المحرر موضوع: اسبوع في المدينة المجهولة .. بغداد !!  (زيارة 1223 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماجد ايليا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 493
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اسبوع في المدينة المجهولة .. بغداد !!

(ريبورتاج/ ماجد ايليا)

( بغداد والشعراء والصورُ.. كتب الزمان وجوه العطرُ) يالها من كلمات شاعرية وحساسة مملوئة بالدفئ والحنان والتي تغذى منها اجيال عديدة ، بغداد مهد الحضارات التاريخية واليوم باتت تسمى بالمدينة المجهولة المصير، وواقعها هو من اسماها بهذا الاسم .. وا حسرتاه..
بعد عدة شهور من الحيرة والتفكير الممل، قررت الذهاب الى بغداد الحبيبة للاطمئنان على اهلي واصدقائي هناك، رغم معارضة عائلتي ومعارفي هنا في دهوك على زيارة هذه المدينة والتي بات الداخل اليها مجهول المصير، الا اصراري كان اقوى من الظروف كلها، هذه الزيارة التي حدثت عائلتي عنها كثيرا واجبتهم بكلمتين عندما سالوني متى ستعود الينا سالما: الله يعلم..
وبعد طول طريق وتعب، وصلت الى بغداد الحبيبة ورحت مقبلا تراب حدودها شاكر الله لوصولي سالما وفي الوقت نفسه لعنت الذي كان سبب كل هذا الدمار والخراب الذي لحق بوطني العراق عام وبغداد خاصة كونها مهد الحضارات ومسقط راسي، واثناء دخولي اليها افتقدت صوت العصافير التي كان صوتها يملئ الجو والذي تبدل بعد كل هذا الدمار بصوت الانفجارات ورائحة البارود الممزوجة بدماء الابرياء، كما تبدل خضار هذه الارض بدمار سلاسل الدبابات والهمرات، واخيرا وصلت الى اهلي معانقهم والدموع تنساب وبصورة لا ارادية من عيوني، هذا كان اليوم الاول من هذه الزيارة والذي لم يمر دون سماع دوي انفجارات سوق الصدرية والذي تعود على سماعها العراقيين..

اليوم الثاني:
بعد ان استيقظت من نومي العميق وذلك على اثر سماع انفجار اخر بالقرب من بيتنا، نزلت الى الشارع لتفقد بقية اهلي اللذين تناثروا هنا وهناك، رحت اجول واجول داخل الاحياء السكنية والمناطق وتلمست الحرمان الذي ذاقوه ومازالوا يذوقوه اهالي بغداد صغارا وكبارا نساء واطفال ناهيك عن انعدام الخدمات الضرورية لحقوق البشرية، وراحت الذكريات تلاحق مخيلتي وانا اقول( الله يساعدك يا وطن).

اليوم الثالث والرابع:
قمت بجولة الى عدد من الدوائر الحكومية بصحبة صديق، حيث كانت المفاجاة بانتظارنا بمشاهدتي للوضع السيئ الذي وصلت اليه هذه الدوائر من فساد اداري ورشاوي وسيطرة طائفية كاملة وغيرها من الامور التي عشت معها عن كثب خلال هذه الزيارة.

اليوم الخامس:
خصصت هذا اليوم للاختلاط باصدقاء طفولتي والتقرب منهم مرة اخرى والاستفسار عن احوالهم وامورهم وكيفية عيشهم في ظل هذه المعانات والاوضاع الامنية المتردية، فكان بعضهم(اصدقائي) قد لقوا مصرعهم ابان الهجمات الارهابية والبعض الاخر يعيشون ضمن هذه الدوامة التي تسمى( المصير المجهول) وبعضهم راوا ان معيشتهم ووضعهم الحالي مثل( اموات ولكن نتنفس ونعيش بنفس الاحياء) ومنهم من رحل الى خارج البلاد مفضل العيش بسلام عن الموت في المدينة المجهولة بغداد، واغلبهم كانوا متفقين على سيطرة طائفة معينة ذو النسبة المسيطر في البلاد على دوائر ومؤسسات الحكومية منذ الحكومة الانتقالية ولحد الساعة، وهذا ما لاحظته عند دخولي الى دوائر الدولة لغرض اجراء معاملة كانت قد اتلفت قبل عامين لدى دائرة الجنسية والسفر، ومع كل هذا الا اني لاحظت البسمة على شفاه اطفال بغداد الحبيبة رغم معاناتهم والامهم حيث يامل الجميع ويحلم بالامن والاستقرار في هذا البلد والوطن.

اليوم السادس:
والذي اعتبرته من اسوء الايام في حياتي حيث كان من المقرر في هذا اليوم الجمعة العودة الى عائلتي واطفالي اللذين اشتقت اليهم كثيرا في دهوك الامنة، الا ان القدر والحظ السيئ كان في انتظاري امام نقطة تفتيش منطقة العظيم بالقرب من مدينة كركوك والتي كان الجيش منذ صباح هذا اليوم قد قطع الطريق كليا وبعد انتظار ساعات طويلة انا وقرابة مئتي سيارة قادمة من بغداد ومناطق اخرى ومع تحدثنا الى الجيش للسماح لنا بالعبور خشية حلول الظلام علينا ومواجهتنا لاخطار الطريق، الا انهم لم يوافقوا على طلبنا مصرين على عودتنى الى بغداد بحجة ان هناك منع تجوال في الداخل والخارج، وبعد كل هذا الانتظار اجبر سواق المركبات الكبيرة والصغيرة على العودة الى بغداد لاعنين البعض هذه الظروف التي اوصلت هذا البلد الى اسفل الهاوية والتي جعلت من ابناء هذا الوطن غرباء في وطنهم..

اليوم السابع والاخير:
في هذا الصباح اعدت الكرة ولكن هذه المرة مصر على العبور مهما كان الثمن وذلك لاشتياقي الكبير لعائلتي واطفالي، وبعد عدة نقاط تفتيش وبعد ثمانية ساعات دخلنا الى مدينة دهوك ومن ثم متوجها الى عائلتي واطفالي واللذين لم يصدقوا اني وصلت سالما بسبب الاوضاع المتفجرة في بغداد والتي كان شبح الموت مسيطرا عليها وعلى من فيها، شكرت ربي والاهي على عودتي سالما الى بيتي وعائلتي داعيا الله ان يعم السلام والاستقرار وطني العراق..
     

                    {{ الم تكوني يا بغداد قرة العينِ ...
                                                 فمن ذا اصابكِ يا حبيبة بالعينِ  }}