إمتداد عيد نوروز في أعماق التاريخ الكوردي
د. مهدي كاكه ييإن الكشف عن خلفيات رأس السنة الكوردية، جدير بالدراسة لمعرفة سبب تبنّي عيد نوروز وجعله بداية العام الجديد للشعب الكوردي. في الحقيقة أنني منذ فترة بدأتُ بالبحث عن مصادر حول الموضوع وجمع المعلومات عنه لكتابة دراسة مستفيضة عن خلفيات عيد نوروز. هنا أود كتابة معلومات قليلة عن هذا الموضوع.
تذكر أسطورة مناسَبة عيد نوروز بأنه كان هناك ملِك ظالم يحكم بلاد الكورد، إسمه أژدهاك (الضحّاك) وكانت هناك أفاعي على كتف الملك تأكل مخ الشباب الكورد أو كان يتم إستخدام مخ شباب الكورد كدواء لمرض هذا الملك. قام أحد الحدّادين والذي كان إسمه (كاوه) بِقتل الملك الظالم (الضحاك). هذه مجرد أسطورة تمّ حبكها لتكون رمزاً لتحرر الشعب الكوردي من الظلم، حيث قامت الطبقات الكادحة المسحوقة المتمثلة ب(كاوه الحداد) بتحرير الشعب الكوردي من الظلم المتمثل ب(الضحّاك).
في سنة 550 قبل الميلاد، تمّ إسقاط الإمبراطورية الميدية والقضاء على آخر ملوك الميديين، (أستياگ)، من قِبل حفيده (كورش) وبمساعدة قائد الجيش الميدي (هارپاگ). يذكر بعض المؤرخين بأنه قد يكون (الضحّاك) هو نفسه الملك الميدي (أستياگ) وأن قائد الجيش الميدي (هارپاگ)، الذي ساهم في إسقاط الإمبراطورية الميدية، قد يكون (كاوه الحداد). قد يكون هذا الرأي صحيحاً، حيث أن الفرس الأخمينيين لم يُسقِطوا الإمبراطورية الميدية فقط، بل إستحوذوا على الحضارة الميدية و سجلوا كل ما يمتّ بالميديين بإسمهم وجعلوه عائداً لهم وإقتبسوه، من لغة وتقاليد ومعتقدات وفن وأزياء وصناعات وآثار وغيرها. كما أنه بعد سقوط الإمبراطورية الميدية، إستمرت ثورات وإنتفاضات الميديين ضد الفرس الأخمينيين لإسترداد حكمهم. لذلك من المرجح أن الفرس الأخمينيين خلقوا رواية "إستبداد وترف" الإمبراطور (أستياگ) لتشويه سمعته للفوز بتأييد الشعب الميدي لهم وللحيلولة دون قيام الميديين بالثورة ضدهم لإسترجاع حكمهم.
من جهة أخرى، نجد تناقضاً بين التقويم الكوردي وتاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية. لو تتم المقارنة بين تاريخ عيد نوروز الذي يبدأ في عام 700 قبل الميلاد، نكتشف أن هذا التاريخ لا يتطابق مع تاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية التي كان يحكمها الملك (أستياگ)، والذي حصل في عام 550 قبل الميلاد. كما نرى فأن الفرق بين التاريخَين هو 150 سنة. كما أن الفرس لم يتبنوا يوم تأسيس الدولة الأخمينية كبداية للتاريخ الفارسي، بل أنهم يستعملون في الوقت الحاضر التاريخ الهجري الشمسي الذي يبدأ من هجرة النبي محمد.
حسب بعض المصادر التاريخية، على سبيل المثال المؤرخ اليوناني هيرودت، فأن مؤسس الدولة الميدية (دياكو) بدأ بتوحيد القبائل والإمارات الميدية وأسّس مملكة ميديا وأصبح ملِكاً لها في سنة 700 قبل الميلاد. من هنا نرى أن التاريخ الكوردي يبدأ مع تأسيس الدولة الميدية بقيادة (دياكو) والذي حصل في عام 700 قبل الميلاد.
مما سبق، فأنّ هناك نظريتان لإختيار بدء التقويم الكوردي. من المرجح أن هذا التقويم بدأ مع تأسيس الدولة الميدية في سنة 700 قبل الميلاد، حيث يتطابق التأريخان. قد يكون التقويم له علاقة بسقوط الإمبراطورية الميدية وتمّ تبنّيه من قِبل الفرس الأخمينيين للإساءة للملك الميدي (أستياگ)، إلا أنه في هذه الحالة لا يتطابق بدء التقويم الكوردي مع السنة التي خلالها تم إسقاط الإمبراطورية الميدية، حيث أن الفرق بينهما هو 150 سنة وفي هذه الحالة يكون التقويم خاطئاً.
بالنسبة الى عيد نوروز، في الحقيقة أن هذا العيد تعود جذوره الى آلاف السنين قبل الميلاد، حيث كان أسلاف الكورد السومريون يحتفلون في الربيع (21 آذار) بمناسبة تساوي النهار والليل في هذا اليوم والبدأ بزيادة طول النهار، حيث تتخلص الشمس وتتحرر من قبضة الظلام وكانوا يحتفلون في الخريف أيضاً بِتساوي النهار والليل، حيث كانوا في الحقيقة يحتفلون بِجني المحاصيل الزراعية ويُعبّرون عن فرحهم بِجمع منتوجاتهم الزراعية بعد عملٍ شاق يستمر لأشهر عديدة في زراعتها وخدمتها الى أن يحين موعد حصادها وجمعها وتناولها. كان إسم عيدهم هو (Zag-mug) الذي قد يعني بالسومرية (الميلاد) أي ميلاد يوم جديد أو ميلاد الشمس من جديد بعد خلاصها من هيمنة الظلام. لا تزال هذه الكلمة المركبة باقية في اللغة االكوردية (زگماك) التي تعني (أُم أو ما له علاقة بالولادة).
أسلاف الكورد الميتانيون بِدورهم، الذين كانوا يعتنقون الديانة الميثرائية، كان عيدهم الرئيسي هو الإحتفال بإنقلاب أو إنحدار الشمس (ڤیشوڤا vishuva) الذي كان شائعاً في معظم الثقافات في العالم القديم. إن هذا العيد كان عيد رأس السنة الجديدة في الهند في العهود السحيقة في القدم و يصادف 14/15 نيسان/أبريل الذي هو وقت قدوم الربيع، حيث الطبيعة الزاخرة بالخضار و الأزهار. إن عيد نوروز له صلة بهذا العيد الذي يسبقه نوروز ب(25) يوماً فقط، حيث يكون هذا العيد قد إنتقل جيلاً بعد جيل من أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين والأرارتيين الى أحفادهم الشعب الكوردي، فبقي حياً الى يومنا هذا.
ما دمنا نتحدث عن الديانات الكوردية التي هي الجذور التاريخية لعيد نوروز ورأس السنة الكوردية والتي قسم من معتقداتها لا تزال باقية في الثقافة الكوردية والتراث الكوردي، أود هنا أن أذكر بأن الشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان هي رمز للإله (ميترا). كما أن الأشعة الواحدة والعشرين للشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان تعود الى الديانة اليزدانية. العدد (21) يحمل أهمية قصوى في الطقوس الدينية اليزدانية وأن الأشعة الواحدة والعشرين لشمس العَلَم الكوردستاني ليست لها علاقة بالتاريخ الميلادي و لا تُمثّل الحادي والعشرين من آذار، كما يظن الكثير من الناس. عليه فأن إختيار 21 شعاعاً للشمس التي تتوسط علم كوردستان، تمّ لِكون العدد 21 عدداً مقدساً في الدين اليزداني. الدين اليزداني هو دين كوردي قديم جداً، إعتنقه الشعب الآري قبل أكثر من 4000 سنة. من الجدير بالذكر أن اليزدانية هي أقدم بكثير من الزردشتية وأن الدين الزردشتي قد أخذ الكثير من مبادئه وطقوسه من الدين اليزداني، بل أنه عندما بدأ زردشت بنشر دينه في كوردستان، لاقى معارضة كبيرة من أهالي المنطقة الذين كانوا يعتنقون الدين اليزداني، لذلك إضطر زردشت أن يترك منطقته (منطقة ورمێ "أورمية") ويهاجر الى بلاد فارس، حيث قام هناك بنشر دينه بين الفرس. الفرس إعتنقوا الدين الزردشتي وإستغلوه لأهداف سياسية، لإستلام الحكم وبناء دولة لهم. أود أن أشير أيضاً بأن الديانات الكوردية القديمة مثل الإيزدية والعلوية والشبك والدروز واليارسانية (كاكه يي) هي من بقايا الدين اليزداني وأن فلسفة و طقوس وآداب هذه الأديان تكاد تكون متطابقة مع بعضها، بإستثناء ظهور إختلافات طفيفة جداً بينها بسبب التباعد الجغرافي الذي يعزلهم عن البعض وتشتت معتنقيها الناتج من إحتلال كوردستان من قِبل عدة دول.
بِغض النظر عن خلفيات عيد نوروز، فأن نجاح الشعب الكوردي في إيجاد عيد قومي له وجعله رأساً للسنة الجديدة، هو إنجاز عظيم للأمة الكوردية، حيث أصبح نوروز رمزاً قومياً يُعبّر عن هوية الأمة الكوردية وإلهاماً للنضال للتمتع بحريته وتحرير وطنه، حيث يتغنّى به الشعراء والمغنين ويحتفي الصغار والكبار بهذا الرمز القومي الكوردي والذي أصبح أيضاً إلهاماً لإبداعات الفنانين والرسّامين والكُتّاب.
mahdi_kakei@hotmail.com