المحرر موضوع: 25 عاما على سقوط جدار برلين لكن الحواجز الدولية باقية  (زيارة 1996 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
25 عاما على سقوط جدار برلين لكن الحواجز باقية
عماد هرمز


احيا العالم في التاسع من شهر تشرين الثاني / نوفمبر من هذا العام، الذكرى الخامسة والعشرون على سقوط جدار برلين الذي كان يفصل بين المانيا الشرقية الشيوعية وألمانيا الغربية الرأسمالية. وكما يراه الكسندر كوداشيف، الرئيس الإعلامي لـ DW فأنه كان يوما تاريخيا في تاريخ الألمانيتين لأنه غيّر أوربا بأسرها وليس ألمانيا فقط. ففي هذا اليوم، التاسع من نوفمبر / تشرين الثاني من عام 1989، سقط الجدار الذي كان يفصل الألمانيتين الشرقية الشيوعية والغربية الرأسمالية لمدى 40 عاما. بل يمكن الأصح القول بأن الجدار أسقط على أيدي الشعب الألماني الشرقي المنتفض. كان هذا الجدار بمثابة الجدار الذي فصل أوربا إلى شطرين، أوربا شرقية وأوروبا غربية وبين نظامين اقتصاديين مختلفين، النظام الاشتراكي الشيوعي والنظام الرأسمالي الغربي.  وعليه فأن اتحاد العاصمتين برلين الغربية مع برلين الشرقية لم يكن مجرد إعادة توحيد شطري دولة واحدة، المانيا، بل وحد أوربا بأكملها لأن جدار برلين كان الحد الفاصل بين أوربا الشرقية وأوروبا الغربية.

وأهمية سقوط جدار برلين من قبل الشعب الألماني في الجزء الشرقي تكمن في أنها كانت شرارة التحدي لسلطة الحزب الواحد المتمثلة بالحزب الشيوعي الألماني التي اشعلت فتيلة التحدي والانتفاضة في بقية الدول الأوربية الشرقية ذات النظام الاشتراكي أو الشيوعي.  فعدم قدرة حكومة المانيا الشرقية بالوقوف في وجه الشعب المنتفض والعاصي لأمرها فسح المجال للألمان في الجزء الشرقي بالتصعيد من عصيانهم الذي برز في التظاهر والهرب من المانيا الشرقية بالتسلل عبر الحدود عن طريق تسلق هذا الجدار والانتقال إلى الجهة التالية. فحصلت احداث هروب عديدة من الألمان باتجاه المانيا الغربية باحثين عن ظروف أحس مادية أو وظيفية. وهذا التنقل كان اشبه بالتحدي للسلطات التي امتثلت أخيرا لإرادة الشعب فتخلت عن مقاعدها السياسية لتترك الحكم والكلمة الأخيرة للشعب الذي فوض في هذا اليوم الحكومة في المانيا الغربية لإدارة شؤونه السياسية والاقتصادية وغيرها وهذا تسبب بحسب الإحصاءات في هجرة ما يقارب المليون الماني شرقي من المانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية ضمن المانيا الكبرى.

هذا التحدي والحرية وانفراد الشعب في قرار الحكم كان بمثابة شرارة الحرية والنهضة والانتفاضة الشعبية التي اشعلت فتيلة شعلة الحرية في باقي دول أوربا الشرقية وبالتالي خضعت الدول الشرقية لإرادة شعوبها وغيرت من سياساتها المتمثلة بسياسة الحزب الواحد لتمنح شعوبها منفذ يتنفسون منه. وهكذا تخلت بولونيا عن حكمها لتتبنى الديمقراطية وكذلك فعلت بلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا. هذه التغييرات في أوربا حولتها من قارة تتناحر فيها الدول بين شرقي شيوعي وغربي رأسمالي إلى دول ذات نظام مشابه، ديمقراطي يعتمد الاقتصاد الحر في سياسته. وهذا في الأخر وحد أوروبا مع بعضها.   

كان بإمكان حكومة ألمانيا الشرقية الشيوعية أن تقمع المتظاهرين والمخالفين كما فعلتها في السابق عام 1953 أو كان بإمكانها قمعهم على غرار الحل الصيني في ساحة تيانانمن التي سحق الجيش الصيني جموع المتظاهرين بالقوة في بكين في عام 1989 أو على الطريقة المجرية عام 1956 أو على الطريقة التشيكوسلوفاكية عام 1968. لكن المانيا الشرقية اختارت أن تنحى المنحى السلمي في تعاملها مع مواطنيها فلم تقف في طريقهم ومنحتهم مطلق الحرية في تصرفاتهم. هذا الانفتاح الذي استغله الشعب ليضع حد للقمع ومنع السفر وحرمان الحرية الشخصية والفكرية وحرية التعبير أدى في النهاية إلى انهيار الحكومات في تلك الدول وانهيار الأنظمة الشيوعية. هذا الانهيار الذي أشبهه بانهيار نظام الدكتاتور صدام حسين عندما دخلت القوات الأمريكية فهبت الجماهير إلى الشوارع لتعبر عن رفضها وزجرها لنظام الدكتاتور صدام حسين بطرقها فمن رفع الحذاء ولصقها على صور الدكتاتور ومن بصق على صوره ومن جعل لوحاته الكبيرة هدفا يُرمى عليه بإطلاقات النار.

هذا التفاهم والتسامح والاندماج في الأفكار والأنظمة السياسية والاقتصادية الأوربية وحد أوروبا وعليه وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لإذاعة DW  ((بأن برلين أصبحت رمز لوحدة أوربا عندما صرحت وقالت بأن "برلين لا ترمز فقط لأحداث تاريخية خاصة بألمانيا بل لوحدة أوروبا كلها بعد الحرب الباردة". وجاءت تصريحات ميركل فيما تواصل برلين احتفالاتها بالذكرى الخامسة والعشرين لسقوط الجدار. وفي كلمتها الأسبوعية المتلفزة عبر الإنترنت، قالت ميركل يوم السبت (8 تشرين الثاني/نوفمبر) إن برلين لا تعبر فقط عن صورة ألمانيا بل "إنها تقريبا رمز لوحدة أوروبا بعد الحرب الباردة")). وأيضا عند اتحاد الألمانيتين صرح المستشار الألماني الأسبق فيلي برانت في مقولته الخالدة: "الآن يعود كل شيء، ينتمي إلى بعضه البعض". فعادت المانيا إلى بعضها وبقية الدول إلى بعضها.

المانيا الشرقية تبعت ألمانيا الغربية في منحاها الديمقراطي والديني الكنسي فأصبحت أكثر مسيحية بروتستانتية لكن الجزء الغربي أصبح أكثر شرقية بحسب آراء الألمان. فيحكم ألمانيا قائدان ينحدران من المانيا الشرقية فالرئيس الألماني يواخيم غاوك والمستشارة أنغيلا ميركل. لكن الحياة في المانيا اصحبت موحدة فهي ذاتها في ما كان يعرف بألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. بالطبع اخذت ذلك وقت طويل ليعتقن الألمان الشرقيين عادات وتقاليد ونظامهم في الحكم والديمقراطية وبالطبع اخذ وقت أطول لألمانيا الغربية لتحتضن الألمان الشرقيين وصهرهم في نظامها الذي كان مناقض تماما لها. لكن بعد خمس وعشرون عام أصبحت الحياة واحدة خصوصا على مستوى الأجيال الجديدة التي ولدت بعد انهيار جدار برلين. 

احداث برلين وسقوط جدارها لم يكن بادرة ألمانية بحتة بل مهدت لها احداث اكبر في دول اكبر. حيث يمكن اعتبارها امتداد لانتفاضة أو ثورة سلمية على القمع باشرها الاتحاد السوفيتي بقيادة ميخائيل غورباتشوف الذي جاء بمصطلح "البيريسترويكا" أي " إعادة البناء" و الغلاسنوست "الشفافية" التي كان الغاية والهدف من المناداة بهما هو لإحداث إصلاح في النظام السياسي ذو الحزب الواحد والسياسة الواحدة وتطويره وتحديثه إلى نظام اكثر شفافية وديمقراطية من خلال الاستماع إلى مطالب الشعب ورغباته بآذان صاغية وصدر شرح بدلا من فرض المعتقدات بالقوة والقمع. كل هذا كان يهدف إلى تحسين في نوعية البناء سواء على صعيد البنية التحتية أو البنية السياسية والاقتصادية في الدول الاشتراكية وفتح أبوابها لأفاق التكنولوجيا والتبادل التقني والعلمي والطبي والمشاركة الفعالة مع بقية دول العالم من أجل التقدم بالبشرية إلى الأمام.

يبدوا بأن ما فعله غورباتشوف كان صحيح في وقتها لكن ما يجري في العالم من احداث غير سلمية وعسكرية جعل من غورباتشوف الذي يناهز عمره الثالثة والثمانين في هذه السنة وكان من بين الحاضرين في برلين للاحتفال بهذه المناسبة أن يصرح ويعبر عن مخاوفه لعودة الحرب الباردة التي أنهاها على يده. الحرب الباردة التي دارت لعقود عدة بين الاتحاد السوفيتي وحلفاءه في حلف وارسو وبين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف ناتو. فالانفتاح السياسي الذي باشره غورباتشوف في روسيا كان حصيلته إعطاء الحرية لكل الدويلات التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي التي سرعان ما اختارت أن تنفك من الاتحاد السوفيتي واختارت نظامها السياسي والاقتصادي مماثل للنظام والاقتصاد الرأسمالي العالمي ويمكن اعتبار أوكرانيا خير دليل على ذلك. وما قام به غورباتشوف كان اشبه بتعرية الاتحاد السوفيتي من دوله ليتركها عارية بجسد روسيا الاتحادية.

يا ترى لماذا صرح غورباتشوف عن مخاوفه عندما قال " العالم على عتبة حرب باردة جديدة، وثمة من يقول إنّ هذه الحرب بدأت فعلا". فلم يعد هناك اتحاد سوفيتي فمن هو الطرف الأخر من الحرب الباردة المواجه والمضاد للولايات المتحدة الأميركية التي تبقى القطب الأزلي الكبير في العالم والقوة العظمى التي لا تقهر. فهل يا ترى يلمح أو يتوقع غورباتشوف بأن تلعب روسيا دورا سياسيا مهما في المستقبل القريب. أم الصين أصبحت في موقع يجعلها المطالبة بأن تكون الدولة العظمى المواجهة للولايات المتحدة الأمريكية. أم أن أمريكا بسياساتها المتعجرفة في بعض الأحيان قد خلقت لها أعداء كثيرين وعليه فأن الحرب الباردة هي متعددة الأطراف.  هل نشهد صعود المانيا كقوة عظمى في أوربا لتقود أوربا إلى قوة عظمة تناهض الولايات المتحدة في قوتها فنشهد طرف قوي أخر اوربي محاذي لأمريكا.

الحرب الباردة قد لا تكون على مستوى السياسة وقد لا نشهد صراعات ومواجهات عسكرية وقد نشهد تفكيك للأسلحة النووية لأن العالم سوف لن يحتاج إليها. أتوقع أن تكون الحرب الباردة حرب اقتصادية أو على مستوى الاقتصاد العالمي وحرب المصادر والتصدير والاستيراد والتكنولوجيا والعلوم والصحة. أتوقع أن يكون الاقتصاد هو المعيار الأساسي يقاس على ضوئه عظمة دولة معينة وألمانيا باتت قوة اقتصادية كبيرة في العالم.  لكن اقتصاد أمريكا يعتبر من أقوى الاقتصادات في العالم بل الأول في العالم ولازال اقتصاد روسيا وإيران يتراوح في مكانه لأنه يقتصر على تصدير النفط. بالطبع الاقتصاد الصيني في تسلق هو الأخر وقد يشهد العالم قوى اقتصادية عظمى في اسيا قد تفرض سيطرتها وقوتها على المنطقة الأسيوية بأكملها لتحول العالم إلى شطرين اسيوي وغير اسيوي. 

وأخيرا لقد سقط جدار برلين فاتحدت أوربا واتحد العالم. جدار برلين الكونكريتي الذي امتد لعدة كيلومترات، 15 كيلومتر بالتحديد، سقط وأصبحت كل جزء منه يعرض في دولة معينة كرمز للانقسام والقمع وأيضا ً رمز للتحدي وانتصار إرادة الشعب. لكن يا ترى هل سقطت الحواجز بين الدول؟ إذا كانت الحواجز قد سقطت لكان العالم الأن في سلام لكنه يبدوا بأنه لازال هناك الكثير من الجدران التي يجب أن تسقط في نفوس قادة الدول اجمع لكي تتحرر شعوب العالم من قبضة ساستها ويعيش الجميع بسلام وأمان وتساوي.  والطريق إلى الوحدة يمر عبر الحرية وهذا ما صرح به الرئيس الألماني يواخيم غاوك مؤخرا في إشارة إلى سعي شعب ألمانيا الديمقراطية سابقا إلى الحرية وتوحيد الدولتين الألمانيتين: "الحرية تحققت أولا ثم الوحدة".  بالفعل يجب أن يحصل شعب معين على حريته قبل أن يستطيع وضع يده بيد شعوب العالم. فهل نشهد تحرر العالم من القوى العظمى ليتوحد العالم في الكرة الأرضية. آمين.