المحرر موضوع: انقاذ المسيحية والمسيحيين في العراق... مسؤولية من ؟  (زيارة 894 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل طلال نفسو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 94
    • مشاهدة الملف الشخصي
انقاذ المسيحية والمسيحيين في العراق... مسؤولية من ؟
                                                                           طلال نفـسو
 
ان انهيار الدولة العراقية بعد عام 2003 وفشل سياسة المحاصصة التي انتهجتها الحكومة المركزية في ادارة دفة البلاد وبروز تيارات إثنوطائفية لمجاميع مختلفة، مهدت الطريق لسقوط العديد من المدن والمحافظات بيد الارهابيين والتكفيريين، ومنها مدينة الموصل وسهل نينوى في قبضة ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، وان سقوطها هذا من وجهة النظر الجيوسياسية كارثة أجهضت جهود امريكا في الحفاظ على التوازن الذي حاولت فرضه بعد الاحتلال.

 بشاعة الموقف تزداد عتمة حين ندرك عمق وفداحة الصمت والموقف العربي والاقليمي والدولي إزاء ما يجري من تهجير وقتل وتدمير لمكونات المنطقة ومنهم المسيحيون، مما ازاح الستار عن الغرب المنافق الذي غض الطرف عن الانتزاع الهمجي لجذور الحضارة من موطنها ومن سكانها الاصليين بعد ان اسهموا في بناء الحضارة والأسس الانسانية منذ تكوينها، خاصةً وان المسيحيين يرفضون العيش في ظل حكم ما يسمى بالدولة الاسلامية.

 إن ما آل اليه الوضع في الموصل ليس تهديداً للمسيحيين أو لفئة معينة فحسب بل  سابقة خطيرة لتصفية الاقليات العرقية والدينية في المنطقة، ولا يعني هذا ان الأكثرية السنية ستنجو من هذا الخطر، وأي طرح يحاول التقليل من خطورة  الانتشار السرطاني في المنطقة يهدف خدمة اجندات سياسية باتت بعضها واضحة المعالم، ويساهم بشكل مباشر بما يتم ارتكابه من فضائع بحق الانسانية ويمنحها غطاءاً اخلاقياً لمجرمين تجردوا من كل معاني الانسانية والدين، وهم في حقيقية الأمر يشوهون صورة الإسلام فى عيون العالم غير الإسلامي لا بل فى عيون العالم الإسلامي ذاته وخلق مناخ يدعو إلى الفرقة والتقسيم والتشتت والتشرذم إلى كيانات بدائية متناحرة.

ابناء العراق الجديد يتفاخرون ويتبجحون بأنهم ابناء البلد البررة ويتفاخرون بحضارة بابل واشور وعظمة نينوى متناسين ان احفاد هذه الحضارات الذين لازالت اثار قبور اجدادهم واديرتهم ومدنهم تملأ اراضي جنوب العراق وشماله، لايجدون ملاذاً آمناً على ارض اجدادهم فهم اليوم لاجئين ومهجرين دون بارقة امل لمستقبلهم. إذ إن عمليات التشريد والتهجير والقتل التي يتعرض لها المسيحيون من أبناء العراق تحتاج لوقفة جريئة وحازمة وحاسمة للحد من أثارها التدميرية على الوجود المسيحي في بلاد الرافدين. ولعل من المهم التأكيد على أن قضية الإرهاب ستظل تراوح مكانها وستلقي بظلالها القاتمة على التركيبة العراقية ما لم يظهر رجال يناقضون الأسس التي يبني عليها التكفيريون تفسيراتهم للنصوص الدينية التي توظف كسند شرعي لأعمالهم كالجهاد والقتال ضد غير المسلمين والسبي، بما  يتلائم مع روح العصر والحريات العامة وبما يتفق مع مباديء حقوق الإنسان.

ومع استمرار نزيف الهجرة الذي يهدد الوجود المسيحي في العراق، دفع رؤساء الكنائس إلى تقديم خطوات من شأنها رأب الصدع والتخفيف من الدمار الذي خلفته السياسة الفاشلة للحكومة العراقية في الحفاظ على المكونات العرقية والدينية في العراق، هذه الخطوات لم ترتقِ لاسترداد الحقوق المهضومة اصلاً اوايجاد مخرج لمحنة المسيحيين، لاسيما وأن التمثيل السياسي المتشظي لمسيحيي العراق تمثل في أحزاب قومية لم تجتهد لبلورة مفهوم الوحدة القومية بالشكل الذي يمنح الجدية او المصداقية في التعامل مع القضايا المصيرية لشعبنا، فضلّت هذه الاحزاب اسيرة او مُسيرة الى ان وقع المحظور والخاسر الأكبر في النهاية هو شعبنا المضطهد.

اننا اليوم على حافة الهاوية وقبل ان نطلب من المجتمع الدولي وامريكا وغيرها الحماية فإن المسؤولية الأخلاقية قبل السياسية في الحفاظ على المسيحيين كمكون اصيل تقع على الحكومة العراقية، وأن تتحرر من (ثقافة التمييز) التي تغزو ثقافتنا المعاصرة واعتبارهم مواطنين وشركاء حاضرين في الوطن، وان تتحرر المرجعيات الدينية من ظِلال نظام أهل الذمة والذي يجعل التعايش ضرباَ من المستحيل في عراق يقال عنه انه ينتهج الديمقراطية، كما وانه لم يعد هناك وقت للصمت تجاه الجرائم التي ترتكب لأن زمن مسايرة التطرف والتبريرات المخزية لمن يدّعون الاسلام وهو منهم براء انتهى، وهي ليست معركة انقاذ للمسيحيين فحسب إنها معركة انقاذ الاسلام من المتاجرين بأسم الاسلام.