آن الأوان أيها الآشوريون والكلدان والسريان....
د.محمد البندر
آن الأوان أيها المسيحيون الآشوريين والكلدان والسريان لأن تأخذوا دوركم في تحرير الموصل من نفايات داعش وحشراتها، ماذا تنتظرون بعد ؟ ومن تنتظرون ؟ هل تتوقعون أن يسترد الموصل ونواحيها أولئك القادة ذوي الكروش المتخمة من أكل القوزي والديك الرومي، أصحاب النجوم اللامعة على الأكتاف الذين لاذوا بالفرار أمام حفنة من شذاذ الآفاق؟ لقد أخذكم الأوغاد على حين غرة ، وخانكم من يدعي حمايتكم، ممن سلمتم مصائركم وأعراضكم رهينة بيديه فأطلق ساقيه للريح ، لقمة سائغة للوحوش، وترككم وعاف جنوده هارباً من ساحة المعركة بدون أن يطلق رصاصة واحدة ... هل تتوقعون من هذا الجبان الهارب أن يعود مرة أخرى ليحرر الموصل لكم ونيابة عنكم ، ويسلمكم أياها على طبق من ذهب ؟ كلا وألف كلا. الكل يعلم إن المسييحيين شعب مسالم ووادع، لأنه شعب الحضارة وباني المدنية المزدهرة والعلم والثقافة ،ولم يُخلق للسلاح ، وللمليشيات بل خلقه الله للعمل والأبداع والإبتكار في شتى أرجاء العراق في الجنوب والشمال، ورسالتهم هي رسالة المحبة والسلام التي كانت تصل ألينا عبر نواقيس الكنائس في مدننا الإسلامية في ذلك الزمن الجميل، وهي تطلق بعفوية روح التآلف الديني بين مكونات المجتمع ، فنساء البصرة المسلمات مازلن الى اليوم يتبركن بابواب كنيسة مريم العذراء في محلة العزيزية، ويصبغنها بالحناء شفاعة للأم الحامية ونذراً..
لقد كان تاريخ الآشوريين الكلدان قبل المسيحية هو تاريخ القوة والحضارة والمنجزات ، وبعد إشراق شمس المسيحية في فلسطين وسوريا بقيتم على عطائكم ، رغم زوال الدولة ، لكن التاريخ أثقل أعبائكم برسالة جديدة هي نشر رسالة المحبة في العالم بدون إراقة دماء، فقام رهبانكم بهذا الدور خير قيام ، ومن غير أن تكون لكم دولة ، فنشروا مسيحية المشرق المسالمة بين شعوب العالم المتحضر آنذاك في الشرق بالإقناع والعقل ، فتحول سكان مناطق العراق وسوريا وفلسطين والخليج والجزيرة العربية الى المسيحية، في الأغلب ، وقد جلب هذا النجاح الديني الهائل النقمة والويلات عليكم من جانب دولة فارس الزرادشتية ، ومن بيزنطة الرومانية الوثنية آنذاك، ولم يثنيكم الكم الهائل من الشهداء المحروقين والمصلوبين عن رسالتكم ، فلم يمر قرن من الزمان أو أكثر حتى تحولت العاصمة القسنطينية نفسها الى المسيحية وأصبح دينها الرسمي ، وفي فارس ترسخ كرسي جاثليق ( بطريارك كنيسة المشرق) في طيسفون عاصمة الفرس ، سلمان باك حالياً ) معززاً مكرماً حتى القرن الرابع عشر الميلادي.
وجاءكم بلاء الهجرة في القرون القليلة الماضية بسبب الظلم والمذابح فاصبحتم أقلية مستضعفة في بلادكم ، وخلت قراكم ومدنكم منكم واستوطنها الطفيليون الذين لم يخلقوا للإبداع والعلم والمعرفة بل حتى لم يعرفوا الإستمرار في أساليب انتاج الخيرات المادية فيها كما كنتم تفعلون.
دعوت ، ولي الشرف في السبق، لقيام ملاذ آمن للمسيحيين في شمال العراق قبل أكثر من عقد من الزمن، وأنتـُقد الإقتراح في وقته ، وأعتبره البعض دعوة لتقسيم العراق على أساس الولاءات الطائفية والدينية ، ولم يستوعب البعض جانبه العقلاني والواقعي ، وأنا الآن أشعربالغبطة حين قرأت وعلمت كيف تطور هذا الإقتراح ، وإن منظومة التعاون الأوربي تبنته ، ودافع عنه حتى فخامة البابا الذي هزته المآسي والكوارث التي تعرض لها المسيحيون العراقيون.
في رأيي أن منطقة الملاذ الآمن كان ومايزال الحل الأمثل لحماية المسيحيين في العراق لأنه يدفع عنهم غائلة الأستبداد والتطرف والإستحواذ، وتستطيع هذه الأقلية المستضعفة في ظله من تشكيل كيانها واجهزتها الإدارية والأمنية في تلك المناطق التي ستكون في ظل حماية أوربية ودولية وستكون منطقة مزدهرة وآمنة ، ولنا في مدينة عنكاوة المزدهرة مثل صارخ على نموذج النجاح الإقتصادي والثقافي لهذه المنطقة التي يقوم سكانها بإدارة مناطقهم بانفسهم في حق تشكيل الأقاليم والمحافظات الذي كفله الدستور العراقي، وتستطيع أن تكون مركزاً جاذباً لعودة ملايين المسيحيين في أوربا واستراليا الى هذا الملاذ الذي يستطيعون أن يبنوا فيه ذلك النظام الذي يعيشون ويزدهرون فيه ، بدون الشعور بالخوف على المستقبل ، وتنتعش فيه ثقافتهم من لغة وعادات وتقاليد ومدارس، هذا النظام الذي سيكون قدوة ومثل لجميع العراقيين ، لكن في بلدهم وعلى أرضهم، بدلاً من بلدان المهجر.
لكن قبل ذلك علينا أن نطرد الأعداء من بلدنا بالقوة ، وعلى الآشوريين والكلدان والسريان ألا ينتظروا أطول بدون أن يأخذوا زمام المبادرة حتى لو كانت قياداتهم سلمت لحاها بيد الأقوياء في العراق . نحتاج الى حركة عفوية شبابية ترفع عن كاهلنا نير الإعتماد على الغير في تحرير الموصل وبناء منطقة الملاذ الآمن المنشودة، علينا ألا نستسلم لمقولات مثل " الوقت غير سانح " "ميزان القوى" ، "الدعم الدولي" فكلها دعوات لأحباط الهمة وقتل روح المبادرة ، وإلا قولوا لي بربكم كيف استطاعت داعش بعدة مئات من احتلال الموصل وثلاثة محافظات أخرى؟
هناك جهد عالمي لمد يد العون العسكري لأقليات الموصل ومساعدتها في التحرير ، وثمة إشارات واضحة لتأسيس معسكرات تدريب بأشراف دولي ، أو أنها أُنشأت فعلاً ،
فلابد لنا إذن من اغتنام الفرصة وتأسيس فصائل مقاتلة مفتوحة العضوية لكل من يريد أن يساند هذا الشعب المظلوم تتدرب على الطرق العسكرية الحديثة ، ويستطيع الأنصار من البيشمركة الشيوعيين السابقين أن يضعوا خبرتهم القتالية في خدمة هذا الحشد المسيحي المسلح. ولابد بالطبع لابد لهذا الجناح العسكري من ذراع سياسية تقوده وتوجه خطابه القومي السياسي ضمن أطارات وطنية عامة تروج له على الساحتين العراقية والعالمية ، من أجل كسب الدعم السياسي والعسكري له. فهل من مجيب؟