المحرر موضوع: مؤرخين ونقاد واصدقاء يتحدثون بلغة الوفاء عن الراحل ... ماهر حربي يودع الحياة في زمن تدمير الاثار بمعاول الاشرار  (زيارة 1708 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامر ألياس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 380
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مؤرخين ونقاد واصدقاء يتحدثون بلغة الوفاء عن الراحل
ماهر حربي يودع الحياة في زمن تدمير الاثار بمعاول الاشرار

سامر الياس سعيد
رحل ماهر حربي ابن الموصل  الذي ارتبط بالمدينة صميميا رغم انه  ترك المدينة بعد تدهور اوضاعها الامنية والتجا لناحية قصية تابعة لمحافظة نينوى قبل بضعة سنين  لكن رياح الهوى التي كانت تهب من مدينته كانت تشعره بهويته الابداعية التي طالما جسدها في اروقة الكنائس كلوحات او خطوط فضلا عن اغلفة ورسومات جميلة ابدعتها انامله بحركة دؤوبة لاتعرف الكلل   لكن الحزن بلغ اوجه عند الفنان وهو يرمق المدينة وقد استباحها الاشرار لتدمر معاولهم بصمات الحضارة فضلا عن استباحتهم للوحات القيمة  التي احتضنتها الكنائس وهم يحاولون طمس هويتها ..
في احدى زياراتي لكنيسة مار قرياقوس الواقعة في قرية باطنايا وجدت لوحة للفنان ماهر حربي تتصدر  المذبح الرئيسي للكنيسة حيث يجسد فيها قصة الطفل الشهيد شفيع الكنيسة (مار قرياقوس )بعمره الغض وهو يجادل الملك بجبروته وقوته معلنا ثباته على الايمان فتاثرت بها  لما تحمله من دلالات ومضامين روحية عميقة جسدها حربي بحرفيته الفنية بحركة اليد التي لوح بها الطفل الشهيد وهو يساق الى قدر الماء الساخن كعقوبة امر بها الملك لالقائه فيه نتيجة تمسكه بالايمان مستمدا تلك القوة من نظرة امه  القديسة جوليا التي تقف على مقربة منه ..
وفي سياق السيرة الذاتية للفنان وردت مهمة للفنان بالمشاركة في ترميم قصر سنحاريب الآشوري في  نينوى عام  1969 وكلا العملين  المهمين سواء تلك اللوحة التي تصدرت الكنيسة في باطنايا او غيرها من كنائس الموصل او ترميم ذلك القصر الاشوري  اصبحا اليوم تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية وقد بلغت اخبار افعاله التي استهدفت الحضارة اسماع العالم فكانت كالصدمة التي هزت الفنان المرهف الذي لم يحتمل قلبه الواهن  رغم انه يعيش عامه السبعين رغم ما يمثل هذا العام من نضج فني  لكن الفنان ماهر حربي بلغ النضج الابداعي في سنوات مبكرة عبرالكثير من  لوحاته التي ابدعها ..
كتب عن تجربته الفنية العديد من النقاد والمؤرخين ولعل من اهم من كتب عنه المؤرخ الموصلي المعروف الدكتور ابراهيم العلاف حيث قال عنه ان الفنان ماهر حربي من ابرز  الفنانين التشكيليين العراقيين والموصليين  وهو مصمم ايضاوله اعمال رئيسة في الكنائس والاديرة..ويضيف العلاف في  معرض حديثه عن الفنان الراحل مشيرا الى ان حربي اتخذ في تنفيذ لوحاته اسلوبا متميزا يلتقي في بعض مؤشراته مع المدرسة السريالية التي ظهرت في اوربا خلال سنوات العشرينات من القرن الماضي  وكان الفنان ماهر حربي يردد دائما اننا بحاجة الى وسيلة متفردة للتعبير عن طموحاتنا الانسانية وهو يصف اسلوبه بـالواقعية المتفوقة: اي التي تتجاوز السريالية..
ويقول الناقد الفني مروان ياسين عن الفنان الراحل ماهر حربي  بان تجربته الفنية تتشكل سواء في مفرداتها التقنية وفي محتوى خطابها من روافد الفن التشكيلي العراقي المعاصر بكل ارهاصاته المتجهة نحو تجديد بنية الخطاب التشكيلي..
ويضيف ياسين  بان حربي  ينتمي الى جيل جديد من الفنانين الموصليين يتميز بحساسية فنية خاصة،ظهر في مطلع سبعينات القرن الماضي وبرز منهم ( لوثر ايشو ، مزاحم الناصري ، ليث عقراوي ، عبد الستار الشيخ )وخصوصية هذا الجيل  تكمن في الخروج بالنتاج الفني من دائرة محاكاة الواقع،والذهاب بتطلعاته نحو تشكيل نص بصري منفلت من القوالب الواقعية ومن المحددات تأسره بماهو مرئي  الى ماهو خارج  حدود المرئي .
 اما الفنان التشكيلي هشام الطائي فيقول عن رحيل الفنان ماهر حربي بانه شكل صدمة لمعشر فناني الموصل لما اشتهر به الفنان الراحل من مكارم  الاخلاق ومثل قدوة باخلاقه قبل فنه خصوصا وانه نذر نفسه للفن متواصلا مع طلابه ولم يكن هذا ديدنه فحسب بل قام برعاية مشروع فني رائد تمثل بافتتاح قاعة الساعة للفنون التي تجاور كنيسة الساعة  لعرض اعمال فناني مدينة الموصل ..
 واضاف الطائي  ان جهود الفنان حربي معروفة للجميع  منها مشاركته في معرض الخريف وتنظيمه للجلسات الفنية والثقافية  واستقطابه للمحاضرين لاغناء المشهد الفني والثقافي في مدينة الموصل  كما عرف عن (ابو مبدع)عشقه للتراث الموصلي فكان دائما ما يجسده على لوحاته محاكيا في ذلك نبض الحضارة الاشورية  التي تميزت بها مدينته نينوى ومنحت تلك اللوحات الخلود لفناننا  الرائع ..
وعن مسيرته مع اول مجلة مسيحية عراقية حيث عمل الراحل في هيئة تحريرها  فتحدث الاب بيوس عفاص رئيس التحرير السابق لمجلة الفكر المسيحي عن معرفته بالفنان ماهر حربي حيث قال موجها كلامه للراحل :
عزيزي ماهر ، (ابو مبدع ).. كيف هان عليك ان تغادرنا دون استئذان.!؟انت المطبوع برقة وكياسة  في التعامل مع الازميل ، كما مع الزملاء ..ويضيف الاب عفاص فيقول  عن تلك العلاقة التي انطلقت منذ ستينيات القرن الماضي فيشير بان علاقته مع الفنان الراحل ترقى  لتلك الفترة حين كان يلجا الاب عفاص للفنان ماهر حربي من اجل تصميم بطاقة او تقويم  اوغلاف فيترك بصماته عليها لكن بصمات الفنان ماهر حربي –كما يقول الاب عفاص – الفنية فلطالما ترسخت  على اغلفة الفكر المسيحي حينما تحولت(سلسلة) الى مجلة  عام 1971 ، وخرج عددها الاول يحمل اسمها بزخرفة رائعة  جمعت  ما بين الكوفي والاسطرنجيلي وبقيت عليه  بضعة سنين  الا ان اثار الخط الحر الذي يلامس الرسم فيستوحي النحت فقد حملتها ولسنين طويلة  مقالات الفكر المسيحي حين كان علينا انذاك ان نحملها  الى الزنكوغراف لتصبح كلائش على مستوى التنضيد اليدوي والصور !
 ويتابع الاب عفاص في استذكاراته عن مسيرة عمل الفنان ماهر حربي كمدير فني لمجلة الفكر المسيحي  فيقول بعد تلك الفترة  حل زمن(ما بعد اعتماد الاوفسيت ) حيث اخذ الفنان حربي على عاتقه اعداد ماكيت العدد أي التصميم الكامل له من حيث  توزيع المواد على الصفحات واخراجها، فكان الفنان ماهر حربي بحق المخرج (الفني ) وكان اسمه ملائما لكهنة يسوع الملك !
ومع الاخراج كان للراحل كما يقول الاب عفاص مساهمات عديدة في الكتابة  وبالاخص تلك  التي تدور في فلك الفن  ولاينسى الاب عفاص في سلسلة استذكاراته  ما قام به الفنان حربي من جهود مهمة ورائدة في مهرجان المجلة  الذي اقيم بمناسبة اليوبيل الفضي (1964-1989)وابدع حربي في معرض خاص للايقونة المبتكرة التي استوحى فيها حضارة وادي الرافدين وبهذه المناسبة ايضا اسهم حربي ولكونه عضو فاعل  في هيئة تحرير المجلة باجراء مقابلة موسعة مع رواد الفكر المسيحي عكس فيها حبه وتقييمه لمن كان لهم اكثر من صديق ويختتم الاب  بيوس عفاص تلك الاستذكارات بكلمات تعبر عن الوفاء لذكرى الراحل  فيقول موجها له كلامه ..
ماهر ، ستبقى  لوحاتك التي زينت العديد من  الكنائس في كل مكان تحكي ابداعك ورقتك ولطفك وتجردك وتواضعك وحسن معشرك مع انعكاس ايمانك  العميق في ازميلك الخالد..