المحرر موضوع: إتركوا دين الله  (زيارة 1223 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1901
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
إتركوا دين الله
« في: 10:45 07/12/2014 »
إتركوا دين الله

د. صباح قيّا                                  
   
    بغداد أيام زمان حيث ينتشر معظم المسيحيين في المحلات الكائنة بين عقد النصارى في رأس القرية والأورفلي ( ألسندباد حالياً ) . كانت مناطق السكن ,  بصورة عامة ،  خليطاً من أديان وقوميات ومذاهب مختلفة يغلب عليها طابع المسلم و المسيحي ، وتنصهر الطوائف الفرعية جميعا ضمن أحد المسميين الرئيسيين ... كل محلة تعتز بساكنيها جميعاً ويقف البعض جنبه مع البعض الآخر في السراء والضراء ... تدافع عن نفسها تجاه الهجمات المعلنة أو المفاجئة وتحاول كل واحدة تسقيط المحلة الأخرى ، وقد يتحد عدد منها لتشكيل قوة تخشى البقية صولتها وبأسها .. وسعيدة الحظ من يقطنها أحد شقاوات بغداد وما أكثرهم ذلك الوقت . لم تكن المعارك التسقيطية تتعدى التراشق  بالحصى والحجر الناعم ونادرا الضرب بالأيدي أو بالعصي ، ولا اتذكر استخدام الآلات الجارحة أو الأدوات المعدنية .
 
شاءت الصدف يوماّ أن تدخل مجموعتنا المسيحية مع المجموعة المسلمة لمحلتنا في جدل حول دين الله . كلٌ يدعي أن الله من دينه ، ويسند ذلك بحجج ساذجة تتناسب مع العقل الطفولي وما اكتًسبَ من البيت و المدرسة ، أو الكنيسة والملاية . لم نصل بجدلنا إلى نتيجة مقنعة ، فاتفقنا أن نستشير كبار العمر في السوق القريب من دورنا . أطلقنا لأقدامنا العنان نحو السوق ووقفنا عند أول دكان  والذي صاحبه رجل يقارب الثلاثين من العمر يبيع الرقي ....  بادره من يمثل كل مجموعة وبصوت واحد .. عمو عدنا سؤال .. إي تفضلوا... أجاب الأثنان سويةً : عمو ألله مسلم لو مسيحي ؟ تراجع في جلسته إلى الوراء قليلاً  وبدأ يحدق بنا جميعاً الواحد تلو الآخر , أتذكر جيدا ابتسامته وهو ينظر إلينا تباعاً ، وبدت كأنها تخفي بطياتها  الكثير من المكر والدهاء وخاصة أنه  كما يقال " إبن سوك " ويستطيع أن يميز البشر بسهولة . توجه بقوله للمجموعة المسلمة : أنتم ماذا تقولون ؟ أجابوا ألله مسلم . فعقب على الفور : أنتم على خطا . إستبشرت مجموعتنا خيراً وعمّ البشر على وجوهنا  ونحن نشعر بأن الغلبة لنا لا محالة . إلتفت إلينا مردداً : أنتم ماذا تعتقدون ؟ أجبناه جميعاً وبثقة كونه سيقف إلى جانبنا : عمو طبعاً مسيحي . فانتفض ثانية : أنتم أيضا على خطأ . خيّم الوجوم على الجميع بلا استثناء ، ينظر واحدنا للآخر بحزن وخيبة أمل  والكل لا يرغب بسماع ما سينطق به حيث لا بد  أن يكون الله يهودي وهذا ما لا نوده إطلاقاً ... ولم تمضي لحظات حتى فاجأنا مقهقهاً : إسمعوا جيداً : الله لا مسلم ولا مسيحي ولا يهودي ... سررنا بهذا النبأ ،  فالمهم ألله  ليس يهودياً  ، وقد  زال عنا ما كنا نخشاه ...  وبدون وعيٍ صرخنا سويةً : إذن عمو ما هو دينه ؟ أجاب بهدوء مصحوب بابتسامة شاحبة : ألله  كافر وليس له دين . عقدت الدهشة لساننا ، شكرناه بكلمات مبعثرة ومقتضبة ، وقفلنا عائدين لحيّنا صامتين . تركنا الله في شانه منذ ذلك الحين ولم نتطرق إليه أبداًَ .. وتواصلنا ندافع عن محلتنا بأخوة ومودة ... غادرناها بعد أن عشناها أصدقاء أحباء ، ولن نستطيع العودة إليها بعد لأننا أصبحنا اليوم عنها غرباء .

من يحزن على من ؟ من يبكي على من ؟ أليوم يحزن على البارحة ويبكي على الأمس أم العكس هو الصحيح ... عندما كان الله كافرا ً ، كان أبن الوطن مؤمناً أو كافراً  والسلطة تحسب حساب الكفر والأيمان وتضعهما في ميزان هيهات أحدهما يغلب ... كانت هنالك صحافة تكتب .. برلمان ينتخب وداخله معارضة تنقل معاناة الشعب تدخل السجن ولا تهرب ... كان في السجن عذاب وسجناء جلهم من المثقفين بين الجموع تهتف وتخطب .. يسقط الإستعمار ... يحيا  الوطن والويل لمن على الأمة يكذب .... ورغم تباين الفكر ولكن من اجل البلاد عانق الإيمان الكفر ولم يعتب ..  تعاقبت حكومات ورغم الكفر باسم الدين لم تضرب ... قلب الجيش الأمور وثبت أن من كان على السلطة منها لم يكسب ... أخطأ الجيش فمن من بعده من الخزينة لم يسلب  ؟ ...

اعقبت الحركة الإنقلابية للجيش حقبة إنفرادية .. أصبح السجن الواحد سجوناً والألم آلاماً .. غدت الديمقراطية دكتاتورية والتعددية أحادية ... برز الشعراء وتسارع المتزلفون ... لكل مديح ثمن وللتصفيق هدية وللهتاف مكرمة ... سكتت الكلمات وماتت الحرية ... ذابت الوطنية في بحر الخنوع .. ألكل يجب أن يقف بخشوع .. اختلط الكفر بالإيمان.. لا يعرف من في البداية ومن في النهاية .. تارة صلاة وأحياناً ملذات .. انحسر المبدأ وصارت خدمة القائد هي القضية ، ومات الحزب كموت الهوية .

أستبشر الناس بالتغيير ... سيذوق الكل طعم الحرية.. ستفرغ السجون وتسود العدالة بين الرعية ... لن تداس الكرامة ولن  يساوم المواطن على آرائه السياسية أو معتقداته الدينية ... كم توهم الشعب وكم فاته بأن من جاء بالتغيير على دبابة أجنبية لا يمكن أن يخرج الوطن من العبودية أو يمنح الفرد مفاتيح الوطنية... أصبحت الدولة الواحدة دويلات ... والقومية لهجات ولغات ... والدين بدعأ وفتاوٍ وآيات ...  والأحزاب مصالحأً وشركات ... والبرلمان مهازلاً ومهاترات...  جعلوا من الله للأثم حججا واجتهادات ... حلل الإ يمان بالله قتلاً وذبحاً ً ...  سلباً ونهباً ... سبياً  واغتصاباً .. حرقاً ودماراً ... كلّ الشرور وكل الموبقات ...
كم تمنيت أن يظل الله كافراً كما كان كي يحافظ الإنسان على أخيه  الإنسان كأيام زمان .. وتباً لما يجري اليوم باسم الإيمان