من أرشيف الحركة القومية الآشورية:
----------------------فشل إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي
================================
أبرم شبيرا
مختصر في الأرشيف القومي:ليس قصدنا من البحث في بعض من صفحات أرشيف الحركة القومية الآشورية سرد الوقائع التاريخية السياسية لمجتمعنا المعاصر بل هو عرض جوانب من هذه الوقائع التي الكثير منها غير منشورة ولا معروفة لأبناء شعبنا وقد تكون بعضها ذات قيمة يستفاد منها في معرفة التاريخ وإشتقاق الدروس والعبر منها، فالمقولة القائلة بأن من ليس له تاريخ ليس له حاضر ومن ليس له حاضر ليس له مستقبل صحيحة بالتمام والكمال. من هذا المنطلق يجب علينا جميعاً، وتحديدا المهتمين بشؤون أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وأحزابها السياسية وتنظيماتها القومية، أن تكون على دراية ومعرفة بالخلفيات التاريخية لحركتنا القومية تجعل منها مساراً مستنيراً لهم في مسيرتهم على طريق النضال القومي لكي تستفاد منها، فتأخذ المفيد منها وتتجنب العثرات والسلبيات التي واجهها من سبقهم في هذا المضمار وبالتالي تتجنب التعثر بنفس الحجر مرتين. وهنا أرى أنه من المفيد ونحن نتكلم عن الأرشيف أن نفرق بين مصطلحين وهما: الأول: التأريخ (بوضع الهمزة على الألف) والذي يعني تدوين الأحداث التي مضى عليها زمنا معينا. والثاني هو التاريخ (بدون همزة على الألف) والذي يعني تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث و يحللها و يفسرها على أسس علمية صارمة بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر و التنبؤ بالمستقبل (حسب موقع وكيبيديا)، وهو من أهم مواضيع علم السياسة والإجتماع. أي بهذا المعنى فأن الأحداث المدونة التي مضى عليها زمناً تعتبر المادة العلمية لموضوع التاريخ، فعلى أساس هذا الفهم للتاريخ نكتب هذه السطور في موضوع (فشل إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي) رغم قلة المراجع في هذا الشأن والتي قد تؤدي إلى عدم إمكانية تغطية الموضوع بكل جوانبه المطلوبة لفهم هذا الموضوع المهم لاسيما في الوقت الحاضر الذي يدور حوله الكثير من المناقشات عن دور الكنيسة ورجالاتها في المسألة القومية السياسية.
فعلى الرغم من الفقر الذي نعانيه في الوثائق والأرشفة عن مختلف مناحي حياة أمتنا خاصة السياسية منها وتحديدا الحركة القومية، فأن هذا لا ينفي وجود بعض الوثائق المهمة بهذا الشأن، رغم قلتها، ولا أدري أن أصف نفسي بالشخص المحظوظ في إقتنائي القليل جداً من هذه الوثائق إن لم أنسب كل الفضل إلى كرم وفضل بعض أصدقائي الذين تكلفوا وزودوني بنسخة منها، ومنها رسالة مهمة بهذا الشأن وبعض الوثائق الأخرى المتعلقة بموضوعنا هذا التي زودها لي صديق عزيز وكريم منذ سنوات وبقت على الرفوف العالية لمكتبتي الصغيرة وأرى الآن قد حان الوقت لنفض الغبار عنها
دعوة لتأسيس قيادة آشورية عالمية بإشراك بطاركة كنيسة المشرق:
====================================== لأسباب موضوعية وذاتيه، منها جغرافية وفكرية وثقافية وسياسية، كان أبناء شعبنا في إيران من أوائل المبادرين إلى تأسيس منظمات ثقافية وفنية وسياسية. وحتى المنظمات والجمعيات التي تأسست في العراق وفي المهجر كان معظم مؤسسيها ورؤسائها من أبناء شعبنا من إيران. ولعل من أشهرها الجمعية الأدبية للشباب الآشوري في طهران التي طبعت وأصدرت العديد من الكتب في تاريخنا القومي إضافة إلى نشاطات قومية وسياسية أخرى. ففي عام 1966 وبالتعاون مع الجمعية الخيرية الآشورية في طهران وبكتابها المؤرخ في الخامس من شهر شباط لعام 1966 وجهت دعوة الى جميع بطاركة كنيسة المشرق وزعماء الجمعيات الآشورية والشخصيات التقليدية والفكرية والثقافية لعقد مؤتمر وتأسيس قيادة عالمية للأمة تحت تسمية "مجلس الاتحاد الآشوري العالمي" واقترحت أن تكون برئاسة مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي، بطريرك كنيسة المشرق وطالبت منه أن يتولى مسؤولية الإتصال ببقية الأسماء المقترحة لعضوية القيادة العالمية. ومن أسماء البطاركة وغيرهم الذين يهمنا الإشارة إليهم في هذا الموضوع والدور المقترح لكل واحد منهم، نذكر:
• غبطة مار إيشاي شمعون، كاثيليكيوس بطريرك كنيسة المشرق – كليفورنيا، الولايات المتحدة - رئيسا
• قداسة مار إغناطيوس يعقوب الثالث – دمشق، سوريا - بطريرك الكنيسة "الآشورية" (اليعاقبة) – رئيس مساعد. (ذكروا الأشورية بدلا من السريانية)
• قداسة مار عمانوئيل بطريرك الكلدان – بغداد، العراق – رئيس مساعد !!!!
• قداسة بطريرك الكنيسة المارونية – بيروت، لبنان – رئيس مساعد !!!!
• السيد كميل شمعون المحترم، رئيس لبنان السابق، بيروت، لبنان – رئيس مساعد
• السيد ياقو ماليك إسماعيل، قائد عسكري سابق في الجيش الآشوري، كندا - مستشار ميداني
• السيد يوسف ماليك خوشابا،... (الأقامة والوظيفة مجهولة)، مستشار ميداني
• السيد ماليك لوكو شليمون تخوما، (الوظيفة مجهولة)، الحسكة، سوريا – مستشار ميداني
• السيد ديمتري (أغا) بطرس إيلوف- تولوز، فرنسا – سكرتير للمراسلات الفرنسية
• السيد أبرم دي كليتا، لندن، المملكة المتحدة – مستشار سياسي
• البرفسور أبرم إسحق، جامعة أوكسفورد، المملكة المتحدة – مستشار عام وللأمم المتحدة.
أضافة إلى شخصيات إجتماعية وثقافية وعلمية ورؤساء مؤسسات آشورية معروفة في الولايات المتحد الأمريكية وفي إيران جاوز عددهم عشرين شخصية فأكتفيت بالشخصيات المذكور أعلاه لكون لهم صلة مباشرة وأكثر بهذا الموضوع.
والأسباب الموجبة التي بينتها اللجنة التحضيرية لدعوة تأسيس قيادة آشورية عالمية تلخصت بما يلي:
1- وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر وإشتداد حكمه وقيام الوحدة بين مصر وسوريا وما صاحب ذلك من تصاعد نزعة العروبة وتصاعد تعصب القوميين العرب والناصريين وظهور تهدادات لأمن دول المنطقة كلبنان وإسرائيل وتعرض وجود الأقليات في الشرق الأوسط كالآشوريين والكورد والشيعة إلى التهديد والوعيد من قبل الأكثرية العربية المتشددة.
2- قيام الثورة الكردية في شمال العراق ودخولها في صدامات مسلحة مع الحكومة العراقية وتعرض المنطقة، والتي هي قلب موطن الآشوريين، إلى الحركات المسلحة والإجتياحات العسكرية مما سبب ذلك هجرة أبناء شعبنا وبأعداد كبيرة إلى المدن الكبيرة.
3- إزدياد نفوذ وتأثيرات الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا وحتى إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي دخول العامل الدولي في رسم أو التأثير على سياسات المنطقة، لهذا نرى في تقارير اللجنة التحضيرية أعطاء أولوية كبيرة لمنظمات وشخصيات من أبناء أمتنا في الولايات المتحدة الأمريكية وإعتمادها كلياً عليهم وعلى قدرتهم للتأثير على الإدارة الأمريكية لمساندة القيادة الآشورية المقترحة.
في كتابه المؤرخ في الثاني عشر من شهر شباط لعام 1966 رد المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي على الدعوة الموجبه إليه والطالبه منه الإتصال بالأشخاص المعنيين لتشكيل القيادة العالمية، رد بشكل يصعب جداً على قارئ الكتاب أن يفهم موقفه من هذه الدعوة فهو، بذكائه وفطنته المعروفة لم يرد لا بالسلب ولا بالإيجاب بل كل ماذكر فيه هو إمتنانه الكبير لمرسلي الدعوة ومباركته لهم بالروح القدس طالباً لهم كل الموفقية في خدمة أمتنا الآشورية. إلا أنه خلال زيارة قداسته لإيران في عام 1967 رفض وبشكل مباشر فكرة تولي مسؤولية زعامة التنظيم المقترح لا بل رفض الفكرة من أساسها حينئذ أدركت اللجنة التحضيرية تخلي البطريرك عن رغبته في البقاء كزعيم للأمة الآشورية فأضطروا إلى اللجوء إلى شخصية آشورية أخرى تكون معروفة على المستوى القومي فوجدوا ضالتهم في السيد ديميتري أبن الجنرال أغا بطرس الذي كان يعيش في تولوز في فرنسا. وعند مفاتحته بالفكرة وافق عليها ومن ثم بدأت التحضيرات للمؤتمر الأول التأسيسي للإتحاد الآشوري العالمي الذي أنعقد في منتصف شهر نيسان من عام 1968 في مدينة باو في فرنسا ومن دون مشاركة أي من البطاركة وعدد كبير من الشخصيات التي وجهت الدعوة لهم، وبالتالي يمكن القول وبجزم بأن محاولة إشراك بطاركة كنيسة المشرق في تأسيس قيادة سياسية عالمية آشورية قد فشلت، لا بل ماتت وهي في مهدها، خاصة عندما نعرف بأن البطريرك مار شمعون إيشاي الذي كان اللاعب الأساسي والقائد "الأوحد" للحركة القومية الآشورية في الثلث الأول من القرن الماضي لم يعد مهتماً بالسياسة ولا بالتدخل في الشؤون القومية، وهذا ما سنأتي عليه في السطور القادمة.
تقييم دعوة تأسيس قيادة آشورية عالمية:
========================ولو حاولنا تقييم فكرة وجهود الشخصيات والمنظمات التي بادرت بهذه الفكرة، نقول بأن قراءتها للعوامل الخارجية التي دفعتها لهذه المبادرة كانت صحيحة، غير إن فقر المعرفة أو ضعف الوعي بالعوامل الداخلية المتعلقة بشؤون أمتنا خاصة في العراق وبطبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين أجزاء كنيسة المشرق وبطاركتها وأيضا ببعض الشخصيات المدعوة للمشاركة في هذه القيادة كانت عوامل حجبت النور عن هذه الفكرة ولم تخطو خطوة واحدة غير تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي ومن شخصيات لم تكن كما كان مقترحاً. لا ننكر بأن النية الطيبة والحماس القومي كإستجابة للوضع السياسي في تلك الفترة كان من وراء فكرة تأسيس القيادة الآشورية العالمية ولكن هذا الإندفاع والحماس غطى أو تجاهل حقائق لم تكن ظاهرة لأصحاب الدعوة أو تم إستصغارها مقابل عظمة ومثالية الفكرة وبالتالي لم تظهر إلى النور كما كان مطلوباً لذلك فشلت محاولة إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي بل فشلت الفكرة الأساسية برمتها. ويمكن إرجاع أسباب الفشل إلى مايلي:
1)-الشخصيات المدعوة للتأسيس والقيادة: الشخصيات الكنسية: يظهر بشكل جلي جهل أو عدم معرفة اللجنة التحضيرية لطبيعة الشخصيات المدعوة للتأسيس، ربما لأسباب تتعلق بقلة المعلومات عن الكنائس وعن بطاركتها. وهذا يتجلى، على سبيل المثال، في كنية البطريرك مار شمعون إيشاي حيث أن كنيته حسب تقليد كنيسة المشرق هي قداستة (His Holiness) وليس غبطتة (His Beatitude) فهذه الكنية تطلق على المطارنة. والأنكى من هذا هو إدارج أسم المثلث الرحمات مار يوسف عمانوئيل الثاني بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ضمن المدعوين للتأسيس ومنحه منصب نائب رئيس للقيادة في الوقت الذي كان قد غادر إلى الأغدار السماوية في عام 1947 وكان المثلث الرحمات مار بولس الثاني شيخوا هو بطريرك الكنيسة في عام 1966 . نعتت اللجنة التحضيرية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالآشورية وهذا نموذج للفكر الآشوري القومي التقليدي في تأطير جميع كنائس المشرق بالتسمية الآشورية، كما يفعل حتى يومنا هذه بعض الآشوريين ومؤسساتهم. فالآشورية ليست التسمية الرسمية والواقعية للكنيسة فهي تسمية بالأساس غير مقبولة لها. تجاهلوا من قائمتهم قداسة مار اغناطيوس ميخائيل تبوني (توفي عام 1968) الذي كان بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية في تلك الفترة وهو من الشخصيات الكنسية المعروفة في تاريخ كنيسة المشرق وأول كاردينال كاثوليكي من الشرق وكان مدافعاً قوياً عن أبناء شعبه لذلك أعتقلته السلطات العثمانية في حلب عندما كان مطرانا ولم يطلق سراحه إلا بعد حملة عالمية شارك فيها ملك النمسا في تلك الفترة. ذكروا قداسة بطريرك الكنيسة المارونية ولكن بسبب جهلهم لأسمه لم يذكروه ولكن منحوه منصب نائب رئيس للقيادة. كان مار بولس بطرس الثاني المعوشي هو بطريرك الكنيسة في تلك الفترة وأول بطريرك ماروني ينال لقب الكاردينال.
الشخصيات العلمانية:أدرجت اللجنة التحضيرية العديد من الشخصيات العلمانية ولكن للإختصار ذكرنا سبعة منهم، ثلاثة منهم من الزعماء التقليدين، ماليك ياقو (المهجر – كندا) و ماليك يوسف (العراق) وماليك لوكو (سوريا) وأربعة منهم شخصيات سياسية وعلمية. فإذا كان بعضهم معروفين للقراء مثل كميل شمعون وديمتري أبن أغا بطرس فلا أعتقد بأن الآخرين معروفين خاصة بالنسبة للـ (أبرمين)، فالسيد أبرم دي كليتا كان نائب القنصل البريطاني في العراق غادرها إلى إنكلترا بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وكان ملما بالأمور السياسية لذلك كان منصب مستشار سياسي للقيادة الآشورية العالمية ممنوحاً له، ولا ينكر بأنه رغم قلة نشاطه القومي في لندن إلا أنه بقى حتى آخر أيامه آشورياً قومياً فكان يحب أبناء شعبه ودائم الإرشاد والنصح للجيل الجديد. أما أبرم إسحق فكان بروفسوراً في الإقتصاد في جامعة أوكسفورد ومعروفاً على الساحة البريطانية وفي حينها قيل بأنه كان يساهم في إعداد الميزانية العامة للحكومة البريطانية. أصله من منطقة أورمي في أيران فعندما زرناه قبل عدة سنوات في بيته في مدينة أوكسفورد كانت هناك قطعة على المدخل الخارجي لبيته مكتوب عليها "أورميا"، لكن رغم كفاءته العلمية العالية وشهرته إلا أن مساهماته في المسائل القومية الآشورية لم تكن بمكان حتى تستحق الذكر، حتى أنه رفض ذات مرة دعوة النادي الآشوري في لندن لإلقاء محاضرة في النادي. لم تدرجه اللجنة التحضرية في قائمة القيادة الآشورية العالمية ومنحه منصب مستشار للشؤون العامة والأمم المتحدة إلا بسبب شهرته العلمية الواسعة. أما بالنسبة لماليك يوسف ماليك خوشابا (تصورا الشخص الوحيد من العراق من بين العشرين أسماء المقترحة والأمر برمته كان يتعلق بالوطن القومي للآشوريين في العراق حتى أن اللجنة التحضيرية لم تكن تعرف مكان إقامته ووظيفته)، كان ماليك يوسف يعيش في العراق وضابط متقاعد من الجيش العراقي برتبة عقيد وقد أدرج أسمه في قائمة القيادة ومنح منصب مستشار ميداني لا لكونه ملماً بالشؤون العسكرية فحسب بل في تلك الفترة كان المسؤول الأول عن أتباع الكنيسة الشرقية القديمة لأنه لم يكن لهم بطريركاً حتى عام 1968 حين تم إختيار مار توما درمو مطران الهند لكنيسة المشرق بطريركاً على الكنيسة الجديدة/القديمة لحين وفاته في عام 1969 ثم خلفه قداسة مار ادي الثاني في عام 1970.
2)- تقليد التنظيم اليهودي العالمي:من خلال القراءة المتمعنة في كتاب اللجنة التحضرية وبعض الوثائق التي أصدرتها بهذا الشأن نرى بأنها تحاول تقليد نموذج التنظيم اليهودي العالمي في تأسيس المنظمات العالمية التي لعبت دوراً فاعلاً في قيام دولة إسرائيل. فإذا كانت المقارنة تصح في البحوث العلمية مأخوذاً جميع العوامل الموضوعية والذاتية بنظر الإعتبار لكل أمة فأن التشبيه أو التقليد في البحث والدراسة أمر لايمكن أن يؤدي إلى نتائج مقبولة وذلك بسبب إختلاف ظروف كل أمة عن الأخرى وتباين العوامل الموضوعية والذاتية. كان هناك عاملان أساسيان في نجاح التنظيم اليهود العالمي في مهمته لتأسيس دولة لليهود، وهما (1) - الوعي القومي المتعمق والمتزاوج مع المعتقد الديني بضرورة تحقيق حلم اليهود التوراتي في قيام دولة إسرائيل و (2) – التمويل وتكريس كل الإمكانيات المادية في سبيل تفعيل التنظيم اليهودي وتحقيق الحلم التوراتي، وكلا العاملين لعبا الدور الأساسي والفاعل في التأثير على حكومات الدولة الكبرى وعلى الرأي العام فيها في تحقيق الحلم اليهودي. عاملان مهمان جداً وأساسيان لكل تنظيم يسعى لتحقيق هدف معين، وهما العاملان الغائبان عن مجتمعنا وسبباً في فشل أو تعثر تحقيق أي تنظيم قومي لهدفه، خاصة الهدف الأسمى في تأسيس كيان مستقل للأمة. فواقع أمتنا كان ولايزال يبين فقرنا المدقع في التمويل والإمكانيانت المادية، وحتى لو توفرت بحدودها الدنيا فأن تكريسها للمسألة القومية أمر غائب عن واقعنا القومي. أما بالنسبة لعامل الوعي القومي المتعمق والصحيح فإن التناقضات الطائفية والعشائرية والقريوية والصراعات الشخصية كلها عوامل غيبت الوعي القومي وشلت فعالية أي تنظيم قومي من تحقيق هدفه. وهذه التناقضات والصراعات كانت واضحة بين الأسماء المقترحة لتأسيس القيادة الآشورية العالمية، ولازالت مثل هذه التناقضات المستميتة تنخر في جسم أمتنا حتى يومنا هذا وتشل فاعلية تنظيماتنا وأحزابنا.
3)- التناقضات الفكرية والصراعات الشخصية:نظرة بسيطة إلى الأسماء المقترحة لتأسيس القيادة الآشورية العالمية والمناصب المقترحة لكل واحد منهم سيظهر على الفور عمق التناقضات الدينية والفكرية والصراعات الشخصية التي كانت سائدة بينهم. فمن الناحية الكنسية والدينية ليس منطقياً ولا مقبولاً إطلاقاً أن يكون بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية" مار إيشاي شمعون رئيساً وقائداً وفي مستوى أعلى في التنظيم والقيادة من بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق، خاصة عندما نعرف بأن هذه الكنيسة هي أصغر فرع من فروع كنيسة المشرق وكانت بالنسبة لهم كنيسة هرطقية. صحيح أن قيادة الحركة القومية الآشورية كانت قد أرتبطت بأسم البطريرك مار إيشاي شمعون خلال سنوات النصف الأول من القرن الماضي وعمل على هذا الأساس والصفة وهذا هو الذي دفع اللجنة التحضيرية على وضعه في قمة القيادة المقترحة إلا أنه من الملاحظ بأن آخر نشاط قومي قام بها البطريرك مار إيشاي شمعون كان عام 1945 عندما قدم بالتشارك مع الإتحاد القومي الآشوري في الولايات المتحدة طلباً إلى مؤتمر السلام العالمي المنعقد في مدينة سان فرنسيسكو عام 1945 طالباً ضمان حقوق الآشوريين في وطنهم التاريخي ثم طلباً آخر عام 1947 إلى هيئة الأمم المتحدة والخاص بالمذابح التي أرتكبت بحق الآشوريين عقب إنهيار جمهورية مهاباد الكردية في إذريبيجان الإيرانية، وبعد هذا التاريخ غاب عن الساحة القومية السياسية ولم يعد يهتم أو يتدخل في الأمور السياسية فأنكفأ نحو المسائل الكنيسة والدينية والشخصية، وهذا الأمر كان أكثر وضوحاً عند زيارته للعراق عام 1972 حيث رفض كل مخططات نظام البعث في العراق وتجنب التدخل في المسائل السياسية والقومية. فهذه المسائل السياسية والقومية التي كانت شغل الشاغل للبطريرك في الماضي لم تعد تعني له شيئاً لذلك رفض دعوة تأسيس القيادة الآشورية العالمية، كما أن مثل هذه المسائل لم تكن تعني أيضاً بشئ إلى بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق. هذا ناهيك عن السيد كميل شمعون الذي كان ثاني رئيس للبنان وقائدا لحزب الوطنيين الأحرار، أحد الأحزاب القوية والفاعلة على الساحة اللبنانية الذي لايمكن أن نتصور ولا في حدود المنطق أن يقبل ليكون نائباً لشخص لاحول له ولا قوة وربما لم يسمع عنه إطلاقاً.
أما بالنسبة للتناقضات الفكرية والصراعات الشخصية التي كانت تتحكم في العلاقة القائمة بين الأسماء المقترحة للقيادة فهي كثيرة ولا يمكن إطلاقاً تصور قيام مثل هذه القيادة والتناقضات العميقة تتحكم في تفيكرهم وسلوكهم. فالبطريرك مار إيشاي شمعون وماليك ياقو من جهة و ماليك يوسف من جهة أخرى كانوا في صراع فكري وشخصي أن لم نقل عشائري في تلك الفترة من عام 1966، وهو الصراع المتوارث من السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى وتحديداً أثناء الحركة القومية الآشورية لعام 1933 والذي تداخل وتفاعل مع الإنقسام الكنسي في بداية الستينيات من القرن الماضي عقب تبني كنيسة المشرق للتقويم الغريغوري وتزعم ماليك يوسف التيار المناهض والذي بقى على التقويم الغريغوري ومن ثم ظهور الكنيسة الشرقية القديمة. أما بالنسبة لماليك لوكو شليمون زعيم عشيرة تخوما الذي كان حليفاً قوياً للبطريرك ولماليك ياقو أثناء حركة عام 1933 فأنه بعد رحيله إلى سوريا وما أعقب ذلك، خاصة في الأربعينيات من القرن الماضي من أزمات إقتصادية من جراء الجفاف وتلف المحاصيل الزراعية وظهور بوادر المجاعة بين أبناء شعبنا هناك ومن ثم طرح مشروع تهجريهم إلى البرازيل، وقع ماليك لوكو في خصام شديد مع البطريرك بخصوص هذا المشروع وتجلى ذلك في رسائله الذي أتهم البطريرك في كونه غير مبالي بشعبه المتذرع جوعاً في سوريا ووصفه بالدكتاتور لأنه رفض مشروع تهجير الآشوريين إلى البرازيل.
ضمن هذه التناقضات العميقة التي كانت سائدة بين الشخصيات المقترحة لتشكيل القيادة الآشورية العالمية لا تسمح لنا أن نتصور حتى في الخيال قيام مثل هذه القيادة التي كان يتطلبها وبالدرجة الأولى تفاهم وتعاون وتنسيق، وهي الأمور المهمة التي غابت عن اللجنة التحضرية وبالتالي فشلت الفكرة ولم ترى النور لحين قيام الإتحاد الآشوري العالمي وبشخصيات وفكرة مختلفة بعض الشيء، والتي سنأتي عليها في مناسبة أخرى. فالمثل الذي يقول "حسابات البيت تختلف عن حسابات البيدر" كان ينطبق على أعضاء اللجنة التحضرية وهو المثل الذي لا يزال ينطبق على الكثير من أبناء شعبنا وخاصة السياسيين منه.
خاتمة وإستنتاج:
========== ليس من الصحيح في البحوث والدراسات العلمية أن يكون الإستنتاج واضح ومستنبط منذ البداية، كما هو الحال في موضوعنا هذا حيث من العنوان يظهر بأن إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي هو عمل فاشل. ولكن أشارتي إلى هذا الفشل إبتداءاً من العنوان هو من باب التأكيد المتشدد على فشل مثل هذا الإشراك خاصة في عصرنا الحالي. كثيرا ما يحتج العلمانيون خاصة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على ما يعتقدونه بأنه تدخل من رجال الكنيسة في الأمور السياسية حتى وأن كان تصريح أو رأي عن مسألة قومية معينة أو مباركة منهم لأحزابنا ومنظماتنا بالتوفيق والنجاح. والعكس صحيح أيضا فأن الكثير من رجال الكنيسة يعتقدون بأن بيان رأي مثقف أو كاتب من أبناء أمتنا رأيه في مسألة دينية أو كنيسة هو تدخل في شؤون الكنيسة. وإذا كنا قد أكدنا بفشل إقحام رجال الدين في العمل السياسي فأنه بالمقابل والتأكيد المشدد سيكون الفشل أيضا مصير أي تدخل من أحزابنا السياسية في الشؤون الكنسية لا بل نتائج هذا الفشل كثيراً ما تكون مهلكة وسلبية على طبيعة العلاقة العضوية التاريخية بين كنيستنا وأمتنا. والقصد من العلاقة العضوية هو أنه لايمكن لطرف أن يتواجد ويعيش إلا بتواجد وعيش الطرف الآخر من العلاقة. بعبارة أخرى لا يمكن لكنيستنا المشرقية بكل فروعها أن تتواجد وأن تستمر بدون تواجد وإستمرار أمتنا والسبب معروف وهو الإشتراك في مقومات وجود وإستمرار كل طرف من طرفي العلاقة. فكل ضرر وتعسف وظلم على طرف هو بالنتيجة ضرر وتعسف وظلم على الطرف الآخر، وهكذا أيضا فكل تقدم وإزدهار على طرف من طرفي المعادلة هو بالنتيجة تقدم وإزدهار على الطرف الآخر، هذه العلاقة العضوية يجب أن تكون في مقدمة تفكير وسلوك رجال أمتنا الكنسيين والعلمانيين وهي الأساس الذي يبنى عليه الإحترام المتبادل والعمل كل في حقله الخاص من دون تدخل من الآخرين. هذه العلاقة العضوية الترابطية بين الطرفين لا يعني إطلاقاً تداخل بعضهما بالبعض وإختلاط حدودهما ومن ثم فقدان طبيعة وجود كل طرف وخواصه الفكرية والرسالة التي يسعى لتحقيقها، فحال أمتنا في هذه العلاقة العضوية بين الطرفين هي شبيه بطبيعة الماء المتكونة من الأوكسين والهايدروجين العنصران اللذان يشاركان وبنسب معينة ومعروفة في تكونين الماء ولكن من دون فقدان خواصهما. نكتفي بهذا القدر لأن موضوع العلاقة بين الكينسة والأمة طويل جداً ومعقد وحالة قد تكون نادرة لا تكفي هذه الصفحات للتفصيل فيها، فأكتفي بالهمس في إذا أبناء شعبنا وتحديداً الكنسيين والسياسيين منهم، بأن أي تدخل في شؤون الطرف الآخر هو أمر محكوم بالفشل المحتوم وضررُ للأمة والكنيسة ويعرقل مسيرة الطرفين نحو تحقيق رسالتهما.
"ليس أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا"