ما هي لغة الكنيسة الكلدانية ؟
بقلم : جلال برنوbarnoj56@gmail.com/ Dec. 11,2014
لو دخلتَ كنيسة لقوم ايطاليين في مدينة نيويورك الأمريكية ، أعتقد أنك سوف تتوقع أن تسمع التراتيل الكنسية باللغة الأيطالية لأنها لغة الأم للمنتمين الى القومية الأيطالية أو بالأنكَليزية لأنها اللغة الرسمية أو اللغة الأولى في مدينة نيويورك وفي عموم الولايات المتحدة الأمريكية ، أو بكِلتا اللغتين .
لو دخلت كنيسة لقوم ألمان في مدينة ستوكهولم السويدية ، أعتقد أنك سوف تسمع التراتيل الكنسية باللغة الألمانية لأنها لغة الأم للمنتمين الى القومية الجرمانية أو باللغة السويدية لأنها اللغة الرسمية أو اللغة الأولى في السويد ، أو بكِلتا اللغتين . وهكذا لو دخلت كنيسة أرمنية في أسبانيا أو كنيسة فرنسية في غينيا بيساو ....
أما لو دخلت كنيسة كلدانية في أبعد قرية في شمال الوطن العزيز العراق وضمن الأقليم الذي غالبيتهُ من الأخوة الكورد ، حيث اللغة الرسمية السائدة هي اللغة الكوردية ، فلا تستعجل في توقعك عزيزي القاريء لأن توقعك حتماً سوف يُخيِّب أملك ! لأنك ببساطة متناهية سوف تسمع ترتيلة واحدة بالسورث وعشرة بالعربية ... فما بالك اذا دخلت كنيسة في بلاد أجنبية خارج العراق !
والآن ربما يسأل أحدكم : ويحكَ يا كاتب هذهِ السطور لماذا تقول هذا الكلام ؟
لماذا تقول مثل هذا الكلام ؟ نحن كلدان ، وجذورنا تمتد الى آلاف السنين ، نحن سليلو الأمبراطورية الكلدانية العظيمة ... نحن أحفاد الاله مردوخ والملك العظيم نبوخذنصر ، نحن أول من سن القوانين ونحن الذين اكتشفنا أسرار النجوم ، كتابتنا مسمارية ولغتنا ليست سومرية ولا أكدية ولا آشورية بل " كلدانية " ، وها نحن الى اليوم نتحدث ونخاطب بعضنا البعض بِ " لغتنا الكلدانية " التي نفتخر ونعتز بها !!!
طيب يا اخوتنا الكلدان ، ووتحديداً أنتم أيها الأنفصاليون الكلدان ، يا أشطر خلق الله بالتجزئة والتشظي والتقطيع ... لماذا لا تثبتون أنكم كلدان بالفعل ومن ثم بالقول حتى يثق بكم الناس من حولكم ويصدقون أنكم كلدان ، بمعنى آخر ، لماذا تخاطبون بعضكم بعضاً بالعربية ... لماذا تُصلًون بالعربية ... تغنون بالعربية ، رواياتكم وأمثالكم بالعربية وحتى أكلاتكم ( الكلدانية ) مثل الحبية و الكبّة ، تطلقون عليها أسم كبة مصلاوية ، والأنكى من كل ذلكَ أن بعضكم يزدري لغتكم والتي هي لغتهُ الأصلية !
اليكم مقتطفات من مراسيم رتبة القداس الكلداني في الوطن الأم وفي كنائسنا في المهجر :
يقول الشماس ما يلي بالسورث : بولوس شليحا اكَرتا دَلواث ( ... ) أحاي بارخمارْ .
بعدها مباشرة ينتقل الى العربية ليقول :
من رسالة بولس الرسول الى أهل (... ) يقول يا اخوة ويكمل قراءة الرسالة الى آخرها بالعربية .
وعند تلاوة الأنجيل المقدس يتهيأ الشعب وهو واقف ويشارك في الترنيمة العذبة :
الشعب : هلّلويا هلًلويا ، اهلًلويا
الشماس : بْشْليا هْواوْ وشْلاو .
الكاهن : شْلاما عمخُون .
الشعب : وْعَمًاخ وْ عَمْ روحَاخ .
الكاهن : أوِنكَاليون قديشا دمارَن ايشوعْ مْشيحَا، كارُزوثا دْ ( ... )
الشعب : شوحَا لَمْشْيحا مَارن . آمين .
فجأةً تنقلب الموجة الى العربية لتسمع ما يلي : ولما جاء يسوع ....
يقرأ الكاهن فصل من الأنجيل المقدس ، طبعاً بالعربي لكنهُ لا ينسى أبداً أن يقول في الختام ما يلي :
وشوحَا لآلاها أمينائيث .
الشعب يردد ما يلي بالسورث : شوحَا لَمْشيحا مَارَن .
وتنطلق الجوقة لترتل 10 ترتيلة بالعربي وواحدة بالسورث .
يقول الكاهن مثل هذهِ الصلوات والتراتيل بالسورث وكأن ليس لها ترجمة بالعربية ، علماً أن ترجمتها سهلة جداً ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، بدلاً أن يختم قراءة الأنجيل بقولهِ " شوحا لآلاها أمينائيث " . يمكنهُ أن يقول : المجد لله دائماً .
عَجَبي كل العَجَب ، لماذا يصر كهنتنا على استخدام بعض الردات بالسورث ويهملون أقسام مهمة في ليتورجية القداس الكلداني ، مثلاً الكلام الجوهري يُرتلهُ الكاهن الكلداني بالعربية بينما الموارنة وفي يومنا هذا يرتلونهُ بالآرامية السريانية لغتهم الأصلية والتي كانت لغتهم الوحيدة التي يتخابطون بها واستمروا يتكلمون السريانية حتى القرن الثامن عشر وبقيت بعض القرى يتحدث أبناءها بالسريانية حتى أوائل القرن التاسع عشر الى أن سيطرت اللغة العربية وخصوصاً بعد أن حددت الدولة اللبنانية اللغة العربية هي اللغة الرسمية في لبنان ، الا أنهم لا زالوا يتلون بعض الصلوات بلغة ليتورجيتهم الأصلية .
كان بودي أن أفهم لماذا هذهِ الكنيسة بالذات ، أعني الكنيسة الكلدانية تتبنى أسماً قومياً ألا وهو الكلدانية ، في الوقت الذي لا تمارس أية ممارسة قومية ولا تعير أهمية للعناصر التي تتشكل منها القومية وفي مقدمتها الحفاظ على اللغة والتراث .
لم يدع القساوسة والرهبان ترتيلة ولا صلاة بالسريانية الا وترجموها الى العربية ولا زالت جهود الترجمة من السريانية الى العربية تجري على قدم وساق ، ويبدو لي أنهم يترجموها لتحل الى الأبد محل تلك الأصلية بالآرامية أو السريانية الدارجة وليس لغرض جعلها مفهمومة لِمَنْ لا يجيد اللغة الآرامية السريانية ... لا أدري كيف فاتهم ترجمة لاخو مارن ، أمّرلي عيتا ، مارن ايشوع مَلكا سغيذا .... وغيرها من التراتيل العذبة التي ستفقد عذوبتها وسلاستها اذا ما تُرجمت الى العربية والتي في نهاية المطاف سو ف تقضي وتكتسح تلك الأصلية لأن رغبة القساوسة بالتعريب رغبة جامحة والحجة الواهية والجاهزة هي أن بعض المؤمنين من الذين يحضرون احتفالات الكنيسة لا يفهمون اللغة السريانية وخصوصاً تلك الصلوات والتراتيل التي تتلى بالآرامية .الآ أن السبب الحقيقي واضح وهو جلب أكبر عدد من " الزبائن " للكنيسة وبالتالي الحصول على وارد مالي أكبر ... مستغلين عدم وجود معارضة تُذكر لهكذا ممارسة . والحجة الآخرى هي ادعاء القساوسة أنهم يهتمون بالجانب العقائدي الأيماني وليس الجانب القومي ! طيب اذاً لماذا أنتم مصرين على ابقاء اللقب القومي على مسمى كنيستكم ؟
يدعي البعض أن الكنيسة الكلدانية تضم تحت جناحيها مؤمنين من قوميات مختلفة كالكلدان والعرب والهنود والصينيون وربما سينضم اليهم بعض الكورد المتنصرين . حسناً اذا كان الأمر كذلك فما حاجتنا لأسم قومي على مثل هذهِ الكنيسة الجامعة ، واذا ما أصر البعض على تسميتها بالكلدانية للدلالة على هويتها القومية ، فلماذا لا تخصص كنيسة أو كنائس للكلدان الذين يُفترض بهم أن يحافظوا على ليتورجية كنيستهم بلغتم القومية ؟
انهُ سؤال عسى أن يأتينا الجواب عليهِ لِيُوضح لنا كيف يُمكننا أن نحافظ على اللغة والتراث ونبرز أو بالأحرى نفتخر بهوية كنيستنا الكلدانية العريقة دون أن نحافظ على لغة الطقس الكلداني الغني بمزاميرهِ وترانيمهِ وألحانهِ الملائكية العذبة .