سعدي المالح السرياني الطائر
2015-01-15
محمد صابر عبيد
الطيورُ تقعُ دائماً على أشكالها
هكذا تزوّدُنا الأمثالُ الشعبيةُ بطعم الحكمة وعبق الميراث
والشكلّ لونٌ وطبيعةٌ وأُلفةٌ ومزاجٌ ورؤيةٌ وحساسيةٌ وثقافة
وبما أنّ لكلّ امرئ من اسمه نصيب
كما تقول الأمثالُ أيضاً
فالسعادةُ في لوحة التمنّي أملُ الحياة
والطعام بلا ملح لا طعام
كان أجدادُنا الشعبيّون يصفون من يحسنُ الروايةَ والقصَّ
بأنّه ((مالح))
بمعنى أنّ سرده مملّحٌ يشتهيه السامعُ
كنتَ كذلكَ يا سعدي المالح
وجهُكَ مشحونٌ بسعادة قصوى
وحديثك كنزٌ من التجارب الحيّة لا ينضب
فكيف تغيبُ بلمح البصر
ولمّا نتعلّم من دروس سعادتك سوى النزر اليسير
ولم نتموّن من ملحك وملاحتك
ما يسعفُ صبرَنا..
ويجعلنا قادرين على فاجعة فراقك
***
كيف تغادر “عمكا” من دون أن تسلّمنا مفاتيحَها
أم أنّك تُدركُ أنْ لا أحدَ بوسعه استخدامها غيرك
كيف تركتَ الأمير “شربل”
وهو لمّا يزل قوسَ قُزح صغير..
لا يتقنُ الرقصَ جيداً
صدّقني حتى الآن وقد مرّتْ على رحيلك أشهرٌ
لا أصدّقُ أنكَ هبطتَ إلى أعماق أرض “عمكا”
كي تكتشفَ تاريخاً أعمقَ لها
تكفي روايتُكَ أيّها العارفُ تاريخاً مشرّفاً لها
حتى هذه اللحظة مازلتُ أقنعُ نفسي، وأروّضُ ذاكرتي
بأنك ربّما في بيروت
أو كندا، أو روسيا
وستعود قريباً كي نكملَ مشوارنا،
مشوارنا وقد ابتدأ توّاً...
ثمّة الكثيرُ ممّا علينا أن نفعله معاً
كنتُ أقولُ لك دائماً
يكفي أنْ تدوّنَ تجاربَكَ في الحياة
لتكونَ أعظمَ كاتب في العالم
التجاربُ كنزُ الراوي، وعُدّتُهُ، وملاحتُهُ، وسعادتُهُ
يا سعدي المالح
***
ستجد أمامك محمود جنداري وجليل القيسي وغائب طعمة فرمان
وإذا ما بحثتَ قليلاً ربما ستجدُ يوسف ادريس ونجيب محفوظ
وقد تجد في طريقك غابريل غارسيا ماركيز
(أمانة في رقبتك سلّم لنا عليهم جميعاً)
كلّهم سبقوك إلى حيث قارب الغفران
وحيث يروي الراوي ما يشاء بلا قيود
لا تقلقْ فالأمير شربل سيحملُ قبساً من نارك
ويضيءُ ليلَ عمكا بنور سردك
وسيحفُّ به أصدقاؤك البواسلُ
كي يتحوّلَ نورُ سردك إلى شمس لا تغيب
اطمئن أيّها الراوي المدهشُ
سيبقى وجهُكَ المشرقُ قصّةً لا تنتهي
يرويها ترابُ عمكا وبَشَرُها وملائكتُها وصعاليكُها
وسأبقى أنا وهيثم وخليل وبطرس نباتي وآخرون
من رواة قصصك على أمل أن نحصلَ على شيء من ملاحتك
قرّ عيناً أيّها الصديقُ الأثيرُ
وابدأ مشوارَكَ الجديدَ هناك.