنولوجي،بالإضافة إلى ذلك،فإن التدفق الهائل من المهاجرين من مختلف دول العالم جلب ثقافة جديدة ودمجها مع الثقافة الأوروبية التي خلقت ثقافة جديدة غيرت مفهوم العلاقات العرقية في اوروبا ومنه فإننا لا نستطيع فصل إزدهاروتطور اوروبا عن مساهمات المهاجرين.

في السنوات الأخيرة،بدأت تلوح في الأفق بعض المخاوف والتصريحات حول ضعف إنتعاش الإقتصاد الاوروبي الذي تسبب فيه التدفق الهائل من المهاجرين بحيث يعتقد البعض أن سبب البطالة وإرتفاع الأسعار في أوروبا ترجع إلى إستلاء المهاجرين على فرص العمل والرعاية الصحية والضمان الإجتماعي وبسبب هذا العبئ الكبير على الحكومات الأوروبية قررت إلغاء عددا من برامج الرعاية الإجتماعية.

وبعد سنوات من إلغاء "الفكر العنصري" في أوروبا بدأ يظهرمؤخراً في بعض المؤسسات التمييز العنصري بين الموظفين وفي الاماكن العامة بين الناس لإختلاف اللغة والثقافات وقد تصل احياناً إلى ضرب و شتم الفقراء منهم في نفس الوقت بدأ عناصر الجناح اليمين المتطرف إلى النشاط إذ أصبح شعارهم الإنتخابي هو"إستبعاد المهاجرين الأجانب " من أوروبا .

لكن الواقع ان أوروبا لا تستطيع أن تغلق الباب تماماً في وجه المهاجرين فالهجرة العالمية هي نوع من الطبيعة الأساسية للتواصل بين البشرولانستطيع توقيفه وأي مبادرة لوقف الزخم لهذا التطور في بلا شك خطأ كبير لأن معظم الدول الأوروبية قد أصبحت مجتمعات متعددة الأعراق.

وعليه فقد بدأت بعض الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة تبنيها سياسة الهجرة الوقائية وعدم إستعمال العنف ضد المهاجرين الغير شرعيين وذلك بإلتزامها بتنسق الهجرة الفردية،والتطلع إلى الاهداف والعلاقة بين المؤسسات الإجتماعية وبذل الجهود في دمج المهاجرين في النظام الإجتماعي القائم،وذلك تحت ظل عنصرين أساسيين لقبول المهاجرين هما:- اولاً،أخذ بعين الإعتبار البلد والقضايا الأخلاقية لطالب الهجرة،ثانيا،ترحيل وعدم قبول المهاجرين الغير شرعيين.


بدات الحكومة الفرنسية منذ عام 2007 بتعزيز الهجرة وتشجيع المهاجرين الجدد على الإندماج في مشروع القانون الفرنسي،بالإضافة إلى ذلك إستراتيجية الإتحاد الاوروبي في تصميم على تعزيز قضية الهجرة وتشجيعها لتطوير التنمية الاقتصادية والتقدم الإجتماعي. / صحيفة الشعب اليومية أونلاين /

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

وروبا الغربية بين التعددية الثقافية والاندماج الاجتماعي ـ الأقليات وقضية الهوية في أوروبا الغربية
في قضايا 4 أبريل,2015    نسخة للطباعة نسخة للطباعة 


1
مقدمة:
إن الهجرة ظاهرة عالمية، وتبعاتها تترتب عليها مشاكل كثيرة تشغل بال الكثيرين في الدول المستقطبة للهجرة أو الحاضنة للمهاجرين، ونتيجة لذلك بدأنا نسمع بالاندماج الاجتماعي والتعددية الثقافية وغيرها في محاولة لقطع الطريق على خلق كيانات معزولة وهامشية أو بؤر للجريمة والتخلف أو حتى الحروب الأهلية، وفي نفس الوقت تقف حائلا دون قيام حركات عنصرية من داخل البلد تستهدف الإساءة إلى المهاجرين.
ـــــــــــ
قبل ثلاثين عاما، اعتبر العديد من الأوروبيين التعددية الثقافية ( أن يكون المجتمع متنوعا وموحدا في الوقت نفسه) الجواب الشافي للمشاكل الاجتماعية في أوروبا. أما اليوم فإن الكثيرين يرون في تلك التعددية سببا في تلك المشاكل. دفع هذا التصور بعض كبار السياسيين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الى التنديد علنا بالتعددية الثقافية والتحدث عن مخاطرها. وقد غذى ذلك التصور نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة والسياسيين الشعبويين في جميع أنحاء أوروبا، من حزب الحرية في هولندا إلى الجبهة الوطنية في فرنسا. كما انه كان السبب وراء بعض الأعمال الأرهابية مثل الجريمة المروعة التي ارتكبها اندرس بيرينغ بريفيك في جزيرة أوتويا القريبة من اوسلو في يوليو عام 2011.
كيف حدث هذا التحول ؟ وفقا لمنتقدي التعددية الثقافية، فقد سمحت أوروبا لأعداد كبيرة من المهاجرين دون الاهتمام بمسألة اندماج هذا العدد بالجسد الاوروبي مما ادى الى تآكل التماسك الاجتماعي، وتقويض الهويات الوطنية، وتراجع ثقة الناس بالسياسيين. ويرد انصار التعددية الثقافية، من ناحية أخرى، بالقول ان التراجع يعود الى تنامي العنصرية.
الا ان الحقيقة هي أكثر تعقيدا مما يدعيه الطرفان، خاصة وان الكثير مما يقال يقع خارج إطار الموضوع . أصبحت التعددية الثقافية شماعة لغيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية: الهجرة، والهوية، وخيبة الأمل السياسي، وانخفاض الطبقة العاملة. اتبعت العديد من البلدان مساراتها الخاصة للتصدي للقضية . سعت بريطانيا إلى إعطاء الأقليات المختلفة حصة متساوية في نظامها السياسي. في حين شجعت ألمانيا المهاجرين على متابعة حياتهم الخاصة بدلا من منحهم المواطنة. ورفضت فرنسا التعددية الثقافية وفضلت عليها سياسات الاستيعاب أو الاندماج الأجتماعي . وتباينت نتائج تلك السياسات المتنوعة، ففي بريطانيا اندلعت الاضطرابات الطائفية وفي ألمانيا، تقوقعت الأقلية التركية بعيدا عن المجتمع الالماني. وفي فرنسا، ازداد التوتر بين السلطات والأقليات ذات الأصول الأفريقية. وبغض النظر عن المكان كانت النتائج السلبية هي ذاتها : مجتمعات مجزأة، وأقليات منسلخة عن المجتمع، ومواطنون يشعرون بالاستياء.
إن التعددية الثقافية، كأداة سياسية، كانت نتيجة للتنوع في المجتمع وفي الوقت نفسه محاولة لتقييد ذلك التنوع .هذا التصور يكشف عن مفارقة غريبة. ان سياسات التعددية الثقافية تقبل كأمر مسلم به أن المجتمعات متنوعة، ولكنها تفترض ضمنا أن هذا التنوع ينتهي عند حدود الأقليات. وهي تسعى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على التنوع عن طريق وضع الناس في صناديق العرقية والثقافية، على سبيل المثال القول بوجود أقلية مسلمة واحدة وتحديد احتياجاتهم وحقوقهم وفقا لذلك. بعبارة أخرى، ساعدت هذه السياسات على خلق الانقسامات ذاتها التي كان من المفترض أن تعالجها.
أن فك تشابكات النقاش حول التعددية الثقافية يتطلب فهم المصطلح ذاته. أن مصطلح “التعددية الثقافية ” يراد به ـ حسب بعض النظريات ـ “التعايش بين الجماعات المتمايزة دينياً أو إثنياً أو عرقياً التي يرى أعضاؤها تبايناتهم الثقافية عن غيرهم من زاوية كونها تشكل عناصر رئيسة في هويتهم”، أي أنه يعني مجتمعا متنوعا، عادة نتيجة الهجرة، والسياسات اللازمة لإدارة مثل هذا المجتمع. وبالتالي فإن المصطلح يجسد على حد سواء وصفا للمجتمع وطريقة للتعامل مع هذا المجتمع. أن خلط الأمرين ، المشكلة والحل ، قد عقد من النقاش الدائر حول التعددية الثقافية. أن فك هذا التشابك يتطلب تقييما دقيقا لكل منها.
///التعددية الثقافية: الماضي والحاضر:
أن مؤيدي ومنتقدي التعددية الثقافية يتفقان بشكل كبير على فرضية أن الهجرة الجماعية قد جعلت المجتمعات الأوروبية أكثر تنوعا. قد يبدو ذلك صحيحا. اليوم، تعتبر ألمانيا الدولة الثانية عالميا المفضلة لدى المهاجرين، بعد الولايات المتحدة. في عام 2013، أكثر من عشرة ملايين شخص، أو ما يزيد قليلا على 12 في المئة من السكان، هم من المهاجرين. في النمسا كان الرقم 16 في المئة، في السويد 15 في المئة، وفي فرنسا وبريطانيا، حوالي 12 في المئة. من منظور تاريخي، إن الادعاء بأن هذه الدول هي أكثر وحدة اليوم من أي وقت مضى ليس دقيقا كما قد يبدو. أن المجتمعات الأوروبية في القرن التاسع عشر تبدو متجانسة من وجهة نظر معاصرة، ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لهم في ذلك الحين.
لنأخذ فرنسا على سبيل المثال. في سنوات الثورة الفرنسية كان نصف عدد السكان يتحدثون الفرنسية و12% منهم فقط كانوا يتحدثونها بشكل صحيح. وكما قال المؤرخ يوجين ويبر، تطلب تحديث وتوحيد فرنسا في أعقاب الثورة عملية مؤلمة وطويلة للاستعمار الذاتي الثقافي والتعليمي والسياسي والاقتصادي.( نقصد بالاستعمار الذاتي تبني سياسات وممارسات خارجية مستوردة لتحديث المجتمع). خلق هذا الجهد الدولة الفرنسية الحديثة وولد المفاهيم الفرنسية (والأوروبية) للتفوق على الثقافات غير الأوروبية. الا انها ايضا عززت الشعور بالتباين الاجتماعي والثقافي. في خطاب له امام جمعية الطب النفسي في باريس في عام 1857، تساءل المسيحي الاشتراكي فيليب بوكيز قائلا ” كيف يمكن أن تتشكل في بلداننا اجناس وعروق بائسة تعامل بشكل وحشي وبشكل لا يمكن علاجه . إن تلك الأقوام التي تحدث عنها بوكيز ليسوا من المهاجرين القادمين من آسيا أو أفريقيا، لكنهم فلاحو الريف الفرنسي.
في العصر الفيكتوري، ساوى بعض البريطانيين الطبقة العاملة في المدن بفلاحي الأرياف. جاء في مقالة عن الطبقة العاملة القاطنة في حي بيثنال غرين في شرق لندن، على صفحات اسبوعية ساتدرداي ريفيو في العام 1864، وهي مجلة ليبرالية معروفة في ذلك الوقت، ما اعتبره البعض وصفا دقيقا لموقف الطبقة الوسطى الفيكتورية. جاء في المقالة “إن في بيثنال غرين الفقيرة أناس لا نعرفهم، وهم من سحنة غير سحنتنا ولا يربطنا بهم أي رابط.”. وهي فوارق اعتبرها البعض شبيهة بتلك الموجودة بين بين العبيد والأسياد. في الواقع، كانت الاختلافات عميقة بحيث اصبح معها الترابط او التشارك مستحيلا . واليوم تقطن الأقلية البنغالية في حي بيثنال غرين اللندني. يعتبر الكثير من البريطانيين البيض سكان تلك المنطقة فقراء بيثنال غرين الجدد الذين يختلفون عنهم تماما من الناحيتين الثقافية والعرقية. الا ان عددا قليلا فقط من يقارن الفوارق بين البريطانيين البيض وجيرانهم البنغاليين مع الفوارق الموجودة بين الاسياد والعبيد. ان الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين رجل نبيل أو صاحب المصنع من العصر الفيكتوري، من جهة، والفلاح او العامل ، من جهة أخرى، كانت في الواقع أكبر بكثير من تلك التي بين البريطاني الابيض والأخر من الأصول البنغالية . بالرغم من تلك الفوارق فإن الشاب البنغالي الذي يعيش في بيثنال غرين ونظيره الأبيض ربما يرتديان الملابس نفسها ويستمعان الى الموسيقى نفسها ويشجعان النادي نفسه كما ان مركز التسوق والرياضة والإنترنت تربط الأثنين معا لخلق مجموعة من الخبرات والممارسات الثقافية أكثر شيوعا من مثيلاتها في الماضي.
أن حالات مماثلة من فقدان الذاكرة التاريخية تطيح بالكثير من السجل القائم حول الهجرة . يشير العديد من منتقدي التعددية الثقافية أن الهجرة إلى أوروبا اليوم هو عكس ما كانت موجودة في السابق . في كتابه تأملات في الثورة في أوروبا، يقول الصحفي كريستوفر كالدويل أنه قبل الحرب العالمية الثانية، جاء المهاجرون إلى البلدان الأوروبية من القارة ذاتها ، وبالتالي كان استيعابهم واندماجهم سهلا . يضيف كالدويل “أن استخدام كلمة هجرة لوصف حركة التنقل داخل أوروبا ليست دقيقة جدا”. ووفقا لكالدويل، كانت الهجرة قبل الحرب بين الدول الأوروبية تختلف عن الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية من خارج أوروبا لأن الهجرة من الدول المجاورة لا تثير الأسئلة المثيرة للقلق عن الهجرة ، خاصة عن الأستيعاب والاندماج والولاءات الحقيقية.
الا أن الأسئلة ذاتها استقبلت المهاجرين الأوروبيين في سنوات ما قبل الحرب. يقول ماكس سيلفرمان إن الاعتقاد بان فرنسا استوعبت المهاجرين الأوربيين بسهولة قبل الحرب العالمية الثانية ليس صحيحا. والشيء نفسه ينطبق على بريطانيا . في عام 1903، أعرب الشهود أمام اللجنة الملكية للهجرة عن قلقهم من أن المهاجرين الجدد الى بريطانيا سيفضلون العيش وفقا لتقاليدهم وأعرافهم وعاداتهم.” وكانت هناك أيضا مخاوف، كما عبر عنها الصحفي جي سيلفر من أن “منتجات أوروبا الغثة والمريضة ستعتاش على الخزين البريطاني ” قانون الهجرة الأول في البلاد، قانون الأجانب عام 1905، صمم أساسا كما قال رئيس الوزراء يومها آرثر بلفور للحفاظ على الهوية البريطانية . نعتقد أن بعض الساسة اليوم يتحدثون باللهجة ذاتها عندما يتناولون الهجرة والمهاجرين.
هل أن أوروبا المعاصرة هي أكثر تعددية مما كانت عليه في القرن التاسع عشر؟ أنه سؤال مثير للجدل، لكن الأوروبيين يعتقدون أن أوربا اليوم أكثر تنوعا وتعددية ، وهذا يعود في جانب منه الى تغير في فهم الناس للفوارق الاجتماعية. قبل مئة وخمسين سنة كانت الطبقة إطارا أكثر أهمية لفهم التفاعلات الاجتماعية. وكان الكثيرون ينظرون الى الفوارق العرقية ليس على أساس اللون وانما الطبقة أو المكانة الاجتماعية. لكن أهمية الطبقة في أوروبا تضاءلت على مدى العقود القليلة الماضية، سواء باعتبارها فئة سياسية أوعلامة على الهوية الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، أصبحت الثقافة وسيلة رئيسية يفهم من خلالها الناس الفوارق الاجتماعية. يعكس هذا التحول تغيرات أوسع نطاقا. انحسرت الانقسامات الأيديولوجية التي ميزت السياسة في القرنين الماضيين، وأصبحت الفوارق القديمة بين اليسار واليمين أقل معنى. وبينما فقدت الطبقة العاملة قوتها الاقتصادية والسياسية، تراجع تأثير المنظمات العمالية والأيديولوجيات الجمعية. وتوسع السوق، في الوقت نفسه، ليغطي كل زاوية من زوايا الحياة الاجتماعية. وتراجع دور المؤسسات التي كانت المبادرة في لم الشمل من نقابات وكنيسة وغيرها.
ونتيجة لذلك، بدأ الأوروبيون ينظرون الى أنفسهم والى انتماءاتهم الاجتماعية بطريقة مختلفة. بدأوا وعلى نحو متزايد، بتعريف التضامن الاجتماعي اعتمادا على العرق والثقافة والمعتقد لا على الناحية السياسية. وبدأوا ايضا بالأهتمام بالمجموعة التي ينتمون اليها أكثر من اهتمامهم بمجتمعهم ككل. هذان الأمران مرتبطان بشكل وثيق خاصة أن أي معنى للهوية الاجتماعية يجب أن ياخذهما بنظر الأعتبار. ولكن مع تقلص الطيف الأيديولوجي وتآكل آليات التغيير، تقدمت الهوية على الأيديولوجية. هذه الخلفية هي التي حددت الطريقة التي ينظر بها الأوروبيون الى التعددية أو عدمها في بلدانهم وردود أفعالهم منها.
///أوروبا الغربية والتعددية الثقافية: نموذجا بريطانيا والمانيا
إن اعتبار المجتمعات الأوروبية المعاصرة متنوعة للغاية أمر معيب بالتعددية الثقافية بشكل واضح. كيف تستطيع التعددية الثقافية إدارة هذا التنوع المفترض؟ على مدى العقود الثلاثة الماضية، تبنت العديد من الدول الأوروبية سياسات متعددة الثقافات، لكنها فعلت بطرق مختلفة. وبمقارنة مثالين ، بريطانيا والمانيا ، وفهم قواسمهما المشتركة سنعرف الكثير عن التعددية الثقافية.
أحد المعتقدات الأكثر انتشارا في السياسة الأوروبية هو أن الحكومات اعتمدت سياسات متعددة الثقافات لأن الأقليات أرادت تأكيد فوارقها عن الآخرين. وعلى الرغم من أن الأسئلة حول الاندماج الثقافي شغلت النخب السياسية، الا أنها لم تشغل المهاجرين أنفسهم الا قبل وقت قريب . عندما وصلت أعداد كبيرة من المهاجرين من منطقة البحر الكاريبي، والهند، وباكستان الى بريطانيا في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي للتعويض عن النقص في اليد العاملة، خشى مسؤولون بريطانيون أن ذلك قد يقوض شعور البلاد بهويتها. كما حذر تقرير حكومي في عام 1953، “ان وجود اقليات ملونة كبيرة في المجتمع سيضعف مفهوم انجلترا أو بريطانيا الذي يعرفه الانجليز او البريطانيين حيثما عاشوا في أنحاء الكومنولث “.
جلب المهاجرون معهم التقاليد والأعراف من أوطانهم، وكانوا في كثير من الأحيان فخورين بها جدا، الا أنهم نادرا ما انشغلوا بمسالة الحفاظ على الاختلافات الثقافية، كما أنها لم ينظروا الى الثقافة من زاوية سياسية . ما كان يشغلهم ليس رغبتهم في ان يعاملوا بشكل مختلف ولكن حقيقة أنهم عوملوا بشكل مختلف . شكلت العنصرية وعدم المساواة، وليس الدين والعرق، جل مخاوفهم . في العقود التالية، عمل جيل جديد من النشطاء السود والآسيويين، الذين شكلوا جماعات مثل حركة الشباب الآسيوية ، على الدفاع عن تلك المظالم، وتنظيم الإضرابات والاحتجاجات ضد التمييز في مكان العمل وضد الترحيل، ووحشية الشرطة. وصلت تلك الاحتجاجات إلى ذروتها في سلسلة من أعمال الشغب التي مزقت العديد من المدن البريطانية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات .
عند هذه النقطة، اعترفت السلطات البريطانية أنه ما لم تعط الأقليات حصة سياسية في النظام، سيستمر التوتر في تهديد الاستقرار في المدن. في هذا السياق ظهرت سياسات التعددية الثقافية . اتبعت الدولة، على المستويين الوطني والمحلي، استراتيجية جديدة لادخال الأقليات السود والآسيوية في العملية السياسية من خلال تعيين منظمات محددة أو قادة أقليات لتمثيل مصالحهم. أعادت الأستراتيجية تعريف مفاهيم العنصرية والمساواة. أصبحت العنصرية تعني ليس مجرد الحرمان من حقوق متساوية ولكن أيضا الحرمان من الحق في أن تكون مختلفا. و لم تعد المساواة تنطوي على امتلاك الحقوق التي تتجاوز العنصر أو العرق أو الثقافة او المعتقد أنما أصبحت تعني حقوقا تختلف بسبب اختلاف تلك الأمور.
لننظر الى قضية برمنجهام، ثاني أكبر المدن البريطانية من حيث عدد السكان. في عام 1985، اجتاحت منطقة هاندزورث في المدينة أعمال شغب اندلعت بسبب استياء من الفقر والبطالة، ومضايقات الشرطة. توفي شخصان وأصيب العشرات في أعمال العنف. في أعقاب الاضطرابات، حاول مجلس المدينة إشراك الأقليات من خلال إنشاء تسع مجموعات للدفاع عن مصالح اعضائها امام سلطات المدينة. وضعت هذه اللجان احتياجات الأقليات وكيفية صرف الموارد وحددت مستحقيها وكذلك حددت كيفية تقسيم السلطات السياسية. لقد أصبحت تلك المجموعات الأصوات البديلة لما يمكن تسميته بالأقطاعيات العرقية.
كان مجلس المدينة يأمل في اشراك الأقليات في العملية الديمقراطية، الا أن المجموعات ناضلت من أجل تحديد ولاءاتها الفردية والجماعية . بعضها، مثل الحركة الشعبية الكاريبية الأفريقية ومثلت مجموعة عرقية، في حين أن آخرين، مثل مجلس كنائس السود مثلت مجموعة دينية. وواكب التنوع بين الجماعات تنوعا داخلها . الا ان خطة مجلس المدينة لم تلتفت الى ذلك التفاوت او الاختلاف ووضعت كل فرد من افراد الاقليات ضمن مجموعة محددة ،وحددت احتياجات المجاميع ، واشعلت روح المنافسة بين تلك المجاميع على موارد المدينة. وكل من يجد نفسه خارج هذه المجموعات يستبعد بشكل عملي من عملية التعددية الثقافية . قالت جوي وارمنغتون مديرة ما كان يعرف بشراكة عمل بيرمنغهام للأعراق ، وهي منظمة خيرية تعمل من اجل القضاء على التمييز، متحدثة عن سياسات مجلس مدينة بيرمنغهام في عام 2005، أنها “تميل إلى التأكيد على العرق كمفتاح لاستحقاق . أصبح من المقبول كممارسة جيدة تخصيص الموارد على أسس عرقية أو على اساس المعتقد. و بدلا من التفكير في تلبية احتياجات الناس أو توزيع الموارد بصورة عادلة، تنشغل المنظمات للتفكير في كيفية توزيع الأثنيات العرقية. “وكانت العواقب كارثية. في أكتوبر 2005، اندلعت أعمال عنف في منطقة لوزيلز المجاورة لهاندزورث . في عام 1985، تظاهر الأسيويون والسود والبيض ضد الفقر والبطالة، ومضايقات الشرطة. في عام 2005، اندلعت اعمال عنف بين السود والآسيويين أستمرت لمدة يومين والسبب اشاعة تقول أن مجموعة من الرجال الآسيويين اغتصبوا فتاة جامايكية.
لماذا اقتتلت مجموعتان تظاهرتا جنبا إلى جنب في عام 1985 في عام 2005؟ الجواب يكمن إلى حد كبير في سياسة التعددية الثقافية التي طبقها مجلس مدينة برمنجهام. أشارت احدى الدراسات الى أن سياسات مجلس مدينة برمنغهام خلقت منافسة قوية بين المجموعات في سباقها للحصول على الموارد ، بدلا من إعطاء الأولوية للاحتياجات والعمل الجماعي ، وبدأت المجموعات في الدفاع عن مصالحها الخاصة “.
أن سياسات المجلس، بعبارة أخرى، أدت الى تقوقع الناس داخل هوياتهم وجعلتهم يخافون ويكرهون المجاميع الأخرى لأنها تنافسهم على السلطة والنفوذ. واصبحت هوية الفرد علامته المميزة له عن الاخرين فالعربي في بيرمنجهام يختلف عن الايرلندي وعن البنجالي وعن أولئك الذين ينحدرون من منطقة البحر الكاريبي. وكانت النتيجة ظهور ما اسماه الاقتصادي أمارتيا سين بالتعددية الثقافية الأحادية الجمعية، وهي سياسة تدعي ان المجتمع يتكون من ثقافات مستقلة وموحدة تدور حول بعضها البعض. وكانت النتيجة في برمنجهام المزيد من الانقسامات التي ادت الى انلاع المواجهات بين السود والاسيويين.
كان الطريق إلى التعددية الثقافية في ألمانيا مختلفة عن طريقها في بريطانيا، على الرغم من أن نقطة البداية هي نفسها. واجهت ألمانيا مثل العديد من البلدان في أوروبا الغربية نقصا هائلا اليد العاملة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وجرى نشاط محموم لجلب العمال الأجانب. خلافا لما حدث في بريطانيا، فإن عمال المانيا جاؤا من من بلدان البحر الأبيض المتوسط: أولا من اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا، ومن ثم من تركيا. جاء هؤلاء ليس كمهاجرين، لكن عمال ضيوف سيعودون يومل الى بلدانهم الأصلية بعد أنتفاء الحاجة اليهم في المانيا.
مع مرور الوقت، أصبح وجود هؤلاء العمال الضيوف، وغالبيتهم من الاتراك مستمرا، ربما لسببين أولا لأن المانيا ما زالت بحاجة لهم وثانيا لأن المهاجرين، ، خاصة الجيل الثاني، اعتبروا المانيا وطنهم. الا ان الدولة الألمانية استمرت في معاملة المهاجرين كغرباء ولم تمنحهم المواطنة.كانت الجنسية الألمانية لا تمنح الا من كان أحد والديه المانيا، وهذا يعني أن الجيل الثاني من المهاجرين لم يستطع الحصول على الجنسية الألمانية. في عام 1999، قدم قانون الجنسية الجديد بعض التسهيلات للمهاجرين من اجل الحصول على الجنسية، الا ان أغلبية مازالوا لم يحصلوا على الجنسية الألمانية، التي حصل عليها 800.000 فقط من مجموع 3.000.000 تركي في المانيا.
بدلا من الترحيب بالمهاجرين تعامل الساسة الالمان مع ما يسمى ” مشكلة تركية” من خلال سياسة التعددية الثقافية. شجعت الحكومة في بداية الثمانينيات المهاجرين الأتراك على الحفاظ على ثقافتهم ولغتهم واسلوب حياتهم . لم تكن تلك السياسة تقوم على احترام التنوع بقدر ما هو وسيلة مريحة لتجنب مسألة خلق ثقافة مشتركة .كانت نتيجته الرئيسية ظهور أقليات موازية.
وكان أغلبية الجيل الأول من المهاجرين علمانيين، ولم يكن المتدينون منهم متشددين في المعتقد أو الممارسة. اليوم، ما يقرب من ثلث الأتراك البالغين في ألمانيا يذهبون الى المساجد، وهو معدل أعلى بالمقارنة مع الجاليات التركية الموجودة في دول أوروبا الغربية، وحتى بالمقارنة مع الدولة الأم نفسها. وبالمثل، فإن أغلبية نساء الجيل الأول من التركيات لم يكن يرتدين الحجاب. الا ان عددا كبيرا من نسوة الجيل الثاني يرتدين الحجاب، وحتى النقاب. ومع غياب الحافز فأن عدد كبير من أبناء الجالية التركية، يعتبر تعلم الألمانية غير مجد.
شجعت سياسة التعددية الثقافية في المانيا الجالية التركية على عدم الأندماج بالمجتمع الألماني، وفي الوقت نفسه زادت العداء ضد الثقافة التركية. وبلغ الأمر حدود تعريف ” الألماني” على ، من ضمن أمور أخرى، بأنه الشخص الذي يعارض بشدة قيم ومعتقدات المهاجرين. أظهر أستطلاع مؤسسة أيفوب الفرنسية في 2011 ان 40 في المئة من الالمان اعتبروا وجود الأقليات الإسلامية “تهديدا” لهويتهم الوطنية. وأشار استطلاع آخر، أجرته جامعة بيليفيلد في ألمانيا في عام 2005، أن ثلاثة من أصل أربعة الألمان يعتقدون أن الثقافة الإسلامية لا تنسجم مع العالم الغربي. كما أن الجماعات المعادية للمسلمين، مثل الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب آخذة في الارتفاع، وكانت الاحتجاجات المناهضة للهجرة التي اجتاحت المدن الألمانية في يناير الماضي هي من اكبر الاحتجاجات التي حدثت في السنوات الأخيرة. وقد اتخذ العديد من السياسيين الألمان، بما في ذلك ميركل، موقفا قويا ضد الحركة المعادية للمسلمين. ولكن “الفاس قد وقع في الرأس “.
لقد فشلت الحكومات البريطانية والألمانية في فهم تعقيد مفهوم الهوية وصعوبة تحديده .إن الهويات الشخصية لا تنشأ عن علاقات شخصية فقط ، لكنها تنشأ من العلاقات الاجتماعية التي تتغير باستمرار. خذ الهوية الإسلامية على سبيل المثال. اليوم هناك الكثير من الحديث في البلدان الأوروبية عن الجالية الاسلامية، واحتياجات وتطلعات تلك الجالية. لكن هذا المفهوم هو جديد تماما. حتى أواخر الثمانينيات كان عدد قليل من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا يعتبرون أنفسهم جالية اسلامية ، ولم يكن السبب لأن عددهم قليل ، حيث أن الجاليات الأسيوية ومن شمال أفريقيا والتركية كانت موجودة قبل الثمانينيات في فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا .
كان الجيل الأول من مهاجري شمال أفريقيا إلى فرنسا علمانيين بشكل كبير، كما كان الحال مع الجيل الأول من المهاجرين الأتراك إلى ألمانيا. الا ان الموجة الأولى من مهاجري جنوب آسيا الى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر تدينا. الا انهم لم يعتبروا انفسهم مسلمين انما بنجابيين وبنجاليين وغيرهم. ومع ذلك لم يكونوا متشددين، وكثير منهم كانوا يؤمون المساجد في المناسبات فقط ونساؤهم لا ترتدي الحجاب. كما ان كثيرا منهم اعتبر الدين مجالا لتحديد العلاقة مع الخالق لا مع البشر. كان مهاجرو الجيل الثاني من البريطانيين من ذوي الخلفيات الإسلامية أقل اهتماما بتحديد هويتهم على أساس خلفيتهم الدينية. والشيء نفسه حدث مع الهندوس والسيخ. كانت منظمات الأقليات علمانية بالغالب وذات أهداف سياسية في حين كان حضور المنظمات الدينية ضعيفا. في بريطانيا ، على سبيل المثال، كان هناك حركات الشباب الآسيوية ، التي حاربت العنصرية، وجمعية العمال الهنود والتي ركزت على حقوق العمال.
في أواخر الثمانينيات أصبحت الفوارق الثقافية مهمة . لقد تبين أن الجيل الذي كان أكثر تماسكا و(غربية) من الجيل الأول كان أكثر اصرارا على تميزه وهويته. أن أسباب هذا التحول معقدة وتعود في جانب منها الى شبكة معقدة من التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبيرة على مدى نصف القرن الماضي، مثل انهيار اليسار وصعود سياسات الهوية. وفي الجانب الأخر تعود الى التطورات الدولية، مثل الثورة الإيرانية عام 1979، وحرب البوسنة في أوائل التسعينيات ، وكلاهما لعبا دورا هاما في تعزيز الشعور بالهوية الإسلامية في أوروبا. وهي أيضا ترتبط بسياسات التعددية الثقافية في أوروبا.
أن هويات المجاميع هي هويات مصطنعة لأنها تنشأ من التفاعل الاجتماعي. ومع حصول الفئات الثقافية على التفويض الرسمي فان بعض منها بدأ يميل الى الثبات. في توجيه الموارد المالية والسلطة السياسية من خلال المنظمات العرقية، منحت الحكومات شكلا من أشكال الأصالة لبعض الهويات العرقية وحرمت الآخرين.
تسعى سياسات التعددية الثقافية الى بناء جسر بين الدولة والاقليات من خلال الطلب من بعض المنظمات المجتمعية أو قادتها بالعمل كوسطاء. بدلا من اعتبار الأقليات مواطنين يميل السياسيون الى الأعتقاد أن ولاء تلك الأقليات الحقيقي الى معتقدها الديني او الى طائفتها .بهذا حولت الحكومات مسؤولياتها السياسية الى قادة الأقليات. الا أن هؤلاء القادة نادرا ما يمثلون أقلياتهم. وليس من الغريب القول أنه لا توجد مجموعة أو عدد من القادة يمكنهم أن يمثلوا مجتمعا ابيض واحدا فبعض البيض محافظون وبعضهم ليبراليون وآخرون فاشيون جدد وبعضهم شيوعيون . وبعضهم لا يربط مصلحته بلون البشرة .فالأبيض المسيحي قد يكون لديه الكثير من القواسم المشتركة مع المسيحي الاسود بالمقارنة مع العلمانيين البيض ويكمن قول الشيء نفسه مع الأشتراكي الأبيض والبنغالي الأشتراكي بالمقارنة مع الأبيض المحافظ . وهنا يكمن الخلل الأساسي في التعددية الثقافية.
///سياسة الاندماج الاجتماعي في فرنسا:
تعتبر سياسة الاستيعاب او الاندماج الفرنسية نقيضا للتعددية الثقافية، التي رفضها الساسة الفرنسيون. وخلافا لبقية الدول الأوروبية يصر اولئك الساسة على أن فرنسا تعامل الجميع كمواطنين وليسوا افرادا في مجاميع عرقية أو إثنية أو ثقافية معينة. الا ان الواقع يشير الى أن فرنسا مقسمة اجتماعيا كما هي ألمانيا أو بريطانيا وبالطريقة ذاتها . في يناير الماضي أثيرت العديد من الأسئلة المتعلقة بالسياسة الاجتماعية الفرنسية والتقسيمات الاجتماعية للبلاد ، عندما قتل مسلحون اسلاميون 12 شخصا في مكاتب المجلة الساخرة شارلي ابدو وأربعة من اليهود في سوبر ماركت. حمل الساسة الفرنسيون التعددية الثقافية دائما المسئولية في دعم المتطرفين في بريطانيا .. وعليهم الأن تقديم الاجابة لما حدث في فرنسا البلد الذي يؤمن باستيعاب الأجانب.
يقال أن هناك نحو خمسة ملايين مسلم في فرنسا، ويمثلون أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية. في الواقع، أن الفرنسيين الذين ينحدرون من أصول شمال أفريقية لا يمكن الحديث عنهم كمجموعة واحدة لأنهم كانوا دوما علمانيين ، وأحيانا اتخذوا مواقف غير دينية. جاء في تقرير لمركز بيو للأبحاث عام 2006 أن 42 في المئة من المسلمين في فرنسا عرفوا أنفسهم بأنهم مواطنون فرنسيون أولا ، الرقم أعلى مما هو في ألمانيا، وإسبانيا، وبريطانيا . الا أن السنوات الأخيرة أظهرت زيادة اعداد المهتمين بالإسلام. ومع ذلك ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة أيفوب عام 2011 فإن 40 في المئة فقط يعتبرون أنفسهم مسلمين ملتزمين، و 25 في المئة منهم يؤدون صلاة الجمعة.
علاوة على ذلك فإن الفرنسيين من أصول شمال أفريقية كثيرا ما يوصفون على أنهم مهاجرون . في الواقع، فإن اغلبية هؤلاء هم الجيل الثاني من المواطنين الفرنسيين، ولدوا في فرنسا مثل بقية الفرنسيين ومثل جميع مناصري الجبهة الوطنية. ان إطلاق صفتي “مسلم” و”مهاجر” على مواطنين فرنسيين من أصول شمال أفريقية ليس بمحض الصدفة ،انما هو جزء من عملية تقوم بها الدولة لعزل هؤلاء عن المجتمع الفرنسي.
كما هو الحال في بريطانيا، فان الجيل الاول من المهاجرين الذين حطوا الرحال في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية واجهوا عنصرية كبيرة، الا ان الجيل الثاني لم يكن مستعدا لقبول التمييز الاجتماعي، والبطالة، ووحشية الشرطة. نظموا من خلال منظمات معظمها علماني تظاهرات تميزت احيانا بالعنف . إن أعمال الشغب التي اجتاحت المدن الفرنسية في خريف عام 2005 كشفت العديد من عورات المجتمع الفرنسي ، مثلما حدث في المدن البريطانية قبل عقدين من الزمن.
اتخذت السلطات الفرنسية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات موقفا لينا نسبيا من التعددية الثقافية، موقفا متسامحا مع الاختلافات الثقافية والدينية في وقت تحدث عدد قليل من أفراد تلك الأقليات عن هوياتهم بلغة ثقافية أو دينية ، يومها طرح الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران شعاره الشهير (الحق في الاختلاف). وعندما تكشفت التوترات داخل أقليات شمال أفريقيا ومع ظهور الجبهة الوطنية كقوة سياسية، تخلت باريس عن ذلك النهج واصبحت اكثر تشددا . وجاءت الأضطرابات في عام 2005، والسخط الذي رافقها ليكثر الحديث عن التهديد المتنامي للإسلام في فرنسا. من حيث المبدأ، رفضت السلطات الفرنسية النهج البريطاني للتعددية الثقافية . الا أنها عاملت من الناحية العملية مهاجري شمال أفريقيا وذريتهم بطريقة “التعددية الثقافية ” ، جميعهم ينتمون الى الجالية المسلمة. عكست المخاوف من الإسلام قلقا أكبر حول أزمة القيم والهوية التي تعصف الآن فرنسا.
طبقا لاستطلاع الرأي الذي أجرته في العام 2013 مجموعة ايبسوس البحثية الفرنسية ومركز البحوث السياسية التابع لمعهد الدراسات السياسية في باريس فأن 50 في المئة من السكان الفرنسيين يعتقدون أن التراجع الاقتصادي والثقافي لبلادهم كان “لا مفر منه”. في حين أن 30 في المئة منهم اعتقدوا أن الديمقراطية في فرنسا ما زالت بخير وقال 62 في المئة ان اغلبية السياسييين فاسدون . وقدم التقرير وصفا لفرنسا مقسمة لا تثق بساستها و أضاف التقرير أن الخوف يسيطر على المجتمع الفرنسي .
في بريطانيا كانت سياسات التعددية الثقافية اعترافا بمحتمع مجزأ وفي الوقت نفسه كان المجتمع هو مصدر لتلك التعددية الثقافية. وقد أدت سياسات الأستيعاب في فرنسا الى النتيجة ذاتها. حاول السياسيون وهم يواجهون جمهورا لا يثق بهم التأكيد على الهوية الفرنسية المشتركة. ولكنهم و بسبب عدم قدرتهم على تحديد الافكار والقيم التي تميز البلاد، زرعوا العداء لرموز الغرباء ، مثلا حظر البرقع في عام 2010.
بدلا من اعتبار مهاجري شمال أفريقيا مواطنين كاملين، تجاهلت السياسة الفرنسية العنصرية والتمييز التين يعانوا منهما . يعتقد الكثير في فرنسا أن مواطنيها من ذوي الأصول الشمال أفريقية ليسوا فرنسيين أنما عرب أو مسلمين . ولكن الجيل الثاني من مهاجري شمال أفريقيا هم أكثر بعدا من ثقافات وأعراف آباءهم وكذلك عن المجتمع الفرنسي . وهذا الجيل لم يتيه بين ثقافتين كما حاول البعض ان يقول عنهم ذلك أنما هم جيل بلا ثقافة . ونتيجة لذلك، تحول بعضهم صوب الأسلاموية وبعض منهم تبنى الفكر العنيف.
في الوقت نفسه، زادت سياسات الاستيعاب الفرنسية إلى تفاقم الشعور بالتهميش الذي تشعر الطبقة العاملة التقليدية. صاغ كريستوف جويليي عبارة “فرنسا الهامشية” لوصف هؤلاء الناس الذين تعرضوا للأقصاء بسبب تراجع النشاط الصناعي و تحديث المناطق الحضرية والذين يعيشون بعيدا عن المراكز الاقتصادية ومراكز صنع القرار، في حالة من الغربة الاجتماعية وينتابهم الشعور بأنهم مستبعدون. لقد برزت فرنسا الهامشية بشكل رئيسي نتيجة للتطورات الاقتصادية والسياسية. ولكن على غرار الكثير من الجاليات ذات الأصول الشمال أفريقية في فرنسا، فإن فرنسا المهمشة نظرت الى تهميشها عبر عدسة ثقافية وعرقية .وفقا لأستطلاع معهد ايبسوس عام 2013، يعتقد سبعة من أصل عشرة أشخاص أن هناك “الكثير من الأجانب في فرنسا”، واعتبر 74 في المئة من المستطلعين الأسلام غير متوافق مع المجتمع الفرنسي. أن اعتبار الإسلام تهديدا للقيم الفرنسية أدى الى تعزيز الدور السياسي للثقافة و الى تعزيز روح الأستياء الشعبي من السياسة السائدة.
///مستقبل التعددية الثقافية في أوروبا الغربية:
في الماضي، كان السخط داخل اوساط مهاجري شمال أفريقيا أو الطبقة العاملة البيضاء، كثيرا ما يتحول الى عمل سياسي مباشر، أما اليوم، فإن الفريقين يعبران عن ذلك السخط من خلال سياسات الهوية. أن الشعوبية العنصرية والإسلاموية الراديكالية، كل على طريقته، هي اشكال متشابهة من التهميش الأجتماعي في عصر سياسات الهوية. أن التعددية الثقافية والاستيعاب هي استجابات سياسة مختلفة لنفس المشكلة، الا وهي انقسام المجتمع. الا ان كلا من التعددية الثقافية والاستيعاب أو الأندماج جعلا من الأمور اسوء من ذي قبل . لقد حان الوقت لتجاوز المناقشة العقيمة بين النهجين. وهذا يتطلب تميز ثلاثة أمور. أولا، ينبغي على أوروبا أن تفصل التنوع باعتباره تجربة معاشة عن التعددية الثقافية بوصفها عملية سياسية. يجب الترحيب بتجربة العيش في مجتمع متنوع بسبب كثرة المهاجرين. يجب وقف محاولات إضفاء الطابع المؤسسي على هذا التنوع من خلال الأختلاف الثقافي .ثانيا، ينبغي على أوروبا أن تميز بين عمى الألوان العنصري وبين العمي العنصري. أن أصحاب سياسة الأستيعاب عازمون على اعتبار الجميع مواطنون بدلا من النظر لهم وكانهم حملة لواء و تاريخ ثقافة مختلفة وهو شيء مهم. ولكن هذا لا يعني أن الدولة يجب أن تتجاهل التمييز ضد مجموعات معينة. المواطنة ليس له معنى إذا تم التعامل مع فئات مختلفة من المواطنين بشكل مختلف، سواء بسبب سياسات التعددية الثقافية أو بسبب العنصرية.
وأخيرا، ينبغي على أوروبا أن تفرق بين الشعوب والقيم. ويجادل أنصار التعددية الثقافية أن التنوع المجتمعي يضعف إمكانية أيجاد القيم المشتركة. وبالمثل، فأن دعاة الاستيعاب او التعايش يقولون أن هذه القيم ممكنة فقط في مجتمع متجانس عرقيا وثقافيا. يرى الفريقان أن الأقليات مجتمعات متجانسة، ترتبط بمجموعة معينة من السمات الثقافية والأديان والمعتقدات، والقيم،و ليست أجزاء من ديمقراطية حديثة.
يجب أن لا يكون الجدل الحقيقي بين التعددية الثقافية والاستيعاب وانما بين شكلين من الاول وشكلين من الثاني . من شأن السياسة المثلى ان تزاوج بين احتضان التعددية الثقافية للتنوع الفعلي، بدلا من ميلها إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الاختلافات، وان تزاوج بين عزم الاستيعابية في النظر بقدم المساواة الى جميع المواطنين ، بدلا من ميلها الى بناء الهوية الوطنية من خلال اعتبار بعض الجماعات غريبة على الامة . في الممارسة العملية، فعلت الدول الأوروبية العكس. فقد طبقت سياسات التعددية الثقافية التي وضعت الجاليات في صناديق ضيقة او انها طبقت سياسات الاستيعاب التي ابعدت الجاليات عن المجتمع.
وحتى تمضي اوروبا قدما، يتعين عليها اعادة البحث عن قيم عالمية، وهو أمر تخلى عنه ليبراليو القارة. بعض اليساريين جمعوا النسبوية الثقافي والتعددية الثقافية، بحجة أن فكرة القيم العالمية هي في جانب منها عنصرية . من جهة أخرى، هناك دعاة الأستيعابية الفرنسية ، مثل الفيلسوف برنار هنري ليفي، الذين يصرون على التمسك بالقيم التقليدية للتنوير ولكنهم يفعلون ذلك بطريقة القبلي الذي يفترض صراع الحضارات.علاوة على وجود الأفتراض عبر أوربا بأن الهجرة والاندماج يجب أن تدار من خلال سياسات ومؤسسات الدولة. الا أن التكامل الحقيقي، سواء للمهاجرين أو لجماعات السكان الأصليين، نادرا ما يحدث من اجراءات الدولة و انما في المقام الاول من قبل المجتمع المدني، من خلال العلاقات الفردية التي تربط الناس بعضهم بالبعض الاخر ، ومن خلال المنظمات التي ينشاها الافراد لتنمية المصالح السياسية والاجتماعية المشتركة. أن تآكل هذه العلاقات والمؤسسات أصبحت مشكلة التي تربط فشل سياسة الاستيعاب بسياسة التعددية الثقافية وهذا يفسر لماذا أصبح التهميش الاجتماعي صفة لجاليات المهاجرين والمجتمع ككل .من اجل إصلاح الأضرار التي سببها التهميش ومن أجل إحياء الكونية التقدمية على اوروبا تجديد مجتمعاتها المدنية لا تغير سياساتها الحكومية الرسمية.
محمد نجيب السعد
باحث أكاديمي عراقي

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

حين تتحول أرض الأحلام إلى "أرض الكوابيس"
يواجه العديد من المهاجرين مشاكل كبيرة في التأقلم مع المحيط الاجتماعي الجديد، بالإضافة إلى صعوبة حصولهم على عمل مناسب. كل ذلك يساهم في تكريس الشعور بالغربة والحنين للوطن الأم يتحول لدى البعض أحيانا إلى اكتئاب حاد.

يمكن أن يحدث هذا مثلاً عندما يقدم شخص ما ملاحظات لاذعة عن لون بشرتك، أو عندما تتعثر في الامتحانات الجامعية مرة تلو الأخرى، أو عندما يستدعي الجيران الشرطة لأنك قمت بتشغيل جهاز التلفزيون بصوت مرتفع. كل شخص يعيش بعيداً عن وطنه يشعر بالحنين للوطن عاجلاً أو آجلاً. وفي كثير من الأحيان لا يتعلق هذا الشعور بالحنين فقط بالشعور بالوحدة، بل يرتبط أيضاً بفقدان الجذور والهوية.
يواجه المهاجرون غير الشرعيون ظروفا صعبة تجل العديد منهم يحن إلى وطنه الأم
يواجه المهاجرون غير الشرعيون ظروفا صعبة تجل العديد منهم يحن إلى وطنه الأم
وأحياناً يتحول الشعور بالغربة إلى اكتئاب حاد، خاصة بعد المرور بظروف صعبة وصادمة مثل الحروب في الوطن أو العنف الذي قد يتعرض له المهاجر في طريقه إلى أوروبا.
وفي أي حال، فالمساعدة للمهاجرين متوفرة من منظمة "برو أزيل" المهتمة بشئون اللاجئين ومن غيرها من المنظمات الإنسانية. وهذه المنظمات تستطيع أن توفر للمهاجر فرصة التواصل مع مجموعات المساعدة الذاتية ومراكز الدعم النفسي.
كلاوس دارمان/ سمر كرم
مراجعة: طارق أنكاي

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

شباب المهجر و إشكالات الهوية و الاندماج
الخميس |

تحولت أوروبا التي كانت حتى بداية القرن العشرين بلدا مصدرا للهجرة،  إلى أرض استقبال، بل ومن أهم المناطق المستقبلة للمهاجرين. هذه الحاجة إلى الأشخاص الوافدين من خارج أوروبا ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى خاصة مند العقدين الأخيرين من القرن العشرين حيث تحولت بعض الدول الأوروبية من بلدان مرسلة للهجرة إلى بلدان مستقبلة لها مثل إيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال فيما بعد.

وقد تم استعمال اليد المهاجرة في عدة مجالات وفي حالات الحرب والسلم, فخلال الحربين العالميتين لم تتردد بريطانيا وفرنسا مثلا من اللجوء إلى مستعمراتها من أجل تجنيد عدد كبير من اليد العاملة. وهكذا تم تجنيد ما بين 70 ألفا و90 ألف مغربي خلال الحرب العالمية الثانية من قبل فرنسا, بعد الحرب العالمية الثانية ساهم العمال المهاجرون في عملية إعادة إعمار أوروبا في مجال البناء والأشغال العمومية كما تم استعمالهم كيد عاملة في المناجم وقطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات.


و تطرح ظاهرة الهجرة إلى الاتحاد الأوروبى العديد من الإشكاليات المتعلقة بالتنمية والأمن والاندماج، فقد كانت القارة العجوز بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى حاجة إلى سواعد وعقول المهاجرين للمساعدة على بناء ما دمرته سنوات الحرب الطويلة ومازالت القارة الأوروبية حتى الآن تتأرجح بين الحاجة إلى المهاجرين لتعويض التناقص فى معدلات نمو السكان وكذا تعويض نقص العمالة فى بعض القطاعات الإنتاجية، وبين الإشكاليات التى يطرحها تزايد أعداد المهاجرين، والتى تتمحور حول قضايا الأمن والتنمية والاندماج و هي قضايا  تشغل بال المؤسسات الحكومية والعلمية والأهلية في الدول المستقطبة للهجرة أو الحاضنة للمهاجرين و ذلك بهدف  قطع الطريق على خلق كيانات معزولة وهامشية أو بؤر للجريمة والتخلف وفي نفس الوقت تقف حائلا دون قيام حركات عنصرية من داخل البلد تستهدف الإساءة إلى المهاجرين.


إن إشكاليّة الاندماج أو الاستقلالية لم تصبح همّاً خاصّاً بالمهاجرين، بل أصبحت همّاً سياسيّاً يؤرّق كافة الحكومات الغربيّة التي يوجد على أراضيها عشرات الآلاف من الأجانب, وتواجه عملية اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية مجموعة من المشكلات، من بينها حاجز اللغة واختلاف انظمة التعليم والتوظيف، واختلاف الانظمة السياسية، واختلاف المفاهيم الثقافية.
أندلس برس و وعيا منها بأهمية هذا الموضوع, تخصص عدد هذا الشهر لدراسة جوانب من حياة شباب المهجر بإسبانيا, و خاصة فيما يتعلق بقضايا الهوية, الاندماج و الآفاق المستقبلية في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد.


الشباب المهاجر و تحديات الوضع القائم


إن إشكالية الهجرة تعتبر من بين أهم انشغالات جل إن لم نقل كل دول الاتحاد الأوروبي سواء تعلق الأمر بالدول ذات التقاليد العريقة في استقبال المهاجرين (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا) أو الدول الحديثة العهد في هذا الميدان (إيطاليا، إسبانيا والبرتغال) التي تبحث كلها عن الوسائل التي تمكنها من مراقبة وتدبير تدفقات المهاجرين حسب حاجيات الدول المستقبلة وكذا الإجراءات القانونية والعملية التي تمكن من اندماج المهاجرين في مجتمعات تلك الدول.


إن التحول الذي عرفته ظاهرة الهجرة إلى أوروبا من مؤقتة إلى دائمة كان له عدة مؤثرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر, ارتفاع نسبة النساء المهاجرات, ارتفاع نسبة الزواج المختلط, ارتفاع نسبة التجنس, ارتفاع عدد الأطفال الأجانب و الشباب في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها داخل دول الاستقبال, وهكذا لم يعد ينحصر مجال المهاجر في إطار العمل الذي يزاوله بل أصبح كائن يرغب في الاندماج أكثر هو وباقي أفراد أسرته داخل مجتمع الاستقبال ويريد أن يتمتع بمواطنة كاملة (خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث) والتي من خلالها يؤدي ما عليه من واجبات ويحصل على ما له من حقوق خاصة على مستوي السكن والتعليم والعمل. إن المسؤولين الأوربيين واعون بأنه لا مناص لأوروبا من المهاجرين. لكن هناك من لا زال يجد صعوبة في الموائمة بين الحفاظ على الصفاء العرقي والثقافي والحضاري لأوروبا, وحاجة هذه القارة العجوز إلى الأجانب لتغطية النقص الدمغرافي والاستجابة لحاجات مختلف القطاعات الإنتاجية بكل أنواعها ومستوياتها, كما أن هناك من يرغب في أن يكون المهاجر مجرد وسيلة وأداة لإنتاج السلع والخدمات وليس ككائن بشري له خصوصياته اللغوية والدينية والثقافية والتي يجب الاعتراف بها والتعايش معها.


جدير بالذكر أن عملية الاندماج تتم عندما يتم الإحتفاظ بالهوية الثقافية للبلد الأصلي. وفي نفس الوقت يتم تبني المعايير الثقافية لبلد الإقامة وهذا الدمج ما بين مكونات الهويتين لا يعني أن المغترب قد اندمج بشكل كامل, فالإندماج  يمكن أن يحمل دلالات عدة؛ فهناك الإندماج الثقافي،الإندماج مع المحيط التشريعي أي الإستفادة من سوق العمل ومــن فضـاءات العلاقات الإجتماعية والتعليمية والصحة  والسكن. و في هذا الصدد يقر الكل  بأن  هذه المسألة لا تخص المهاجرين والأقليات فحسب بل وتشمل أيضا مجتمعات و حكومات دول الاستقبال بأكملها, و التي عليها أن تلعب دورا رئيسيا وفعالا في مجال مسلسل اندماج المهاجرين وكذا ربط وتوطيد العلاقات ما بين مختلف المجموعات البشرية المتواجدة في دولة ما.


و نلاحظ أنه على المستوى الرسمي, يصرح المسؤولون الاوربيون باستمرار بأن السلطات العامة تعمل على أن يتمتع المهاجرون بنفس الحقوق المخولة لمواطني البلدان المستقبلة وكذا تكافؤ الفرص خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ميادين التعليم والصحة والسكن والعمل, و على الرغم من كل ما يقوم به المهاجرون في تنمية دول الاستقبال فإنهم يعانون من عدة أشكال من التمييز والإقصاء في كل المجالات: السكن, التعليم والعمل والحقوق الاجتماعية والثقافية.


لكن حدة هذا الإقصاء والتمييز تختلف حسب الأصول الإثنية للمهاجرين وكذا لغتهم ودينهم كما تختلف حسب وضعيتهم القانونية في البلدان المضيفة, كما أن مشكلة عدم اندماج المهاجرين يتجلى أكثر في الميدان الاجتماعي إذ غالبا ما يكون هناك خلط بين الهجرة والإجرام. وتتفاقم الوضعية بالنسبة لذوي الأصول العربية والمسلمة، فهناك أحكام وتصنيفات مسبقة حيث تلصق بهم تهم الإجرام والتطرف والإرهاب بطريقة اعتباطية.


إن عملية اندماج المهاجرين أو الذين هم من أصول مهاجرة عملية معقدة تستدعي تضافر جهود كل الفاعلين في الحقل السياسي والثقافي والإعلامي, والتعليمي وكذا مختلف مكونات المجتمع المدني من أجل نشر وتعميق وتطبيق مبادئ التسامح والاعتراف بحق اختلاف المهاجرين والأقليات المتواجدة في بلد واحد وقبول هذا الاختلاف والتعايش معه.


على عكس الكثير من البلدان الغربية الأخرى التي يواجه فيها المهاجرون مضايقات كثيرة، يقول مهاجرو إسبانيا إنهم يتأقلمون مع أسلوب الحياة في الغرب بشكل كبير، مؤكدين في الوقت نفسه أن الدين لا يمثل بالنسبة لهم عائقا لكي يكونوا مواطنين إسبان, وأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا في إسبانيا، أن نسبة 70% من المهاجرين يشعرون أنهم في وطنهم في إسبانيا، كما أظهر أيضا أن نسبة 80%  يشعرون أنهم متأقلمون مع طريقة الحياة الإسبانية، وهاتان النسبتان المرتفعتان تعكسان أن مهاجري إسبانيا هم الأفضل اندماجا في غرب أوروبا. وفي هذا الشأن يقول "برباب لوبيز" أحد الخبراء البارزين في شؤون الأقليات المهاجرة و خاصة ذوي الأصول المسلمة: "المسلمون الذين يأتون إلى إسبانيا يتأقلمون مع الأوضاع بسرعة، لكن من الممكن أيضا أن تجد البعض منهم متمسكا ببعض مظاهر ثقافته الأصلية، وكان هذا واضحا بشكل أكبر في الأجيال السابقة".


ويقول لوبيز: "المهاجرون المسلمون لا يعيشون في جيتوهات (أماكن خاصة بهم) ولكنهم ينتشرون في أنحاء البلاد، فهم يحترمون المواطن الإسباني الذي يرى لوبيز أنه منفتح بدوره بالنسبة لمسألة قبول المهاجرين في المجتمع الإسباني".


ويضيف لوبيز: "أعتقد أن سكان إسبانيا -حتى الفئة التي نعتقد أنها أكثر عنصرية منهم- قد استوعبوا المهاجرين جيدا، فقد أصبح المهاجرون يمثلون حوالي 12% من نسبة السكان في خلال الـ15 عاما الأخيرة، وهذا الأمر لم يحدث بهذه السرعة الهائلة في أي من البلدان الأوربية الأخرى".


إشكالات الهوية و الاندماج, إسبانيا نموذجا

لفهم إشكالية الاندماج والتي ركزت بالأساس على العلاقة بين التمثلات الاجتماعية السلبية حول الآخر والاندماج. فهذه التمثلات السلبية تبرر الإقصاء والتهميش وتختزل صورة الآخر في بعض الأحكام السلبية حول أصله وإمكانياته وميولاته. لذلك لا يمكن لسياسة الاندماج أن تنجح في ظل إستمرار هيمنة هذه المعتقدات الخاطئة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على القرارات السياسية والقانونية. والهوية هي دينامية معقدة تتفاعل في تكوينها مجموعة من العوامل لاتستجيب لمعايير فرضت على الجماعات والأشخاص؛ وفي نفس الوقت لا يمكن للانغلاق الثقافي أن يواكب التطورات الاجتماعية والثقافية ويخلق تعايشا إيجابيا بين الأفراد.


و فيما يخص حالة  الجالية المغربية بإسبانيا بالتحديد و على غرار باقي مغاربة العالم, فقد عرفت بارتباطها الدائم بهويتها الوطنية، ارتباط ما فتيء يحافظ على قوته مع مر السنين وأجيال المهاجرين، ويمتد عبر كل أو جل مقومات هذه الهوية من لغة ودين وانتماء, فالمهاجرون المغاربة يعرفون بكونهم من أكثر الجاليات التي تسجل عودتها المستمرة والمنتظمة إلى أرض الوطن، كما أن هناك دراسات تؤكد أن أفراد الجالية المغربية – خلافا لجاليات أخرى- يفضلون العودة إلى البلد الأم لدى إنهاء مسارهم المهني ببلاد المهجر (التقاعد) أو حتى في حال الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بتلك الدول و هو ما نشهده في الآونة الأخيرة. كما تشكل التحويلات المالية المنتظمة واختيارات الاستثمار في البلد الأصل، لدى أفراد الجالية، دليلا واضحا وعمليا على هذا الانشغال الدائم بهاجس العودة، عودة وجدانية وفكرية مستديمة أكثر منها عودة جسدية وموسمية.


وهو أمر يلاحظ حتى في المعيش اليومي للأجيال المتلاحقة للمهاجرين، في بلد الإقامة، وفي عادات وسلوكات أبناء الجالية، سواء في الارتباط الثقافي بالبلد الأصل من خلال ضرورة الحفاظ على اللغة – اللهجة الدارجة أو اللغتين العربية والأمازيغية - أو التمسك بالشعائر الدينية من صلاة وصيام وزكاة وغيرها، وكذا بعدد من العادات والتقاليد (حفلات الزفاف- إحياء المناسبات)، أو حتى من خلال الحب الذي يبديه أفراد الجالية من مختلف الأجيال للفن والموسيقى، خاصة الشعبية منها، القادمة من البلد الأم


ويبرز الاهتمام في مستوى آخر من خلال متابعة الجالية المغربية للشأن العام الوطني ولوسائل الإعلام الوطنية، في مختلف المناسبات، وهو الأمر الذي ساعد في ترسيخه انتشار وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة. ولا ننسى أن فئة النخبة في أوساط الجالية ترفع مستوى هذا الاهتمام إلى متابعة الشأن السياسي بالوطن الأم وتبدي استعدادها الدائم للانخراط في مختلف محطات البناء الديمقراطي والتغيير التنموي، من خلال مشاركتها في الاستحقاقات السياسية الوطنية، وكذا تجاوبها مع أي دعوة أو مبادرة للمساهمة في عمل المؤسسات أو الهيئات الوطنية التي تعبر عن رغبتها في الاستفادة من خدمات وكفاءات هذه النخبة.


وتشكل مسألة الارتباط باللغة والدين أبرز سمات هذا التعلق بالهوية لدى الجالية في حياتها ببلاد المهجر، بحيث ما فتئت الجالية تعمل على ترسيخ الانتماء إلى هذين المقومين من خلال تسجيل أبنائها في دروس تعليم اللغة العربية ومعاهد التربية الإسلامية وأقسامها التابعة للمساجد التي يعتبر المغاربة من أكثر المبادرين إلى بنائها وتهيئتها في الدول الأوربية على وجه الخصوص. بل إنه يلاحظ في بعض الحالات أن إحساس بعض المغاربة بالانتماء الهوياتي يرتفع بعد مغادرتهم المغرب أكثر من ذي قبل، بحيث يصبح انشغالهم أكبر بالالتزام الديني، مثلا، لديهم ولدى أبنائهم.


و من خلال استطلاع الرأي الذي نظمته جريدة أندلس برس بين فئات الشباب المهاجر القاطن بإسبانيا و الذي يدور حول إشكالية الهوية و معوقات الاندماج و كذا الآفاق المستقبلية, يبرز الاعتزاز الكبير بالهوية العربية, الأمازيغية و الإسلامية, حيث يفتخر الكثير منهم بانتماءه الديني و العرقي في إطار احترام متبادل لهوية و تقاليد بلد الاستقبال, و في هذا الاتجاه تقول سكينة (20 سنة) من صالت, خيرونا:" أنا مسلمة, أدرس بجامعة خيرونا حيث أشعر بالراحة لتواجد عدد كبير من الطلبة المغاربة و المسلمين و هو ما يسهل الاندماج و التواصل بيننا و بين باقي الطلبة." و حول سؤال معوقات الاندماج, تقول سكينة "لم أشعر قط بالرفض بسبب هويتي, هناك قبول من طرف الإسبان بصفة عامة", بينما يقول محمد ج (20 سنة) من صالت, خيرونا:" هنال قبول لهويتي العربية و الإسلامية من طرف المجتمع الكاتلاني في إطار احترام متبادل" و يضيف:"جئت لإسبانيا و أنا في سن السادسة و منذ ذلك الحين اندمجت في المجتمع الإسباني بشكل جيد و لم أشعر قط بوجود رفض لهويتي و ثقافتي, بل على العكس هناك قبول و احترام" و عن الآفاق المستقبلية يقول محمد" حاليا تمر إسبانيا بأزمة اقتصادية خانقة تجعل التفكير في المستقبل صعبا."


أما نور الدين (20 سنة) من فويلابرادا, مدريد فيقول:" هويتي كشاب هي مزيج بين ثقافتين, ثقافتي الأصلية التس نشأت عليها و ثقافة البلد المضيف المكتسبة, في الحقيقة أشعر بالانتماء إلى الثقافتين معا" أما فيما يخص معوقات الاندماج يقر نور الدين" أن الهوية قد تكون في بعض الحالات عائقا أمام الاندماج, لهذا يجب على المغاربة السعي إلى كسب رهان هذه المعركة بتحسين ظروف العيش على جميع المستويات" أما عن المستقبل فيقول نور الدين" في خضم ما نرى و نشاهد من مظاهر الأزمة هنا بإسبانيا, ليست هناك آمال كبيرة, لكنني أثق أن الأحوال سوف تتحسن في المستقبل", فيما تقول فاطمة الزهراء (24 سنة) من ألميريا:"أنا مندمجة جيدا, لكن الأمر لم يكن سهلا في البداية و خاصة في محيط المدرسة, هناك جهل كبير من طرف العديد من الإسبان للهوية العربية الإسلامية و هو ما يجعل التعايش و التواصل المخرج الحقيقي لقبول الآخر كما هو" و تضيف فاطمة الزهراء "لم أشعر قط بأن هويتي تشكل عائقا أمام الاندماج, لدي الكثير من الأصدقاء الإسبان, أظن أنها مسألة شخصية و ثقة في النفس" أما عن الآفاق المستقبلية فتقول "أتمنى أن تتحسن الأحوال, أريد العيش هنا بإسبانيا لأنني أتقن اللغة الإسبانية و قريبة من بلدي الأصلي المغرب, كما أن الهجرة إلى دول أوربية أخرى ليس ضمانا للنجاح".


هكذا نرى أنه في حين وجد  الجيل الأول للمهاجرين  لنفسه مخرجا من صراع الهوية و الاندماج من خلال الانكفاء ضمن نوع من الـ»الغيتو» الديني والإثني الذي كان يتم فرضه أيضا على الجيل الثاني، فإن المسألة ازدادت صعوبة عندما كبر الأبناء الذين أضحوا يعيشون في ظل موافقة بين رغبتهم في الاحتفاظ بمقومات الهوية كما لقنها لهم آباؤهم، وبين القيم الحداثية والعلمانية ومتطلبات الحياة المدنية التي تميز المجتمع الذي خرجوا إليه من غيتو الانغلاق الهوياتي.


و ختاما, يمكن القول  أن شباب المهجر اليوم، بدأوا يتلمسون طريقهم شيئا فشيئا، بعيدا عن خطاب «أزمة» الهوية والاندماج، نحو نموذج هوياتي معاصر، يتأسس على مبادئ هوية أصيلة ومواطنة، تنهل من معين حضارة المنشإ وتنفتح، إيجابيا وفعليا، على محيطها التاريخي والجغرافي و الاجتماعي، مما يضمن لأبناء الجالية الاستقرار الفكري والنفسي الذي يمكنهم من الاندماج السلس في مجتمع الهجرة دون الانسلاخ عن قيمهم الأصيلة ومواطنتهم المغربية. وهو ما بدأنا نلمسه فعلا في نماذج لشباب يعتزون بانتمائهم لوطنهم وحضارتهم المغربية، وهم يشقون في نفس الوقت طريقهم بنجاح وتألق في مختلف المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية في بلاد المهجر التي يعتبرونها بدورها وطنا وهوية لا تتناقض مع انتمائهم لبلدهم الأصلي.



المصدر: شبكة أندلس الإخبارية - محمد رضا العبودي

غير متصل Edy Simon

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 5198
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني




بيان من الحكومة الالمانية عن الاندماج هام جدا لكل لاجىء فى المانيا

 

الاندماج - في مقدور كل إنسان

كل إنسان يستطيع في بلدنا أن يحقق شيئا ما، بصرف النظر عن أصله، أو لون بشرته أو ديانته. هذا هو جوهر الرسالة التي تبنتها حملة "امض في طريقك" لمؤسسة "دويتشلاند شتيفتونج انتيجراتسيون" المعنية بشئون الاندماج والتي تأسست في عام 2008 وتتخذ من برلين مقرا دائما لها.

لقد تخلت كل أندية كرة القدم في الدوري الألماني في الاسبوع الثالث عن الإعلانات المعتادة المكتوبة على قمصان لاعبيها ليكتب عليها عبارة "امض في طريقك" من أجل الترويج لعملية الاندماج، وهي المبادرة التي تلقى دعما من المستشارة الألمانية ميركل. وبهذا يرسل الدوري الألماني رسالة واضحة نحو الاندماج ومناهضة العداء للأجانب.

كانت الحكومة الألمانية في الأعوام الأخيرة قد جعلت من اندماج ذوي الخلفية المهاجرة أحد مهامها الأساسية. وتتمثل مجالات العمل لتحقيق هذا بشكل خاص في اللغة، والتعليم والتدريب وكذا سوق العمل. وترتكز الجهود المعنية بالاندماج على التشجيع وطرح المهام، مبدأ الحوار، ومزيد من الإلتزام.

تعول الحكومة الألمانية على حوار موسع من خلال إقامتها لقمم الاندماج ومن خلال مؤتمر الإسلام في ألمانيا. وهو ما تستند إليه أيضا "خطة العمل الوطنية الاندماج" التي هي نتاج للعمل المشترك بين الدولة والمجتمع المدني. وبهذه الخطة بدأت الحكومة الألمانية مرحلة جديدة في سياسة الاندماج، بحيث تكون أهداف سياسة الاندماج قابلة للقياس والمراجعة. كما يمثل الاعتراف بالشهادات المهنية المتحصلة في الخارج بدءاً من إبريل/ نيسان 2012 مزيدا من الالتزام فيما يتعلق بعملية الاندماج.

يعيش اليوم في ألمانيا ما يقرب من 16 مليون شخص ذي خلفية مهاجرة، وهو ما يعني أنه من بين 82 مليون مواطن هم مجموع سكان ألمانيا هناك واحد من بين كل خمسة ينتمي إلى عائلة مهاجرة. ولدى أكثر من نصفهم (8.6 مليون) الجنسية الألمانية. وفي الوقت الذي يأخذ فيه إجمالي عدد السكان في ألمانيا في الانخفاض فإن نسبة المهاجرين في هذا العدد آخذة في التزايد. ومن بين كل ثلاثة أطفال تقل أعمارهم عن السنوات الخمسة هناك طفل له جذور أجنبية. وبالنظر إلى دول الموطن ومناطقها الجغرافية يمثل ذوو الخلفية المهاجرة التركية بنسبة 15.8% أكبر مجموعة سكانية من المهاجرين، تليها بولندا بنسبة 8.3%،/ فدول الاتحاد الروسي بنسبة 6.7 %، ثم تعقبها إيطاليا بنسبة 4.7 % ثم كازاخستان بنسبة 4.6 %.
يعد الاندماج منذ عام 2005 من بين المهام المحورية للحكومة الألمانية، وهو الأمر الذي يبرهن عليه ما أقيم من خمسة مؤتمرات للاندماج في مقر المستشارية الألمانية، فضلا عن "خطة الاندماج الوطنية" التي تطورت لتكون "خطة العمل الوطنية الاندماج"، وكذا مؤتمر الإسلام في ألمانيا.

وبالرغم من أنه لا يزال هناك أمور كثيرة يجب القيام بها إلا أن هناك مع ذلك أوجه نجاح وتقدم كثيرة:
- اللغة: يتزايد عدد أطفال المهاجرين الذي يذهبون إلى الحضانة. ارتفعت في الفترة من عام 2008 حتى 2010 نسبة الأطفال البالغة أعمارهم من ثلاث إلى أقل من ست سنوات ممن ينتمون إلى عائلات مهاجرة ويلقون الرعاية في دور الحضانة من 81.8 % إلى 85.7 %. ولا يكاد يكون هناك ولاية ألمانية لم تُدخل في تلك الأثناء اختبارات لتحديد المستوى اللغوي واتخذت إجراءات لدعم اللغة.


- التعليم: يتزايد عدد المهاجرين الشباب ممن يحصلون على شهادة انهاء الدراسة المدرسية سواء المتوسطة أو العليا. وعليه يمثل الشباب الأجانب من الحاصلين على شهادة إنهاء الدراسة الثانوية العامة أو المتخصصة في الفترة من عام 2004/2005 حتى 2009/2010 نسبة 36 %. وفي الوقت ذاته انخفضت نسبة الشباب الأجانب ممن حصلوا على شهادة إتمام المدرسة الإعدادية التي لا تؤهل أصحابها إلا للقيام بمهن بسيطة في سوق العمل، حيث تراجع عدد المهاجرين من الشباب ممن لم يحصلوا على شهادة إتمام مدرسية في الفترة من عام 2005 حتى 2010 بنسبة إجمالية مقدارها 15%.
- التدريب وسوق العمل: ارتفعت نسبة مشاركة الشباب الأجانب في التدريب ارتفاعا طفيفا، حيت تصاعدت في الفترة من 2009 حتى 2010 من 31.4 % إلى 33.5 %. كما تزايد عدد أرباب العمل الذين يعولون على إتاحة تدريب وتشغيل مخصص للمهاجرين. وعلى مستوى ألمانيا وقع ما يزيد على 1300 شركة ومؤسسة يعمل فيها إجمالا ما يزيد عن 6.5 مليون شخص "ميثاق التنوع"، وهي مباردة اطلقتها بعض الشركات الألمانية في عام 2006 من أجل احترام التنوع في مجال العمل.
- كما يجدر الذكر أن نسبة العاطلين من العائلات المهاجرة قد تراجعت من 18.1 % في عام 2005 إلى 11.8 % في عام 2010. ومع ذلك فإن هذه النسبة تبلغ ما يقرب من ضعف من هم بلا خلفية مهاجرة. (بلغت 6.1 % في عام 2010).

مصدر النص: الحكومة الألمانية
الترجمة والتحرير: المركز الألماني للإعلام


غير متصل fluechtling2016

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 5
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
لا يوجد حاليا في ألمانيا أي قانون ينص على توقيع طالبي اللجوء على التزام بإلإدماج . مثل هذا الإلتزام موجود بالفعل في النمسا وسويسرا، حيث يلتزم المهاجرين هناك بحضور دورات إندماج خلال فترة زمنية معينة.
قبل أسابيع قليلة، قدمت جوليا كلوكنر وهي نائبة بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مقترحا لقانون التزام بالإدماج يهم طالبي اللجوء فقط ويتضمن اجراءات زجرية و رقابية ضدّ المخالفين كتخفيض المساعدات الإجتماعية و المادية .
فيما يرى الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر أن التزاما إضافيا من هذا القبيل لا لزوم له.
المزيد من المعلومات حول اللجوء في ألمانيا تجدونها تحت :
http://www.fluechtling-in-deutschland.de/arabisch

غير متصل راندا

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 8
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بلجيكا أم ألمانيا أسهل فى لم الشمل بالنسبه لزوجه مواطن اوروبى؟ أرجو الاجابه

غير متصل راندا

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 8
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

غير متصل tiali

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 6
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
شكرا على الموضوع وعلى الارقام والإستطلاعات المهمة

غير متصل Anastasia Voyage

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 3
  • الجنس: أنثى
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
Good afternoon. My name is Anastasia.
I am the manager of the Swedish travel company.
We provide the following services:
- long tours and weekend tours
- transfer
- assistance in employment
- admission to higher education institutions of Sweden (training)
- immigration
- Legalization
- Also we provide invitations.
Individual approach to each client.
My e-mail inlightvoyage@gmail.com