الى متى نحول خدنا الاخر ايضا !!
متي كلو
"مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً"
كانت تعليمات الوالدين وتوجيهاتهم لاي عائلة مسيحية عراقية منذ اول يوم خروج ولدهم للعب مع اقرانه من ابناء المحلة او الزقاق، ان لا يتشاجر مع ابن الجيران او الزقاق وان يكون مسالما و"عاقلا" ولا يصرخ بوجه احد ومسامحا واذا اعتدى احد عليه، فعليه السكوت والعودة الى المنزل وابلاغ احد الوالدين لكي يقوم احدهما بالتوجه الى الجار ويعلمه بتعدي ابنهم على ولدهم!
وفي الكنيسة يقف الكاهن ويلقي موعظته الاسبوعية صباح الاحد ولا تخلى اي موعظة عن السلام والتسامح والمحبة واحترام الكبير ومساعدة الصغير، ويستشهد بايات من الانجيل منها "من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا" وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة.
هكذا كانت تربية ابناء العائلات المسيحية منذ الصغر في البيت وفي المحلة وفي الكنيسة اضافة الى نصائح الاعمام والخوال والعمات والخالات! وكانوا يسمعون من بعض اولاد المحلة بان المسيحية دين الضعفاء، لان المسيحي يدير خده الايمن عندما يضرب على خده الاخر! وكنا نسمع ذلك بألم دون ان ننطق ببنت شفة، وعندما يجتمع الاشقاء معا يسال احدهم الأخر كيف نسكت ونحول خدنا الى الذي صفعنا على خدنا الأيمن وعندما دخلنا المدرسة الثانوية كانت احاديثنا تزداد حول هذه التعليمات والمواعظ"الاحدية" وخاصة عندما كان يسال احدنا الاخر لماذا الدين الرسمي للدولة هو الاسلام، وما الفرق بين المسيحي والمسلم في المواطنة والمواطنة من حق كل شخص ولد في الوطن فكيف لا يكون مواطنا من كان ابائه واجداده من اصلاء هذا الوطن !
في العالم الغربي، يكتسب المهاجر المواطنة في اول لحظة نزوله من الطائرة الى ارض المطار، ويتمتع مع ابناء البلد في كافة حقوقهم ما عدا الجنسية والجواز الذي يستلمهما بعد مرور الفترة المقررة للاستحقاق فيتساوى مع المواطنين الاخرين في اختيار ممثليه في البلدية او في البرلمان المحلي او الفدرالي او حق الترشيح للبرلمان سواء في ولايته او على نطاق البرلمان الفدرالي او المجالس البلدية ، كما حدث لنا نحن المغتربين العراقيين في الشتات واكتسب كل واحد منا لقب المواطن وحصل على الجنسية وجواز السفر وكافة الحقوق الذي يحصل عليها ابناء هذه الدول، ونتنافس معهم في كافة مجالات الحياة ونستمتع بكافة الحقوق وحتى البعض منا يتجاوز على ما يحصل عليه كمواطن بل....!!
ولكن في "وطننا" قصرت المواطنة على اصحاب الدين الواحد! والتميز واضح في كل شيء و والتميز يعتبر من مبادئ النازية والفاشية بالرغم من ان الفاشية والنازية قد تمت محاكمتها دوليا ولكن في العراق وكثير من دول العالم العربي لا احد يستطيع ان يحاكم من يمارس سياسة التميز والاقصاء!
ان المسيحيين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة والذين اطلقوا عليهم"بالنصارى" وهذه التسمية ليست من ابتكار"الداعش" بل هذه التسمية اطلقت على المسيحيين منذ بدا"الفتوحات والغزوات الاسلامية" والوثيقة العمرية التي كتبت سنة 15 هجرية كانت بيانا صارخا بجعل المسيحي صامتا ذليلا، بل ربما عبدا! واطلاق عليه"اهل الذمة" واجباره في دفع الجزية او اعلان اسلامه او السيف !! والداعش اليوم يكرر ما كرره اجداده منذ ....!!
ان تطبيق الشريعة الاسلامية في العراق تعتبر نظرة عدوانية للكل ، وهذا ما يشعر به المسلم بانه مواطن من الدرجة الاولى وينظر الى غيره كمواطن من الدرجة الثانية او الثالثة ، وهذا مما يؤدي الى التميز في كافة مرافق الدولة من وزارات ومؤسسات وينسحب كذلك في التعينات والقبول في الكليات العسكرية والشرطة والامن.
منذ 10 حزيران والى اليوم، والمسيحيين الذين تركوا اراضيهم ومنازلهم يعيشون في ماساة لا مثيل لها بسبب دينهم وعقيدتهم التي تدعوا الى التسامح والمحبة والسلام ، و سؤالنا! هل التسامح والمحبة تكون مع الذي هجرهم وقتلهم!
ان المسيحية دعت الى التسامح و ولكن لا تقبل الظلم وترفضه بشدة ، وعندما اخرج تلميذ المسيح سيفه وضرب به احد الاعداء و قطع اذنه، فقال له المسيح"رد سيفك الى مكانه" و لم يقول له ارميه او تخلص منه، بل رده الى مكانه اي احتفظ به، واعتقد كفى الاحتفاظ به وحان الوقت لنخرج السيف من غمده قبل ان ياكله الصدأ في غمده ،وما قيمة السيف إذا صدأ.