عندما كنا أطفال في عنكاوا الحبيبه
خالد توما
عندما أكتب عن الطفوله أعني أعمارنا ما بين سته الى أثني عشر سنه أي مرحله الدراسه الأبتدائيه .. في الخمسينات القرن الماضي كان الطفل في هذه المرحله من العمر يختلف ونحن في عينكاوا كما نحن في قرن الواحد والعشرين وخاصة الأطفال الذين يعيشون بالدول المتقدمه وأطفالنا اليوم ..
كانت عينكاوا فيها مدرسه واحده وهي ( مدرسة الحكمه البتدائيه للبنين ) وتقع في غرب الناحيه مقابلة دور آل حكيم ومن هم بعمري اي من مواليد 1945 ومن كان قبلنا كنا ندرس في هذه المدرسه العريقه التي تخرج منها المئات بمختلف الوظائف من أبنائها لينشروا العلم والمعرفه ويقدمون خددماتهم لشعبهم في جميع أنحاء العراق وخاصة في كردستان الحبيبة ..
ولمحبتي لهذه المدرسة أحب وصفها لأنها متعلقه في ذاكرتي وتعيش بين أضلعي .. كان بنائها من الطين مربعه الشكل مساحتها تقدر 400 متر مربع أو أكثر كنا ندخل من بابها الرئيسي الكبير مصنوع من الخشب ذو صفاقتين كل صفاقه طولها ما يقارب المترين وعرضها اكثر من متر وعند دخولنا تصادفنا على اليمين غرفة المدير وكان آنذاك رباني لوقا الله يرحمه وعلى يسارنا غرفة المعلمين وكان يغلق الباب الكبير الساعه الثامنه ولا يسمح للطالب المتأخر الدخول الى المدرسه .. ونقف في ساحه المدرسه وحسب الصفوف لغرض التفتيش على النظافه وقراءة النشيد الوطني وبعدها نذهب الى الصفوف فيبدأ بالدخول الى الصفوف الصف الأول وهكذا الى الصف السادس .. ولعدم وجود إسالة ماء في عينكاوه كنا نشرب الماء بواسطة أكواب مربوطه بخيط قوي من تانكي مصنوع من الجنكو وفيه ستة حنفيات ويملئ التانكي بالماء من بئر داخل المدرسه بواسطة دلو مربوط بالحبل على بكره معدنيه وينزل داخل البئر ويسحب من قبل عامل يعمل في المدرسه يسمى ( فراش ) وكان لنا ثلاثة عاملين هم شابو ويلده وأوسي رحمهم الله مكلفين بهذه العمليه وتنظيف وحراسة المدرسه ونحن فرحانين ونطير كالطيور رغم بساطه الحياة وننتضر متى ينتهي الدوام ونضع كتبنا في الجنطه التي كانت تخيطها أمهاتنا في البيت من القماش المتوفر لديهم لنذهب الى البيت لنلعب ونحضر دروسنا لليوم الثاني وننام ..
وعند خروجنا من الباب الرئسي للمدرسة الطلاب الذين يتجهون الى اليسار بمعنى هم سكنة محلة بلندر ونباتي وعضمت وعسكر ودخوكا مروراً بأتجاه الجمعيه أما الطلاب الذين يتجهون على اليمين بمعنى هم سكنة محلة دركا وحسيني والدور القريبه من الكنيسه الى بقجة قاشا بولص عبدوكا ..
هنا احب ان أبين وأشير الفرق بين طفولتنا واطفال اليوم بجميع مفردات الحياة التي عشناها ونحن في عينكاوا واقول ..
نحن الأطفال كنا نتألم من عصا المعلم وخاصة المعلم الشديد ..ونتعاطف مع ظروف عوائلنا ..ولم تتعلق قلوبنا بغير أمهاتنا ..ولم نبكي خلف المربيات كما هو حال أطفالنا اليوم ؟؟
نحن الاطفال الذين تعاطفنا مع جيراننا وأولاد محلتنا .. ونقسم رغيفنا بيننا .. ولم نخرج من طريقنا .. ونصلي معاً الصلاة الربانيه ( أبانا الذي في السموات ) حتى بحت أصواتنا ؟
نحن الأطفال كنا نذهب الى المدرسه مشياً على الأقدام تحت حرارة الشمس المحرقه في الصيف والبرد القارص وهطول الأمطار في الشتاء ..
نحن الاطفال الذين لم يستذكر لنا أولياء أمورنا دروسنا .. ولم يكتبوا واجباتنا المدرسية .. وكنا ننجح بلا دروس خصوصيه وبتفوق معتمدين على أنفسنا .
نحن الأطفال الذين لم ندخل مدارسنا بهواتفنا النقالة..ولم نشكو من كثافة المناهج الدراسية ولاحجم الحقائب المدرسية..ولا كثرة الواجبات المنزلية
نحن الاطفال الذين كنا نلاحق بعضنا في الدرابين القديمة بأمان ونتوجل من محله الى محلة .. ولم يعترض لنا لص ولا مشاكس ولامجرم ولاخائن ..
نحن الاطفال الذين كان فطورنا لا يحتوي الكورن فليكس .. ولا سندويشة السابوي .. ولا الحليب البارد .. ولا قطع التوست الجافة ..ولا زجاجة نوتيلا اللذيذة ..
نحن الأطفال كان فطورنا لبن رائب وجبن بلدي وتمر والزبيب وزيتون وراشي مع دبس ( دوشب وتاحن ) والبيض المسلوق والبصل الأخظر والفجل التي كنا نشتريه من ( شيناي ) اي مزرعه كانت عائده الى رجل أسمه مولود وتسقي المزرعه من مياه الجاريه من نبع كاهريس وتمر في عينكاوه في ساقيه لا يتجاوز عرضها المتر وتقطع الساقيه ( الشقيذه ) بقجة قشا بولص مروراً بجايخانه يوسف سلمان ونتنتهي بشيناي مولود مع خبز من صنع أيادي أمهاتنا الطاهرات ..
نحن الأطفال الذين وقفنا في طابور الصباح بنظام داخل مدرستنا ..وأنشدنا السلام الوطني بحماس .. ودخلنا الى صفوفنا بهدوء وأحترام ..
نحن الأطفال الذين كنا ننام عندما يطفئ الفانوس أو الوكس في فناء المنازل .. ونتحدث كثيرا ..ونضحك كثيرا..وننظر إلى السماء بفرح ..ونعد النجوم حتى نغفو وخاصة أيام الصيف ونحن فوق السطوح ..
نحن الأطفال كنا نفرح بهطول الأمطار في الشتاء لتنمو الزروع من الحنطه والشعير والعدس وتلبس الأرض لباسها الأخضر ونتجول بينها لنقطف بلسونه ونقلع كاعوب ( لكنه ) ونخسلها بمياه المطر الواقفه في الحفر ..
نحن الأطفال كنا نفرح ونرقص عند سماعنا الطبل والزرنه في الأعراس والمناسبات وخاصة يكون عازف الزرنه خدر والطبال قادر
نحن الأطفال كنا نفرح بقدوم عيد القيامه لأنه يحتوي في طياته الملبس الجديد والبيض المسلوق الملون بألوانه الزاهيه التي كانت مصدر ألوانه من القماش التي كانت تحضره لنا أمهاتنا ونلعب بلعبه ( الداق والداق ) أي من كسر بيضه صاحبه يأخذها له ..
نحن الأطفال الذين كان للوالدين في داخلنا هيبة .. ولرجل الدين هيبه ..وللقريب هيبة .. وللمعلم هيبة.. وللشرطي هيبه .. ونخبأ أنفسنا عن كبيرنا وهو يقطع الطريق .. وللعشرة هيبة ..و كنا نحترم سابع جار ..ونتقاسم مع الصديق المصروف والأسرار واللقمة ؟؟
نحن أطفال الخمسينات يسمى اليوم جيلنا جيل المبادئ ونفتخر به ؟؟ ونفتخر بالأجيال التي سبقتنا لأننا تعلمنا منها الكثير الكثير وكانت قدوة لنا لشق طريقنا بسلام ؟؟ ونفتخر بالأجيال الحاليه لتكمل المسيره وهي قادره على ذالك لأننا كلنا من رحم واحد ومن عائله واحده وهي عينكاوا الحبيبه ؟؟
خالد توما tomajulie@yahoo.se