المحرر موضوع: البطريرك بطريرك على رعاياه حيثما كانوا، وهذه في ذاكرتي، مفارقة (العالمية).  (زيارة 2664 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
البطريرك بطريرك على رعاياه حيثما كانوا، وهذه في ذاكرتي، مفارقة (العالمية).
بقلم الأب نويل فرمان السناطي
17 شباط 2015

تمهيد
لا يتعلق هذا المقال،  بنحو مباشر،  بالاجتماع الذي ينظمّه مجمع الكنائس الشرقية اليوم الثلاثاء 17 شباط، للنظر في قضية احدى الابرشيات الكلدانية في بلدان الانتشار، وقضايا اخرى متعلقة بالكنائس الشرقية، ويشارك فيه غبطة البطريرك مار لويس رفائيل الاول ساكو بطريرك بابل على الكلدان. وليس فيه استقراء لما سيتمخض عنه الاجتماع.
لكن هذا المقال بقي موضوعًا مؤجلا، منذ آخذت تتردد في مناسبات سابقة  متعددة ومتباينة التوقيت، الاشارة الى شمولية كرسي بطريركي ما، بعبارة (في العراق والعالم) كأن يقال (في لبنان والعالم)، وكأن هذه العبارة تضيف شيئا ما آكثر من كون بطريرك انطاكيا على الموارنة، لا تقتصر حدود رعايته، بنواحي متعددة، على بكركي وما يجاورها.
وفكرة الكتابة هذه، جاءت أيضًا لتناول ما صادف كاتب هذا المقال، في حقبة زمنية معينة، من تماس مع استخدام عبارة (بطريرك الكلدان، في العراق والعالم) وليس هناك ما يؤكد أن استخدام تلك العبارة جاء آنذاك لأول مرة.
كما يتعامل المقال بشكل مستقل في بعض سياقه، مع تعامل الفاتيكان مع الكنائس البطريركية المتحدة مع الكرسي الرسولي، لكل ما يدعم مسيرتها وتواجد ابرشياتها في العالم، من حيث خصوصياتها ومن حيث وضعها الثقافي وايضا من حيث مكانتها في قلب الكنيسة الجامعة.

تحليل انساني جانبي
هناك الكثيرون ممن يمضي عليهم الزمن وهم في مصاف بسطاء القوم وسواد الناس، ولكن قد يكون لهم ايضا بصمات في هذا المسار أو ذاك من التاريخ. ليس لشئ إلا بسبب مجريات ظروف حياتية، بما يسميه البعض المصادفة، وبما يؤمن به من يؤمن، أنه من العناية الربانية.
وسبحانه من تدبير رباني، عندما يصل الحال بمن هم من سواد الناس، بأن يؤدّوا دورًا ما في حقبة زمنية. ولعلهم عند ذاك، ولحيرة مستصغريهم، يكونون أحيانا مدفوعين لا أبطالا. فتجدهم يعودون الى حال سبيلهم في الاحتجاب وعالم الابهام، والى ما قد يختارونه من حياة اعتكاف او كتابة.
وقد يبقى الأمر معهم أو بشأنهم طي الكتمان، لولا ايضا توفر بعض الظروف، أمام خيبة محبطة لمنافسيهم، فتبرزهم هذه المفارقة او تلك. وفي نهاية المطاف وفوق كل هذا، ليس ثمة كبير أمام الله، ويبقى اللاهثون وراء الصدارة يجرون ذيول العقدة والنقص، كلما ظهر هذا الشأن أو ذاك عند من استصغروهم، وهم يعدّون أنفسهم الوحيدين في الدنيا، ممن منذ طفولتهم، ركبوا الطائرة دون الحمار. وتبقى الامثلة والمقارنات من الجانبين تضرب ولا تقاس.
المفارقة في انتشار العبارة عن (البطريرك في العراق وفي العالم)
لا نعرف إذا كان قد أتى، من قبل، ذكر منصب بطريرك، بالطريقة المنتشرة حاليا، في الحديث عن بطاركتنا، وهو الاشارة اليهم تحت عنوان كعنوان: بطريرك الكلدان، أو الكنيسة الشرقية القديمة في (العراق والعالم). واذا ثبت أن هذا الاستخدام لم يرد حتى ايار سنة 1989، سنة تسنم مثلث الرحمات مار روفائيل الاول بيداويد السدة البطريركية، فهذا يعني ان المفارقة في التسمية أخذت منذئذ دورها في هذا المسار، وبخلافه ستكون المفارقة حالة آنية عابرة، أو تأكيد لواقع معروف ومتداول بهذه الصيغة.

في تلك الايام كان كاتب السطور، من الكتاب والمترجمين الخارجيين لمجلة ألف باء.  وكان يسعى للكتابة والترجمة في الموضوعات التي من شأنها تبين  الحضور المسيحي العراقي، من ذلك كتابته عن موضوعات مسيحية متنوعة، وما يحضر القلم منها: ساعة الآباء الدومنيكان،  دير الشيخ متي، ودير السيدة العذراء، والأب فرنسيس المخلصي، قصة أديث بياف وترازيا الطفل يسوع، ومكتبة الأب أنستاس الكرملي، وغير ذلك من العناوين. كان الكاتب يكتب التحقيق ويعطيه للقسم المختص حتى يأخذ طريقه إلى لنشر.
لكن حدث انتخاب بطريرك كان بحاجة الى تأوين واصداء ميداني. ففاتحتُ نائب رئيس تحرير مجلة ألف باء، الصديق المرحوم عبد الرسول الزبيدي، أبو رسالة الذي اغتالته عصابات ارهابية طائفية في عام 2004. فرأى أبو رسالة ان يتمّ الإصداء للموضوع ايضا على مستوى وكالة الانباء العراقية. واقترح أن اتحدث عنه مع مدير العام بالوكالة، في و.ا.ع. (وكالة الانباء العراقية) وكان آنذاك الكاتب (الراحل) داود الفرحان.
صعدت الى الوكالة، في أحد طوابق وزارة الاعلام، وتحدثت مع الفرحان، عن انتخاب البطريرك، فأجاب بأسلوب محبب وبروح النكتة التي وسمته، بأن معلوماته رجيجة (ركيكة) بشأن ما هو البطريرك. فشرحت له أنه الرئيس الاعلى، للمسيحيين الكلدان في العراق وأنه مرجع في نواحي عدة للكلدان المنتشرين في العالم. وتم في ضوء ذلك صياغة الخبر، وعلى ضوئه تم اعداد العنوان اياه، بوصف المنتخب، مار روفائيل الأول بيداويد، بطريركا للكلدان في العراق والعالم. وكذا الشأن في المقابلة المستفيضة التي أجريتها مع البطريرك الراحل على صفحات المجلة العراقية الأولى، ألف باء.  ومنذئذ، كلما ظهر الحديث عن بطريرك احدى الكنائس الشقيقة، كنت انتبه انه كان يذكر بصفة كونه بطريركا على رعاياه في العراق وفي العالم.

عبارة وليدة الحاجة الى النشر الاعلامي
والحال، أقرّ أن تلك العبارة لم تكن اكتشافا عبقريا، بل كانت وليدة الحاجة الى النشر الاعلامي فحسب. ولا بدّ من التأكيد أنه لم يفترض بها ان تضيف شيئا على صفة العالمية لكل بطريرك. مع أنه يبدو الآن انه درج على استخدامها وكأنها بصيغتها المروجة، أصبحت صيغة دستورية في القوانين الكنسية. بينما قصدت استخدامها لمجرد التنويه التوضيحي الذي لا يخلو من المباهاة، بمكانة البطريرك على ارض كرسيه وخارجها.

بين روما والكنائس المتحدة معها
عندما يكون بطريرك ما، كاثوليكيا كان أو غير كاثوليكي، في الرقعة الجغرافية لكرسيه البطريركي، لا بد ان تلك الرقعة من المكان الجغرافي، تبقى محدودة أمام تحرك القاطنين فيها، لتنفتح الى خارجها بنواح كثيرة متصلة بمرجعية الكرسي.
على ان في الكنيسة الكاثوليكية، يوجد امتياز آخر، وهو ان امتداد الكرسي البطريركي يعززه تناظر متفرّد من الشركة العقائدية الكاملة مع الكنيسة الأم وكرسي خليفة بطرس. من هذه الكراسي، كرسي انطاكيا للموارنة، فقد بقي كاثوليكيًا بنحو متواصل، منذ البدء. أما غير الكنيسة المارونية، من الكنائس البطريركية، فكان من تلك الكنائس التي في ظروف المجامع الكنسية في العصور الاولى للمسيحية، انفصلت عن الشركة مع روما. ثم استعادت أجنحة من تلك الكنائس البطريركية، بحجوم متفاوتة، الشركة مع روما.
هذه الكنائس البطريركية الكاثوليكية، بالإضافة الى خصوصيتها التاريخية، تشترك في التواصل مع روما بنحو يكاد يكون متقاربًا مع المجامع الاسقفية للكنائس الثقافية اللغوية، المنتشرة في العالم، من هنود واوكرانيين وغيرهم، ممن لهم رعاياهم المقيمين في البلاد وغيرهم المستوطنين خارجها. فتتواصل كنائسهم البطريركية أو مجامعهم الكنسية الوطنية مع الكرسي الرسولي بشأن المشترك العقائدي، والحياة الايمانية ونقل بشرى الانجيل، وكذلك في سياقات الموافقات الحبرية الخاصة بانتخاب الاساقفة واعفائهم، بنحو متناظر مع الاختيارات التي يطرحها اعضاء المجامع على المصادقة العليا للحبر الروماني. وطبقا لحجم رعاياهم في بلاد الاغتراب، يشكلون خدمة ارسالية، كما هو الحال مع الخدمة الارسالية للهنود السيرو-ملبار، في كالكري. او يقيمون كنائس واسقفيات، مثل ما هو الحال مع الكنيسة الاوكرانية الكاثوليكية في ولاية البرتا الكندية.
وما يعزز من سلامة الشركة، بين هذه الكنائس البطريركية وكرسي خليفة بطرس، هو أنها تقوم على اساس أن الحبر الروماني، إذ يكون اسقف روما برقعتها الجغرافية، يحمل ايضا صفة خادم خدام الرب بالمحبة، ولا يخرج عن هذا النطاق الا من خرج عن هذه الشركة لهذا السبب أو ذاك.
وما يجمع الاحبار في شركتهم الكنسية البطريركية، قد لا يختلف كثيرا عما يجمع أحبارًا في مجمع أساقفة تضمهم رقعة جغرافية على مستوى الأوطان والقارات، بقدر ما يعنيهم تميز خصوصيتهم الثقافية والطقسية، وحرصهم على الانسجام حولها. كما يحملون الاعباء الإدارية على قدر ما يحمله كاهلهم من العبء الجغرافي واللوجيستي، في مناطق تواجدهم وطنيا وقاريا، وطبقا للأمور ذات الصلة بالخصوصية التي تجمعهم. ويتحمل أي منهم عبء المساءلة من إخوته، في المجمع الاسقفي، مما يأخذ مجراه ومداه عبر الكرسي الرسولي؛ مساءلة قد تكون أمام اي تجاوز قانوني أو أخلاقي. وتكاد تتزامن محاسبته، بتوقيت قريب جدا، ما بين الجماعة الاسقفية في حيزها الاقليمي، وبين الاجراء المتخذ بحقه من قبل الكرسي الرسولي. هذا ما حدث مع اسقف كندي، ضبط متلبسا ضد القانون النافذ، على مستوى الاقليم كما على المستوى الدولي، وما يلقي بظلاله على وضعه الاسقفي المتصل بالكرسي الرسولي. فكان بيان مجمع الاساقفة ضدّه متزامنا مع قبول البابا بندكتوس استقالته.
وفي مثل هذه التعاملات تمت ايضا في المجمع الاسقفي في فرنسا، على سبيل المثل لا الحصر، اجراءات المجمع الاسقفي تجاه المطران جاك غايو، وبقي وضعه القانوني كأسقف كاثوليكي رهن التعامل مع روما.
ولولا الانسجام الافقي والعمودي، بين المجالس الاسقفية، او الكنائس البطريركية، والكرسي الرسولي، لكانت خرجت امور كثيرة، من نطاق الكنيسة الجامعة ولما استطاعت لزمن ان تحافظ على خصوصيتها بصفة كنيسة جامعة، في نطاق العقيدة الكاثوليكية المرتبطة بخليفة بطرس. لكن الرب قال أنه سيكون معها حتى انقضاء الدهور، يحميها، ولئن كان في حالتها البشرية، كإناء من خزف يحمل وديعة الايمان التي لا تثمن بثمن.
وفي الوقت عينه، يضحي من غير المنطقي ان يكون المصاف الاسقفي، او المجمع الاسقفي للكنيسة البطريركية، مجرد مكتب بريدي يصل أعضاءه ورعاياه بالكرسي الرسولي في اي صغيرة وكبيرة، وتترك على عاتقه أدارة شؤونهم. بل يعرف المتخصصون صلاحياتهم المجمعية، تجاه بعضهم البعض، وتجاه كهنتهم ورعاياهم وتجاه ما يجمعهم بالشركة العقائدية التامة مع كرسي بطرس.
أما اذا حدث ثمة التباس بين اسقف ومصافه الاسقفي، لأمر لا يرتقي إلى ان يكون مساسا في حالة قانونية أو أخلاقية أو مالية خاضعة للمساءلة، ولا يتعارض مع خطه العقائدي المنسجم مع روما. عندئذ لروما أن تتعامل مع الحالات كل على حدا، بحسب خصوصيتها وظروف اصحابها، سواء على المدى القريب أو البعيد. وبما يعالج طبيعة التعامل مع انسيابية الاحوال بين رعايا الاسقف المعني ورعايا  كنيسته الام ولحين عودة الامور إلى سياقها الطبيعي بفعل هذا الظرف الزمني أو ذاك. وحدثت مثل هذه الحالات، على مستوى كنائس ما سمي بالمعسكر الاشتراكي، وطبيعة تعاملها مع نظيراتها خارج ذلك المعسكر، سواء تلك المتحدة مع روما او تلك التي لم تستعد الشركة معها منذ زمن الانقسام. كما حدثت، في أعقاب المجمع الفاتيكاني الثاني، على مستوى الجناح الكاثوليكي المتزمت بزعامة الاسقف الفرنسي لوفيفر، الذي كان ينادي بالقداس بلسان الآباء، اللاتيني، وبعد بضع عقود من عهد لوفيفر، لم يكن بدّ لرعاياه إلا العودة الى حضن الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن تُرك لقسسهم أن يقدسوا باللاتيني ويتسربلوا بالسوتانة الاكليريكية التقليدية.
ليكونوا واحدًا
ومن معالم السعد على مستوى الكنيسة الجامعة، أنها في أي من هذه الأحوال، تضع الشركة الكنسية التامة في الأولوية، على وفق امنية الرب يسوع: (ليكونوا واحدا كما نحن واحد). ولولا ذلك لكان حالة الكنيسة الكاثوليكية، ليس على اساس استقلال اداري معين في الكنائس الارثوذكسية، بل متجزئة على مستوى ما سمي بالكنائس المجهرية، وليدة الاصلاح البروتستانتي التي، كما تطرحها معلومات (كوكل) والتي تتكاثر مسمياتها، في كل عام بالعشرات ثم بالمئات.


غير متصل يوحنا بيداويد

  • اداري منتديات
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2496
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاب الفاضل نوئيل فرمان
تحية
سوف لا اعلق كثيرا على مقالك الرائع الا بما جاء في الكتاب المقدس نفسه: " كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب وتنهار بيوتها بعضها على بعض"، لوقا 11/17.

فالكنيسة التي يعمل فيها كل واحد حسب مزاجه تكون ضعيفة و لا تستطيع القيام بواجبها الحقيقي.

مع تحيات
يوحنا بيداويد

غير متصل عبدالاحد سليمان بولص

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2135
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأب الفاضل نوئيل فرمان السناطي المحترم
تحية  وتقدير
المقطع الأوّل من مقالتكم (التمهيد)  هو أهمّ ما يخص الموضوع وما سينتج عن اجتماع يوم 17 شباط من قرارات هو وحده الذي سيثبت كون غبطة أبينا البطريرك بطريركا في العراق والعالم أو بطريركا على الرقعة الجغرافية المحيطة بمركزه في العراق.
 الواقع علّمنا بأنّ بعض القوانين الكنسية المتضاربة أحيانا لم تترك أية خصوصية للكنائس الشرقية عموما والكلدانية منها بصورة خاصة وجعلتها تابعة في معظم أمورها الادارية لما يتقرّر في مجلس الكنائس الشرقية الذي يدار من قبل غربيين حصرا ولكنيستنا خبرة مريرة بسبب تلك القوانين.
كلّنا أمل بأن يصدر قرار يمنح غبطة البطريرك وسينودس الكنيسة الكلدانية الصلاحيات الضرورة لتمشية أمور الكنيسة بصورة صحيحة ووقف أيّة تجاوزات حصلت وقد تحصل في المستقبل.